من داخل أحد مساجد مدينتي

من داخل أحد مساجد مدينتي

بسم الله

الحمد لله واشهد ان لا إله إلا الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور : " ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمت الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتب مبين )) سورة الأنعام آية 59 ) (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ..... ...المجادلة 7 " واشهد ان سيدنا محمد عبده ورسوله أجمل الناس خلقا واحسن الناس خلقا القائل : " من لم تنهه عبادته عن الفحشاء والمنكر فليس لله حاجة في صلاته ولا صيامه .. اللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه الذين كانت أعمالهم شاهدة علي اقوالهم ... اما بعد :..

قال أهل العلم للدين أصول ثلاثة وهي الإيمان الصحيح ، والعبادة الصادقة لله وحده ، وحسن المعاملة مع الناس . فمن فاته شئ منها فقد فاته الكثير من الإسلام ... ويمكنني التحدث في هذه الخطبة عن المعاملة : ويقصد بها معاملة الناس بالحسنى ، أي التقوى كما يسميها الفقهاء ..... فنقول مستعين بالله :
التقوى أساس كل خير .. وهي الهدف الذي يسعى الإسلام إلى غرسه في نفس المسلم من خلال ما فرض الله عليه من عبادات ، وان المتتبع لحكمة الله في فرض العبادات يجد أنها لم تفرض لذاتها ، وإنما فرضت وسيلة للتقوى ولإصلاح الفساد وتقويم الإعوجاج وخلق مجتمع فاضل متماسك نقي خال من المنكرات . يقول سبحانه : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " فإذا لم تنجح الصلاة في محاربة المنكرات والفواحش فإنها لم تؤد دورها الذي شرعها الله من أجله .. وقس علي ذلك بقية العبادات من خلال ما ورد عنها في القرآن الكريم ، فالصيام هو طريق للتقوى كما في قوله تعالى " كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون " والحج وسيلة للتخلص من الخصام والنزاع والفسوق كما في قوله : لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ".
حين ينظر الإنسان بعقله البسيط في العبادات يجدها ليست طقوسا وحركات ، إنما لها أهداف اكبر وهي خدمة الفرد والجماعة حيث تغرس في النفوس التقوى والخلق الحسن والسماحة ولين الجانب والأمانة والسيرة الطيبة . أما إذا فشلت العبادة في تحقيق تلك تصبح لا معنى لها ولا طائل منها ، فتكون الصلاة رياضة ، و الصوم رجيم ، والحج جولة سياحية ... ويكون الأمر كقضية تلك المراة التي قيل للرسول صلى الله عليه وسلم أنها تصلي وتصوم وتؤذي جيرانها فقال عليه الصلاة والسلام لا خير فيها هي من أهل النار وإن صلت وصامت ....

إن للعبادة إشراقات نورانية يمتد نورها ليؤثر في سلوك الفرد ، والذين يعتقدون أن العبادة هي مجرد ركعات تركع وأيام تصام ثم يتركون لأنفسهم العنان تعيث كما تريد وتفسد كما تشاء أولئك عبر عنهم الله بقوله سبحانه : " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم " هؤلاء الناس يهتمون بالظواهر فقط والظواهر وحدها لا تغني عن الحقائق ... أنظر أخي إلى هذه الآية وتمعن فيها .. يقول تعالى : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ..." تعجبك عبادته الظاهرية ، يعجبك تشدقه بغريب الألفاظ والأحكام ، يعجبك جلبابه الأبيض ومسبحته الطويلة ، ويبهرك بطول ركوعه وسجوده كل ذلك كان أمام الناس ثم إذا خرج من عندهم سعى في الأرض ليفسد فيها ، إذا خلا بمحارم الله ارتكبها ، وإذا مر بحدود الله تخطاها ، وإذا وقع في يده مال اليتيم أكله ، وإذا ذكرت امامه سيرة الناس ذمهم ، وإذا عاشر الخلق أو تعمل معهم لم يجدوا فيه تلك السماحة ولين الجانب والخلق الطيب الذي تأتي به العباده ....
فأين أثر العبادة في نفوس هؤلاء ألم يكن المسلم لين الجانب طيب الخلق مستقيم في العلن والخفاء بشوش يحب الناس ينصهر معهم ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم يعمل علي ما ينفعه وإياهم . وتجد لا يعمل إلا خيرا ولا يقول إلا صدقا ...

إخوتي هذا ما تذكرته من هذه الخطبة التي اعجبتني وحاولت جمعه لتشاركوني الفائدة منها ... بارك الله فيكم وجمع قلوبكم علي الخير والتقوى .....

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته