محمد حميد الجارح: انتخاب الموتمر الوطني وتحديات المهمة

من طرف **زهرة اللوتس** 2012-02-25, 7:57 am

محمد حميد الجارح: انتخاب الموتمر الوطني وتحديات المهمة
ايراسا/ مقالات
يعكف المجلس الوطني الانتقالي علي مناقشة وتحضير القوانين والاليات الخاصة بانتخاب الموتمر الوطني الذي سيحل مكان المجلس الوطني الانتقالي وستكون المهة الاساسية لهذا الموتمر هي كتابة الدستور الدائم للبلاد. ولكن مهمة اعداد القوانين والاليات الخاصة بانتخاب الموتمر الوطني ملئية بالتحديات. كان اول هذه التحديات يتمثل في اصدار قانون الانتخابات، فكانت هناك الكثير من الثغرات التي تم تصحيحها بعد استلام ملاحظات الخبراء والمثقفين والمتابعين للشأن الليبي. وكانت ابرز هذه التوصيات تدور حول نسبة تمثل المراءة، وتوزيع المقاعد في الموتمر الوطني بين قوائم الاحزاب والمستقلين، وقدرة مزدوجي الجنسية علي الترشح، وسن المرشحين، والمؤهل العلمي ... الخ.

وبعد استلام كل هذه الملاحظات تم اعادة صياغة قانون الانتخابات وتم التصويت عليه واعتماده من قبل المجلس الوطني الانتقالي وحدث ذلك في اقتراع سري بعد احداث العنف التي حدثت في مقر المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي. ولكن ظل الجميع يترقب الاعلان عن توزيع الدوائر الانتخابية لانتخاب الموتمر الوطني حيث لم يتم التطرق لهذه النقطة في قانون الانتخابات واختار المجلس اصدار مذكرة خاصة بتحديد الدوائر الانتخابية. وفي هذا الشأن رجح العديد من المراقبين للشأن الليبي ان يعتمد المجلس نظام المحافظات العشرة التي عمل بها خلال حكم الملك وفي العقدين الاولين من حكم القذافي.
خرج المجلس الوطني الانتقالي ليعلن عن توزيع الدوائر الانتخابية علي النحو التالي: 102 مقعد للمنطقة الغربية، 60 مقعد للمنطقة الشرقية، 29 مقعد للمنطقة الجنوبية و9 مقاعد للمنطقة الوسطى. لكن هذا التقسيم للدوائر الانتخابية يتعارض بشكل واضح مع الاعلان الدستوري الموقت في مادته السابعة، والتي تؤكد علي ضرورة اخذ الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي في عين الاعتبار عند انتخاب الموتمر الوطني. بهذا التوزيع الذي تم الاعلان عنه ليس هناك اي اعتبار للتوزيع الجغرافي. هذا التوزيع سيؤكد مخاوف الكثيرين من الاجحاف والتهميش للمنطقة الشرقية والجنوبية، وستكون تبعات الشعور بالتهميش والاجحاف والانتقاص من حق المشاركة في صياغة الدستور خطيرة علي وحدة الصف الليبي.
علي المجلس الوطني الانتقالي الاستفادة من تجربة الاباء والاجداد في محاولتهم للحصول علي استقلال ليبيا سنة 1952 حيث تم تشكيل لجنة من 21 عضو بحيث تم اختيار سبعة اعضاء من برقة، وسبعة اعضاء من طرابلس، وسبعة اعضاء من فزان، لاجراء المشاورات والخروج باليات وقوانين انتخاب الجمعية الوطنية انذاك. وتم الاتفاق علي انتخاب 60 عضو لعضوية الجمعية الوطنية لاعداد الدستور بحيث كان هناك 20 عضو عن برقة، و20 عضو عن طرابلس، و20 عضو عن فزان. كانت هناك بعض الاعتراضات علي هذا التوزيع وكانت هناك مطالب من ولاية طرابلس علي زيادة التمثيل لطرابلس بحكم الكثافة السكانية، ولكن تم الاتفاق في نهاية الامر علي ان هذه الجميعة الوطنية جاءت في الاساس لاعداد دستور البلاد الدائم، وبهذه التركيبة نجحت ليبيا في اعداد دستور شامل بمشاركة الجميع ونتج عن هذا العمل وفاق وطني وحكومة وطنية وبذلك تم اعلان استقلال ليبيا بتاريخ 24 ديسمبر 1952.
التركيبة الحالية لتوزيع الدوائر الانتخابية ترسخ من ثقافة الخوف من التهميش والاجحاف في كل من المنطقة الشرقية والجنوبية. هناك الكثير من التساؤلات التي يتم طرحها الان. واهم هذه التساؤلات يتمثل في الاتي:
- علي اي اساس سيتم تشكيل لجنة صياغة الدستور بعد انتخاب الموتمر الوطني؟
- بعد ان تشكل لجنة صياغة الدستور وتباشر عملها في صياغة الدستور الدائم للبلاد لعرضه علي الموتمر الوطني للتصويت ومن ثم علي الشعب الليبي، ما هي النسبة المطلوبة لاعتماد هذا الدستور؟ هل هي 50%، 60%، او 90%؟؟
- بعد ان تتم عملية صياغة الدستور ويتم طرحه للتصويت في الموتمر الوطني ومن ثم علي الشعب الليبي، وفي حال صوت الاعضاء في كل من المنطقة الشرقية والجنوبية والشعب الليبي في هاتين المنطقتين ضد مشروع الدستور، اي بما يعادل 44.5% من الاصوات في الموتمر الوطني، في حين صوت اعضاء المنطقة الغربية لصالح مشروع الدستور ومعهم الشعب الليبي في هذه المنطقة، اي بنسبة 55.5% من الاصوات في الموتمر الوطني، فهل سيتم اعتماد الدستور بهذه النسبة ام لا؟
علي الجميع ان يدرك بان الموتمر الوطني ليس برلمان وانما هيئة توافقية منتخبة لصياغة الدستور الدائم للبلاد والاعداد للانتخابات البرلمانية او الرئاسية في ليبيا بعد صياغة الدستور. لذلك العنصر الاهم في هذا الموتمر الوطني هو التوافق الوطني وشعور الجميع بحضورهم وفاعلية مشاركتهم في صياغة الدستور بحيث يتم القضاء علي الشعور بالتهميش او الاقصاء او قلة التمثيل والمشاركة في اعداد الدستور الذي يرسم ملامح الدولة الليبية.

