قالت .. وقالت .. وقالت ....

من طرف **زهرة اللوتس** 2011-01-07, 9:17 pm

خمس وأربعون عاما مضت من عمرها ...أمدها الله به
بدت ملامح وجهها كما حقل تراب بفعل محراث الزمن الذي ما فتيء يقلبه ذات اليمين وذات الشمال
وبدت خيوط من التجاعيد ترسم بكائيتها ليزداد وجهها اضمحلالا
وبدا شعرها يتقصف بتوالي السنين
وأضحى الشيب به علامة ودلالة لا تمحي
وتعمل كمعلمة للصف الأول الإبتدائي
قالت لي ذات مرة : خمس وعشرون سنة هي فترة خدمتي بهذه المدرسة كمعلمة للصف الأول الإبتدائي.
الهرج والمرج والبكاء والصراخ والشكاوى لا تفارقني إلا ساعة نومي وبالكاد.
فلا أكاد انتهي من عويل ابنائي وبناتي وعراكهم وصراخهم لأتوجه إلى المدرسة حتى يقابلني هذا الهم والوجع
داخل الفصل....ويستمر ذلك إلى ان يذهب كل في سبيله.
وقالت : اذكر انه حين كنا صغارا في المدرسة الابتدائية .. كنت واختي نقتسم ذات ((البنك)) المتهالك.
وكان فطورنا يتكون من رغيف خبز التنور و ((طرف جبنة))
قلت : طرف جبنة واحد؟ اجابت : نعم طرف واحد..
وكانت أختي تقطع بفمها الصغير خيطا رفيعا من محرمتها
المغبرة بفعل ما يجتاحنا من اتربة تذروها الرياح اثناء ذهابنا وإيابنا من وإلى المدرسة مرورا بأراض زراعية وعرة.
كانت اختي تمسك الخيط الرفيع من طرفيه بيديها وتهوي به إلى ((طرف الجبنة))
وتقطعه بحذر إلى قطعتين متساويتين ((بالطول))
وكنا نرضى بما قسم الله لنا
وكانت الفرحة لا تكاد تسعنا
فيوم نفطر فيه خبز التنور والجبن هو يوم قليل المنال.
وقالت : واليوم .... افتح لأطفالي علبة التن الطازج المستورد ,,
وأحشو به الرغيف الساخن الذي وصل توا من ((الكوشة))
مع اضافة شيء من الهريسة حسب الطلب ...
هذا الى جانب علبة صن توب وزجاجة بلاستيك من الماء المعقم
مع ضرورة وضع ربع او نصف دينار في جيب كل منهم.....
ولعلك تسلم من اذاهم.. ولعلهم يرضون.
وفيما هي تختفي عن الأنظار
كنت لا ازال اضرب الاخماس بالأسداس
وأتلهف شوقا لتلك الأيام الغابرة ذات الشجون.
منقوول..