الشيـخ عبد الرحمن محمـد البـركـولي الحضـيـري

من طرف **زهرة اللوتس** 2011-12-15, 8:20 pm

من أعلام الوطن ...الشيـخ عبد الرحمن محمـد البـركـولي الحضـيـري
ولد الشيخ عبد الرحمن محمد البركولي الحضيري في حي الجديد بسبها سنة 1322 هـجرية الموافق 1904 م , وكان والده متفقها في الدين إلا أنه توفي قبل أن يكون له فضل في تربيته وتكوينه , ومع أن الشيخ عبد الرحمن محمد البركولي الحضيري لم يحظ برعاية أبيه له إلا أنه تربي تربية دينية لأنه عاش في محيط أسرة توارث أبناؤها طلب العلم وحب المعرفة , فبدا تكوينه العلمي بقراءة القران الكريم في الجامع العتيق ببلدة الجديد سبها , ولم تمر بضع سنوات حتي حفظـه, و أخذ في دراسة مبادئ العلوم الشرعية : العقيدة , والتفسير والحديث والفقه على يد شيخه وأستاذه الشيخ محمد تاج الدين بن عثمان الحضيري الذى تولاه منذ الصغر بالرعاية والعناية والتعليم والتثقيف لأنه توسم فيه حمل الرسالة وأداء الأمانة, فكـان لعنايته الفائقة ورعايته المستمرة وتشجيعه الكبير أن وجد الشيخ عبدالرحمن في نفسـه الرغبة الصادقة الملحة في أن يجد بيئة علمية نظامية تتوفر فيها الوسائل التعليمة لتحقيق أهدافه السامية وغاياته النبيلة, وكانت جامعة الزيتونة في تونس أنذاك من المراكز العلمية المتفوقة التي يقصدها الدارسون وطالبوا العلم .
ورغم بعد المسافة, وقلة المواصلات, بالإضافة إلى ما يكتنف الحياة السياسية والأجتماعية من اضطرابات تعوق سير حياة الإنسان أحيانا . قرر الشيخ عبدالرحمن البركولي في بداية سنة 1927 أن يتوحه إلى تونس لإتمام دراسته في جامعتها العريقة مركز العلم ومقصد العلماء , وما ان وصل إلى هناك حتي التحق بالدراسة فيها , وكان للخلفية العلمية التي تحصل عليها في سبها على يد شيخه وأستاذه الشيخ محمد تاج الدين بن عثمان الحضيري أثر كبير في تمكينه من إستيعاب العلوم الزيتونية بيسر وسهولة وإتقان , وبعد سبع سنوات من الجد والمثابرة والبحث والأستقصاء نال الشيخ عبدالرحمن البركولي شهادة جامع الزيتونة حيث أجازه أساتذته الأجلاء في العلوم الشرعية واللغوية , وكان على رأسهم العلامة الشيخ حسن السيناوني .
وفي نهاية سنة 1933م رجع الشيخ عبدالرحمن البركولي إلى مسقط رأسه , والوطن لازال يرزح تحت وطأة الآستعمار الإيطالي الغاشم , وأحواله تزداد سوءا إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية وانتهى الاحتلال الإيطالى وجاء فيما يسمى بعهد الإدارة حيث كانت شؤون الدولة في شمال البلاد شرقها وغربها تدار بواسطة الإنجليز وفي جنوبها تدار بواسطة الفرنسيين .
وخلال هذه الحقبة الزمنية التي تواجد فيها الشيخ عبدالرحمن البركولي في وطنه رأى أن يقوم بما يستطيع من واجبه من خلال عقد مجالس العلم للمواطنين في الجامع العتيق جريا على السنة المتبعة فيه , ولتقوية الروح المعنوية , وبث الوعى السياسي , ونشر الثقافة الإسلامية بين الدارسين من أبناء وطنه الذين وجد منهم إقبالا كبيرا ما شجعه على الاستمرارية من وقت لأخر .
ومما تجدر الإشارة إليه أن تلك الدروس كانت تتخللها الأسئلة العامة والإستفسارات الهامة من تلاميذه ومريديه وعامة الناس تصحيحا لفهم خاطئ , وإيضاحا لأمر غامض , وكان الشيخ صادقا في قوله مخلصا في عمله , جريئا في الحق يرد على تلك الإستفسارات برحابة صدر, وسعة أفق وغزارة علم مما جعل مجالسه العلمية تكتسب أهمية خاصة في توعية الناس وتثقيفهم , وتبصيرهم بحقوقهم وواجباتهم وشحذ هممهم لنبذ الظلم والاستبداد والقهر والاستعباد .
