مقالات مختارة : قول في مسألة الدعم السلعي

محمد يونس الدرسي : قول في مسألة الدعم السلعي
6 سبتمبر 2012

أدعى أحد المرشحين لرئاسة الحكومة في معرض بيان مزاياه الدعائية بأنه فكر ضمن ما فكر في الحيلولة دون إصابة المكوكات الأمريكية التي خدم لها والمتجهة نحو الفضاء من الإنفجار وبشيء من الإنتشاء أشار إلي تبني إسطوانة قذافية سابقة وعززها كوصية سمجة من أحد معتوهي مسؤولي المجلس الإنتقالي السابق السذج بقطع دابر الدعم السلعي والوقودي عن المواطن الليبي أينما كان و إستبدالها بالدعم النقدي لمن يستحقونها (هذه الإسطوانة المرددة كانت كمن إكتشف درة أو ذرة أو جوهرة في سماء الليبيين الغائمة)، وهي إسطوانة ظلت مشروخة غير قابلة للتطبيق ولا التحقق حتى يومنا هذا. دون أن يفكر ذلك المترشح في حماية آماني وتطلعات و مصائر الليبيين من الإنفجار.
إذ لم تكن مسألة دعم السلع التموينية و لا دعم الوقود وليد هراء أو هدرزة في وان عشية يتم تداولها من قبل أهل الفكر الإقتصادي و لا حتى من قبل كل من هب ودب علي متن شربة فنجان شاي أو قهوة أو سحلب أو شفطة أرجيلة علي صهوة طاولة متهالكة في قهوة مكتظة دخانياً بشكل خانق ذات أجواء قاهرية . فما وضع الدعم السلعي إلا لفلسفة إقتصادية رجحت كفة الحس الإنساني و الأخلاقي و الآدمي في كفة توصل إليها عقل الإنسان المفكر منذ قديم الزمان لمقاومة براثن الفقر و وضع حدا للكفاف يكفكف عنا آلام و مآسي بني البشر كحزام آمان للمجتمع يقي من غدر الزمان و شبح الجوع الذي ضرب كثير من المجتمعات التي إنقادت وراء مشورات مستوردة إستهدفت ضربها في واسطة العقد . فحتى في بريطانيا أم مصادر كل الرأسماليات مثلا هناك خدمات مجانية علي مستوى عالي من الجودة و التقانة و الحزم تقدمها الدولة للمواطن و حتى للمقيم مهما كانت صفته أو بلده الأصلي ، و خصوصا في مجال الرعاية الصحية و العلاج و الطبابة و البطالة و الرعاية الإجتماعية لا يمكن المساس بها بأدنى سهولة . لذا لا يجب أن نكون رأسماليين أكثر من الرأسماليين و لا وطنيين أكثر من الوطنيين ، فهناك أمور غير مؤهلة للتلاعب علي أوتارها كمسائل إنتخابية ، لأن الشعب الليبي بعد ثورة فبراير قد نضج . بسوء أو حسن نية أو عن جهالة يجب الحذر من وصفات إستيرادية جاهزة كهذه قد تلائم مجتمعات أخرى لكن يجب عدم سحبها علي مجتمعنا الذي مازال يحتاج إلي كثير من الذود و شيئا من العدالة الإجتماعية . فحجة الدعم المادي كبديل للدعم السلعي هي حجة مرفوضة إقتصاديا جملة و تفصيلا ، و ذلك لأن الدعم المادي هو دعم ظاهري وهمي يذهب أدراج التضخم ، أي ما يلقاه المواطن من دينارات سيمتصه التاجر إمتصاصا آنيا كالبرق الخاطف عن طريق رفع الأسعار لكي تلتهب . أما الدعم السلعي هو رفع لما يسمى في الإقتصاد الدخل الحقيقي غير الوهمي الذي لا يمكن الإفتراء عليه بسهولة و يسر فهو دخل يؤدي الغرض منه بشكل مباشر دون إخضاعه لمراوغات البورصة السعرية و لا تستطيع