أوطان المحبين

من طرف **زهرة اللوتس** 2010-12-08, 5:33 pm

أوطان المحبين
ما أجمل أن تجد النفس يوماً ما كانت طيلة حياتها تبحث عنه .. ما كانت تهفو إليه الروح .. ويتطلع إليه الوجدان ، هذا بالضبط ما قرأته فى عينيها يوم لقائى بها .
تيقنت يومها بأنّ أقدار الحياة تحمل فى جعبتها الخير لكل إنسان علم هو ذلك أو جهله ، فالواقع كفيل بأن يثبت له عدل الأقدار ، فهى تحمل بين طياتها جزءاً من مشيئة الله فى البشر ..تنفذ فيهم فيتلمسون بحقيقتها جمال الحياة ويوقنون حينها بعظمة الخالق الرحيم ويدركون قصور ذواتهم العزيزة على نفسها القاصرة أحياناً على فهم "حكمة الحياة " .
تأملت يوم لقائها تلك الحياة الهادئة البسيطة ، وتلك السكينة التى تغشو جنبات بيتها وتلك الفرحة التى ترتسم على وجهها وتنطق بها كل جوارحها ؛ فسعدت كثيراً بسعادتها ومنحتنى هى دون أن تشعر بعضاً من الطمأنينة القلبية لما تهفو إليه نفسى ويحلم به قلبى وتشتاق إليه جوارحى ، لكن ثمة شىء أفتقده فى حياتها رغم جمالها وروعتها، لم أعرف ماهيته بالضبط كى أبحث عن سبيل الوصول إليه ، لكن كان للأقدار كلمة أخرى فى هذا الأمر الذى حيّرنى وشغلنى .. كلمة عظيمة أيقنت معها بحكمة "أقدار الله فى البشر " وأنها بعظمتها نتاج إرادتين .. إرادة الله – سبحانه وتعالى – وإرادة الإنسان ذاته فى حياته – تلك التي لا تخرج عن إرادة الرب - فحيثما كان الصدق مع النفس ومع خالقها كانت إرادة الإنسان موجهة بمشيئته سبحانه للخير كله.
تلك الكلمة الرائعة ألقت بها الأقدار إلىّ فى رحلة العودة ..وجدتها حية تنبض بجمال الحياة .. تتمثل رفيقين حالمين مؤمنين تستشعر فى عينيهما وحركاتهما كل معانى الحب الراقى والسكن والطمأنينة.. تماماً كما ذُكر فى حالهما "وجعل بينهما مودة ورحمة " .
لا أدرى ما الذى قد انتابنى حينها ، إلا أنى استشعرت معهما تلك الحلقة المفقودة التى افتقدتها فى الحياة التى رُسمت فى خيالى من نتاج زيارتى تلك.
تأملت حالهما فى سعادة ، فآمنت حينها بأنّه ما من وطن للمحبين إلا فى قلب كل منهما ،ففى قلب كل منهما يكمن موطن الآخر .
اكتشفت بعد دقائق بأنهما لا يتحدثان العربية فزاد إيمانى بحالتهما الجميلة وحياتهم الأجمل والأسمى ، لم أرَ من نقابها سوى عينين مليئتين بكل الحب يضفيان على الكون من حولها صفاءً وطمأنينة .
ورأيت فى رفيقها جمال تأسيه بقدوته ونبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – من الجلباب إلى اللحية ، رأيته متمثلا ببشر كما لم أره فى بشر من قبل… لسان حاله يقول :
هي أنت التي خلقت لنحيا في ظلال من الوفاء الرشيد

كحياة الأرواح تضفي حنانا وهي تهفو في ظلها الممدود

حيثما الحب طائف يتراءى كالملاك المهوّم المكدود

حاني العطف إذ يضم علينا ضمة الأم رحمة بالوليد

فإذا الكون والحياة جمال وإذا العيش فسحة في الخلود

**

هي أنت التي تلاقيت روحاً مع روحي فهامتا في الوجود

هي أنت التي تحدثت عنها خطراتي ، في يقظتي وهجودي

إن تكوني ! إذن فهاك فؤادي كله خالصا نقي العهود

وتعالى نبع الحيـاة جهاداً عبقري التصويب والتصعيد

شجعيني على الجهاد طويلا فجهاد الحياة جد شديد

أشعريني بأن قلباً نقيّـا يرتجي ساعدي ويهوى وجودي

ثم سيري معي نخط طريقاً كمهاد في الصخرة الجلمود

نظرة منك وابتسامة حُـب تترك الصعب ليّنا كالمهود

لك مني عواطفي وعهودي لك مني رعايتي وجهودي (1)
رأيت فيهما جمال النفس الداخلى وجمال المظهر الخارجى يتحدان بقوة وروعة كبيرة تشعر معها بحالة من الهدوء والسكينة تملأ كيانك وتسمو بك إلى حياة نبيلة كريمة راقية .
أيقنتُ بأنّ المؤمنين الصالحين وكذا المؤمنات الصالحات ما من موطن لهما سوى موطن واحد .. هو ذاك الذى يجمعهما وإن اختلفت البلاد واللهجات والكلمات .. هو ذاك الذى يحملانه بين صدورهما بإيمان كامل ونبض صادق يجعل من كل بلاد الدنيا لهما معا موطناً .
إنه حين يكون اللقاء بين المحبين هو ذاك الإيمان بقيمة حياتهما ووجودهما ، فإنه يكمن فى اتحادهما كل معانى القوة والرقى والسمو الذى تغذيه شرايين الحب والسكينة والاطمئنان فيصبح لهما موطناً ذا حصون من فلاذ لا يقوى على التصدى له واقع التيه والذوبان ، ويصبح لكينونتهما معناً خاص نسجاه سوياً فأصبح لهما موطناً لا يغيب أبداً عن الحياة وإن غابت من حوله الأماكن والأشخاص .
(1) قصيدة "هى أنت " ..سيد قطب
*************************************
منقوووووووووووووووووووووول