يطلق عليك الريح *** ما يبردك غير فاهقك.!!!..!!!

من طرف c.ronaldo 2010-08-04, 1:21 pm

يطلق عليك الريح *** ما يبردك غير فاهقك.!!!..!!!

غنَّاوي الَعَلم كغيرها من الغناء يعتمد نجاحها على صدق مشاعر قائلها لذلك اعتمد التراث الليبي الفواهق ومفردها الفاهق وهذا التعبير مأخوذ من البيت الشعبي وهي الفتحة التي تحدث من جراء سقوط المشبك والذي يسمى شعبياً " إخلال " وهو عود يصنع لشبك الساتر الجانبي والمسمى " رواق " ببدن البيت وهذه الفتحة تُدَّخلُ الريح فتؤثر بالتالي في الجالس داخله بأن تطلق عليه البرد.. لذلك استعمل هذا التعبير لوصف الموضوع الذي يشغل الإنسان ويُسيطرُ على أحاسيسه ومشاعره ويدهش عقله لكونه يتلذذ بأنين الإنسان والإنسان يتلذذ بالتعبير عنه ويتفنن في اختيار وانتقى الكلمات التي تكمل وصفه وتضفي عليه مصداقية تعبيرية يستطيع من خلالها شرحه للآخر وكذلك البوح به كما يحس ويشعر بمرارته وقسوته، ولعل من فضائل الشعر هي جمالية التعبير التي يتمتع بها الشاعر ليخففَ عن نفسه معاناته وتفاقم مشكلته التي يعاني منها ويُحملها للمتلقي والذي قد يتفق معه في الموضوع أو يكون لديه غير ذات الحاجة للتعبير عن ما يختلجهُ من همّ يلفه ويطوق أنفاسه وهذا ما يؤكده المتلقي عندما يندمج مع الغنًّاوة لذلك تصبح أنفاس صاحبها يتنفس بها الغير ويعالج بها جروح النفس العليلة ويُجبّر بها كسوراً لا تجبرها غيرها.. كسور العواطف وضربات الزمن الموجعة.

في ما مضى كان لغنَّاي العَلَم الحق أن يغني على فاهقه وينفصل بذلك عن زملائه الآخرين وهناك تعبير يطلق على هذا الوقف وهو " كل أحد وفاهقه " لذلك تستمع لعدة غنَّاوي عَلَم في مناسبة واحدة وكل واحدة في اتجاه أي كلٌّ يبكي على ليلاه واليوم تغيرت المعطيات والركائز لغنَّاوة العَلَم بحيث أصبح أول من يغني هو المُختار للموضع والسبب حسب رائي هو الرغبة في التفوق والتسابق فيما بين الشعراء وهذا حقيقة يؤثر على روح الإبداع عند البعض لأن الموضع قد لا يكون يهمه ولا يحس به كما يحس بذلك الذي يجرحه اللحظة تلوا اللحظة ويؤلمه في كل حين ومن غنَّاوي الفواهــق نختار إبداعات لبعـض الشعراء مثل الغنَّاي خليفة عبد الله محمد لقطع الشلماني من منطقة أبو ترابه بالقرب من الدرسية وهو من مواليد 1950 ولديه فاهق وليس له وحده بل هناك أمثاله يعانون ذات الفاهق وهذه أقدار الله المعطي والممسك، كلاً يبتليه بشي ليختبرَ صبر خلقه وطاعتهم له والرضا بما كتب لهم في هذه الحياة ولكل صابر أجراً عظيماً مكافئة من الباري عز وجل والشاعر خليفة الشلماني لم يكتب له الإنجاب وهو ما يعبر عنه دائماً في غنَّاوي العَلمّ مثل قوله :

مالي جنين بعده نبطل ونا نهاوي ع الجضر

وتقدمَ به العمر ودك الشيب معاقل سواد الشعر وأحتله واندثرت الآمال مع الأيمان بقضاء الله ومقاديره ويُبدع الشلماني ليعطينا صورة أخرى تحمل بين جناباتها مرحلة من العمر لا يستفيد بها بالابن حتى وأن أتى وهو قوله :

حتى لو عزاز ايجوه الخاطر اللّي فيه ماضيه

لقد مضى العمر وأنتهت برهة الأمل في انتظار القادم البعيد ورحلت مشاعر الحنين والشوق وخيمت على شاعرنا سحابة اليأس الذي يتوسل إليه بأن يتركه حباً في الله لا لشيء ألا ليستريح ويعيش حياته بسلام.. وسلامه المنشود أن يكمل مشوار صبره وينال رضي من كتب عليه شوقاً رافقه العمر أتمنى أن يوصله حتى أبواب الجنة ويخاطب شاعرنا اليأس قائلاً :

أطلق سبيلنا لله فينا خذيت يا ياس غايتك

وهذا تعبيرٌ عميق جداً وترجمة لواقع الحال التي يعيشها ليس على مستوى الإنجاب فقط بل حتى على مستوى الصحة العامة مثل بترَ يده وإصابة عينه وفي ذات مرة تعرض لحادث سير وأصيب في عينه السليمة فوصف حالها وصفاً بديعاً ودقيقاً ليقول ما تريده العين الآن هو مبكي يبكيها ويرثيها بعد إصابتها وذلك في قوله :

محتاجه العين اليوم بكايه عليها تحقهم

وهذه الإصابات وما يُلحق بها من انكسارات نفسية ولكمات عاطفية لها أثرها في وجدانية شاعرنا خليفة الشلماني إلا أنه تعامل معها بعقلانية الواقع وتجلد المؤمن وحملنا مشاعره من خلال إبداعاته الرائعة ومنها قوله لمن يخاف الليل ووحدته وظلامه وسهره :

العين واخذه ع الليل يكمل لا نوم لا ونس

صورة من صور الليل حيث الناس نيام وهو يواكبه ساهراً يجفاه النوم ويخذله الأنيس الذي انتظرهُ سنين طوال بلياليها الطويلة حتى أدمنت عيناه السهر وخاصمت النعاس ولكن يجدد السهر ويقرنه بخلو داره من بعده التي بناها حديثاً ليطلق تعبيراً قاسياً أبكى شريكة عمره وذلك لقوله :

العين سامره من الدار مستوحيه بعد دوج سايبه

خليفة الشلماني تعددت لديه الفواهق ولكنها مصبها واحد، الحرمان من الولد وكذلك الصحة وغيرها الخفي الذي لا نراه ولا نعرفه ولكنه عبر عنه بقوله :

كثرن فواهقي من الوقت طفيت هذا هاذاك انهلع

والغناء فواهق وكل يحاول سد فاهقه أو على الأقل وصفه للغير لعل يصبر به غيره أو يعالج به جرحاً ينزف دماً ويهدر نفساً ويحطم روح الأمل لدي الإنسان.

منقــــcopeــــول...