رمضان لغير المسلمين بالسعودية.. صبر وصوم وعشاء باكر

"يمر عليهم شيء يسمى رمضان، يقلب ليلهم نهاراً، ونهارهم ليلاً، يتوقفون فيه عن الطعام والشراب، في النهار نوم طويل، وفي الليل أكل كثير، جميع المطاعم مغلقة ولا يسمح بالأكل أمام الناس، نتحلى بالصبر في تعاملاتنا ولا ندخل مع الناس في جدال فهم لم يأكلوا و يشربوا طوال النهار".

تلك كانت فقرة من رسالة أرسلها عامل فلبيني "غير مسلم" يعمل في مدينة جدة إلى والديه في الفلبين، يخبرهم فيها عن حاله في شهر رمضان، ويكشف الستار عن كثير مما يجهله المسلمون عن حالهم في هذا الشهر، لا سيما أنه يمثل تغيراً كاملاً لجميع الممارسات واليوميات التي اعتادوا عليها.

ويمثل شهر رمضان بالنسبة لغير المسلمين بالسعودية تغيراً نوعياً وجذرياً، حيث تستدعي هذه المتغيرات الجديدة البعض للسعي بجدية للتعاطي معها والانخراط فيها بهدف التأقلم، في حين يقف آخرون في المنتصف متعاملين بمرونة مع الواقع، في الوقت الذي يفضل فيه فريق ثالث الانعزال عن المجتمع والدخول في سبات نهاري حتى تنقضي مرحلة الشهر الكريم.

عشاء الصيام
ويعتبر عشاء الصيام إحدى الوسائل التي دأب العمال غير المسلمين على ممارستها للتكيف مع أسلوب حياتهم خلال رمضان، حيث تكتظ مخيمات الإفطار التي تنتشر في المدن السعودية بالعديد من العمال من مختلف الجنسيات، ويتجه عدد كبير منهم إلى تلك المخيمات ويشاركون المسلمين في تناول الإفطار.

ويقول كراجو مقور، وهو سائق هندي، "بمجرد أن أسمع آذان المغرب أذهب إلى المخيم لأتناول العشاء". ويضيف في حديث لـ"العربية.نت" أن "هناك الكثير من العمال المسلمين يستثمرون هذه المخيمات للحصول على وجبات مجانية، لا سيما أن أجورهم ضعيفة، ونحن ننتظر هذا الشهر من العام إلى العام، ونعتبره أيضاً شهر الخير لنا".

ولا يجد كراجو حرجاً في أن يشارك المسلمين إفطارهم، لأن الإسلام دين المحبة والعطاء، ولأنه كان صائماً بالفعل طوال اليوم باعتبار أن جميع المطاعم مغلقة بالنهار، ويضيف "هم يتناولون الإفطار ونحن نتناول العشاء، حيث أن المطاعم والكافيتريات التي تعودنا أن نأكل فيها تكون مغلقة طول الشهر".

وشهدت مخيمات إفطار عدة خلال الأعوام السابقة قيام العديدين بإشهار إسلامهم، بعد تأثرهم بما شاهدوه من تآلف بين قلوب المسلمين تحت سقف مخيم الإفطار. كما تقيم بعض مراكز الدعوة والإرشاد، لا سيما في المدن الصناعية، أنشطه دعوية على هامش مخيمات الإفطار ساهمت في دخول العديد من العمال إلي الإسلام.

صيام فعلي
إلي ذلك، سعي آخرون للتعاطي مع الواقع عبر التأقلم مع شهر رمضان، مفضلين ممارسة يوميات الصيام بطبيعتها بحثاً عن الفوائد الصحية والاجتماعية، حيث يقول منوال سرور، وهو مقيم عربي يعمل بجدة، "أحرص على صيام رمضان احتراماً لأصدقائي وجيراني، وكوسيلة للتأقلم مع يوميات المجتمع". ويضيف سرور في حديث لـ"العربية.نت" "تأتيني دعوات إفطار كثيرة واستجيب لها، فزملائي يعلمون إني صائم".

وعن يومياته في رمضان، يقول سرور "لا أعيش يوميات مختلفة، فأنا أصوم مثل الآخرين حتى المغرب، رغم أني لست ملزماً بذلك، كما أني أمارس عملي نهاراً بشكل طبيعي والساعات التي أقضيها في عملي تساعدني في عدم التفكير في الطعام والشراب".

وأشار سرور أن العديد من المقيمين العرب من غير المسلمين يسلكون هذا المسلك لأنه من جهة احترام للمجتمع الذي يعيشون فيه، ومن جهة أخرى يحققون الاستفادة من فوائد الصيام الصحية والاجتماعية.

سبات نهاري
في غضون ذلك، اختارت مجموعات أخرى عبور مرحلة شهر رمضان المبارك من خلال "السبات النهاري"، والمتمثل في قضاء نهار رمضان في المنازل، والخروج بالليل لقضاء الاحتياجات الخاصة والتزود بالطعام والشراب وتخزينه قبل حلول النهار.

ويقول نوتي مينا، وهو فليبني يعمل بجدة، "عندما يأتي رمضان اعتكف أنا وأصدقائي طيلة النهار في البيت ولا نخرج إلا بالليل". ويضيف مينا في حديث لـ"العربية.نت" "ليس هناك فائدة من خروجنا، فجميع المطاعم والكافيهات مغلقة، وغير مسموح تناول الطعام في الأماكن العامة لذا فالحل الوحيد هو البقاء في البيت إلا أن يحل المساء احتراماً لمشاعر الآخرين".

وعن معلوماته حول رمضان، قال مينا "لست متأكداً تماماً في أي تاريخ يأتي رمضان، لكني أراه مثل الامتحان، حيث يمتنع الموظفون بالشركة عن الإفطار والشاي والقهوة، وأنا أتحلى بالصبر في تعاملاتي ولا أدخل معهم في جدال، فهم لم يأكلوا ولم يشربوا طوال النهار".

تجدر الإشارة إلى أنه يقيم في السعودية نحو 8 ملايين وافد، بينهم نسبة مقدرة من غير المسلمين المنتمين للديانات المختلفة، ويتمركزون في المناطق الشرقية والغربية من المملكة، ويسمح لهم بدخول كافة الأراضي السعودية ما عدا المدن المقدسة، وتتراوح جنسياتهم ما بين الفلبين والهند وشرق إفريقيا وقليل من العرب والغربيين.

مشكور ياعم استار