ما هو السبيل لانقاذ اليورو؟

من طرف **عبدالحفيظ عوض ربيع** 2011-07-25, 6:48 pm

ما هو السبيل لانقاذ اليورو؟

يتعين
على قادة الدول الاوروبية في قمتهم الاستثنائية في بروكسل يوم 21
يوليو/تموز الاجابة عن هذا السؤال بالذات. واليورو،العملة الاوروبية
الموحدة، هي المريض الذي يتعين على القادة الاوروبيين، وفي اسوأ الاحوال
الاتحاد الاوروبي والاقتصاد العالمي، تقرير مصيره. وحتى مصير الثورات
العربية يتوقف على مصير اليورو.

وتكمن المفاجاة الرئيسية للقمة في
مدى نجاح بلدان اوروبا في ارغام المانيا على ان تأخذ على عاتقها تسديد
ديون اليونان في البداية، من ثم البرتغال وايرلندا واسبانيا، ولربما، حتى
ايطاليا.

وتتلخص المعضلة حاليا ليس فقط ، ولا حتى في مبلغ الديون،
علما بانها هائلة للغاية. فيشكل الخطر الاساسي الان النمو الجامح لقيمة
القروض الجديدة لكافة البلدان الانفة الذكر، التي من المتعذر عليها دفع
فوائد القروض السابقة بدون سلف جديدة، وبعبارة اخرى، انها مرغمة على اعلان
الافلاس. ولا يدور الحديث حاليا عن افلاس اليونان التي ستصل ديونها في عام
2012، حسب توقعات صندوق النقد الدولي، الى 172% من ناتجها المحلي
الاجمالي، كما سيتقلص الناتج المحلي الاجمالي نفسه في السنة الجارية بنسبة
3.8% ، وليس بوسع اليونان استلاف اموال عشية القمة الا بفائد اسطورية، 39
%، وهذا يهدد الميزانية اليونانية بكارثة قريبة وحتمية. ويلي هذا اعلان
الافلاس رسميا.

ولا تشكل ديون اليونان الا 4 % من مجمل ديون دول
منطقة اليورو، واقتصاد معظم المستدينين الاخرين شبيه بحالة الاقتصاد
اليوناني، وان سابقة اعلان الافلاس ستكون بمثابة صرخة "تحذير" لجميع
المستثمرين، الذين يوظفون رؤوس الاموال في الديون الاوروبية. وعلى هذه
الخلفية، ارتفعت قيمة القروض للمستدينين الاوروبيين الاخرين، ووصلت في هذا
الاسبوع الى مستويات قصوى تاريخيا. والجدير بالذكر انه يتعين على اسبانيا
والبرتغال واليونان وايرلندا خلال سنة تسديد اقساط ديون بقيمة لاتقل عن
310 مليارات يورو، وايطاليا وحدها ـ 335 مليار يورو. ولا توجد لدى هذه
البلدان مثل هذه المبالغ، ولتسديد الديون السابقة يتعين عليها الاستلاف من
جديد، وفوائد القروض تنمو بشكل جامح. لذا فان الحديث لا يقتصر على انقاذ
اليونان، وانما كل منطقة اليورو.

