كي لا يساء الفهم

من طرف أم عمر 2012-01-25, 9:09 am

اقتحام مقر المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في بنغازي، وما تلاه من اعتصام الثوار أمام مقره بطرابلس. لا يثيران الدهشة وانما يثيران التساؤل... لنتفق، بادئ ذي بدأ، أننا جميعا ضد العنف وضد الاعتداء على ممتلكات الدولة بالتكسير أو السرقة. وكذلك على السياسيين... لكن ما حدث يؤكد أن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بدأ يفقد الكثير من حماس وتأييد الشعب الليبي له . بل لقد تطور الأمر خلال الشهرين الماضيين من مجرد الانتقاد في الفضائيات والاذاعات والصحف وغيرها.... الى مواقف بدأت تتبلور في شكل اعتصامات في ميادين عامة في عدة مدن ليبية.

كثيرون كانوا يلومونني على انتقاذي لهذا المجلس، ويقولون أنني متشائم . في حين أرى أنني كنت أنبه وأدق أجراس الخطر. لتفادي القادم من الأحداث السيئة. وارتفعت وثيرة تخوفي في آخر مقال نشرته لي (صحيفة الوطن الليبية) مشكورة وكان تحت عنوان (ألف.. لماذا؟.. والأجوبة غائبة).

لقد مرت المحاضرات والندوات وورش العمل وكتابات المثقفين والأكادميين واعتصامات ميادين بنغازي وطرابلس ومصراته والزاوية وغيرها من المدن أدراج الرياح، ولم يستمع اليها هذا المجلس الاستماع الجيد والايجابي.. ولم يتعامل معها الا بالوعود التي لم تقدم ولم تؤخر شيئا... عندما تتطور الاحتجاجات من مرحلة ابداء الرأي عبر وسائل الاعلام المختلفة واللقاءات الثقافية والسياسية لتصل الى مرحلة الاعتصام ثم الى مرحلة اقتحام والاعتصام أمام مقار المجلس ، فان الأمر لم يعد من الممكن السكوت عنه أو تجاهله أو التصريح بأن (معي الأغلبية الصامتة) هذا هروب الى الأمام ولا ينم عن ادراك وفهم لواقع ما يعتمل في الشارع الليبي ويتراكم ويتفاعل الى أن وصل الى نقطة الغليان الى حد الان.

السؤال الذي لم يجد اجابة حتى الآن هو لماذا يتجاهل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت مطالب الشارع الليبي التي عبر عنها المعتصمون في الميادين وتطورت الى اعتصام واقتحام لمقاره؟

لقد تعامل المجلس مع هذا الحراك السياسي بموقفين:

الأول: قال انها مطالب مشروعة .. ولم يفعل حيالها شيئا.... الثاني: حذر في البداية من تسلل أتباع القذافي الى هذه الاعتصامات..ثم حذر من دخول البلد في حرب اهلية لو استقال المجلس الوطني الانتقالي. أي أنه أحالهما الى ملفي التخوين والتخويف!! وهذا لا ينسجم مع الروح الوطنية البناءة.

بالنسبة للنقطة الأولى أعتقد أن المجلس تعامل معها بأسلوب التسكين والتهدئة والتخدير .. ولم يتفاعل مع المطالب ويباشر في اتخاذ اجراءات وقرارات عملية.... بالنسبة للنقطة الثانية فان المجلس نصح غيره ولم ينصح نفسه .. بمعنى أنه نصح المعتصمون بالانتباه الى المتسللين.. لكنه لم ينظف صفوفه من المتسلقين!! وزاد الطين بلة أنه خوّف من امكانية نشوب حرب أهلية وهذا نوع من الايحاء وزرع بذور الفكرة في المجتمع.. وهو ، ما كان لأريب أن يتفوه به. في وقت يقول فيه المجلس أن من أولوياته تحقيق المصالحة الوطنية. ثم .. هناك سؤال مهم ينبغي أن يطرح وهو: هل الاختلاف على تكوينة ومسيرة المجلس تعني الاختلاف بين مناطق عدة في ليبيا بحيث يصير الصراع المسلح عليها حتمي لا مناص منه؟ الا اذا اعتبر أن هذا المجلس جهوي وليس لليبيا الموحدة.

المعتصمون لا يطالبون باسقاط المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، وتسويق هذه الفكرة خاطئ من الأساس.. وانما هم يطالبون بتصحيح هيكليته. فنحن جميعا مع ضرورة وجود هذا الجسم القانوني، ولكننا نختلف في طريقة تكوينه والمعايير التي ينبغي أن تتوفر في اعضائه بصورة عامة.... واذا كان هذا المجلس قد أصدر (اعلان دستوري مؤقت) فلماذا يخترقه ولا ينفذ ما نص عليه من ضرورة اعادة تشكيلته عند انتهاء تحرير ليبيا؟ واذا كان المجلس قد أصدر 22 شرطا ضمن معايير تقلد المناصب العامة.. فلماذا لا يطبقها على أعضائه وأعضاء الحكومة المؤقتة؟ واذا كان هذا المجلس مؤقت ، فلماذا يوعد ويتحدث عن المستقبل البعيد من حيث الاعمار والاستثمار وخلافهما؟

أنت لا تستطيع أن تنهى عن خلق وتأتي مثله.. ولا تستطيع أن تكون حالة لمرحلة مؤقتة.. ثم تتصرف كحالة دائمة ومستمرة وترتب التزامات مالية وسياسية على الدولة.. ماذا اذن تركت من ارادة للحكومة التي سوف ينتخبها الشعب؟.. أليس كذلك يا مجلسنا الموقر؟

عبد الرحمن الشاطر