مقالات مختارة - سلطان الحطاب : ليبيا..لا بأس عليكم !

ليبيا..لا بأس عليكم !
سلطان الحطاب

ليبيا ما زالت في غرفة العمليات وما زالت في فترة النقاهة وتحتاج الى كثير من الرعاية للخروج بها من الخطر وعنق الزجاجة لقد كشفت الثورة التي حدثت واطاحت بالعقيد القذافي عن ركام كبير كان ما زال مخبئاً..وهذا الركام خليط ما زال بعضه غير مُعرف فـ ليبيا ما زالت تتجاذبها تيارات الجهوية والعرقية والعشائرية التي هي أساس التركيب الليبي وما زالت الخلفيات المكونة لوحدة البلاد قبل الاستقلال برقه مع فزان وطرابلس حيث تنوع الاستعمار الذي أصاب هذه الاجزاء.
في ليبيا قبل الثورة وتحت الرماد منظمات اسلامية عملت ضد حكم العقيد بوسائل مختلفة وقد جابهته وجابهها ولكنها واجهت التصفية وهذه المنظمات او التكوينات السياسية كانت في اطار الاسلام السياسي بين الاخوان المسلمين وجماعات القاعدة الممتدة في الصحراء الافريقية كبديل لوجودها في افغانستان وكان لليبيا منها حصة وهذه الجهات وخاصة الاخوان المسلمون الذين عملوا مع ثوار ليبيا الآخرين لاسقاط العقيد ونظامه ظلوا يضعون عيونهم على مفاصل الدولة الاساسية ووظائفها ذات الشأن وقد انقضوا على ذلك واحتلوا هذه المواقع منذ اليوم الاول لسقوط نظام العقيد وقبل أن ينجلي غبار المعركة..ومن هنا المعضلة وبيت القصيد فالاخوان المسلمون ومجموعات اخرى «فقست» في ظلالهم أو بسببهم مجموعات شخوص الانتخابات مستقوية على الوضع بدعم خارجي تسنده دول عربية والخطورة أن تقوم الانتخابات في (19/6) الحالي قبل وضع الدستور والخشية أن القوى التي تفوز بها الصناديق هي التي تصوغ الدستور لكل الليبيين فإن لم تراع الشراكة الوطنية بابعادها المنوعة والمتعددة فإن الاشكاليات ستظل تُرّحل والمشكلات ستظل تتكاثر وتعبر عن نفسها بتنازع وصراعات وانقسامات كما رأينا في المنطقة الشرقية..
إذن ليبيا على مفترق طرق واللذين يدعمون التيار الاسلامي فيها يريدون تشكيل نموذج ليبي جديد مختلف عن النماذج الاسلامية في بلدان الربيع العربي ومع وجود ثروة في ليبيا فإن هذا النموذج قد يكون مطلوبا منه اسناد دول الجوار الليبي التي جاء الاسلاميون الى سدة الحكم فيها كمصر وتونس وفي حال فشل هذا النموذج أو تطرف أو أغضب الغرب فإن ليبيا ستبقى معلقة في حالة صراع داخلي مكلف وستجد دول الربيع في مصر وتونس انها ما زالت عبئاً على الغرب..اذن ما الحل وكيف يمكن لليبيين ان يخرجوا من عنق الزجاجة وان يتجاوزوا عقدة الماضي؟..كيف يمكنهم أن يحافظوا على البلد دون تفكيك كامل خاصة وانه لا دولة في ليبيا الان بالمعنى الحقيقي وان ليبيا مطروحة أمام البعض كالنموذج العراقي حين فككت الدولة والجيش ودفع العراق والعراقيون ثمناً باهظاً..فهل يستدرك الوطنيون والمخلصون الليبيون هذه المسألة فيحافظوا على الحد الادنى من مكونات الدولة ويطوروها ويبنوا عليها ويؤسسوا لقوات مسلحة وجهاز امن عام مع الحق في ابعاد القيادات الأولى والثانية في هذه الاجهزة والبناء عليها..والتسامح مع أولئك الذين عملوا في النظام السابق دون ان يلوثوا أيديهم في الدم أو انتهاك العرض أو نهب المال العام واحالة هذه القضايا للمحاكم..هل تنجح ليبيا في ذلك وتنجو بنفسها من التفكيك والتدمير وشعار «عليّ وعلى اعدائي» الذي سيكون بانتظارها اذا ما تكرر نموذج بريمر العراقي في ليبيا..
اعتقد ومن خلال زيارتي الأخيرة لليبيا وحواري مع بعض الاتجاهات السياسية الليبية أن المكون الوطني هو الذي يحب أن تعمل ليبيا من خلاله لانه مكون جامع وليس التكوين السياسي الذي يمكن أن يدعو للانقسام.