مقالات مختارة : سيدي يونس

ناجي الفيتوري : سيدي يونس
9 سبتمبر 2012

وطنى أظل أحبك، فلا تؤاخذنى بمالا ذنب لى فيه، بل كنت فيه الضحية وكان الجلاد قائدهم، “قائد النصر والتحدى”، وبعد أن نصر الله شعبنا على طغيانه وفجوره.. منيت النفس بوطن حر..أقول فيه ما اريد، فاكتشفت أنى غريب عنك.. أنى لا أصلح لك.. فأنا مزدوج الجنسية.. أو متزوج من أجنبية.. عندى شبهة الولاء للأجنبى، فلمن كان إنتمائى طوال هذه السنين؟.. هل عرف قلبى غيرك وهل كان حبى لك سرا أخاف أن أبوح به.. أم علنا ؟ فى كل مكان – فيه ليبيين – ترى علم الاستقلال يرفف، وحناجر المهجّرين تهتف : ليبيا حرة.. والقذافى برّه، كان ياماكان.!
وقد كانت بنغازى فى جيبى.. قلبى.. احتفظ بها وأتغنى بإسمها وأحدث كل من لا يعرفها عنها.. عن سواد عينيها.. ملحها.. شاطئها الجميل.. احيائها القديمة.. الصابرى.. السلمانى.. سيدى يونس.. المحيشى.. البركة.. الرويسات.. قلب بنغازى.. حضنها الدافى.. أتذكر شوارعها مع رفاق الغربة، جراحها ومآسيها.. وعيون جلاديها.. كنتُ دائما هناك وكانت هى دائما هنا.. لا نفترق ونصرّ على البقاء معا.. رغما عن قلب القذافى الاسود.
فى حيّنا الجديد – سيدى يونس – كان كل شئ جديدا .. الناس والشوارع والبيوت، وقد سبقهم السيد زواوة ببناء مسجد على ربوة – علوة – مرتفعا عن الطريق ، فى طابقه العلوى مكتبة عامرة بالكتب فى شتى انواع المعرفة وعلى الجانب الاخر من الطريق مدرسة ابتدائية ، الشوارع الرئيسية معبدة والاخرى نظيفة وتحمل اسماء عرضها .. وكنا نسكن فى شارع 15 ، وسيد يونس لا يرى ولا يسمع ولا يعترض ، فقد بنى بعضهم ضريحا على قبره وليس ببعيد عنه سيدى يوسف وسيدى حميدة ، فهل لأنه رجل صالح ام مجاهد أم عالم ، لم نكلف انفسنا عناء السؤال ، من المؤكد أنه كان يستحق اهتمام الناس وثقتهم ، فجاء بناء الضريح تعبيرا عن ذلك وتطوعا منهم ، والناس على بساطتهم يفرحون بأهل الخيرفيهم ويعبرون عن ذلك بما يستطيعون ، لم يكن سيدى يونس يحى الموتى أو يهب الذرية او يفعل ما ينسب للآخرين، كان قبرا فحسب .. لم يكن بشهرة مرعى راقد جردينة .. أو عبد الاسلام الاسمر الذى تشد له الرحال ويقام فيه المزار كل عام.
لم يكن ماضينا جميلا كما نريد.. فقد كان فيه معمرالشّرير ، كنّا نتحسس طريقنا بين لجانه الثورية وأمنه الداخلى والخارجى ونحاول جهدنا ، بدأت رحلتنا معه بالرعب والخوف ورحلة آخرين بالتمجيد والتهليل : ” ما هبت نسمة على بلادى إلا بقدومه .. يا مبرك يومه ” .. ” لولاك ما هبت انسام عشية ..ولا فجر جانا جايب الحرية ” ، علق احد اصدقائى ذات مرة على هذا الهراء متسائلا : كنّا قبله نتفسوا بالاكسجين يــا ….؟ ، كان كثيرون يستبقون خيراته وآخرون يعدّون العدّة للتخلص منه و سارع السلفية المدخلية إلى مغفرة منه .. وطاعة له ، و حين هب الناس للتخلص من عدو الله وعدوهم .. لزموا هم بيوتهم، ثم ها هم اليوم وبلا سابق انذار يحاربون الشرك بنبش القبور ، ألم تكن طاعة معمر شركا يا مساطيل ؟ ..ألم تقرأوا عن دعوى فرعون : ” مالكم من إله غيرى ..” هل كان يقصد قبره ام حكمه وشريعته ؟.
أخبرنى صديق أنهم يطلبون من الناس أن يقولوا حّى التوحيد بدلا من سيدى يونس ، على طريقة مذهوب الشيرة .. بو شفشوفة : الشرارة الأولى سبها .. البيان الاول بنغازى .. الفضيحة الاولى سرت ، سيدى يونس عبد من عباد الله ولا علاقة له بخرافات الناس وفساد اعتقادهم فكيف ننكر عليه اسمه وتاريخه ، مارأيكم فى تغيير اسم بنغازى ، لأنها نسبة الى سيدى غازى؟ ونسميها مدينة المدخلية ، أو مدينة ” اللى ياخذ امّنا هو بونا ” ، حاشا بنغازى وصلّاحها الاحياء .. ممن كانوا سببا فى نهاية الظلم والفجور وبذلوا أنفسهم رخيصة فى سبيل إسترداد الكرامة.. وطرد كلاب الدم منها ومن ليبيا بأسرها ، المطلوب تغييره هوما فى عقول الناس من تخلف كتخلفكم ، فعقيدة التوحيد بدأت بآدم عليه السلام وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. بكم أو بدونكم .. فلا تغرنكم قرقعة السلاح ولا طول اللحى : لا تغرّنك اللحى والصور تسعة أعشار من ترى بقر
إنها طواحين الهواء .. الاضرحة ، وعقولكم الفارغة ..فماهى خطوتكم التالية ؟.
ناجي الفيتوري