من ذاكرة الثورة:حقيقة إستمرار الإتصالات بالمنطقة الشرقية ؟

صحيفة رؤية -

ليس من كان في خطوط الجبهات الأولى فقط هم وحدهم الأبطال، و إنّما هناك أناس يعيشون بيننا و نحن لم ننتبه لهم قدموا تضحيات و أفعالاً، دون ...أنْ ينتظروا من أحد شكراً أو يتدافعوا قابلة الشاشات ليذكروا و يتباهوا على الناس بأفعالهم، أو ينسبوا لأنفسهم ما ليس لهم.
رؤية: عرفنا عن نفسك.
أنا اسمي هيثم محمد بالراس علي، مهندس مقسمات بشركة هواوي من عام 2005 و حتى الآن، و شركة هواوي هي المنفذ لكل مشاريع شركة ليبيانا في المنطقة الشرقية بالكامل، و المنطقة الجنوبية أيضاً. فمقسمات ليبيانا في هذه المناطق، و ما بها من معدات كلها منْ تنفيذ شركة هواوي.
رؤية: نود منك لو تخبرنا عمَّا حدث معكم في مقسم ليبيانا منذ بداية أحداث الثورة في العام الماضي؟
أذكر أنّه في يوم الجمعة 18/02/2011 ذهبتُ مساء إلى مقسم ليبيانا لأفعل أي شيء أستطيع فعله، فكانتُ الناس تموت في الشوارع و المظاهرات. فعند وصولي للمقسم - الذي لم يكن أحدٌ يحرسه- قمت بتفقد أجزاء و معدات المقسم بالكامل، و ألغيتُ كافة أنظمة مراقبة المكالمات و الاتصالات من طرابلس. و أذكرُ أنَّني يومها تفاجأتُ بأنّ أتباع النظام في طرابلس قد قطعوا الاتصالات بالكامل في مدينتين هما البيضاء و إجدابيا، إلا حوالي 400 شفرة فقط هي من تستطيع إجراء مكالمات حتى و لو كانت متواجدة في هذه المناطق. و فهمتُ أن سبب قطع الخدمة عن هذه المناطق لأنّها تحررتْ، فأراد أتباع النظام التعتيم عليها حتى لا تصل أخبارها إلى المدن المجاورة، و تستمر في المقاومة. فقمتُ بإزالة حظر الاتصالات في البيضاء و أجدابيا، و قمتُ بإلغاء مسار (OMC_LINK)، و الذي به يستطيع أزلام القذافي الدخول على مقسم ليبيانا بالمنطقة الشرقية و التحكم به من ناحية الإعدادات عن بعد، و أقفلتُ المقسم و خرجتُ.
فأحس أعوان النظام وقتها بهذه التغييرات، فاتصلوا بنا يسألون عن السبب ورائها، فتحججنا وقتها بأعذار كأنْ تكون هناك مشكلة في الألياف البصرية أو خلل فنِّي. طبعاً، هذه الأعذار لم تكن مقنعة لأيِّ أحدٍ، و أنّ ما حدث كان بفعل فاعل. كذلك قامت شركتي –هواوي- بالاتصال بي و سؤالي عمّا حدث، فأخبرتهم بأنّ ما قمتُ به ليس باسم شركتي بل هو تصرفٌ فرديٌّ من ليبي يعيش في ليبيا، و هو أدرى بوضع بلاده، و أتحمَّلُ شخصياً تبعاته. و جاءتني رسالة تهديد واحدة على هاتفي، و لكنِّي لم ألقِ لها بالاً.
و في يوم 21/02/2011 - تقريباً- عُدت للمقسم و أنا أفكر و أبحثُ عن حلٍّ لأنّنا كنّا نعلم أنّ رجال النظام في طرابلس سيقومون بفصل التغطية عن بنغازي قريباً، و أنّ ما يؤخرهم فقط هو وجود بعض أزلام النظام و الذين يحتاج النظام للتواصل معهم، لذلك كنّا نحرص على إبقاء عملنا في سريَّة تامّة، حتى لا يغدروا بنا، و كما قلتُ كنّا ناتي بمفردنا في الأيام الأولى للثورة و دون أيّ حماية. كما أنَّ مدينة سرت – معقل القذافي في ذلك الوقت- مربوطة على مقسم بنغازي، فلو قطعوا الاتصالات عن المناطق الشرقية لقطع عنْ سرت أيضاً.
كان يوجد في مقسم ليبيانا ببنغازي معدة تُسمّى ال(HLR) – و هو جهاز مهم و مكون أساسي في أيَّ مقسم، و بدونه لا تستطيعُ الشبكة العمل مطلقاً- هذا ال(HLR) القديم مفصول عن الخدمة منذ عام 2005، لأنّه كان خطة شركة ليبيانا أنْ يتم التحكم بالمقسم من طرابلس فقط، و كان هذا(HLR) القديم لا يستخدم إلا في بعض الاختبارات و التجارب فقط، كما سعته للمشتركين كانت صغيرة جداً و لا تتجاوز 100 ألف مشترك يتحدثون في وقتٍ واحدٍ. ففكرتُ في استغلال هذا(HLR) و ربطه بالمقسم. و اجهتنا مشكلة عدم وجود أي معلومات تفصيلية عنه، تفيدنا بمواصفاته الكاملة أو ما يُعرفُ بالتراخيص (Licenses)، و التي تمكننا من كيفية التعامل معه. حاولتُ الاتصال بالشركة في الصين و لكنَّني لم أجد أيَّ استجابة منهم، فاضطررتُ إلى البحث عن حلول أخرى في مراجع و كُتُبٍ عنه، لتشغيله و حلِّ هذه المشكلة بأسرع وقت قبل وقوعها.
رؤية: و كيف تمكنتَ من حلِّ هذه المشكلة؟
قبل الأحداث و في بداية شهر فبراير، قامت الشركة بإرسال فريق من طرابلس قام بتحميل تراخيص(Licenses) على المقسم ببنغازي، و التي من ميزاتها استطاعوا حجب التغطية عن بعض المناطق، كما حدث في مدينتي إجدابيا و البيضاء كما تحدثتُ سابقاً. لأنّهم كانوا يتوقعون حدوث اضطرابات في ليبيا في 17 فبراير. فاستفدنا من هذا الترخيص لأنّه – و لحسن لحظ – توجد به ميزة صنع نسخة من قائمة المشتركين المتواجدين على الشبكة في وقت معين. و لولا هذه النسخة لكان على جميع المشتركين الحضور إلى المقسم لإدخال أرقامهم يدوياً، و هذه العملية معقدة إنْ لم تكن مستحيلة، فتخيل لو أنّ مليون شخصٍ حضروا لإدخال أرقامهم.
فقمتُ في بداية شهر مارس 2011 و بمساعدة م.عمرو غُنَيم بأخذ نسخة من قائمة المشتركين، و احتفظتُ بها تحسباً لأيِّ طاريء، و قمنا بتحميلها على (HLR) القديم الذي أجرينا عليه توسعة و أضفنا له بعض المعدات، ليأخذ عدداً أكبر من المشتركين، و ربطناه على مقسم بنغازي. في بداية شهر 3 بدأت تشحُّ كروت شحن الرصيد في بنغازي، فقمنا بجعل بعض الأرقام تعمل بدون رصيد، و هذه الأرقام تخص بعض كتائب الثوار و قاعدة بنينة الجوية و بعض أرقام أعضاء المجلس. كذلك بعد أنْ جاءتنا عدة شكاوي من الشباب في الجبهة بأنّ هناك من يبلغ كتائب القذافي عن تحركاتهم أولاً بأول، فقمنا بحظر الاتصالات من و إلى المنطقة الغربية، لنصعب على الأعوان مهمتهم.