ألسن الضفادع تلقفه بسهولة من أمام أفواه شرائح الجوعى المستهدفين . صحيح لا يمكن الفرز وفق هذه السياسة بين علية شرائح الدخل و أدناه ، و لكن للرد على ذلك أقول أنه لا حل جامح لهذه المعضلة سوى تحملها لا لشيء إلا لإعتبار ذلك أعراضا جانبية علينا تحملها لشفاء سواد أعظم من المرضى الرازحين تحت جنح الفاقة كما أن معظم السلع المشمولة بالدعم أولا أنها محدودة و ثانيا هي سلع أساسية و فوق كل ذلك هي سلع دنيا ، بمعنى أنها ليست سلع كمالية و لا تفاخرية ، بل هي سلع ضرورية معدودة تجعل الإنسان يحيا و يتنفس ثم يعيش لأداء دوره الإنتاجي و حتى تكفل لنا أن يكف عنا شره ، فالجوع و الفقر قتال لهما إفرازات إجتماعية و أمنية و إنحرافية فتاكة ، فالإنسان عندما يجوع و تضربه الفاقة يفعل و يمارس أمهات المستحيل غير المتصورة ليقاوم شبح الموت و يبقى علي أكسير الحياة كنزعة فطرية من نوازع بني الحياة بشرا و غير بشر . إذن لا يجب التورط في آثام يعتبرها المواطن العادي مسأة حياة أو موت و خطوط مصيرية فاصلة بين حياته و مماته لا يجب إختراقها مهما كانت البواعث و الدعايات و الحوافز ، لأن هذا الأمر ما هو إلا تفعيلا لأسمى و أبده مباديء الحقوق الإنساني بلا ريب فلا يجب التلاعب بها لأنها مصائر بشر غير قابلة للمزايدة و لا المساس بها حين نشوة من التصريحات الآنية حينما لا يجد المتفوه ما لا يقول . فإذا كنت تبكي علي ميزانية كل الليبيين حقاً من التبذير ، كان الأجدر بك وطنيا و شجاعة إيقاف جعبة فواتير العلاج بالخارج المزورة ، و إعادة النظر في قوائم و إحتياجات الكتائب الوهمية ، و المناداة بتخفيض ماسورة مرتبات جماعة المؤتمر الوطني و أعضاء الحكومة الموقرة ، و ترشيد نفقاتهم في ليالي الأنس في ريكسوس ، و وضع حدا حاسما لبورصة الإبتزازات الدولية و الجيرانية إنتهازا للوقت و الظروف و أزمة الحاجة ، كل ذلك كان يجب عليك التفكير فيه و المنادة به قبل التفكير في إمتطاء برذعة جحش الغلابة القصير و إستقصار عصاتهم ، فالفقراء لم يكونوا يوما مسؤولين عن تضعضع و إندحار معدل النمو الإقتصادي في بلادنا و لا نهب ميزانيتنا العتيدة بالحجم الذي أبلاه قراصنة الثورة في وقت الهرج و المرج و عتل خزانة أموال الليبيين حين الغفلة . و أخيرا أقول لكم مجاهرا ، أرجوكم لا تمسوا قوت الحيارى و الغلابة و المحرومين و المغلولة آياديهم بسوء ، ذاك القوت المرهق المضمخ بالملح و العرق الزكي ، أرجوكم أرونا فروسيتكم لا في التنافس علي قطع أرزاق ذوي الفاقة من أصحاب الدخل المحدود و المهدور بل إجعلونا نراها في ميادين الوغى مع الفقر و كيف ستدحرون المرض و تجابهون الجهل و تنتحر الآلآم ، و كيف ستنتفض ليبيا من غبار الوهم و الخرافات و تدوس أوطار و أوداج الدروشة و التبعية و كيف تنطلق أزاهير النمو و تنطلق محركات التنمية خفاقة خارقة أجواء التخلف و أصوات النقيق و النعيق كاسرة الأعواد الإعتراضية لدواليب النماء.
محمد يونس الدرسي