الثورة ومرحلة الجسر بين الشعب والجيش

الرئيس حسني مبارك يعرف أن اللعبة انتهت حين بدأت أيام الغضب وصارت ثورة شعبية. لكنه يلعب في النهاية الورقة التي ظل يلعبها من البداية مثل نظرائه في الأنظمة العربية: أنا أو الأصولية. ويحاول عبثاً الخروج من مأزقه بإدخال مصر في مأزق أكبر. فهو يقول إنه مستعد للتنحي الآن وإن ما يمنعه هو الخوف من الفوضى بعد ذهابه ومن سيطرة الاخوان المسلمين على الحكم. وهو يرد على الرئيس باراك أوباما الذي طلب منه التنحي بالقول: إنك لا تفهم ثقافة المصريين. كأن ما يُحدث الفوضى ويدفع البلطجية الى الاعتداء المسلح على المتظاهرين سلمياً ليس عناده وإصراره على البقاء في السلطة. وكأن ما يعبر عن ثقافة المصريين هو الثورة المضادة وليس نزول الملايين الى الشارع مطالبين بإسقاط النظام ورحيل رأسه.

وليس جديداً ن يتخلى الغرب عن حليف. فالمسلسل طويل من شاه ايران الى زين العابدين بن علي وبينهما تشاوشيسكو وكثر سواه. الجديد أن الحليف المصري لم يتمرد على الغرب في كل المواقف السياسية إلا عندما طالبه بالتنحي الآن. ولا أحد يجهل أن الرئيس أوباما وقادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا واسبانيا وايطاليا خرجوا من الارتباك أمام الأحداث في مصر الى الموقف الواضح بالاضطرار لا بالخيار. فهم دعموا الرئيس مبارك الى أقصى الحدود كما فعل أسلافهم منذ معاهدة كامب ديفيد حتى اليوم. وهم يحاولون اليوم الحفاظ على النظام ومصالحهم الاستراتيجية بالتخلي عن ورقة مبارك التي احترقت، بدل التمسك بها والمغامرة بخسارة النظام والمصالح.
وليس من المفاجآت أن تتحمس طهران للثورة ويرى المرشد الأعلى علي خامنئي في مبارك صورة الشاه، وفي الثوار صورة الثورة الاسلامية. لكن الواقع أن هذا الكلام، بصرف النظر عن إمكان استغلاله في تكبير فزاعة الاخوان المسلمين، يستدعي كثيراً من التدقيق. فلا شباب مصر الثائر يتحرك بإيحاء من الغرب، كما يقول أصحاب النظرية التآمرية الدائمة. ولا هو يستوحي الثورة الاسلامية في ايران ونظامها الذي قمع ملايين المحتجين على ما سموه تزوير الانتخابات الرئاسية بل يطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ويريد استعادة دور مصر العربي الذي استفاد الدور الايراني من انحساره في ظل مبارك. فضلاً عن أن الجيش المصري ليس جيش الشاه الذي انهار أمام الثورة بل جيش ثورة يوليو. وهو جيش الوطن والشرعية واللاعب الأساسي في المرحلة الانتقالية التي بدأ التحضير لها عبر جسر بين الجيش والشعب.

والثورة مستمرة. وليس التغيير الديمقراطي سوى حجر الأساس لعودة مصر الى الدور الذي يحتاج اليه العرب.