منتديات عيت ارفاد التميمي
أهلاً وسهلاً بك عزيزي الزائر في منتديات عيت أرفاد التميمي .. تفضل بالدخول ان كنت عضواً وبالتسجيل ان لم يكن لديك حساب وذلك للحصول علي كامل المزايا ولمشاهدة المنتديات المخفية عن الزوار..

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عيت ارفاد التميمي
أهلاً وسهلاً بك عزيزي الزائر في منتديات عيت أرفاد التميمي .. تفضل بالدخول ان كنت عضواً وبالتسجيل ان لم يكن لديك حساب وذلك للحصول علي كامل المزايا ولمشاهدة المنتديات المخفية عن الزوار..
منتديات عيت ارفاد التميمي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
إعلانات المنتدي

الأخوة الزوار

سجل فوراً في منتديات عيت أرفاد التميمي لتنال احقية مشاهدة اخبار المنطقة ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في التميمي - اخبار المنطقة محجوبة عن الزوار

الأعضاء الكرام

الكلمة الطيبة صدقة والاحترام المتبادل تاج علي رؤوسكم وتذكروا قول الله عز وجل !! ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
المواضيع الأخيرة
» مباريات الخميس 25/4/2024 وقنوات الناقلة
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime1أمس في 10:39 am من طرف STAR

» واتساب تختبر ميزة جديدة لنقل الملفات ومشاركتها دون اتصال بالإنترنت
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime1أمس في 10:36 am من طرف STAR

» تشافي يتراجع عن قراره!
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime1أمس في 10:36 am من طرف STAR

» ماسك الأفوكادو والموز للشعر.. كنز غني بالفيتامينات والعناصر الغذائية
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime1أمس في 10:35 am من طرف STAR

» شرائح اللحم مع صوص المستردة
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime1أمس في 10:34 am من طرف STAR

» مباريات اليوم الاربعاء 24/4/2024 وقنوات الناقلة
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-24, 10:16 am من طرف STAR

» قائمة بأغلى الدول للإقامة في أوروبا... تعرفوا إليها
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-24, 10:13 am من طرف STAR

» عصر جديد .. بتقنية QPower شيري تتواجد في معرض بكين الدولي للسيارات
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-24, 10:13 am من طرف STAR

» يحارب البكتيريا والحساسية والسرطان.. بالأبحاث العلمية زيت مذهل يحميك من الأمراض
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-24, 10:12 am من طرف STAR

» دون اتصال بالإنترنت | واتساب تختبر ميزة جديدة.. فما هي؟
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-24, 10:11 am من طرف STAR

» نصف العدد بالقاهرة .. مصر الثانية إفريقيًا في عدد الأثرياء
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-24, 10:11 am من طرف STAR

» دجاج بالبطاطس والصلصة
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-24, 10:09 am من طرف STAR

» مباريات اليوم الثلاثاء 23/4/2024 وقنوات الناقلة
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-23, 6:28 pm من طرف STAR

» سيدة روسية تثير دهشة الأطباء بعدما أنجبت للمرة الثالثة طفلا بـ12 إصبعا في قدميه
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-23, 6:26 pm من طرف STAR

» أربعة أخطاء رئيسية منك تتسبب في تعطل سيارتك.. كن حذراً ولا تهملها
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Icon_minitime12024-04-23, 6:25 pm من طرف STAR

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم


تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Empty تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .

مُساهمة من طرف STAR 2013-07-19, 2:51 pm

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( 1 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ( 2 ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ( 3 ) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ( 4 ) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ( 5 ) )
 
يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الْمُبَارَكَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) [ الدُّخَانِ : 3 ] وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، وَهِيَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) [ الْبَقَرَةِ : 185 ] .
 
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ نَزَلَ مُفَصَّلًا بِحَسْبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
 
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُعَظِّمًا لِشَأْنِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، الَّتِي اخْتَصَّهَا بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِيهَا ، فَقَالَ : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )
 
قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ : سَوَّدْتَ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ - أَوْ : يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ - فَقَالَ : لَا تُؤَنِّبْنِي ، رَحِمَكَ اللَّهُ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ ، فَنَزَلَتْ : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ ، وَنَزَلَتْ : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يَمْلِكُهَا بَعْدَكَ بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ . قَالَ الْقَاسِمُ : فَعَدَدْنَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ ، لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُ يَوْمًا .
 