مساء يوم 17/03/2011 كنت متواجداً بالمقسم و رأينا عندما قُطعت الاتصالات عن المنطقة الشرقية، و فوراً بدأنا بالعمل لإرجاع التغطية. - و بفضل الله – و خلال ساعتين تمكنّا من إعادة التغطية للمنطقة الشرقية بالكامل، و أصبحت المكالمات مجانية لعدم توفر منظومة احتساب الرصيد. و أصبح هناك ضغطٌ كبير على الشبكة لكثرة الاتصالات عليها، و التي فاقت قدرتها الاستيعابية.
يوم 19/03/2011 صباحاً حدث ضغط مكالمات كبيرٌ على الشبكة، فجئتُ ظُهراً متخفياً مع بعض أصدقائي، و كنّا نسمع القتال على أشده، خاصة عندما سمعنا خبراً عن وجود بعض الأزلام داخل منتزه بنغازي، و الذي يقع قبالة المقسم. و لم نجد حراسة عند بوابة المقسم، فاتصلت بأصدقاء لي وفروا لنا حماية من بعض الكتائب، و التي جاءت معنا فوراً، و دخلنا بها للمقسم. فوجدتُ أنّ هناك زحاماً كبيراً على المكالمات، فبدأتُ في توسعة أخرى، و أصبحنا نعمل يومياً ليلاً و نهاراً على توسعة و تطوير و صيانة الشبكة.
رؤية: خرج في الإعلام شخصٌ يُدعى أسامة بو شاقور، نسب كل ما قمتم به لنفسه، و ادعى أنّه من قام بالتلاعب بمهندسي الشركة، و تمكن بخطة ذكية من جعل المكالمات مجانية لمواطني المنطقة الشرقية. فما ردكم على هذا؟
أذكرُ أنّني رأيته لمرة واحدة، مع أنّني كنت متواجداً يومياً بالمقسم. مع إحدى الشركات التي كانت تحاول ربط (HLR) الخاص بها على المقسم، كحل آخر بديل و طويل الأجل، و إلى الآن لم أعرف ما هي صفته بالشركة. و بعد عودته للإمارات نسب كل ما فعلناه لنفسه، ليظهر بمظهر البطل على صفحات الإنترنت، و على قناة فرانس 24. أنا شخصياً لم أعره اهتماماً، صحيح حزَّ في نفسي كذبه و ادعاؤه، و لكنَّني لم أفعل ما فعلتُ ليعرفني الناس بل لوجه الله. و لم أخرج لأكذب ما يقول حماية لنفسي، لأنّه في البداية كان أعوان النظام متواجدين هنا، و لذلك لم أهتم كثيراً بهذا الموضوع.
رؤية: هل هناك غير أسامة بوشاقور صرّح بنفس الطريقة، و نسب كلَّ شيء له؟ و من هم؟
نعم هناك من فعل ذلك، و لكنّني لنْ أخوض في الأسماء. و حقيقة ما جرى هو ما تحدثنا به حواري معكم هذا. و أنا لا تهمني هذه التصريحات منْ أيّ شخص كان.
رؤية: ما هي نظرتك لوضع الاتصالات في ليبيا؟
في عهد القذافي لم تكن هناك بنية تحتية صحيحة للاتصالات، و إنَّما كان الغرض منها أمنياً بحتاً. و هي تعزيز للمركزية. و الأعطال فيها مستمرة، فهل من المعقول أنَّه لو احترقت غرفة تفتيش يمر بها كابل ألياف بصرية، تقطع الاتصالات عن المنطقة الشرقية بكاملها لعدة أيام، أو لو حفرت إحدى شركات الطرق في الرصيف بمسار هذا الكابل.
رؤية: هل حصلت على أي تكريم لما قمت به من أيِّ جهة؟
أنا لم أفعل ما فعلتُ من أجل أنْ أحصل على التكريم، و لست أنتظره من أيّ أحد. كما قلتُ ما فعلته كان واجباً لأهلي و لوطني.

حوار: محمد الكبتي
نشر بالعدد 44 من صحيفة رؤية
صدر بتاريخ 19-03-2012