قراءات في ثورة 17 فبراير

من طرف لحن المطر 2011-08-14, 10:12 pm

هذه
الثورة الأسطورة .. لن يخالفني أحد إن وصفتها بهذا الوصف ، ولن ولم أبالغ
إن قلت أنها ثورة فريدة .. بكل معالمها وبكل أحداثها ، بل بكل ملامحها ..
بدءاً بانطلاقتها وتلك الشرارة الفيّاضة القوية المملوءة وطنية .. جسّدها
شعب أنهكه التعب طيلة سنين لكنه لم يرضخ ولم يستكين .. بل كان بين الحين
والحين يتحين الفرصة التي ربما تتكرر ولكنها قد لا تكون بهذا الإبهار ..
وهذا الشموخ وهذا الصمود .. ثورة أبرزت حقائق شعب بوضوح بعفوية بصدق ..
دون تزييف لأي صورة كانت نتاج هذا الفيض من ذاك الغيض ، ونداءات دفينة
كانت تعج بها الأعماق لم تلقى صداها إلا في رحاب هذه الثورة .. لتنطلق
بصوتٍ حهوري بعقيدة راسخة وبخطوات واثقة كل النداءات والصرخات المحبوسة
وكل أنات النفس الخائفة ذات يوم وذات أعوام .
تكلف هذا الشعب عناء صمته كل هذي السنين أغلى وأثمن الأرواح .. ولا يزال يدفع ويضحي دون أن يبخل أو يتضجر أو يتذمر ..
فيا
من تهتمون بالأقاويل واكتفيتم بالنباح بصوتٍ رخيم وخضتم مع من هم أمثالكم
جدالاً عقيم .. بالله عليكم قفوا لحظة واقرأوا التاريخ .. هل ثار شعباً ضد
حاكمه وبقى .. أم هل تراجع شعب عن حقٍ مسلوب وبالصمت اكتفى ، ألم تقرأوا
أن الشعوب باقية والطغاة ذاهبون .. ألم تعوا أن الشعوب لا تُدحر ولن
يقمعها شيء وهي ماضية في طريقها .. زاحفة لنيل ذاك المطلب النبيل .. قادمة
بقوة وعنفوان للوصول لهدفها المنشود وهي راضية .. باحثة بعمق عن أساس
حياتها .. عن طعم تذوقته فتلذذت به ، طعم حريتها .
ولكننا
نحن قرأنا التاريخ ووقفنا عند الكثير من شواهده وتعجبنا لجبروت بعض الطغاة
ونقدنا صمت شعوبها وضعفهم وهوانهم ونحن ندرك أنهم هم من صنعوا الطاغية هم
من بجلوه حتى تقاوى بناءه وعظم سلطانه وصعب هدمه .. هم من جعلوه يستخف بهم
بعد أن أطاعوه .. ومنحوه قدراً فوق قدره .. فتكامل بنيانه الظالم وظل
كابوساً على الصدور جاثم .
قرأنا
وقرأنا وسمعنا وحُكي لنا .. وأُخبرنا عن قصص وحوادث في الحقيقة وفي الخيال
.. أشياء صدقناها وأشياء لم ترق لنا .. أشياء كبرت معنا وظلت بذاكرتنا ..
وأشياء نسيناها .. أشياء تعجبنا منها .. وأشياء أعجبتنا .
ولكن الذي لم نقرأ ولم نسمع عنه .. والذي أذهلنا وهزنا هزاً عنيفاً وحرك كل شيء بداخلنا وفجَر كل الأحاسيس .
ثورتنا
.. ثورة 17 فبراير .. هذه الثورة الباهرة الطاهرة الأبهة الأبية .. الثورة
النورة الأسطورة .. وهذا الشعب البطل الصامد .. شعب أعزل ضد طاغية متسلح
بكل قوة وجبروت وكفر .. طاغية ظل سنين يرسم صور باهتة خفية ويزيف حقائق
ويبث شائعات ويروجها بسهولة ويسر .. طاغية لم يألو جهداً في بث الفتن بين
هذا الشعب و افتعال الفجوات والثغرات بين أبنائه على الدوام ..
هذا
الشعب ثار في لحظة يقظة ثورة عارمة وأيقظ معه كل من كان في سبات ليلتحق
بركبه ويمتطي صهوة ذاك الأمل البراق في سماء تلبدت فجأة بغيوم الخديعة
ولكن سرعان ما انقشعت هذي الغيوم وتبددت .
لتصنع
فجراً كان حلماً .. لكنه تحقق .. فجراً باسماً لاح في أفق يمتد مداه وطناً
.. فجراً تحرر في فبراير ليعانق في اليوم السابع عشر سماء الحرية والبشائر
.. ليعلن نصراً لا محال قادم .
فقم
أيها الثائر .. وانفض عنك غبار السنين المتراكم من ذاك الزمن اللعين
الغابر.. ودعّه واهجر كل أثر سابق .. وتعال مد يدك ومعنا هذه الثورة عانق
.. وشاهد بأم عينك المجد ومعنى الحرية الصادق .. تقدم برفق .. تحسس بلطف
.. وألمس بيدك وتحقق من شيء كان يوماً وهماً .. ها هو اليوم بك ومعك يعلو
ويحلو مذاقه .. ميز بعقلك وامعن النظر .. لا تجامل .. دع قلبك وعقلك يتحدث
ثم احكم واختر مكانك قبل أن نغادرك ونتركك في الأسفل تراقب .. وقد داستك
الأقدام الثائرة المتعطشة للحرية وأنت قابع في حفر الجهل والوهم تعيش كذبة
كبرى صنعها لك جبار حاقد ..
هيا مد يدك .. وتعال عش لحظات لا تتكرر وإن فاتتك فقد فاتك أجمل ما في العمر ..
فهيا تقدم .. هيا تذوق .. هيا ارتوي .. هيا عش هذه اللحظات ..
إنها نشوة النصر .. إنها قراءات في ثورة الطهر .