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَابْنُ مَهْدِيٍّ . قَالَ : وَشَيْخُهُ يُوسُفُ بْنُ سَعْدٍ - وَيُقَالُ : يُوسُفُ بْنُ مَازِنَ - رَجُلٌ مَجْهُولٌ ، وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ ، عَلَى هَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
 
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ [ ص: 442 ] مَازِنَ بِهِ . وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ : إِنَّ يُوسُفَ هَذَا مَجْهُولٌ - فِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ : حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ . وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : هُوَ مَشْهُورٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ [ قَالَ ] هُوَ ثِقَةٌ . وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَازِنَ ، كَذَا قَالَ ، وَهَذَا يَقْتَضِي اضْطِرَابًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُنْكَرٌ جِدًّا ، قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ : هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ .
 
قُلْتُ : وَقَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيِّ إِنَّهُ حَسَبَ مُدَّةَ بَنِي أُمَيَّةَ فَوَجَدَهَا أَلْفَ شَهْرٍ لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُ ، لَيْسَ بِصَحِيحٍ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، اسْتَقَلَّ بِالْمُلْكِ حِينَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْإِمْرَةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ ، وَاجْتَمَعَتِ الْبَيْعَةُ لِمُعَاوِيَةَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ عَامَ الْجَمَاعَةِ ، ثُمَّ اسْتَمَرُّوا فِيهَا مُتَتَابِعِينَ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا ، لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُمْ إِلَّا مُدَّةَ دَوْلَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْأَهْوَازِ وَبَعْضِ الْبِلَادِ قَرِيبًا مِنْ تِسْعِ سِنِينَ ، لَكِنْ لَمْ تَزُلْ يَدُهُمْ عَنِ الْإِمْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، بَلْ عَنْ بَعْضِ الْبِلَادِ ، إِلَى أَنِ اسْتَلَبَهُمْ بَنُو الْعَبَّاسِ الْخِلَافَةَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ ، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ مُدَّتِهِمُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً ، وَذَلِكَ أَزْيَدُ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، فَإِنَّ الْأَلْفَ شَهْرٍ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَكَأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ الْفَضْلِ أَسْقَطَ مِنْ مُدَّتِهِمْ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَعَلَى هَذَا فَتَقَارَبَ مَا قَالَهُ لِلصِّحَّةَ فِي الْحِسَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سِيقَ لِذَمِّ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ ، وَلَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِهَذَا السِّيَاقِ ; فَإِنَّ تَفْضِيلَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى أَيَّامِهِمْ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ أَيَّامِهِمْ ، فَإِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ شَرِيفَةٌ جِدًّا ، وَالسُّورَةُ الْكَرِيمَةُ إِنَّمَا جَاءَتْ لِمَدْحِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَكَيْفَ تُمْدَحُ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ الَّتِي هِيَ مَذْمُومَةٌ ، بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :
 
 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ إِذَا قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ الْعَصَا
 
 
وَقَالَ آخَرُ :
 
 
إِذَا أَنْتَ فَضَّلْتَ امْرَأً ذَا بَرَاعَةٍ     عَلَى نَاقِصٍ كَانَ الْمَدِيحُ مِنَ النَّقْصِ
 
 
ثُمَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ وِلَايَةِ الْأَلْفِ شَهْرٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ هِيَ أَيَّامُ بَنِي أُمَيَّةَ ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةُ ، فَكَيْفَ يُحَالُ عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ هِيَ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا لَفْظُ الْآيَةِ وَلَا مَعْنَاهَا ؟! وَالْمِنْبَرُ إِنَّمَا صُنِعَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَكَارَتِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ - يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ - ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِي [ ص: 443 ] سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ ، قَالَ : فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) الَّتِي لَبِسَ ذَلِكَ الرَّجُلُ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ .
 
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَاحِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحَ ، ثُمَّ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ بِالنَّهَارِ حَتَّى يُمْسِيَ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَلْفَ شَهْرٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) قِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ .
 