وعلى الرغم من الظروف والأوضاع الاجتماعية , والاقتصادية , والسياسية التي شهدتها المناطق الجنوبية , والتي تختلف عن شمال البلاد إلا أنه ظهرت حركات رافضة ضد الإدارة الأجنبية تعبيرا عن سخط والكراهية للهمينة الاستعمارية الظالمة , وكانت حركة الشيخ عبدالرحمن البركولي الحضيري ومن معه من أبرز تلك الحركات الرافضة لكل ماهو أجنبي حيث وقف الشيخ ومن معه موقفا شجاعا ضد محاولات الاستعمار الذى حرص على تقسيم ليبيا إلى شمال وجنوب مما جعل الفرنسيين يعمدون إلى فصل إقليم فزان عن بقية أجزاء ليبيا , ويتخذون أسلوب الوعد والتهديد وسيلة لسيطرتهم الظالمة , ويتعقبون رئيس وأعضاء تلك الحركة ويمنعون نشاطها , وكان ظنهم أنهم سوف يخمدون تلك الأنفاس الوطنية الصارخة في وجههم , ولكنهم أخطأوا في تقديرهم حيث ازداد الناس قوة وإيمانا بحقوقهم , واستمر الشيخ يحثهم على التمسك بوحدة البلاد وإستقلالها ويحرضهم على نبذ الاستعمار والوقوف في وجه مخططاته الظالمة .
نال الشيخ عبدالرحمن البركولي الحضيري مكانة مرموقة بين أبناء وطنه حيث قدوره لعلمه , وقدموه لحنكته وحكمته , وكانوا كتلة واحدة من ورائه أثناء مرحلة تحرير ليبيا في المطالبة بالحرية والاستقلال والانضمام للجامعة العربية من خلال لجنة التحقيق الرباعية , ومندوب هيئة الأمم المتحدة وغير ذلك ولم يرق لأولئك المستعمرين أن يروا الناس منظمين تنظيما دقيقا تحت قيادة واحدة , كلمتهم واحدة , ومطلبهم واحد , وغايتهم واحدة , لذلك كانوا يضيقون عليهم الخناق ليقصموا ظهرهم , ويفرقوا جمعهم ويفتتوا وحدتهم , فكانوا يبرقون ويرعبون ويستعرضون مظاهر قوتهم العسكرية في شكل مناورات أمام حشد المواطنين العزل من السلاح علهم يلينون ويسكنون , ولكن شيئا من ذلك لم يحدث فلم تضعف عزيمتهم ولم تخر قواهم بفضل ماكانوا يتحصنون به من إيمان بالغ , ويقين بالحق , وثبات على المبدأ , وكان الشيخ ومن معه على صلة وثيقة بزعامة المؤتمر الوطني وبعض التنظيمات الإخرى التى كانت في شمال البلاد بالرسائل تارة وبمندوب عنه تـارة أخرى .
وكثيرا ما حاول الفرنسيون استمالة الشيخ ليكون عونا لهم لما له من ثأثير في نفوس الناس , ولكنه رفض المال , والجاه , والسلطان , وإنحاز إلى الحق والعدل والإنصاف راضيا بقضاء الله وقدره متحملا كامل مسؤلياته مقتنعا بما أعطاه الله غير ناظر إلى بهرجة الدينا وزخرفها, وشاء اليه أن يبارك في ذلك الجمع وأن يقوى تماسكه امام القوى العاتية حتي استقلت ليبيا في الرابع والعشرين من ديسمبر 1951 م .
كان من المؤمل أن ينال الشيخ عبدرالرحمن البركولي حظوة بعد استقلال ليبيا لأنه من العناصر المتعلمة التى يحتاج إليها الوطن والتى يفترض أن يحرص على وجودها بين مسؤليه بالإضافة إلى أنه من الشخصيات البارزة التى عاصرت استقلال ليبيا وكان لـه دور فعال فيه ولكن ذلك العهد تجاهله بعمـد فبقـي مواطنا حرا ينطق بكلمة الحق ويوجه الناس إليها حتى وافاه أجله وانتقل إلى جوار ربه في مسقط رأسه ببلدة الجديد بسبها ودفن في مقبرة الشيخ سيدى حامد الحضيري سنة 1953 م عن عمر يقارب الواحد والخمسين عاما عليه رحمة الله .
وفي سنة 1970 م وفي عيد العلم أطلق اسمه على معهد المعلمين ليكون
(( معهد عبدالرحمن البركولي للمعلمين بسبها )) هذه المقال مختصرة من مقال الدكتور محمد حامد الحضيري
قلم ابنه الدكتورحسن عبدالرحمن البركولي