الجيش استردّ الأمانة: ثورتان ونظام واحد؟

تعدّدت التصورات والصورة واحدة: صورة ثورة صنعها الشعب المصري في الشارع مفاجئا النظام وحلفاءه وخصومه، وتسلم عهدتها الجيش. وليس خارج المألوف في حسابات المصالح والأدوار ان نرى سباقا بين الدول والقوى على توظيف الثورة في اتجاهات مختلفة عن الاتجاه الديمقراطي الذي يريده شعب مصر وتحلم به شعوب المنطقة. فالأنظمة خائفة منها ومصممة على منع مثيلاتها عندها، وان كان بعضها يهلل لها. وهي تسعى الى احتوائها حتى في مصر واختراع أهداف لها غير أهداف الحرية والديمقراطية والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية ومحاسبة سارقي الثروة.

أليس في الأنظمة العربية كل ما قاد الى ثورة مصر؟ أليست الأولويات في أميركا التي تخلّت مكرهة عن حسني مبارك هي ضمان ان تبقى مصر حليفة ومتمسكة بالسلام مع اسرائيل، مع اصلاحات سياسية واقتصادية لتجديد شباب النظام؟ أليس القلق في اسرائيل هو حول معاهدة السلام واحتمالات التغيير في دور مصر نحو استعادة المدّ القومي العربي أو نحو سيطرة الاخوان المسلمين على السلطة؟ أليس ما رأته ايران بلسان الرئيس محمود أحمدي نجاد هو ان الإمام المهدي يقود الثورة للتخلص من أميركا واسرائيل، مع رفض السماح للمعارضة بتظاهرة في طهران تأييدا للثورة؟

التطورات متسارعة. لكن الأساس في مصر. والتحدي الكبير هو ما يحدث في المرحلة الانتقالية خلال العبور على الجسر بين الشعب والجيش. ففي أيام الاعتصام والتظاهر والحديث عن جمهورية ميدان التحرير كان السؤال الطبيعي هو: هل الشرعية الشعبية التي صنعتها ثورة ٢٥ يناير هي قطع مع الماضي وشرعية ثورة ٢٣ يوليو أم إضافة واستكمال لها؟ والجواب جاء مع التنحّي وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة ادارة شؤون البلاد.



وترجمته العملية ان الجيش صاحب النظام وحاميه ومصدر رؤسائه استرد الأمانة من مبارك الذي أراد توريث ابنه جمال خلافاً لتراث الجيش والثورة والنظام.

والباقي بالنسبة الى المستقبل بعد ستة أشهر هو ما يفعله الجيش لتحقيق التزاماته حيال الثورة الشعبية. أي دستور يعرضه للاستفتاء الشعبي؟ دستور لنظام ديمقراطي برلماني أم لنظام رئاسي؟ وأي مستقبل ديمقراطي في ظل رئيس جديد، سواء كان مدنياً أو عسكرياً، اذا تمتع بالسلطات المطلقة التي كانت لأسلافه؟ أين الحكومة التي تضم ممثلي الثورة بدل الحكومة التي عيّنها مبارك؟ ولماذا التردد في إلغاء قانون الطوارئ؟

مفهوم أن الثورة لم تنتهِ وأن الشعب قادر على العودة الى الشارع. لكن اللعبة دقيقة جداً على الطريق الى دولة مدنية ديمقراطية في حراسة العسكر.