الطفلة التي قالت لموسيليني احتلالك لبلادي غير صحيح

من طرف **زهرة اللوتس** 2012-03-06, 9:06 am

الطفلة التي قالت لموسيليني احتلالك لبلادي غير صحيح
الجهمي رائدة الدفاع عن حقوق المرأة في ليبيا
معلمة، شاعرة، قاصة، صحفية، إذاعية مشهورة ومصلحة اجتماعية أحبت ليبيا بطريقتها التي قلما نجد لها نظيرا وترجمت حبها إلى ثورة اجتماعية هادئة و قوية سعت من خلالها إلى خدمة مجتمعها ليصبح كما أرادت له أن يكون .
خديجة الجهمي التي أطلقت على نفسها اسم بنت الوطن هي امرأة كان لها دور غير مجرى التاريخ في بلادها، حيث كانت أول من نادى علناً بتحرير المرأة وإعطائها الفرصة للعمل في مختلف المجالات مع الحفاظ على العادات والتقاليد .

نادت من خلال الثورة الاجتماعية التي قادتها بنشر العلم في المجتمع دون تمييز بين الرجل والمرأة، وبطرد الأفكار البالية والتحرر من المعتقدات الهدامة التي تعيق التقدم بكل صوره وفي ذات الوقت بوجوب التحلي بالأخلاق وتنظيم الحياة الأسرية.

تحملت في ثورتها الكثير من الأعباء وواجهت الصعوبات في وسط كان يعاني في ذلك الوقت من عادات يرى أنها مقدسة ومحرمات يعتبر تجاوزها جريمة.
دخل صوتها إلى كل بيت ليبي من خلال عملها كإذاعية ليخاطب كافة شرائح المجتمع بأسلوب سلس بعيد عن التعقيد كان له عظيم الأثر في إحداث تغييرات جذرية في حياة
المجتمع الليبي وخاصة المرأة الليبية، ومن أقوالها المأثورة التي تشير بوضوح إلى النهج الذي انتهجته في ثورتها التي أعلنتها ضد التخلف « ليس كل قديم نافعا عندنا وليس كل جديد مقبولا لدينا » .
الحديث عن هذه المرأة وتاريخها الحافل بالعطاء والإنجازات والنجاح الذي غير صورة المجتمع الليبي لا يمكن اختصاره في مقال وهي التي كتبت عنها العديد من الكتب ولا يخلو مرجع يتحدث عن تاريخ ليبيا الحديثة من اسمها، ولكننا هنا نحاول أن نعطي القارئ نبذة عن حياتها وانجازاتها التي تركت بصمة واضحة في المجتمع وفي حياة المرأة الليبية، وهي التي ساهمت بفضل نجاحها كإذاعية وصحفية في إعداد جيل من الكاتبات الليبيات والصحفيات والمذيعات اللواتي سرن علي نهجها.
ولدت خديجة الجهمي في عام 1921 بمدينة بنغازي وعاصرت الاحتلال الايطالي وعهد الإدارة والاستقلال ثم عهد ثورة الفاتح وتوفيت سنة 1996 ، التحقت بالمدرسة الايطالية وعمرها 6 سنوات وكانت ضمن عشر طالبات فقط في ذلك الوقت ، ومنذ سنواتها الأولى ظهر نبوغها ولم يكن طموحها الكبير يخفى عمن حولها .
وعن تلك الفترة كتبت خديجة في جريدة « الفتح الثقافي » تقول عندما كنت في مرحلة تعليمية علمتنا المعلمة الايطالية أغنية وحفظتها لنا تقول كلماتها ما معناه:
يا حصالتي.. يا حصالتي الجميلة أضع فيك
اليوم مليم ليزهر ويثمر فيما بعد فرنكات
وليرات وبها احضر أشياء جميلة.. إنها
تمكنني من امتلاك أشياء أجمل من النجوم..
والطريف انه عندما تنطلق حناجر الصغيرات بالغناء تأمرني المعلمة بالسكوت لغلظة صوتي وتقول لي : خديجة لا تغني لأن صوتك يشبه صوت الرجال ! .. ويبدو أن هذه الأغنية عاشت في خاطري وكنت أظن بأنني إن زرعت فرنكات قد تثمر لكنها أبدا لم تثمر !! .
تابعت تعليمها في المدرسة حتى تحصلت على الشهادة الابتدائية وخلال تلك الفترة كانت مثالاً للنشاط والذكاء .

