فوزية بريون : الوضع العصيب لحكومة الكيب (1-2)

من طرف **زهرة اللوتس** 2012-06-11, 11:28 am

د. فوزية بريون : الوضع العصيب لحكومة الكيب (1-2)
لا يستغرب أحد أن تكون الحكومة الإنتقالية في وضع عصيب.. فلقد ورثت تركة هائلة من الفساد والتدهور لكيان أبعد ما يكون عن شكل الدولة؛ سواء بالمعنى المعقد الحديث، أو المعنى التقليدي القائم على المواثيق الضمنية، والأعراف المستقرة، ومباديء العمران البشري.
ومع ذلك فإن الإنطباع العام عن الوضع السياسي العام في البلاد لدى الشارع الليبي يمكن تلخيصه في الإطار التالي:
♦ يبدو الوضع الآن بعد إثنين وأربعين عاما من الإستبداد والظلم والفساد، أحسن.. مهما تجمعت الأسباب لنقض هذا الإستنتاج.
♦ قام المجلس الإنتقالي في البداية بدور عظيم وقاد الثورة ونضال الشعب نحو النصر السياسي والإعتراف العالمي.
♦ ولكن هذا المجلس، وخاصة بعد تحرير طرابلس أصبح يعكس هشاشة في الهيكلية وضعفا في الأداء.. ربما لسببين رئيسيين:
1- الإختيار العشوائي للأعضاء على أساس قبلي وجهوي يفتقد غالبا معايير الكفاءة والحنكة السياسية.
2- تمركز السلطة داخل الإنتقالي في يد مجموعة صغيرة لم تعرّف أو تعلن عن كافة أعضائه، مما جعله كيانا كرتونيا ظهر عنه مجلس تنفيذي لا يلتقي معه في الرؤية أو أسلوب العمل، وهو ما انعكس جليا قبل التحريروبعده.
أثناء تكوين الحكومة أشرف الإنتقالي إشرافا مباشراعلى اختيار الوزراء.. ورغم أن الكيب جلب معه عددا من أصدقائه، فقد ترك للإنتقالي إختيار الأكثرية التي فرضها لإرضاء هذه القبيلة أو كسب ود هذه الجهة.
بعد شهور من دخول الحكومة ميدان الأداء والتنفيذ، استمر الإنتقالي في إشرافه الأبوي وتدخله في فرض قرارات وأشخاص من مثل فرض مدير البنك المركزي رغم توفر ما يدينه، والسماح بتسلل عناصر من النظام المنهار من الذين قفزوا من السفينة في اللحظة الأخيرة!
رغم تشكيل الحكومة على أساس تكنوقراطي، كما قيل، فإن هناك ضعف غير خاف عن العيان في أداء الحكومة، وخاصة على مستوى إصدار القرارات التي من شأنها إعادة الأمن وتثبيت قوانينه ومظاهره وتوفير الخدمات الضرورية للشعب (فقد استمر انتشار السلاح وغلاء الأسعار وفوضى المرور وتدهور الخدمات الصحية وفوضى القنوات الإعلامية).
هناك فجوة تتنامى بين الحكومة والشعب.. فبعد أربعة شهور لم تنجح الحكومة في اختيار متحدث رسمي لها يخاطب الناس، ويجيب عن تساؤلاتهم، ويشرح لهم الخطط المعتمدة لتحسين وضع البلاد، ويكون حلقة الوصل بين الحكومة المتورطة وبين شعب يتحكم فيه القلق على مصير ثورته، وشك في قدرة أولي الأمر الجدد على قيادة المركب.
فشل المجلسين الذريع في معالجة الهموم اليومية ذات العلاقة المباشرة بالفرد ومزاجه وأسلوب حياته.. وعجز كليهما على قراءة البوصلة الشعبية وعدم استيعاب مفردة "التهميش" التي تتغنى بها مدن ومناطق عدة.. حتى ظهرت الآن أمامنا تهديدات الإنفصال والتقسيم والفدرالي!!
