الزعيم بشير السعداوي

من طرف **زهرة اللوتس** 2011-11-15, 8:34 am

بشير السعداوي
قراءة جديدة فى تاريخ الزعيم بشير السعداوي ، المناضل الدبلوماسي ، الخطيب المفوه ، المستشار المؤتمن ، عين حاكماً أربع مرات بليبيا وتركيا والسعودية ولبنان. والمسلم الأول ، والليبي الأول الذي حكم المسيحيين فى لبنان ،
فأحبوه لعدله ، ورثوه وتمادوا فى وصفه حتى شبهوه بعمر بن الخطاب العادل. ولد الشيخ بشير ابراهيم محمد السعداوي بمدينة الخمس سنة 1884م ، ويرجع أصله إلى أهالي مصراته من قبيلة الغلالبة ، وليست زموره كما يعتقد الكثير ، ثم انتقلوا ألي مدينة الخمس. حصل على تعليمه الأول على الطريقة الكُتابيه ، وذلك بقراءة القرآن فى الزاوية السنوسية بمدينة سرت وأتم حفظه ، ودرس الفقه المالكي وعلوم أخرى. وهذا كله كان له الأثر فى علاقته الروحية بالسادة
السنوسية التي ظهرت فيما بعد فى حياته التفاوضية. ومن بعد واصل تعليمه الأولى فى المدرسة الرشدية بمدينة الخمس ، وكان متفوقاً حيث تخرج منها سنة
1904م. وكان تعليمه القرآني المحور الأكبر فى تبلور شخصيته ، وكان يستشهد
بالآيات القرآنية فى أحاديثه ، وخطبه ، وفى طرحه وعرضه لإقناع الغير. وكان
في نفسه شعور عميق بالعزة الإسلامية ، وكان يؤمن ويأمل بان يحقق للإسلام
كيانه ودولته.
عينته الحكومة التركية فى ليبيا كاتب تحريرات بالخمس ، ومفتشاً على الأعشار
، ثم مفتشاً فى مصلحة الإحصاء ، وكانت تسمى بـ (دائرة الأنفس). وفى سنة
1908م عين كاتباً أولاًً لمجلس الإدارة بمدينة الخمس ، وفى سنة 1909م عين
مديراً للتحريرات فى مدينة طرابلس ، ثم قائمقاماً (وتعنى والى أوحاكم) فى
ساحل الاحامد. وفى سنة 1912م ، وبعد معاهدة اوشى-لوزان هاجر السعداوي ألي
الشام. ومن بعدها ذهب ألي اسطنبول فى يناير 1913م ، وفى أثناء هجرته تقلد
عدة وظائف فى الدولة التركية ، منها حاكماً لمنطقة ديزة بإقليم لازستان على
ساحل البحر الأسود الجنوبي.
عينته الحكومة العثمانية قائمقاماً على منطقة ينبع البحر بالحجاز ( غرب
المملكة العربية السعودية ) فى فبراير من سنة 1915م التابعة لمتصرفية
المدينة المنورة. وفيها واجهته عدة مشاكل ومعضلات منها ما هوأدارى وأمنى ،
خاصة مع بدوالحجاز لما كانوا عليه من جفاء وهمجية وتخلف. ولم يحترموا
ولايته لأنه كان معيناً من قبل الترك الذين كانوا يبغضون حكمهم الجائر ،
مما أدى ألي الثورة العربية الكبرى فى 9 يونيو1916م بقيادة الشريف حسين
أمير مكة الذي ثار على الأتراك ونادي بدولة عربية وطلب المساعدة من
الإنجليز من اجل تحقيق ذلك. عمل السيد بشير السعدواى قصارى جهده لإخماد نار
الفتنة وتهدئة الوضع ، ولكن الأمر كان قد فاق قدرته ، واحتل الإنجليز ينبع
واستطاع الشيخ السعداوي أن يفلت من قبضتهم بمساعدة أحد مشايخ العرب
بالحجاز ، حيث خبأه أربعة أيام ثم هربه ألي المدينة المنورة ومنها وصل ألي
دمشق فى 1917م.
وفى فبراير من عام 1918م عين قائمقاماً (للمرة الرابعة) فى قضاء جزين ،
ويقطن هذه المنطقة المسيحيون ، وكان أول قائمقام مسلم يعين لمسيحي جزين
بجنوب لبنان. واحبه نصارى جزين لعدله وإنصافه وكياسته السياسية معهم ،
واثنوا عليه بالإطراء ، حتى مدحوه بما هوليس أهلاً له ، حين قال فى حقه
الشاعر خوري بطرس أبوكيم فى قصيدة منها:
أعاد لنا رمسِ مرقده عُمر آم اشتبه الاثنان فى الذكر والأثر
وبعد زحف الإنجليز والفرنسيس على لبنان غادرها متجهاً ألي تركيا. وبعد
هزيمة تركيا نهائياً فى الحرب العالمية الأولى ، اتجه صوب القضية الليبية
والجهاد. حيث التقى بالسيد احمد الشريف السنوسى فى تركيا وشاوره فى تأليف
وفد يذهب ألي باريس ليعرض القضية الليبية وشجونها ، فوافق السيد احمد
الشريف ، ولكن لم يتحمس الأتراك لدعم هذا العمل كثيراً. فقرر الرجوع ألي
ساحة الوغى ، ووصل طرابلس فى أوائل سبتمبر 1920م. فانضم عضواً في الحكومة
الوطنية التي أسست فى طرابلس ، ومثلها أمام ولي عهد إيطاليا عندما زار
ليبيا سنة 1921م ، وألقى خطبةً افهمه فيها أماني الليبيين ، وأن تصرفات
الطليان المستعمرين عبارة عن شر مطلق.
وكان للزعيم السعداوي السبق فى حمل البيعة من الطرابلسيين ألي الملك إدريس
فى سبتمبر من سنة 1922م باجدابيا ، وبها كان له الشرف فى وضع اللبنة الأولى
باتجاه الاستقلال تحت راية موحدة ، التي آتت أكلها سنة 1951م فى المملكة
الليبية المتحدة.
وجعلت إيطاليا الحال فى ليبيا سيئ جداً ، فلم يمكث طويلاً ، حيث أصدرت
إيطاليا عليه حكماً بالإعدام ، فاضطر لمغادرة ليبيا ألي بلاد الشام ملتحقاً
بإخوانه للجهاد في ديار المهجر. فغادر طرابلس ألي سرت ومن ثم ألي الجغبوب
وسيوه ووصل الإسكندرية فى أواخر مارس 1924م ، ومنها انتقل ألي بيروت التي
وصلها فى مايو1924م. وأوقد نار الجهاد فى الشام وذلك بتأسيسه للجنة الدفاع
الطرابلسى والبرقاوى ، وبمعونة ومشورة الأمير شكيب ارسلان وعمر فائق شنيب ،
وباتصالاته المكثفة مع الساسة والوجهاء العرب. حتى الشيوعيين الطليان
بسويسرا الذين كانوا يعادون ويعارضون الفاشية. فبدأ يكتب فى الصحف العربية ،
بهدف إطلاع الرأي العام على فظائع الطليان فى ليبيا ، وقاد الحملة
الإعلامية من بغداد الشيخ الأديب سليمان الباروني ، بقلمه السيال اللاذع ،
والليبيون بقيادة السادة السنوسية بمصر ، والكل عمل على التشهير بالطليان ،
ونجحوا نجاحاً باهراً واستمر ذلك قرابة 15 سنة.
شارك فى المؤتمر الإسلامي بالقدس وقدم القضية الليبية للمشاركين. فتفاعل
العالم معهم لا سيما المسلمين. فقد خطب الشيخ عز الدين القسام وحث على
الجهاد ، واخذ الحماس يرتفع بين شباب المسلمين فى الشام حتى تطوع قرابة 200
منهم للقتال ألي جانب إخوانهم أبطال عمر المختار. وأفتى الشيخ الخالصي ،
شيخ الحوزة العلمية الشيعية بالنجف فى العراق بالجهاد ألي جانب " هولاء
الرجال الكهول ، راكبة الخيول ، حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً ".
