علامة 10 لبولندا على حسن الضيافة

سيبقى شهر حزيران/يونيو من العام 2012 علامة فارقة في تاريخ بولندا التي نظّمت للمرة الأولى بطولة أمم أوروبا لكرة القدم وأنجزت مهمتها بنجاح بعد أن ردّت الدَّين للاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) الذي منحها وجارتها أوكرانيا شرف الاستضافة في 18 نيسان/أبريل من العام 2007 مفضلاً ملفي البلدين على ملفات كرواتيا وهنغاريا واليونان وإيطاليا وتركيا.

وأسدلت بولندا يوم اول أمس الخميس رسمياً الستار على استضافتها للبطولة مع انتهاء مباراة ألمانيا وإيطاليا في نصف النهائي التي احتضنها ملعب وارسو الوطني حيث انطلقت ركلة البداية منذ ثلاثة أسابيع ونبض قلب البلاد على إيقاع المستديرة.

ومع كثرة الكلام والتشكيك بقدرة بولندا على استضافة حدث رياضي بهذا الحجم كسب البولنديون الرهان، وجاء المديح على لسان الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس اليويفا الذي أكّد في إحدى المقابلات في خلال البطولة أن البلدين المنظمين "فازا بالبطولة" على الرغم من خروج فريقهما من الدور الأول، مضيفاً أنه: "يجب على الشعبين البولندي والأوكراني أن يشعرا بالفخر بما تم تحقيقه بعد المشكلات التي حدثت قبل انطلاق البطولة وخصوصاً فيما يتعلق بالبنية التحتية".

وسادت البلاد التي تزيد مساحتها عن 312 ألف كيلومتر مربع ويقطنها أكثر من 38 مليون نسمة أجواء احتفالية جميلة، واستقبلت مختلف المدن العرس الكروي بأبهى حلة حيث غطت اللافتات الترويجية والصور والشعارات الخاصة بالبطولة وبالمنتخب البولندي وبالمنتخبات الأخرى المشاركة واجهات الأبنية والمؤسسات العامة والفنادق والمحلات التجارية وحتى وسائل النقل، وشهدت البلاد حركة سياحية غير مسبوقة ساهمت بدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.

وأضفى الإقبال الجماهيري الكبير على حضور المباريات سواء من داخل الملاعب ومنطقة المشجعين أو الشوارع العامة حيث نصبت الشاشات العملاقة نكهة خاصة على الحدث إذ غصت شوارع العاصمة وارسو بالمشجعين وخصوصاً من أهل الدار الذين واكبوا منتخب بلادهم حتى خروجه من المسابقة، فصبغوا المدينة باللونين الأحمر والأبيض وتجمعوا بمئات الآلاف في منطقة المشجعين وسط وارسو ليقدموا دعمهم للمنتخب الوطني.

ولكن الأجواء الجميلة التي خيمت على البلاد عكّر صفوها بعض المشاغبين المتطفلين خصوصاً قبل مباراة بولندا وروسيا في الجولة الثانية حيث أدت المواجهات بين الطرفين إلى سقوط جرحى، لكن السلطات الأمنية ضربت بيد من حديد واعتقلت وحاكمت الفاعلين في حين فرض اليويفا عقوبات على الاتحاد الروسي وحتى الكرواتي بسبب شغب جماهيره أيضاً والإساءات العنصرية التي صدرت عن بعض مشجعيه تجاه مهاجم إيطاليا ماريو بالوتيلي.

ولا شك في أن النسخة الرابعة عشرة من كأس أوروبا ساهمت في إنشاء بنية تحتية عصرية لبولندا، إذ منذ فوزها بشرف الاستضافة في العام 2007 جرت الأعمال على قدم وساق لاستقبال الحدث بأبهى صورة، فأُنشئت الطرقات الجديدة للربط بين المدن المضيفة للحدث، وتم بناء سكك الحديد والترام والمطارات عامة، واستحدثت الملاعب على وجه الخصوص، وبلغت كلفة استحداث العاصمة وارسو نصف مليار يورو في حين كلّف إنشاء ملعب غدانسك شمالي البلاد والطرقات المؤدية إليه أكثر من مليار يورو.

وبفضل هذه المشاريع التي يعوّل البلد على الاستفادة الطويلة منها لم يتراجع النمو في بولندا على عكس الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي، وقدِّر إنفاق المشجعين خلال البطولة حتى الآن بقرابة 180 مليون يورو.