رسالة إلى موسيليني
وعن شخصية التلميذة خديجة تقول حميدة أبو عامر أول صوت نسائي انطلق من إذاعة بنغازي في منتصف الخمسينات وكانت زميلة لها في المدرسة " كانت زميلتي في المدرسة ولكنها تسبقني بصف، كنت أراها قوية الشخصية ملتزمة في دراستها تشع نظرات الذكاء من عينيها وكانت تشترك في جميع النشاطات المدرسية وهذا ما تتميز به الطالبات المتفوقات " .
وقد بلغت قوة شخصيتها وجرأتها وحبها للحرية الحد الذي جعلها ترسل برسالة إلى موسوليني باللغة الايطالية تقول له فيها " أنا معجبة بك كونك تريد أن توحد بلادك، ولكن احتلالك لبلادي غير صحيح ولابد أن تفكر كثيراً كي تترك ليبيا لأهلها وتخرج منها وإلا سيأتي يوم سيكون جحيماً على ايطاليا " .
وقام رجال الاحتلال بسبب هذه الرسالة باستجواب والدها وسألوه كيف يمكن لطفلة في مثل هذا العمر أن تكتب مثل هذه الرسالة !
كتبت الشعر في وقت مبكر من حياتها وأعجبت أول أبيات كتبتها -وكانت عن المدرسة - والدها الشاعر الليبي المعروف محمد عبد الله الجهمي فقرر أن يعلمها كل شيء وأحضر لها معلماً من الأزهر ساعدها في تعلم القراءة والكتابة باللغة العربية ومبادئ النحو والقرآن الكريم، وأحضر لها معلمةً علمتها فنون الحياكة والتطريز ووفر لها الكتب الايطالية والمجلات التي تعنى بالمرأة والفنون الجميلة الشيء الذي حبب إليها العمل الصحفي .
عملت خديجة الجهمي بعد حصولها على الشهادة كمعلمة في مدرسة الأميرة ببنغازي وفي أوائل الخمسينيات قبل التحاقها بالإذاعة قررت الالتحاق بوالدها الذي كان في مصر في ذاك الوقت، وكان السبب وراء ذلك هو تصميمها على إتمام دراستها هناك، فلاقت التشجيع منه وواصلت دراستها حتى حصلت على شهادة الثقافة العامة .