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ‌ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَرْبَعَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، عَبَدُوا اللَّهَ ثَمَانِينَ عَامًا ، لَمْ يَعْصَوْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ : فَذَكَرَ أَيُّوبَ وَزَكَرِيَّا وَحَزْقِيلَ بْنَ الْعَجُوزِ وَيُوشَعَ بْنَ نُونٍ - قَالَ : فَعَجِبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ عَجِبَتْ أُمَّتُكَ مِنْ عِبَادَةِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ثَمَانِينَ سَنَةً ، لَمْ يَعْصُوْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ; فَقَدَ أَنْزَلَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ . فَقَرَأَ عَلَيْهِ : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) هَذَا أَفْضَلُ مِمَّا عَجِبْتَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ . قَالَ : فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ .
 
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . قَالَ : عَمَلُهَا ، صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .
 
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، لَيْسَ فِي تِلْكَ الشُّهُورِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ . وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ .
 
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ : عَمَلٌ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَلْفِ شَهْرٍ .
 
وَهَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ شَهْرٍ - وَلَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ - هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ . وَهُوَ الصَّوَابُ لَا مَا عَدَاهُ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رِبَاطُ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَمَا جَاءَ فِي قَاصِدِ الْجُمُعَةِ بِهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ ، وَنِيَّةٍ صَالِحَةٍ : " أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ عَمَلُ سَنَةٍ ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا " إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الْمُشَابِهَةِ لِذَلِكَ .
 
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهَرٌ مُبَارَكٌ ، افْتَرَضَ اللَّهُ [ ص: 444 ] عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " .
 
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بِهِ .
 
وَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَعْدِلُ عِبَادَتُهَا عِبَادَةَ أَلْفِ شَهْرٍ ، ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .
 
وَقَوْلُهُ : ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) أَيْ : يَكْثُرُ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِكَثْرَةِ بَرَكَتِهَا ، وَالْمَلَائِكَةُ يَتَنَزَّلُونَ مَعَ تَنَزُّلِ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ ، كَمَا يَتَنَزَّلُونَ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَيُحِيطُونَ بِحِلَقِ الذِّكْرِ ، وَيَضَعُونَ أَجْنِحَتَهُمْ لِطَالِبِ الْعِلْمِ بِصِدْقٍ تَعْظِيمًا لَهُ .
 
وَأَمَّا الرُّوحُ فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ . وَقِيلَ : هُمْ ضَرْبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ . كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ " النَّبَأِ " . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَقَوْلُهُ : ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) قَالَ مُجَاهِدٌ : سَلَامُ هِيَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ .
 
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ : حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : ( سَلَامٌ هِيَ ) قَالَ : هِيَ سَالِمَةٌ ، لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا سُوءًا أَوْ يَعْمَلَ فِيهَا أَذًى .
 
وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ : تُقْضَى فِيهَا الْأُمُورُ ، وَتُقَدَّرُ الْآجَالُ وَالْأَرْزَاقُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )
 
وَقَوْلُهُ : ( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) قَالَ : تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى أَهْلِ الْمَسَاجِدِ ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ .
 
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ : " مِنْ كُلِّ امْرِئٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ " .
 
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ " فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ " عَنْ عَلِيٍّ أَثَرًا غَرِيبًا فِي نُزُولِ الْمَلَائِكَةِ ، وَمُرُورِهِمْ عَلَى الْمُصَلِّينَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، وَحُصُولِ الْبَرَكَةِ لِلْمُصَلِّينَ .
 
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَثَرًا غَرِيبًا عَجِيبًا مُطَوَّلًا جِدًّا ، فِي تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى صُحْبَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأَرْضِ ، وَدُعَائِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ .
 
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ : حَدَّثَنَا عِمْرَانُ - يَعْنِي الْقَطَّانَ - ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ : " إِنَّهَا لَيْلَةٌ سَابِعَةٍ - أَوْ : تَاسِعَةٍ - وَعِشْرِينَ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى " .
 
[ ص: 445 ]
 
وَقَالَ الْأَعْمَشُ ، عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ : ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ ) قَالَ : لَا يَحْدُثُ فِيهَا أَمْرٌ .
 
وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ : ( سَلَامٌ هِيَ ) يَعْنِي هِيَ خَيْرٌ كُلُّهَا ، لَيْسَ فِيهَا شَرٌّ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ . وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
 
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي ، مَنْ قَامَهُنَّ ابْتِغَاءَ حِسْبَتِهِنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَهِيَ لَيْلَةٌ وِتْرٍ : تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ ، أَوْ خَامِسَةٍ ، أَوْ ثَالِثَةٍ ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ " . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا ، سَاكِنَةٌ سَجِيَّةٌ ، لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ ، وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ . وَأَنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً ، لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَلَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ " .
 
وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ ، وَفِي الْمَتْنِ غَرَابَةٌ ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ .
 
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا زَمْعَةُ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ : " لَيْلَةٌ سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ ، وَتُصْبِحُ شَمْسُ صَبِيحَتِهَا ضَعِيفَةً حَمْرَاءَ " .
 
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنِّي رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَأُنْسِيتُهَا ، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، مِنْ لَيَالِيهَا لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ بِلُجَةٌ ، لَا حَارَةً وَلَا بَارِدَةٌ ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا ، لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يُضِيءَ فَجْرُهَا " .
 
فَصْلٌ
 
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ، أَوْ هِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ :
 
قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ : أَنَّهُ بَلَغَهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِي أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ - أَوْ : مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ - فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارُ أُمَّتِهِ أَلَّا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ . [ ص: 446 ] وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ " الْعُدَّةِ " أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَحَكَى الْخَطَابِيُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ [ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ جَازِمًا بِهِ عَنِ الْمَذْهَبِ ] وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِينَ كَمَا هِيَ فِي أُمَّتِنَا .
 
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ : حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ : حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنِي مَرْثَدٌ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ : كَيْفَ سَأَلْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ؟ قَالَ : أَنَا كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْهَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، أَفِي رَمَضَانَ هِيَ أَوْ فِي غَيْرِهِ ؟ قَالَ : " بَلْ هِيَ فِي رَمَضَانَ " . قُلْتُ : تَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ مَا كَانُوا ، فَإِذَا قُبِضُوا رُفِعَتْ ؟ أَمْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : " بَلْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " . قُلْتُ : فِي أَيِّ رَمَضَانَ هِيَ ؟ قَالَ : " الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ ، وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ " . ثُمَّ حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَ ، ثُمَّ اهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ قُلْتُ : فِي أَيَّ الْعَشْرَيْنِ هِيَ ؟ قَالَ : " ابْتَغَوْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا " . ثُمَّ حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ اهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي عَلَيْكَ لَمَا أَخْبَرْتَنِي فِي أَيِّ الْعَشْرِ هِيَ ؟ فَغَضِبَ عَلَيَّ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ مُنْذُ صَحِبْتُهُ ، وَقَالَ : " الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ ، لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا " .
 
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، عَنِ الْفَلَّاسِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ بِهِ .
 
فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَّرْنَاهُ ، وَفِيهِ أَنَّهَا تَكُونُ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ [ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] لَا كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ طَوَائِفِ الشِّيعَةِ مَنْ رَفْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، عَلَى مَا فَهِمُوهُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي سَنُورِدُهُ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ : " فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ " ; لِأَنَّ الْمُرَادَ رُفِعُ عِلْمُ وَقْتِهَا عَيْنًا . وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَخْتَصُّ وُقُوعُهَا بِشَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهُورِ ، لَا كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، مِنْ أَنَّهَا تُوجَدُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ، وَتُرْجَى فِي جَمِيعِ الشُّهُورِ عَلَى السَّوَاءِ .
 
وَقَدْ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَلَى هَذَا فَقَالَ : " بَابُ بَيَانِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ " : حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيُّ ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَقَالَ : " هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ " .
 
وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ : رَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَأَوْقَفَاهُ .
 
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، رِوَايَةٌ أَنَّهَا تُرْجَى فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَهُوَ وَجْهٌ [ حَكَاهُ ] الْغَزَالِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ الرَّافِعِيُّ جِدًّا .
 