غياب أبجديات الإدارة العصرية في المجلسين من أعلى المستويات إلى أدناها، مما أدى إلى تكريس الفوضى الإدارية التي أنتجها النظام المنهار، وظهور ذلك عبر التخبط في القرارات والتناقض في التصريحات.. وهو ما يعكس غياب الرؤية وضعف التفكير الإستراتيجي والعجز عن وضع الخطط وضبط مراحلها واستيعاب شروطها.
غموض العلاقة بين المجلسين وبين دول بعينها.. عربية تعمل لنفسها، وأخرى تعمل بالوكالة لتحقيق مصالح وخطط تنتمي إلى استراتيجيات عالمية أكبر من استيعابنا تحاول توظيف مكتسبات الثورة الليبية وخصوصياتها الفكرية والإجتماعية لخدمة تلك المصالح.. وغربية وضعتنا الظروف تحت سمعها وبصرها وفي متناول اقتراحاتها وضغوتها وربما إملاءاتها أحيانا.
ضعف العلاقة مع المنظمات الدولية والإقليمية ومراكز الخبرة العالمية، المتخصصة في دراسة مشاكل المجتمعات الخارجة من الحروب والمكبلة بالعجز عن وضع رؤية استراتيجية ناجعة، بهدف مساعدتها وتمهيد الطريق أمامها لحل مشكلات ما بعد النزاعات والصدامات.. فمنذ البداية أبدى الإنتقالي ثقة مفرطة بالنفس في تولي أمور البلاد وعدم الإستعانة بهيئات دولية (وأعيد دولية) على تنظيم أطرافها المنفرطة بفعل عوامل عدة متشابكة.
عدم تنسيق العلاقة بين المجالس المحلية وبين مجلس الوزراء عامة وبينها وبين وزارة الحكم المحلي خاصة (رغم ظهور الوزير في القنوات الفضائية والإبانة عن رؤية إدارية محكمة).. وعدم قدرة الحكومة على علاج الضعف المتلبسة به هذه المجالس وعدم شرعيتها طالما لم ترض بالإنتخابات وسيلة لذلك.. وضرورة إظهار الحكومة حزما لازما في هذا الأمر وإلزام تلك المجالس بإجراء انتخابات وتحمل المسؤولية المنوطة بها بعد تقنينها عددا وصلاحيات.
إن الوزارة الإنتقالية هذه ليست سوى وزارة لتسيير الأمور، وحل الأزمات، وتمهيد الطريق من الناحية الإدارية والقانونية لدولة تبنى على الدستور والمؤسسات الفاعلة.. وإلى جانب ذلك فمن واجب هذه الوزارة العمل على خلق هيبة الدولة وبسط سلطانها على المؤسسات والإدارات وفرض القوانين المنظمة لشؤؤن البلاد.. ولعل أبرز أسباب تعقد هذا الوضع العصيب هو عدم استيعاب أعضاء الوزارة لهذه الحقائق، وبالتالي فهم غير قادرين على تحقيق توقعات الناس.. ولذلك لم تفلح هذه الحكومة في وضع آليات التعاطي مع المشاكل المستشرية في المدارس والشوارع والمستشفيات والمكاتب والإدارات الحكومية.. وهكذا فإن المواطن مضطر أن يرسم صورة لحكومته من خلال هضاب القمامة المنتشرة في طول البلاد وعرضها بروائحها الكريهة التي تعد بأن تهدي للناس حزمة من الأمراض في الصيف القادم بعد ذبول الربيع الذي غنينا له طويلا.. وما لم يستقم فهم الحكومة لدورها.. وما لم تسرع في أدائها وتفهم جيدا أن التاريخ يرقبها ويسجل تفاصيل نجاحاتها وإخفاقاتها.. فإن ثورتنا ستجد نفسها في مأزق صنعه لها سياسيوها الذين تنقصهم الحنكة والخبرة السياسة والإدارية معا.