واجبات الراعي وحق الرعية

مرت الأمة الإسلامية لفترات طويلة من الزمان لانتكاسة رهيبة في كل المجالات حتى صارت في مقدمة الدول المتخلفة والضعيفة ، وللحكام العرب إلىد الطولي في تلك الانتكاسة وذلك التخلف والتدني بركونهم إلى الدنيا واستسلامهم لأطماع الطامعين وتخليهم عن الانحياز لشعوبهم ومصلحة بلادهم ، بل وبذلهم كل الجهد في إضعاف هذه الشعوب بإمراضها وإفقارها وتجهيلها وتخويفها بآلات عسكرية ظالمة كي يسهل قيادة هذه الشعوب المبتلاة ، والتي أصبحت بعد حين ترضى ببواقي الموائد وترضخ للذل وتخشي عواء الذئاب .

ولو أن تلك الشعوب قد وعت حقوقها وأدركت ما عليها لما ظلت علي ذلك الحال طوال تلك الفترة الطويلة من الزمن ، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد علي حق الرعية عند راعيها وأنه هم ثقيل وحمل كبير لمن قدر قدره وفهم المراد منه ، ولذلك قرر النبي صلى الله عليه وسلم عدم تولية من يطلب المسئولية وذلك لأن من يطلبها لم يفهم مقتضياتها ومتطلباتها

وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في بدايتهم " الإمام العادل "

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ؟ حتى يسال الرجل عن أهل بيته " حديث حسن رواه النسائي وابن حبان في صحيحه

وقال صلى الله عليه وسلم " ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور" "صحيح "رواه البيهقي في السنن

وعن ابن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه انه قال لمعاوية سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة " صحيح سنن أبي داود

وقال صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع علي أهله وهو مسئول علي أهله وهو مسئول عنهم والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عنه والعبد راع علي مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " رواه احمد في المسند

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للراعي الشفيق ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا :" اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فأشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به "رواه مسلم والنسائي ومن هذه الحقوق من كتاب موسوعة الحقوق الإسلامية للأستاذ سعد يوسف أبو عزيز:

1 ـ أن يتفقد أحوالهم والنماذج من تاريخنا الإسلامي علي ذلك كثيرة ومشرفة منها مواقف للحاكم الورع أبي بكر الصديق والخليفة العادل عمر بن الخطاب

2 ـ العدل بينهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك " إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقي به فان أمر بتقوى الله وعدل فان له بذلك أجرا وان أمر بغيره فان عليه وزرا " متفق عليه

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتي يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب : وعزتي وجلإلى لأنصرنك ولو بعد حين " رواه احمد والترمذي

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط موفق ورجل رقيق القلب لكل ذي قربي مسلم وعفيف متعفف ذو عيال " رواه مسلم

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة وحد يقام في الأرض بحقه أزكي فيها من مطر أربعين صباحا " حسن رواه الطبراني

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربعة يبغضهم الله : البياع الحلاف والفتي المختال والشيخ الزاني والإمام الجائر " صحيح رواه النسائي ونماذج العدل في حياة سابقينا ممن حكموا بدين الله كثيرة لا تحصي وهذا عمر ابن الخطاب الخليفة الأسطورة يأمر بأن يقام الحد على ولده

وهذا عمر بن عبد العزيز حين يلي الخلافة ، وبعد أن سهر ليلة كاملة لتجهيز ابن عمه للدفن ثم تلقي العزاء ثم التمكين له بالخلافة فيهم بالذهاب ليستريح قليلا قبل أن يلتقي الناس فيثور ابنه ويقول له كيف تنام يا أبي قبل أن ترد مظالم العباد ، ثم تأتيه امرأة من أقصي الأرض لتتظلم عنده فتجد امرأته جالسة ورجل أمامها يصلح حائط ببيته ويطيل النظر إلى ها ، فتقول المرأة : استتري من هذا الطيان فإنه يطيل النظر إليك ، فتقول زوجة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ابنة الخلفاء : إن هذا الطيان هو أمير المؤمنين .

ترسل إلىه امرأة من مصر اسمها فرتونة السوداء كانت تسكن في منطقة حلوان حإليا أرسلت إليه تقول ، إن اللصوص يستعلون سور بيتي فيسرقون الداجن ، وإني أريد أن ارفعه حتى لا يستطيع اللصوص اعتلاءه ، فيرسل إليها عمر رسالة ويرسل لوالى مصر نفس الرسالة ليقوم الوالي بإصلاح شأن بيت المرأة الفقيرة من أجل أن تحافظ علي دواجنها ، ويعمر تاريخ بلادنا الزاخر بصور للعدل هي إلىوم من درب الخيال فقط ، فلا الناس يدركون حقوقهم ولا الحكام يعترفون بها .

3 ـ الحلم على الرعية والنصح لهم :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " صحيح متفق عليه فيجب عليه أن يعين فقيرهم ويؤدب ظالمهم ويعلم جاهلهم ويحكم فيهم بحكم الله تعالى

عن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من إمام أو وال يغلق

بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته " صحيح أخرجه احمد

قال أبو الفضل بن الجوزي ـ رحمه الله ـ " ومما أهمله كثير من الولاة أنهم يفعلون فعلا لا تجيزه الشريعة من قتل ما لا يجوز قتله وقطع من لا يجوز قطعه ويسمون ذلك سياسة وهذا غاية الخطأ لان معني قولهم : هذا سياسة إن الشريعة جاءت ناقصة فاحتاجت إلى أن نتمها برأينا وهذا عين الزلل فان الشريعة هي السياسة الكاملة " الجليس الصالح ( 31 ، 32 )

وإليوم وبعد طول كفاح وبعد إرادة قوية من شعب من أعظم الشعوب العربية والإسلامية ، إرادة استطاعت أن تزيح رؤوس الطغاة من فوق كاهلها الذي طالما أثقلوه بالهموم ، ومرت بها أيام الثورة المباركة بين شد وجذب بين الثوار الأحرار وبين شراذم متبقية من فلول النظام المخلوع بما كان يمثله من فترة حكم الضعف والهوان ،إلى أن وصلت لتك الفرصة الرائعة لمواصلة المسيرة مع حاكم عادل لم يطلب الحكم ولم يحرص عليه ، وإنما كل حرصه هو توحيد الصفوف وبناء نهضة الوطن ، فرصة للشعوب أن تعيش عيشة حرة كريمة ، فلا تضيعوا تلك الفرصة التاريخية والتي قليلا ما يجود بها التاريخ من انتفاضة شعبية حرة