العمل الإذاعي
بدأت خديجة العمل في الإذاعة منذ عام 1954 وكانت ثاني صوت نسائي تبثه إذاعة بنغازي بعد حميدة أبو عامر وظلت تعمل في المجال الإذاعي لمدة ثلاثين عاماً، كانت تدعو خلالها وعبر برامجها إلى الإصلاح والتحرر من المظاهر السلبية في المجتمع والتمسك بالقيم والأخلاق والعادات والتقاليد .
كان المجال الإذاعي وقتها مقتصراً على الرجال ولم يكن مألوفاً أن تدخله فتاة ليبية وقد لاقت خديجة الجهمي بسبب ذلك مقاومة اجتماعية كبيرة ورفضاً من الناس ومن الأقارب الذين اعتبروها متمردة على القيم والمبادئ لطرقها لهذا المجال فحاربها البعض وكرهها البعض الآخر، ولكنها صبرت وبسبب طبيعتها التي تحمل الكثير من التحدي والطموح في إحداث تغيير ايجابي في المجتمع استطاعت بعد فترة أن تنجح وأن تقود ثورتها الاجتماعية العظيمة نحو النجاح وأن تدخل كل البيوت وكل القلوب من خلال برامجها الشيقة والمفيدة الموجهة إلى كافة شرائح المجتمع ، عندئذٍ بدأت نظرة الاستهجان نحوها تتغير وشيئاً فشيئاًأصبحت تلقى القبول والترحيب وأصبح الجميع يذكر أفضالها ويثني عليها وبدأت الطلبات على إعادة البرامج التي كانت تقدمها تنهال على الإذاعة الليبية. ولعل من أهم أسباب نجاحها هو أنها اعتمدت في ثورتها الاجتماعية على أسلوب الإقناع متجنبةً الهجوم المباشر .
ومن البرامج التي قدمتها برنامج " أضواء على المجتمع " الذي كانت تخاطب فيه كافة الشرائح وتسلط الضوء على سلبيات وايجابيات المجتمع وتنادي بالأفضل، واستمرت في تقديم هذا البرنامج مدة عشرين سنة. كما أنها قدمت برنامج " صور من الماضي " وهو عبارة عن موسوعة تاريخية تعرضت فيها للجهاد النسوي ضد الاستعمار في ليبيا. وكان لها أيضاً برنامج طبي بعنوان « اسأل طبيبك » يهتم بنشر الوعي الصحي، وقد كان له تأثير كبير في المجتمع الليبي ونجح في نشر ثقافة صحية بين الناس من خلال استضافة أطباء وأساتذة وذوي خبرة في مجال الصحة ومحاورتهم وطرح الأسئلة عليهم .
ومن أهم برامجها برنامج " المسرح المسموع " وفيه قدمت تمثيليات مسموعة نادت من خلالها بالتخلص من الأفكار السلبية القديمة، وأيضاً برنامج نصف شهري تستضيف فيه رجال الدين والشيوخ والأساتذة لتنير أفكار الرجال والنساء في المجتمع الليبي من خلال أسئلة تطرحها على ضيوفها، وتعرض فيه العديد من المشاكل والعادات السيئة وتناقش حلولها من منظور الدين الإسلامي الذي يحارب الجوانب السلبية، فتخرج بصورة أكثر إقناعا ليتقبلها الناس بسهولة أكثر. كما أنها لم تنس الطفل فقدمت له برنامج « ركن الأطفال » .
وإلى جانب برامجها المتنوعة ألفت الشعر الغنائي وتغنى بكتاباتها العديد من الفنانين الليبيين المعروفين من رواد الأغنية الليبية، وعرضت في العديد من الأغاني التي كتبتها الكثير من المشاكل الاجتماعية التي كان يعاني منها المجتمع وقد لاقت كلمات أغنياتها صدى كبيرا واستحسانا من كافة الشرائح. تقول عنها زميلتها وصديقتها عزيزة الشيباني " من خلال علاقتي الطويلة والتي هي فوق الخمسة وعشرين عاما بخديجة الجهمي، رافقتها في بعض الرحلات وحضرت معها الندوات والاجتماعات والمؤتمرات التي
تتعلق بالنشاط النسائي كما اشتركنا في بعض الأعمال وجدت فيها السيدة الصبورة، طويلة البال، والمستمعة الجيدة لمشاكل الآخرين والإحساس بآلامهم وأحزانهم.. لا تعرف المستحيل لمن يلجأ إليها تأخذ بيد كل من يطلب المشورة وإبداء الرأي " .

العمل في الصحافة
تعتبر خديجة الجهمي من النساء الرائدات في الصحافة الليبية وبدأت تهتم بالعمل الصحفي خلال عملها بالإذاعة وقد ترأست تحرير أول مجلة شهرية نسائية محلية تصدر في ليبيا وتهتم بشؤون المرأة والطفل والبيت وهي مجلة « المرأة » التي ظهر أول عدد منها في 10 يناير/ جانفي 1965 ، وكانت فكرة إنشاء مجلة خاصة بالمرأة قد انبثقت عن وزير الإعلام والثقافة في ذلك الوقت الأستاذ خليفة التليسي، بعد استماعه لبرنامج تقدمه خديجة هو « ركن المرأة » .في عام 1974 وبعد استقرارها في ميدان الصحافة أو مملكة الصحافة كما كانت تسميها أسست مجلة « الأمل للطفل » وقد عرف عنها حبها الكبير للأطفال وتولت رئاسة تحريرها. قبل ذلك كانت قد أسست « دار البراعم للفنون » وهو نادي للأطفال من سن الثالثة إلى السادسة من العمر وفي هذا تقول " عندما صدرت مجلة « الأمل » خفت أن أكتب للأطفال وأنا التي بيني وبينهم سنوات أكثر من نصف قرن، فرأيت أن أجمع بعض الأطفال في مكان أكون فيه معهم لأعرف كيف يفكرون وماذا يريدون فكانت « دار البراعم للفنون » التابعة لوزارة الأعلام آنذاك، وكانت هذه الدار تشتمل على كثير من النشاطات التي تنمي قدرات الطفل وتوسع مداركه ويلقى الأطفال فترة استراحة ما بين البيت والمدرسة لأن سن القبول في هذه الدار من 3 إلى 6 سنوات " ومن خلال رئاستها لمجلة « الأمل » أصدرت سلسلة قصص « الأمل للأطفال » .
المصدر : جريدة دنيا العرب الجمعة 20 / 6 / 2008 مسيحي