سعى السعداوي لحل النزاع بين الملك عبد العزيز آل سعود والأمام يحي حميد
الدين عاهل اليمن سنة 1934م، لإنهاء الحرب بينهم. ومن بعدها عمل مع الملك
عبد العزيز ومن بعده ابنه كمستشار شخصي. ولازم الملك عبد العزيز في مقابلته
للرئيس الأمريكي روزفلت ، وركب معه علي ظهر السفينة الأمريكية في مياه
البحيرات المرة سنة 1945م ، ثم مع ونستون تشرشل ووزير خارجيته انتوني ايدن ،
ثم رافقه ألي مصر فى مؤتمر رؤساء وملوك العرب فى مايو1946م. ثم تخلى بشير
السعداوي عن وظيفته كمستشار عندما كان فى رفقة الملك سعود بن عبد العزيز ،
ملك المملكة العربية السعودية ، وكان مستشاره الشخصي بعد أبيه ، الذي كان
في زيارة ألي مصر. فاعتذر السعدواي من الملك ، وشرع فى إقناع إخوانه
الليبيين وحثهم على توحيد صفوف القوى والأحزاب السياسية وخاصة الطرابلسية،
وذلك بالالتفاف حول مبادئ الاستقلال والوحدة الوطنية والأمارة السنوسية ،
مدركاً بان القضية تفتقر ألي قيادة موحدة وصوت واحد ، وشعارهم " إنقاذ ما
يمكن إنقاذه". وفى مارس 1947م أسس المجلس الوطني لتحرير ليبيا فى مصر
بمعونة إخوانه والجامعة العربية ، وخاصة أمينها عبد الرحمن عزام الذي قدمه
للأعلام العربي. ونجح السعداوي فى جهوده فى بداية عام 1948م فى إقليم
طرابلس فى توحيد الكلمة على هدفي الاستقلال والوحدة الوطنية. وذلك تحت شعار
" ليبيا مستقلة تحت الأمارة السنوسية ". وهذا ما تبناه حزب المؤتمر الوطني
الذي كان يتزعمه ويرأسه ، وكان الزعيم السعداوي ضد الاتحاد ولكن مع الوحدة
، وبدأ يرسخ هذه المفاهيم للوحدة والقيادة.
وِلم يفلح فى سنة 1951م فى الوصول ألي مجلس النواب ، وأعلنت نتائج
الانتخابات فى غير صالحه فى 1952م ، وأرغم السعداوي على مغادرة البلد فى
عهد وزارة السيد محمود المنتصر رحمه الله متجهاً ألي بيروت. وقضى بقيت
أيامه متربصاً للحظة المناسبة والمواتية للعودة ألي السياسة ، ولكن بعد
قرابة نصف قرن مُسيساً ، وبدون توقف ، داهمته المنية ببيروت ، وتلفظ أنفاسه
الطاهرة فى 17 من يناير 1957 ، بعد عمر ، ملئ بالأحداث والمفاخر لنا ،
ناهز 74سنة. ثم أتُى برفاته العطر سنة 1972م ، ودفن بمدينة طرابلس بمقبرة
الشهداء. وترك ابناً واحداً واسمه عبد الحميد وبنتاً اسمها مزينة. وعبد
الحميد خلف آمال وفيصل الذي يعيش فى السعودية ووفيق فى أمريكا.
وليس الشيخ بشير السعداوي الوحيد الذي توفي ودفن خارج ليبيا ، بل هنالك
الكثير من الأشاوس أمثال السيد احمد الشريف ، والسيد إدريس السنوسى ،
والشيخ سليمان الباروني ، والمجاهد صفى الدين السنوسى ، و الشيخ احمد
المريض ، والشيخ عبد النبي بالخير ، والمجاهد عبد السلام الكزه ، والمجاهد
الفضيل المهشهش والمجاهد التهامي قليصه والكثير الكثير.
فلله دركم يا سادتي ، أين نحن منكم ومن أمثالكم الذين لم يعرفوا الكلل
والملل فى سبيل الله ومن اجل نصرة وخدمة عباد الله.
فيا سيدي يا سعداوي رحمك الله رحمة واسعة ، وشكر الله لك جهادك الطويل من
أجلنا لكي ننعم به نحن
( للباحث د. فرج نجم - نقلاً عن مجلة جيل ورسالة )