محمد غويلة: رسالتي إلى الدكتور أبوبكر بعيرة...

كُلي شغف بأن تصل الرسالة إليك علناً وليس عبر بريدك الشخصي، علها تُساهم في توسعة مداركك وتنوير بصيرتك وتصحيح افكارك وترشيدك إلى حُسن السبيل، وأنت من يحمل درجة الدكتوراة، ولكن لا تغتر، فلكُل عالمٍ هفوة، وفوق كُل ذو علمٍ عليم، فقد خانك علمك، بل أنك رميت به عرض الحائط، وتمسكت إجلالاً بالنعرة القبلية.

لا أدري يا أستاذي الفاضل علي أي أساسٍ تُنادي بالفيدرالية، هل على أساس علمي، أم على أساس جهوي؟ فأن كانت الأولى فقد أخطأت، لأن الفيدرالية حسب مفهومك والذي صرحت به على احدى القنوات هي نظام إداري، وهي ليست كذلك، بل هي نظام سياسي من الطراز الأول، ولا أدري إن كُنت تجهل ذلك أم أنك تحاول ترويج الفيدرالية بهذا الشكل حتى تستقطب وتُقنع بها الحمقى والبُسطاء، وأنا لا أتحدث عن الفيدرالية بدون علم، بل أنها كانت من ضمن دراستي للقانون، وهي تُدرس في المناهج في كُليات القانون أن كُنت لا تعلم، وإن كانت على أساس جهوي فتلك مسألةٌ أُخرى لا تحتاج إلى نقاش.

المُشكلة ليست في النظام الفيدرالي نفسه ، فهو نظام كأي نظام سياسي في العالم، له أيجابياته وسلبياته، وأيظاً ليس في المُطالبة به، فمن حق كُل مواطن ليبي أن يُطالب بما شاء طالما أنه مطلب مشروع، ولكن المُشكلة في كيفية تطبيق هذا النظام، وكيفية المُطالبة به.

هل سألت نفسك كيف يُمكن تطبيق هذا النظام على شعب تعداده ستة ملايين نسمة وأيظاً تجمعهم ديانة واحدة وتُراب واحد، ألم تعلم أن الفيدرالية ما ابتُكرت في الأصل إلا لتوحيد المُقسم المُفتت وليس لتوحيد الموحد، ألم تعلم أن الفيدرالية ما صُنعت إلا لدمج مُجتمعات (وليس دول) مُتعددة الثقافات والديانات والأعراق في جسم واحد، كيف تكون الفيدرالية ونحن شعب واحد وتجمعنا أرض واحدة ودينٌ واحد وعادات وتقاليد واحدة، ألم تعلم أن ليبيا مُجتمع قبلي مُتجدره فيه النعرة القبلية وبالتالي تكون ليبيا ليست البيئة المُناسبة لتطبيق الفيدرالية وأن نجحت في مُجتمعات أخرى ، لأن التركيبة والعقلية ليست واحدة، كما أن هذا النظام قطعاً سيفتح شهية أخواننا من الأمازيغ والطوارق والتبو لنجد كلٌ منهم يُطالب بدولته المُستقلة.

في تقديري أن المسألة ليست مسألة فيدرالية، وقد تطرقت إلى ذلك قبل أجتماعكم في ذلك المؤتمر، وقد أثبتت الأيام فيما بعد أني على حق وأن كثيراً من الساسة والنُشطاء والمُثقفين كانوا هُم أيظاً على حق.

كيف تُطالبون بالفيدرالية عبر فرضها قصراً على الليبيين، وأنتم يُفترض أنكم خير من يعلم أن أي شكل من أشكال الحُكم في الدولة يُطرح على الشعب في أستفتاءٍ عام ليتم أختياره أو رفضه، وليس خِلسة من دون مُشاورة الليبيون يتم التحدث بأسمهم وتقرير مصيرهم في ضواحي بنغازي، وفي مكان كان مُعد سابقاً لصناعة الصابون ومواد التنظيف ويحدوه من جهة الشرق أكبر مُستودع لخُردة السيارات (الرابش) ومن جهة الغرب أكبر تجمع لورش السيارات والشاحنات وورش الحدادة، كما أن الطريق المؤدي إليه غير مُعبد، مالذي يُجبركم على الأجتماع في مكان يقع في ضواحي مدينة بنغازي وليس وسط المدينة إذا كُنتم تُطالبون بحق مشروع،إلا إذا كُنتم مُقتنعون أنكم على باطل، ومُبتغاكم فرض سياسة الأمر الواقع، عل الليبييون يقبلونها ويُقرونها سيما سُكان الشرق، هل من الديمقراطية يا دكتور أبوبكر بعيرة الإعلان عما يُسمى بمجلس أقليم سُكان برقة دون مُشاورة أو على الأقل أستفتاء سُكان برقة (إذا صحت هذه التسمية)، ثُم أي سُكان برقة الذين تتحدثون عنهم؟ أليس الألاف المؤلفة التي خرجت يوم الجُمعة في مناخ سئ رافضةً الفيدرالية في درنة وبنغازي والبيضاء وطبرق والمرج واجدابيا أليسوا هؤلاء هُم سُكان برقة،ناهيك عن الكُفرة وسبها وطرابلس والزاوية والخمس ومصراتة وزليتن، ألا يضعكم ذلك في موقف مُحرج ويطعن في مصداقيتكم ومشروعية أهدافكم، ألم يُفصح كُل ذلك عن مكنوناتكم بأن مساعيكم و هدفكم الرئيسي هو تقسيم البلاد و لكن عبر أستخدم الفيدرالية كمدخل لتحقيق نواياكم، أياكم والادعاء بعد كُل ذلك بانكم أكثر حرصاً على عدم تقسيم ليبيا، لأن ذلك محظ هُراء ولم يعُد يُجدي نفعاً، لأن النوايا ظهرت والأقنعة تكشفت، وأستمراركم على هذا المنوال سيؤدي حتماً إلى الشقاق والنزاع بين الليبيين، وستتحملون أنتم المسؤولية كاملة إذا تازمت الامور لا سمح الله.

نصيحتي لك سيدي الفاضل إذا كُنتم تُريدون تبني أي فكرة فعليكم طرحها على الليبيين عبر القنوات المشروعة، والشعب هو من يُقرر وليس بضعة ألاف جُلهم من كان يُسبح بحمد القذافي، وخير دليل تلك القائمة من الأسماء التي تكشفت لليبيين والتي أظهرت خُبث النوايا وسوء الطالع.

محمد غويلة