اجتماع إسلامي موسع أم سجن للإعلاميين؟

طبيعية جداً كانت الإجراءات الأمنية التي اتخذت في المربع الجغرافي المحيط بدار الفتوى قبل ساعات قليلة من الاجتماع الإسلامي الموسّع الذي دعا اليه مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ظهر الخميس الفائت، إذ أقفلت قوى الأمن الداخلي كل الشوارع المؤدية الى مبنى الدار بسياراتها، وسمحت الدخول الى المنطقة لمن يريد فقط سيراً على الأقدام، حتى أن تطبيق هذه التدابير انسحب على الجسم الإعلامي الذي اضطر مصوروه الى أن يحملوا على أكتافهم العدة اللازمة والكاميرات وهم في طريقهم الى تغطية الاجتماع.

وطبيعية جداً عمليات التفتيش المدققة التي نُفّذت على مدخل دار الفتوى، لأن الاجتماع ليس عادياً ولا يقتصر الحضور فيه على مجلس المفتين وأعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، بل وجهت الدعوات أيضاً الى رؤساء الحكومات السابقين، رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي إضافة الى نواب الطائفة السنية على مختلف انتماءاتهم السياسية.

لكن الأمر غير الطبيعي تمثل بالحصار الأمني الذي تعرّض له الإعلاميون خلال تغطيتهم هذا الحدث.

فلدى وصولك الى دار الفتوى، وبعد الإنتهاء من التفتيش، يتولى استقبالك عنصر أمني في أذنه سمّاعة، قائلاً بنبرة عالية «تفضّل الى الغرفة الخلفية». ثوانٍ معدودة تستطيع خلالها أن ترى في البهو الملاصق لقاعة الإجتماع من حضر ومن غاب، هذا بالتأكيد من دون أن تستطيع التحدث الى أحد منهم لأنك مراقب أمنياً وأنت في طريقك الى الغرفة الخلفية. وما أن تدخل حتى تنتهي مهمة رجل الأمن فيتركك عند الباب ويعود ليستقبل زميلاً آخر. هناك في هذه الغرفة الواسعة ترى حشداً من الصحافيين والإعلاميين، وعدداً كبيراً من الكاميرات والميكروفونات، وتسمع أصواتا متذمرة «من السجن الذي وُضعنا به».

ترتفع الأصوات المعترضة، ولكن لا حياة لمن تنادي. الى أن حاول أحد الزملاء أن يفتح الباب علّ نظره يقع على معلومة أو خبر، لكن عنصرا أمنيا اعترضه ومنعه مستعملاً معه عبارات نابية ومحاولاً الإعتداء عليه.

بالطبع أثار هذا الحادث حفيظة الإعلاميين. في البداية قيل إن الأمنيين الذين يحرسون الباب هم من العناصر المولجين أمن دار الفتوى، لكن الحقيقة سرعان ما تبين أن هؤلاء هم من الفريق الأمني الخاص برئيس حكومة أسبق، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة عن خلفية هذه المهمة الأمنية داخل الدار.

وقد برر المسؤول الإعلامي في دار الفتوى خلدون قوّاص ما جرى بالقول لـ«السفير» إن هذه التدابير الإستثنائية اتخذت من قبلنا نظراً الى الكمّ الهائل من الصحافيين الذين كانوا يقومون بمهمة التغطية، لذلك حاولنا أن ننظم الأمور بطريقة تمنع حصول أي إشكال في البهو الملاصق للإجتماع بسبب زحمة الصحافيين الذين قد يتعرضون لمضايقات أمنية من العناصر الذين يرافقون الشخصيات المشاركة، لذلك طلبنا التنسيق بين أمنيي دار الفتوى ومرافقي رؤساء الحكومات، وهذه الإجراءات بالطبع لم يكن الهدف منها التعرض لأي إعلامي وعرقلة مهمته». ويشير قوّاص الى أن هذه التدابير لن تكرر تزامناً مع أي نشاط عادي في دار الفتوى، فالمكان الطبيعي للإعلاميين هو البهو الملاصق لقاعة الإجتماعات حيث يستطيعون مواكبة التطورات».

بعدما رفع الإعلاميون أصواتهم تولى قوّاص مهمة الدخول الى الإجتماع الموسع لمعرفة ما يحصل في الداخل ثم العودة الى غرفة الإعلاميين مطلعاً إياهم على آخر التطورات على صعيد طالبي الكلام والمتحدثين، إضافة الى البيان الختامي.

لم ترو هذه التسوية غليل الصحافيين وبادر البعض الى طرح السؤال الآتي:«هل ما نغطيه اليوم هو اجتماع إسلامي موسّع أم سجن للإعلاميين»؟

مشكور.. للتغطية الرائعة..