روائي من سرت: عشت دمار الحرب كمواطن فحسب

من طرف **زهرة اللوتس** 2011-12-04, 7:56 am

روائي من سرت: عشت دمار الحرب كمواطن فحسب

حاوره: طارق القزيري- إذاعة هولندا العالمية/ "كنت أنوي زيارة البوسنة للوقوف على أثار الحرب هناك، ولم يدر بخلدي أن الحرب ستأتي إلى بيتي، وان تتحول منطقتي "الزعفران" إلى ساحة حرب.... بينما كان يمكنني النزوح أو السفر إلى أي مدينة محررة، لكنني منذ البدء آثرت البقاء في سرت، رغم حصار المدينة واعتقالات الكتائب للمعارضين، وصعوبة الحياة في المدينة". .... هكذا يبدأ الروائي الليبي محمد العريشية حديثه لإذاعة هولندا العالمية عن تجربته في مدينة سرت الليبية، التي لم يغادرها طيلة فترة الثورة، ليكون أحد الشهود على ماحدث في آخر معاقل الموالين للقذافي، وفي نفس المدينة التي شهدت اعتقال الديكتاتور وقتله على أيدي الثوار الليبيين.

الإنسانية وسريالية المشهد الحربي
المشهد في المدينة المنكوبة بالقتال، والتي تحولت إلى خراب؛ يقدره الروائي الليبي – على سبيل المقارنة - بعشرة أضعاف ما تعرضت له مدينة مصراته من دمار شهير خلال حصار الكتائب لها شهور مارس وابريل ومايو ويصف هذه السريالية " فجأة تجد ركنك المألوف وقد تحول لجبهة ملتهبة، يحترق بيتك، وتتحول واجهته لجدارية كبيرة لأثار الرصاص، وتضيع قيمة الإنسان، ويصبح مجرد هدف متحرك للرصاص الحي".
مدينة سرت الواقعة على بعد 450 كم شرق العاصمة طرابلس، كانت ساحة لمعارك طاحنة وشرسة بين آخر قوات للقذافي في البلاد، وبين الثوار وقد تسلحوا جيدا، عازمين على إنهاء الحرب التي امتدت لثمانية أشهر بعد اندلاع الاحتجاجات في عموم البلاد وتحولت إلى ما وصف بحرب أهلية دموية.

أسطورة الحرب ... وموت الإنسان
يقسّم العريشية جوانب للحرب منها "الحقيقي": حيث الدمار والقتل وهو البعد الواقعي، وهناك الجانب "الأسطوري": حين يتم "تنميق الأحداث بما يروق للفئة المنتصرة، حتى ولو كانت تتعارض مع قيم الإنسان وحقوقه". لكنه لا يرى في الحرب "مجرد توظيف محتمل في رواية قادمة". لكنها "نافذة مفتوحة على الخوف والموت الأعمى القادم من أي اتجاه، ويتمركز حتى خلف النافذة وفي كل ركن من البيت".
يستذكر العريشية سماعه للصراخ، ومشاهداته للجرحى والقتلى الذين يدفنون على عجل، فتضج رائحة الموت في كل مكان، لكنه يسترجع أيضا "قررت أن أكون مجرد مواطن، كالناس؛ رغم إيماني العميق بالثورة والتغيير الذي كنا نصبو إليه، لكنني قررت أن اقتسم معهم (سكان سرت) كسرة الخوف الذي يهددني ويهددهم، وأن أركض مثلهم بحثا عن ملاذ يحميني من الرصاص، ولأوثق كل الأماكن الجريحة التي التهمت الوجوه العزيزة عليّ، وقد غادرت الحياة وهي تحلم بأن تستمرئ الحرية بعد سنوات طويلة من الظلم والديكتاتورية".
ويستيقظ الكاتب الليبي على حقيقة أن الحرب انتهت وأن ثمة ما يجب عمله "لإعادة الناس إلى بيوتهم أو قرب بيوتهم التي تدمرت".

إهمال الانتقالي
محبطا ينتقد العريشية إهمال السلطات الليبية الجديدة للمدنية المنكوبة، مؤكدا انه حتى إزالة الجثث من شوارع المدينة قام بها سكان المناطق الذين بقوا أو عادوا. وأن المجلس المحلي لمدينة سرت، لا يجد ما يقوي به ضعفه بسبب إهمال المجلس الانتقالي للمدينة، مستشهدا بحادث الانفجار الضخم في احد مستودعات الوقود والذي أودى بحياة أكثر من 150 مواطنا، في كارثة لم تجد حتى اهتمام يذكر في الإعلام، واختلاط المياه بقنوات الصرف الصحي، بما قد يؤدي لمنطقة وبائية".
ولسنوات طويلة أعتبر الكثير من الليبيين مدينة سرت وهي مسقط رأس القذافي، مدينة مفضلة وتعامل بمحاباة، بعد خصص لها القذافي موارد خاصة لإعمارها، بل وحاول جعلها عاصمة لحلمه بإنشاء الولايات المتحدة الأفريقية!!. لكن العريشية يقول "سكان المدينة والذين عاشوا فيها لأجيال منذ مئات السنين لم يغادروا بيوتهم إلا للنزوح داخل أحياء أخرى في المدينة، بخلاف الوافدين في السنوات الأخيرة للمدينة".

مفاجأة القذافي وحرب الأشقاء
وإذ يؤكد الروائي الليبي أن معلومات كانت متداولة عن تواجد المعتصم القذافي في المدينة، فهو يقر المفاجأة باكتشاف وجود القذافي في سرت ومقتله لاحقا، قائلا "الكتائب كانت تقنع الناس بأن قوات الثوار قد اندحرت عن المدينة، حتى بدأ الهجوم منتصف أكتوبر، بشكل مفاجئ للسكان تماما". لكن العريشية ينفي عزلة سرت عن العالم ويؤكد علم أهالي سرت بتفاصيل ماحدث طيلة شهور الثورة والحرب، وتحرير العاصمة طرابلس.
ويشرح "كثيرون من شباب سرت خرجوا للمناطق الأخرى للمشاركة مع الثوار، ولم تنحز قبيلة بعينها للقذافي أو ضده، انقسمت العائلات بين الكتائب والثوار، حتى كان من الأخوة من مالوا كل إلى جهة، ولذا حرص الجميع على عدم القتال داخل المدينة صونا لدمائهم وأواصرهم، وإن لم يخل الأمر من عمليات ضد قوات القذافي في المدينة ..... بحسب العريشية.