من اين يمكن استلاف الاموال لذلك؟

واختلفت
قاطرتا الاقتصاد الاوروبي، فرنسا والمانيا، في الرأي بشأن الاجابة على هذا
السؤال . فالبنوك الفرنسية تخسر في الغالب من احتمال اعلان بلدان جنوب
اوروبا الافلاس، لذا تطرح فرنسا مختلف الخيارات لاعادة جدولة ديون
اليونانيين، والتي لا تخلو من مساعدة الاتحاد الاوروبي بهذه الدرجة او
تلك. واما المانيا، الممول المفترض الاساسي، فتعارض هذا الموقف. فمن جانب
ان افلاس اليونان يوجه ضربة قوية جدا للنظام المالي الاوروبي، ويسرع افلاس
المستدينين الاوروبيين الاخرين، ولربما يؤدي الى انهيار منطقة اليورو وحتى
الاتحاد الاوروبي. وستكون عاقبة ذلك على الاقتصاد العالمي قاسية جدا،
والعملية المتسلسلة من انهيار منطقة اليورو والافلاس الجماعي، ستثير موجة
ازمة اقتصادية عالمية ثانية، اكبر بكثير مما في عام 2008. ومن جانب آخر،
توضع المانيا امام ضرورة توظيف اموال هائلة في البداية في ديون اليونان،
ومن ثم على الارجح، في ديون المستدينين الاوروبيين الاساسيين الاخرين. ومع
ذلك، فكبير جدا في غضون ذلك، احتمال عدم تكلل كافة محاولات انقاذ هذه
الدول بالنجاح، وستكون النتيجة نفسها ولكن بخسائر كبيرة لالمانيا.

وبالمناسبة
ان الخيار لدى القادة الاوروبيين في الحقيقة، اوسع بكثير. فبالاضافة الى
رؤوس اموال اوروبا نفسها، هناك الصين التي ابدت الاستعداد للاستثمار في
سندات البلدان الاوروبية. وقد يتمخض هذا الخيار عن تنفس الصعداء ولو
مؤقتا، ويتطلب تقديم تنازلات سياسية واقتصادية للصين من جانب اوروبا، ومع
ذلك قد يقدم السياسيون الاوروبيون على هذه الخطوة على عتبة انهيار منطقة
اليورو. ويوجد خيار آخر ـ طبع البنك المركزي الاوروبي اوراقا نقدية غير
مدعومة، وشراء سندات اليونان وبلدان منطقة اليورو ذات المشاكل الاخرى،
بها. وقد تستخدم اوروبا هذا الخيار على الارجح، في نهاية المطاف. وتسلك
هذا الطريق منذ امد امريكا، وساعد هذا حاليا على كبح حلول موجه ازمة
عالمية جديدة. وهذه السياسة ليست ابدية في الحقيقة، و ستؤدي بعد عدة اشهر
او سنوات الى انهيار هرم الديون، ومع ذلك فان "الموت فيما بعد افضل من
الآن".

وبماذا يهدد هذا البلدان العربية؟

من
الصعب حاليا حدس رد فعل الاقتصاد العالمي على افلاس اليونان، ولكن العواقب
في كافة الاحوال ستكون وخيمة. وفي اسوأ الاحوال، ولدى استمرار اتساع
الازمة العالمية، ستطال البلدان العربية، كما بقية العالم، عملية الافلاس
المتسلسلة، وذلك من جراء توقف العمليات المالية الدولية بصورة مؤقتة او
نشوء صعوبات فيها، وتوقف التجارة العالمية لفترة معينة او تقلصها بشكل
ملموس، وتدهور الانتاج والاسنهلاك. وفي احسن الاحوال، ستتسنى الحيلولة دون
فزع المستثمرين، مما سيخفف سرعة ارتفاع الفوائد للمستدينين الاوروبيين
الآخرين، ومع ذلك لن يتيسر حل المشاكل، وستتكشف بقوة اكبر بكثيرمن جديد
بعد فترة معينة من الزمن. واذا بدأت اوروبا بطباعة اوراق يورو غير مدعومة،
فستبدأ الاسعار العالمية بالارتفاع بقوة اكبر، وبالمرتبة الاولى اسعار
الخامات والمواد الغذائية. ان الثورات العربية التي اندلعت في الغالب
نتيجة ارتفاع اسعار المواد الغذائية وهبوط مستوى معيشة السكان، ستكتسب
زخما جديدا. وفي كافة الاحوال ان معظم البلدان العربية متكاملة بشكل وثيق
جدا في الاقتصاد العالمي كما ترتبط بشكل وثيق بالتجارة الدولية وباسعار
المواد الخام والمواد الغذائية. ولدى حدوث اي ازمة اقتصادية عالمية ستكون
هذه البدان بين المتضرريبن جدا.

المصدرك الكسندر نزاروف ـ محلل اقتصادي