سحابة الصيف في الفَصْلِ بين النَّعْلِ والسَّيْف

من طرف **عبدالحفيظ عوض ربيع** 2010-03-31, 6:37 pm

سحابة الصيف في الفَصْلِ بين النَّعْلِ والسَّيْف

في محفلٍ يومًا جرَتْ مُخاصَمَةْ
بين النِّعال والسُّيوفِ القاصِمَةْ

كُلٌّ يريدُ أنْ يكونَ الأفضلا
ويكسِبَ السبقَ على رأسِ المَلا

فيذكرَ الأمجادَ والفخارَا
ويَنْتَشي بِنَشْرِها جِهارا

واحتَكموا للرأس حين اختلفوا
فَقَدَرُوها قَدْرَها وأنصفوا

وكيف لا وهْيَ تقودُ الجِسْمَا
وفيه تحتلُّ المَحَلَّ الأَسْمَى

فاقترعوا وقدَّموا الْحُسامَا
واشترطوا أن يوجِزَ الكلاما

* * * * *

فقال: إني أبتدي بالحَمْدِ
ولْتَعْذُروني إنْ نَزَعْتُ غِمْدِي

وليس لي في فعلتي مِنْ أَرَب
إلاَّ التَّحَلِّي بِرَفِيعِ الأدَبِ

أنا الذي أُجَنْدِلُ الأبطالاَ
أنا الذي أُعَالِجُ القِتالا

وأَفْصِلُ الرِّقابَ عن أجسادها
وأفْجَعُ الآباء في أكبادِها

يُحِسُّ مَنْ يكون في جِواري
بالأمن في الليل وفي النهار

ولي من الأسماء في القاموس
ما يُوقِعُ الإجلال في النُّفوس

«صَمْصامَةٌ» «مُطَبِّقٌ» و«مِخْضَلُ»
«مُصَمِّمٌ» «صَفِيحَةٌ» و«مِقْصَلُ»

كذا «قَضِيبٌ» و«خَشِيبٌ» و«حُسَامْ»
«مُفَقِّرٌ» «مَهْوٌ» «رَسُوبٌ» و«هُذَامْ»

«عَضْبٌ» و«إصْلِيتٌ» «كَهَامٌ» و«دَدَانْ»
و«مِعْضَدٌ» و«مِذْكَرٌ» و«هُنْدُوانْ»

تفصيلها في أمّهات الكتبِ
مثل «المحيط» و«لسان العربِ»

وكم صرعتُ من طُغاة الأرضِ
أبَدْتُهُمْ في طولها والعَرْضِ

وإنَّني في السُّوقِ غالي الثَّمَنِ
وقد أُباعُ بالمَزَادِ العَلَنِي

ولي جناحٌ لائقٌ في المُتْحَفِ
وكلُّ ما قلتُ بمقْصِدي يَفِي

* * * * *

فقالتِ الرأسُ: هَلِ اكتفيتَا
بالحُجَجِ التي بها أدْلَيْتَا

قال: نعمْ، وَضَوْءُ حَقِّي سَطَعَا
والوقتُ مِثْلِي إنْ تَمادى قَطَعَا

وأَذِنُوا «للنَّعْلِ» بالكلامِ
فحَيَّتِ الحضورَ بالسلامِ

وبَسْملتْ وحَمْدَلَتْ وحَوْقَلَتْ
وكُلَّ ما يُذْهِبُ خَوْفَهَا تَلَتْ

فقالتِ «النَّعْلُ»: لِمَ الغُرورُ؟!
وكُلُّنا مُسيَّرٌ مجبورُ

أنتَ جمادٌ ومِنَ الجمادِ
وأنتَ في نَقْصٍ بلا ازدِيادِ

وكثرةُ الأسماء ليستْ دَوْما
تُنْبِئُنَا عن شَرَفِ المُسَمَّى

فكم قتلتَ من بَريءٍ ساجدِ؟
وكم أخفتَ مِنْ تَقِيٍّ عابدِ؟

أنتَ قرينُ الموتِ في الأذهانِ
أو قُلْ صراحةً أداةُ الجاني

أما أنا أؤدِّبُ الأطفالا
وهم يُطيقونَ لِيَ احتمالا

وعَقْرَبٌ إن قَرُبَتْ مُخاطِرَةْ
تجدني يقظانةً وحاضرةْ

ولا غِنًى عن أَحَدٍ عن لُبْسِي
إلا القَعِيدَ ونزيل الرَّمْسِ

أَمُرُّ تحت القوس في المطار
ولا أُثِيرُ الرُّعب للطيّار

إذ لستُ في قائمة الإرهابِ
ولمْ أكنْ رَمْزًا لدىٰ الأحزابِ

وأحملُ النّاسَ علىٰ أكتافي
وَطَّأْتُ في خِدْمَتِهِمْ أكْنافِي

فجعلوني رَمْزَ دَفْعِ الحَسَد
ـ مِنْ جَهْلِهم ـ إذا انفردتُ كاليدِ

وإنني ذُكِرْتُ في التنزيلِ
صراحةً من غير مَا تأويلِ

هذا وإنّني مِنَ ٱهلِ الجَنَّةْ
واقْرَأْ إذا شِئْتَ صحيحَ السُّنّةْ

«نَعْلا بلالٍ لهما دَفِيفُ»
ولا تَقُلْ لي إنه ضعيفُ

وإنني جُنْدٌ مِنَ الجُنُودِ
سَلَّطَنِي اللهُ على النُّم راجل يعجبكودِ

أذْلَلْتُهُ وذاكَ مِنْ خِصالي
ما أقبحَ العيشَ معَ الإذلالِ

وحين رُمْتُ رأسَ «بُوشٍ» هَدَفَا
طَأْطَأَ رأسَه وعنِّي انحرفا

مضَيْتُ في دَرْبي وجُزْتُ قُدُما
وكان قَسْمِي أن أَدُوسَ العَلَمَا

جعلتُهُ مَسْخَرَةً في العالَمِ
وهذه هديّتي للظالمِ

وذاك دَيْدَنِي معَ الجبابرة
وإنّني في عملي مُثابِرَةْ

شَفَيْتُ «نُمْرودًا» مِنَ الصُّدَاعِ
و«ذاكَ» نال قُبْلَةَ الوَداعِ

والنّاسُ بالذي فعلتُ استبشرُوا
فبلغوا مآثري ونشروا

وإنّني نُبِّئْتُ عَنْ أسعاري
بأنها تُحْسَبُ بالدولار

عشرةٌ تُعَدُّ بالمليونِ
(ما أقرب العقلَ مِنَ الجُنونِ)

تنافَسَ الكبارُ في اقتنائي
وهذه علامةُ اعتنائي

والشعراء أشبعوني مَدْحا
شكرًا لهم فقد بَنَوا لي صرْحا

وهذه من بعضِ إنجازاتي
سَتُسْفِرُ الأيامُ عمّا ياتي

* * * * *

فقالتِ الرأسُ، وكانت مائلة:
الحكمُ يأتي عَقِبَ المُداوَلة

وانتظر الجميع ما تقولُ
وكُلُّهُمْ أصابَهُ ذُهُولُ

مما رأَوْا منْ أمرِ تلْك «النَّعْلِ»
إذ ناطَحَتْ سَيْفًا بِقَرْنَيْ وَعْلِ

وقطعَ الصمتَ نداءُ الحاجبِ
يُؤذِنُ بالحُكْمِ الصحيح الصّائبِ

وكل من في الدار هَبَّ قائما
غيرَ الذي يُرَىٰ هناك نائما

بادره مَنْ جَنْبُهُ بالهَمْسِ:
معذرةً عَفْوًا، نريد الكُرْسي

الليلُ صارَ في الهَزيعِ الآخِرِ
فعُدْ إلينا في الصباحِ الباكرِ

يا ليتني زدتُ دقيقتين
كفاك نَوْما هاتِ دِرْهَمَيْنِ

ولا تَعُدْ للنَّوْمِ في المقاهي
فإنها عُرْفًا مِنَ المناهي

وقَبْلَ أنْ تذهبَ خُذْ نَعْليكَا
قَدْ خُلِعَا في النّومِ مِنْ رِجْليْكَا