[ ص: 447 ]
 
فَصْلٌ
 
ثُمَّ قَدْ قِيلَ : إِنَّهَا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، يُحْكَى هَذَا عَنْ أَبِي رَزِينٍ . وَقِيلَ : إِنَّهَا تَقَعُ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ . وَرَوَى فِيهِ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ، وَعَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ .
 
وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ ، وَيُحْكَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ . وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهَا لَيْلَةُ بَدْرٍ ، وَكَانَتْ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ هِيَ السَّابِعَةَ عَشْرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَفِي صَبِيحَتِهَا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ : ( يَوْمَ الْفُرْقَانِ ) [ الْأَنْفَالِ : 41 ] .
 
وَقِيلَ : لَيْلَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ ، يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . .
 
وَقِيلَ : لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ; لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ فِي ] الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ . فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : [ إِنَّ ] الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ . ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ ، فَقَالَ : " مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَرْجِعْ ، فَإِنِّي رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، وَإِنِّي أُنْسِيتُهَا ، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَفِي وِتْرٍ ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ " . وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدًا مِنَ النَّخْلِ ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا ، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ فَمُطِرْنَا ، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ . وَفِي لَفْظٍ : " فِي صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
 
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ .
 
وَقِيلَ : لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ; لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " وَهُوَ قَرِيبُ السِّيَاقِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَقِيلَ : لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " إِسْنَادُهُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ .
 
وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ ، عَنْ بِلَالٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " .
 
[ ص: 448 ]
 
ابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ . وَقَدْ خَالَفَهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ أَصْبَغَ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي بِلَالٌ - مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا أَوَّلُ السَّبْعِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَهَذَا الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَالْحُسْنِ وَقَتَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ : أَنَّهَا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " حَدِيثُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ مَرْفُوعًا : " إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " .
 
وَقِيلَ : تَكُونُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ; لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى ، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى ، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى " . فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ بِلَيَالِي الْأَوْتَارِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ . وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى الْأَشْفَاعِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَقِيلَ : إِنَّهَا تَكُونُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ; لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ " .
 
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ : سَمِعْتُ عَبْدَةَ وَعَاصِمًا عَنْ زِرٍّ : سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ : أَبَا الْمُنْذِرِ ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : مَنْ يُقِمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ . قَالَ : يَرْحَمُهُ اللَّهُ ، لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ . ثُمَّ حَلَفَ . قُلْتُ : وَكَيْفَ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : بِالْعَلَامَةِ - أَوْ : بِالْآيَةِ - الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا ، تَطْلُعُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَا شُعَاعَ لَهَا ، أَعْنِي الشَّمْسَ .
 
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَشُعْبَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَبْدَةَ ، عَنْ زِرٍّ عَنْ أَبِي فَذَكَرَهُ ، وَفِيهِ : فَقَالَ : وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ - يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي - وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ هِيَ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا ، هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا .
 
وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ . وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، وَهُوَ الْجَادَّةُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ حَاوَلَ اسْتِخْرَاجَ كَوْنِهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْقُرْآنِ ، مِنْ قَوْلِهِ : ( هِيَ ) لِأَنَّهَا الْكَلِمَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مِنَ السُّورَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَاصِمٍ : أَنَّهُمَا سَمِعَا عِكْرِمَةَ يَقُولُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : دَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ [ ص: 449 ] أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقُلْتُ لِعُمَرَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ - أَوْ : إِنِّي لَأَظُنُّ - أَيَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ هِيَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ ؟ [ فَقُلْتُ ] سَابِعَةٌ تَمْضِي - أَوْ : سَابِعَةٌ تَبْقَى - مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ . فَقَالَ عُمَرُ : وَمَنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقُلْتُ : خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ، وَسَبْعَ أَرْضِينَ ، وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ ، وَإِنَّ الشَّهْرَ يَدُورُ عَلَى سَبْعٍ ، وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ سَبْعٍ ، وَيَأْكُلُ مِنْ سَبْعٍ ، وَيَسْجُدُ عَلَى سَبْعٍ ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ سَبْعٌ ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ سَبْعٌ . . . لِأَشْيَاءَ ذَكَرَهَا . فَقَالَ عُمَرُ : لَقَدْ فَطِنْتَ لِأَمْرٍ مَا فَطِنَّا لَهُ . وَكَانَ قَتَادَةُ يَزِيدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : وَيَأْكُلُ مِنْ سَبْعٍ ، قَالَ : هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ( فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا [ وَقَضْبًا ] ) الْآيَةَ [ عَبَسَ : 27 ، 28 ] .
 
