تعريف غناوة العلم

غناوة العلم هذا اللون من ألوان التراث الشعبي الذي لا يزيد عن كلمات معدودة يعتبرها أهل البادية في المرتبة الثانية بعد الشعر الشعبي أو (قول لجواد).

فغناوة العلم عادةً هي مفتاح جلسات الأفراح، يبدأ الغناي (المغني) بغناوة يتم على أثرها فتح (افواهق) كثيرة فكل يبكي علي ليلاه . فبعضهم تستهويه غناوة الدار، والآخر المرهون وغيره اليأس وهكذا ..

وعلى هذا الأساس تٌحل عقدة الجالسين. ويعبر كل واحد عما بداخله على أن يكون محور الغناوة على بند واحد كالمرهون مثلاً فيستمروا علي المرهون حتى ينهي احدهم الصراع أو بما يسمى (بالقفلة) وبعد ذلك ينتقلوا إلى غيره وهكذا .

فلا يصح أن يغني أحدهم عن المرهون ويرد عليه آخر عن العين دون ذكر المرهون في الغناوة، فهذه الأمر يعتبره البادية بعيداً كل البعد عن مفهوم غناوة العلم .

فغناوة العلم هي قصيدة البيت الواحد وكلمتها بسيط التركيب وسهلة الحفظ والنطق لها مدلولاتها وتعابيرها التي تهون على ملقيها أشياء كثيرة مطوية في كنينة , وتقلى في أماكن عدة وهي خلف الأغنام والتي تسمى " السعي " وخلف الأبل أو في الأفراح ، والأخيرة أهم مكان لها فتلقى أمام حشد كبير من الحضور بشكلها الذي يعرفة الجميع وقد يصاحبها المزمار الشعبي " المقرونة " الذي يعتبره البعض بدعة مستحدثة ستفسد مفهوم غناوة العلم فلم يكون المزمار الشعبي مقروناً بغناوة العلم في حوض برقة منذ القدم ، وقد يحدث تحاور بين أثنين في آن واحد وهي التي نسميها " بالمشايلة ".

أما عن منشئها فقد ذكر الدكتور عبد السلام محمد شلوف في كتابة (غناوة علم دارسة ونصوص): "ونحن وإن كنا لا نعرف متى نشأ هذا اللون من المأثورات الشعبية إلا أن أقدم نص ثبت وجودة يعود إلى أكثر من مائتي عام وهو نص وجد منحوتاً على جزء من جذع شجرة عثر عليها في إحدى المعلقات في وديان الجبل تقول :

نقّـض على لنظـار .. غلا عزيز بوجاعن شطط

ونظراً لأن غناوة العلم في ذوقها وفي لغتها قريبة جداً من العربية الفصحى فإننا نتساءل عما إذا كانت ثمة علاقة بين نشوئها وبين وصول قبائل بني هلال وبني سليم في هجرتهم المعروفة حوالي عام 1050م".

وغناوة العلم يقول بعض من لهم اهتمام بهذا الجانب إنها غير معروفة المنشأ أو من سماها بالعلم نسبته إلي اسمه (علم) كما هو الحال في خليل لصاحبها (خليل) ؟

عموماً هذا الجانب يزخر بالعديد من المفاهيم والأحاسيس الجياشة.

ووفي الأعراس يجب أن تتبعها (شتاوة) أو بما يسمي (بنتها) كقولهم: "وين بنتها". علي أن تكون في صلب معني الغناوة ولا تخرج عن ذلك. فإذا غنى الغناي عن الموح مثلاً فلا تصح أن تكون الشتاوة عن الدمع، بذلك يصبح المعني بعيد جداً عن تلاحم المعني فمثلاًً كقوله :

الدار بالبكاء رضيت .. طرحيها أو فيها أو قبلها

تقول شتاوتها :

فيها والله قبل انجيها .. نبكي في الدار أو طرحييها

أما عن طريقة آدائها فلها نسق معين لا تخرج عنه عدا مدة إلقائها كقول أحدهم:

حال غايتي في الصوب .. وإن صار الخطأ ما نحضرة

تكرر "الخطأ ما نحضره" أولاً ثلاث أو أربع مرات ثم تأتي بعدها فترة وجيزة من الصمت وتكرر مرة واحدة أو أثنين ويلصق بها "غايتي في الصوب" وتكرر عدة مرات تصل إلي حوالي ثلاث مرات متتالية وبعد ذلك تعاد "الخطأ ما نحضره" مرتين أو ثلاث، وتوصل بالكلمة الضائعة أو المفقودة، وهي و "إن صار الخطأ ما نحضره" لاستكمال باقي البيت .

وهذا اللون غير مقتصر علي الرجال، بل النساء هن الأخريات لهن نصيب في ذلك، فهن أيضا يمتلكن قلباً يصارع الأهواء ويحب فيعبر عن أحاسيس مرهفة، لكن تختلف بعض المعاني والكلمات وطريقة الأداء .

وتعرف غناوة المرأة من غناوة الرجل فمثلاً: غناوة المرأة تنسب للعين والرجل تنسب للعقل كما ذكر الدكتور عبد السلام محمد شلوف فغناوة المرأة كالآتي:

لو كان يا منام الليل .. تبقي رسيل بيني وبنينهم

خير من مساول جاك .. دموعي ونا في بيتنا

صبا العقل يوزن فيك .. لقيك ردع لوطان كلهن

دموعي ع لولاف .. ستين ألف وادي جلبن

والعلم غير مقتصر علي الغزل بكل ألوانه بل يشمل الحكمة والإخلاص والوطنية، وكذلك له باب واسع النطاق يخص الجلامة.