بعد تحقيق التوافق في الموتمر الوطني وعملية التمثيل للمناطق او الاقاليم المختلفة، ستتم مناقشة عملية تمثيل الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي بشكل اكثر توسع من قبل لجنة صياغة الدستور الكامل. في وجهة نظري المتواضعة، يجب ان يكون هناك طبقتان تشريعيتان في البرلمان الليبي، يحيث يسمى احدهما مجلس النواب، والاخر مجلس الشيوخ (قد تختلف التسميات هذا مجرد اقتراح).
بحيث يتم توزيع دوائر انتخاب مجلس النواب علي اساس الكثافة السكانية (علي سبيل المثال كل 30000 نسمة يمثلها نائب في مجلس النواب). ويتم توزيع دوائر انتخاب مجلس الشيوخ علي اساس التوزيع الجغرافي ( علي سبيل المثال اربعة نواب عن كل محافظة من المحافظات العشرة). وبهذا التركيبة في البرلمان الليبي يتم معالجة مشكلة التمثيل علي اساس الكثافة السكانية والتمثيل علي اساس التوزيع الجغرافي.
ومرة اخرى الموتمر الوطني ليس برلمان واهم عنصر في عملية تشكل الموتمر الوطني هو الوفاق الوطني من اجل التسريع في عملية التحول الديمقراطي المنشودة في ليبيا. والله ولي التوفيق.
محمد حميد الجارح