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ ، وَنصٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَقِيلَ : إِنَّهَا تَكُونُ فِي لَيْلَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ :
 
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ : أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِي رَمَضَانَ ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَإِنَّهَا فِي وَتْرِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ، أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ، أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ، أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، [ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ ] أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ " .
 
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - وَهُوَ : أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ - ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ : " إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى " .
 
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ .
 
وَقِيلَ : إِنَّهَا تَكُونُ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ آنِفًا ، وَلِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ ، أَوْ سَبْعٍ يَبْقَيْنَ ، أَوْ خَمْسٍ يَبْقَيْنَ ، أَوْ ثَلَاثٍ ، أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ " . يَعْنِي : الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ .
 
[ ص: 450 ]
 
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ : " إِنَّهَا آخِرُ لَيْلَةٍ " .
 
فَصْلٌ
 
قَالَ [ الْإِمَامُ ] الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ : صَدَرَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا لِلسَّائِلِ إِذْ قِيلَ لَهُ : أَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي اللَّيْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ ؟ يَقُولُ : " نَعَمْ " . وَإِنَّمَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ : لَا تَنْتَقِلُ . نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ قَالَ : لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ .
 
وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَالْمُزَنِيُّ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ ، وَغَيْرُهُمْ . وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ - نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْهُ ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
 
وَقَدْ يُسْتَأْنَسُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ " .
 
وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَحَرُّوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ .
 
وَيُحْتَجُّ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ ، وَأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ مِنَ الشَّهْرِ ، بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مَنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : " خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ " .
 
وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ : أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً مُسْتَمِرَّةَ التَّعْيِينِ ، لَمَا حَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ بِعَيْنِهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ، إِذًا لَوْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ لَمَا عَلِمُوا تَعْيِنَهَا إِلَّا ذَلِكَ الْعَامِ فَقَطْ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ لِيُعْلِمَهُمْ بِهَا تِلْكَ السَّنَةَ فَقَطْ .
 
وَقَوْلُهُ : " فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ " : فِيهِ اسْتِئْنَاسٌ لِمَا يُقَالُ : إِنَّ الْمُمَارَاةَ تَقْطَعُ الْفَائِدَةَ وَالْعِلْمَ النَّافِعَ ، وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " إِنَّ الْعَبْدَ لِيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ " .
 
وَقَوْلُهُ : " فَرُفِعَتْ " أَيْ : رُفِعَ عِلْمُ تَعْيِنِهَا لَكُمْ ، لَا أَنَّهَا رُفِعَتْ بِالْكُلِّيَّةِ مِنَ الْوُجُودِ ، كَمَا يَقُولُهُ [ ص: 451 ] جَهَلَةُ الشِّيعَةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا : " فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ " .
 
وَقَوْلُهُ : " وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ " يَعْنِي : عَدَمُ تَعْيِينِهَا لَكُمْ ، فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُبْهَمَةً اجْتَهَدْ طُلَّابُهَا فِي ابْتِغَائِهَا فِي جَمِيعِ مَحَالِّ رَجَائِهَا ، فَكَانَ أَكْثَرَ لِلْعِبَادَةِ ، بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمُوا عَيْنَهَا فَإِنَّهَا كَانَتِ الْهِمَمُ تَتَقَاصَرُ عَلَى قِيَامِهَا فَقَطْ . وَإِنَّمَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِبْهَامَهَا لِتَعُمَّ الْعِبَادَةُ جَمِيعَ الشَّهْرِ فِي ابْتِغَائِهَا ، وَيَكُونُ الِاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَكْثَرَ . وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ . أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .
 
وَلَهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ .
 
وَقَالَتْ عَائِشَةُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ ، أَحْيَا اللَّيْلَ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ . أَخْرَجَاهُ .
 
وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ .
 
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا : " وَشَدَّ الْمِئْزَرَ " . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِذَلِكَ : اعْتِزَالُ النِّسَاءِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْأَمْرَيْنِ ، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
 
حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ عَشْرٌ مِنْ رَمَضَانَ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ . انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ .
 
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَنَّ جَمِيعَ لَيَالِي الْعَشْرِ فِي تَطَلُّبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى السَّوَاءِ ، لَا يَتَرَجَّحُ مِنْهَا لَيْلَةٌ عَلَى أُخْرَى : رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
 
وَالْمُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَكْثَرُ ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ، ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ أَكْثَرُ . وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّ يُكْثِرَ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ : " اللَّهُمَّ ، إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ ، فَاعْفُ عَنِّي " ; لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
 
حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ هَارُونَ - ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ - وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ - ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَمَا أَدْعُو ؟ قَالَ : " قُولِي : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ ، فَاعْفُ عَنِّي " .
 
[ ص: 452 ]
 
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ طَرِيقِ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، مَا أَقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ : " قُولِي : اللَّهُمَّ ، إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ ، فَاعْفُ عَنِّي " .
 
وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ ، ثُمَّ قَالَ : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " . وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرِكِهِ ، وَقَالَ : " هَذَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، مَا أَقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ : " قُولِي : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ ، فَاعْفُ عَنِّي " .
 
ذُكِرَ أَثَرٌ غَرِيبٌ وَنَبَأٌ عَجِيبٌ ، يَتَعَلَّقُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ :
 
حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ - يَعْنِي الرَّاسِبِيَّ - ، عَنْ هِلَالٍ أَبِي جَبَلَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى عَلَى حَدِّ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، مِمَّا يَلِي الْجَنَّةَ ، فَهِيَ عَلَى حَدِّ هَوَاءِ الدُّنْيَا وَهَوَاءِ الْآخِرَةِ ، عُلُوُّهَا فِي الْجَنَّةِ ، وَعُرُوقُهَا وَأَغْصَانُهَا مِنْ تَحْتِ الْكُرْسِيِّ ، فِيهَا مَلَائِكَةٌ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَغْصَانِهَا ، فِي كُلِّ مَوْضِعِ شَعْرَة

-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
STAR
STAR
النائب الثاني للمشرف العام
النائب الثاني للمشرف العام

ذكر
عدد المشاركات : 126497
العمر : 39
رقم العضوية : 31
قوة التقييم : 211
تاريخ التسجيل : 08/03/2009

https://tamimi.own0.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Empty رد: تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .

مُساهمة من طرف جمال المروج 2013-07-19, 3:01 pm

جزاك الله خيرا

-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . 27865876037459120901
جمال المروج
جمال المروج
مراقب
مراقب

ذكر
عدد المشاركات : 18735
رقم العضوية : 7459
قوة التقييم : 164
تاريخ التسجيل : 18/10/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Empty رد: تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .

مُساهمة من طرف محمد بوحليقه 2013-07-19, 3:16 pm

بارك الله فيك
محمد بوحليقه
محمد بوحليقه
عقيد
عقيد

ذكر
عدد المشاركات : 756
العمر : 29
رقم العضوية : 19757
قوة التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 04/07/2013

https://www.facebook.com/profile.php?id=100009322969157

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Empty رد: تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .

مُساهمة من طرف STAR 2013-07-21, 12:29 pm

بارك الله فيك

-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
STAR
STAR
النائب الثاني للمشرف العام
النائب الثاني للمشرف العام

ذكر
عدد المشاركات : 126497
العمر : 39
رقم العضوية : 31
قوة التقييم : 211
تاريخ التسجيل : 08/03/2009

https://tamimi.own0.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ . Empty رد: تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ .

مُساهمة من طرف STAR 2013-07-21, 12:29 pm

بارك الله فيكم للمرور

-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
STAR
STAR
النائب الثاني للمشرف العام
النائب الثاني للمشرف العام

ذكر
عدد المشاركات : 126497
العمر : 39
رقم العضوية : 31
قوة التقييم : 211
تاريخ التسجيل : 08/03/2009

https://tamimi.own0.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى