إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
+5
فرج احميد
شجون الشرق
STAR
زهرة اللوتس
عبدالحفيظ عوض ربيع
9 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
كان طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ يَمضي مع قافِلةٍ من قوافِلِ قريشٍ في تجارةٍ له إلى بلادِ الشامِ، فلمَّا بلغتِ القافلة مدينة بُصرى ( مدينة في الشام، وهي الآن من محافظة حوران في سورية )، هبَّ الشيوخ من تجارِ قريشٍ إلى سُوقها العامرةِ يبيعونَ ويَشترون.
وعلى الرغمِ من أنَّ طلحةَ كان شاباً حدثاً ( صغير السن ) ليسَ له مثلُ خبرتِهم في التجارة، إلا أنّه كان يَملكُ من حدّة الذكاءِ ونفاذِ البصيرةِ ما يُتيحُ له مُنافستهم، والفوزَ من دونهم بأفضلِ الصَّفقاتِ.
وفيما كان طلحة يروحُ ويَغدو في السّوق التي تموجُ بالوافدينَ عليها مِن كلِّ مكان، حدثَ له أمرٌ لم يكنْ سبباً في تغيير مجرى حياتِه كلها فَحسبُ....
وإنّما كان بشيراً بتغيير سَيرِ التاريخِ كله...
فلنترُكِ الكلامَ لطلحَة بنِ عُبيد الله ليرويَ لنا قِصته المُثيرةَ.
- قال طلحَة: بينما نحنُ في سوقِ بُصرى، إذا راهبٌ ( رجل الدين عند النصارى ) يُنادي في الناسِ:
يا مَعشرَ التُّجار، سَلوا أهلَ هذا الموسِم ( مجتمع الناس للحج أو للبيع والشراء )، أفيهم أحدٌ من أهلِ الحَرَم ( أهل مكة؟ ).
وكنتُ قريباً منه فبادرتُ إليه وقلتُ: نعم أنا مِن أهلِ الحَرَم.
فقال: هَل ظهرَ فيكمْ أحمدُ؟
فقلت: ومَن أحمدُ؟ !
فقال: ابنُ عبدِ الله بنِ عبدِ المطلبِ....
وهذا شهرُه الذي يظهَرُ فيه...
وهو آخِرُ الأنبياءِ...
يخرجُ من أرضِكم من الحَرَم، ويُهاجرُ إلى أرضٍ ذات حجارةٍ سُودٍ، ونخيلٍ وسباخٍ ( أرض فيها نزِّ وملح ) يَنزُّ ( يتحلبُ ) منها الماءُ...
فإياك أن تسبقَ إليه يا فتى.
قال طلحة: فوقعَتْ مقالته في قلبي، فبادرتُ إلى مطاياي ( جمالي ) فرَحلتها ( وضعت عليها رحالها استعدادا للسفر ) ، وخَلفتُ القافِلةَ ورائِي، ومَضيتُ أهوِي هويّاً ( اندفع مسرعاً ) إلى مكةَ.
فلما بلغتهَا؛ قلت لأهلي: أكان مِن حدثٍ بَعدَنا في مكة؟
قالوا: نعم، قامَ محمدُ بنُ عبدِ الله، يزعمُ أنّه نبيُّ، وقد تبِعهُ ابنُ أبي قحافة ( يريدون أبا بكر ).
قال طلحة: وكنتُ أعرفُ أبا بكرٍ، فقد كان رجُلاً سهلاً محبَّباً مُوَطأ الأكنافِ ( لين الجانب )..
وكان تاجراً ذا خلقٍ واستقامةٍ، وكنّا نألفه، ونحبُّ مجالِسه، لِعلمِه بأخبَار قريشٍ، وحِفظهِ لأنسابها.
فمضيتُ إليه وقلتُ له: أحَقا ما يُقالُ مِن أنَّ محمَّدَ بنَ عبدِ الله أظهرَ النبوةَ، وأنكَ اتبعته؟!
قال: نعم... وجَعل يقصُّ عليَّ من خبره، ويُرغبُني في الدُّخول معه، فأخبرته خبر الرّاهبِ، فدهِش له وقال: هَلمَّ ( امض ) معِي على محمدٍ لتقصَّ عليه خبرَكَ، ولتِسمعَ ما يقول... ولِتدخل في دين الله...
قال طلحة: فمضَيتُ معه إلى محمدٍ فعرضَ عليَّ الإسلامَ، وقرأ عليَّ شيئاً من القرآن، وبَشرَني بخيري الدُّنيا والآخرةِ.
فشرحَ الله صدرِي إلى الإسلامِ، وقصَصتُ عليهِ قصةَ راهِبِ بُصرى فَسُرَّ بها سُروراً بَدا على وجهه...
ثم أعلنتُ بينَ يديهِ شهادةَ أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...
فكنتُ رابعَ ثلاثةٍ أسلموا على يَدي أبي بكر.
* * *
- ووقعَ إسلامُ الفتى القرشِي على أهلهِ وذويه وقع الصاعقةِ.
وكان أشدّهم جزعاً ( حزناً وهلعاً ) لإسلامه أمهُ؛ فقد كانت ترجو أن يسودَ قومَه لما يَتمتعُ به من كريم الشمائلِ وجليلِ الخصائل.....
* * *
- وقد بادَرَ إليه قومُه لِيثنوه عن دينهِ فوجدوه كالطودِ ( الجبل العظيم ) الراسخِ الذي لا يَتزعزعُ.
فلمَّا يئسوا من إقناعِه بالحُسنى لجَؤوا إلى تعذيبهِ والتنكيلِ به...
حَدثَ مسعودُ بنُ خراشٍ قال: بينما كنت أسعى بينَ الصفا والمروةِ ( مشعران من مشاعر الحج يسعى الحجاج المعتمرون بينهما ) ، إذا أناسٌ كثيرٌ يَتبعُونَ فتىً أوثِقت يداه ( كتفت يداه وربطتا ) إلى عُنقهِ... وهم يُهرولون وراءه، ويدفعونه في ظهرِه، ويضربونه على رأسه...
وخلفه امرأةٌ عجوز تسُبه وتصيحُ به...
فقلت: ما شأنُ ( ما أمره وخبره ) هذا الفتى؟!
فقالوا: هذا طلحَة بنُ عبيد الله ، صَبأ ( رَجعَ ) عن دينه، وتبع غلامَ بني هاشم...
فقلت: ومن هذه العجوز التي وراءه؟
فقالوا: هي الصَّعبة بنتُ الحضرميِّ أمُّ الفتى...
* * *
- ثم إنَّ نوفلَ بن خويلدٍ المُلقبَ بأسدِ قريشٍ، قام إلى طلحة بن عبيد الله فأوثقه في حبلٍ، وأوثق معهُ أبا بكرٍ الصدّيق، وقرَنهما معاً وأسلمهُما إلى سُفهاءِ مكة، ليذيقوهما أشدّ العذابِ...
لذلك دُعي طلحَة بنُ عبيد الله وأبو بكرٍ الصديقُ بالقرينيْن.
* * *
- ثم جعلتِ الأيام تدورُ، والأحداثُ تتلاحقُ، وطلحة بن عبيد الله يزدادُ مع الأيام اكتمالاً، وبلاؤه في سبيلِ الله ورسوله يكبرُ ويَتعاظمُ، وبِره بالإسلامِ والمسلمين ينمو ويتسعُ، حتى أطلق عليه المُسلمون لقبَ الشهيدِ الحيِّ ودعاه الرسولُ عليه الصلاة والسلام بطلحةِ الخيرِ، وطلحةِ الجودِ، وطلحةِ الفيَّاض.
ولكلٍّ من هذه الألقاب قصة لا تقلُّ روعة عن أخواتها.
* * *
- أما قِصة تلقيبهِ بالشهيدِ الحيِّ فكانتْ يومَ أحُدٍ حين انهزمَ المُسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق معه غيرُ أحدَ عشرَ رجُلا من الأنصارِ وطلحة بن عبيد الله من المهاجرين.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يصعدُ هو ومنْ معه الجبلِ، فلحقتْ به عُصبة من المشركين تريدُ قتله.
فقال عليه الصلاة والسلام: ( من يرُدُّ عنا هؤلاءِ وهو رفيقي في الجنَّةِ؟ ).
فقال طلحة: أنا يا رسول الله.
فقال عليه الصلاة والسلامُ: ( لا، مكانَك "إلزم مكانك").
فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله.
فقال: ( نعم، أنتَ ).
فقاتَلَ الأنصاريَّ حتى قتلَ، ثم صعدَ الرسولُ عليه الصلاة والسلامُ بمنْ معه فلحقه المشركون، فقال: ( ألا رَجلٌ لهؤلاءِ؟! ).
فقال طلحة: أنا يا رسول الله.
فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا، مكانكَ ).
فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله.
فقال: ( نعم، أنتَ )، ثم قاتل الأنصاريُّ حتى قتل أيضاً.
* * *
- وتابع الرسولُ صعودهُ، فلحقَ به المشركون، فلم يزل يقولُ مثل قوله، ويقولُ طلحة: أنا يا رسول الله، فيمنعُه النبيُّ، ويأذنُ لرجلٍ من الأنصارِ حتى استشهدوا جميعاً، ولم يبقَ معه إلا طلحة فلحق به المشركون، فقال لطلحة: ( الآن، نعم....).
وكان الرسولُ عليه الصلاة والسلام قد كسِرت رباعيَّته ( سنه التي بين الناب والثنية ) وشجَّ جبينُه، وجُرحتْ شفته، وسال الدمُ من وجههِ، وأصابه الإعياءُ ( التعب ) فجَعلَ طلحة يكرُّ ( يهجم ) على المُشركين حتى يدفعهم عن سول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينقلبُ إلى النبيِّ فيرقى به قليلاً في الجبل، ثم يسندُه إلى الأرضِ، ويكرُّ على المشركين من جديدٍ...
ومازال كذلك حتى صَدَّهم عنه...
قال أبو بكر: وكنتُ آنئذٍ أنا وأبو عبيدة بنُ الجراحِ بعيدين عن رسول الله، فلما أقبلنا عليه نريدُ إسعافه قال: ( أترُكاني وانصرِفا إلى صاحِبكما )، يُريدَ طلحَة.
فإذا طلحة تنزفُ دماؤه، وفيه بضعٌ وسبعون ضربةً بسيف أو طعنة برمحٍ أو رمية بِسهم...
وإذا هو قد قطِعت كفّه، وسقط في حُفرةٍ مغشيا عليه....
فكان الرسولِ عليه الصلاةُ والسلام يقول بعد ذلك: ( من سَره أن يَنظرَ إلى رجُلٍ يمشي على الأرض، قد قضَى نحبه فليَنظرْ إلى طلحة بنِ عُبيد الله ).
وكان الصدِّيقُ رضوانُ الله عليه إذا ذكر أحدٌ يقول: ذلكَ يومٌ كله لطلحة...
* * *
- هذه هي قصة نعتِ طلحة بن عبيدِ الله بالشهيدِ الحيِّ، أما تلقيبُه بطلحةِ الخير وطلحةِ الجودِ فله مائة قِصةٍ وقصة...
من ذلك أنَّ طلحة كان تاجراً واسع التجارةِ عظيمَ الثراءِ، فجاءَه ذات يومٍ مالٌ من حَضرمَوْتَ مقدارُه سبعمائةِ ألفِ درهمٍ، فبَاتَ ليلته وَجلاً ( خائفاً ) جزعاً محزوناً.
فدخلتْ عليه زوجته أم كلثوم بنتُ أبي بكرٍ الصديق وقالت: ما بك يا أبا محمد؟!!
لعَله رابَكَ ( أصابك وساءك ) منا شيءٌ !!
فقال: لا، ولنِعمَ حَليلة ( الزوجة ) الرجُل المُسلم أنتِ...
ولكن تفكرتُ منذ الليلةِ وقلتُ: ما ظنُّ رجلٍ بِربّه إذا كان ينامُ وهذا المال في بيته؟!
قالت: وما يُغمُّك ( يهمك ويدخل عليك الغم ) منه؟!
أينَ أنتَ من المحتاجين من قومك وأخلائِك؟!
فإذا أصبحتَ فقسِّمه بينهم.
فقال: رَحِمَك الله، إنك مُوفقة بنتُ موفقٍ....
فلما أصبحَ جعلَ المالَ في صُررٍ وجِفانٍ ( جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة ) وقسمَه بين فقراءِ المهاجرين والأنصارِ.
ورُوي أيضاً أنّ رجُلاً جاء إلى طلحة بن عُبيد الله يطلبُ رفدَه ( معونته وعطاءه ) وذكرَ له رحماً تربُطه به، فقال طلحة: هذا رحِمٌ ما ذكرها لي أحدٌ من قبلُ.
وإنَّ لي أرضاً دفعَ لي فيها عثمانُ بن عفانَ ثلاثمائةِ ألفٍ....
فإن شئتَ خُذها وإن شئت بِعتها لك مِنه بثلاثمائةِ ألفٍ، وأعطيتك الثمنَ، فقال الرجلُ: بَلْ آخذ ثمنَهَا...
فأعطاه إيَّاه...
* * *
- هنيئاً لطلحة الخيرِ والجودِ هذا اللقبُ الذي خلعُه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورضي الله عنه ونورَ له في قبره.
وعلى الرغمِ من أنَّ طلحةَ كان شاباً حدثاً ( صغير السن ) ليسَ له مثلُ خبرتِهم في التجارة، إلا أنّه كان يَملكُ من حدّة الذكاءِ ونفاذِ البصيرةِ ما يُتيحُ له مُنافستهم، والفوزَ من دونهم بأفضلِ الصَّفقاتِ.
وفيما كان طلحة يروحُ ويَغدو في السّوق التي تموجُ بالوافدينَ عليها مِن كلِّ مكان، حدثَ له أمرٌ لم يكنْ سبباً في تغيير مجرى حياتِه كلها فَحسبُ....
وإنّما كان بشيراً بتغيير سَيرِ التاريخِ كله...
فلنترُكِ الكلامَ لطلحَة بنِ عُبيد الله ليرويَ لنا قِصته المُثيرةَ.
- قال طلحَة: بينما نحنُ في سوقِ بُصرى، إذا راهبٌ ( رجل الدين عند النصارى ) يُنادي في الناسِ:
يا مَعشرَ التُّجار، سَلوا أهلَ هذا الموسِم ( مجتمع الناس للحج أو للبيع والشراء )، أفيهم أحدٌ من أهلِ الحَرَم ( أهل مكة؟ ).
وكنتُ قريباً منه فبادرتُ إليه وقلتُ: نعم أنا مِن أهلِ الحَرَم.
فقال: هَل ظهرَ فيكمْ أحمدُ؟
فقلت: ومَن أحمدُ؟ !
فقال: ابنُ عبدِ الله بنِ عبدِ المطلبِ....
وهذا شهرُه الذي يظهَرُ فيه...
وهو آخِرُ الأنبياءِ...
يخرجُ من أرضِكم من الحَرَم، ويُهاجرُ إلى أرضٍ ذات حجارةٍ سُودٍ، ونخيلٍ وسباخٍ ( أرض فيها نزِّ وملح ) يَنزُّ ( يتحلبُ ) منها الماءُ...
فإياك أن تسبقَ إليه يا فتى.
قال طلحة: فوقعَتْ مقالته في قلبي، فبادرتُ إلى مطاياي ( جمالي ) فرَحلتها ( وضعت عليها رحالها استعدادا للسفر ) ، وخَلفتُ القافِلةَ ورائِي، ومَضيتُ أهوِي هويّاً ( اندفع مسرعاً ) إلى مكةَ.
فلما بلغتهَا؛ قلت لأهلي: أكان مِن حدثٍ بَعدَنا في مكة؟
قالوا: نعم، قامَ محمدُ بنُ عبدِ الله، يزعمُ أنّه نبيُّ، وقد تبِعهُ ابنُ أبي قحافة ( يريدون أبا بكر ).
قال طلحة: وكنتُ أعرفُ أبا بكرٍ، فقد كان رجُلاً سهلاً محبَّباً مُوَطأ الأكنافِ ( لين الجانب )..
وكان تاجراً ذا خلقٍ واستقامةٍ، وكنّا نألفه، ونحبُّ مجالِسه، لِعلمِه بأخبَار قريشٍ، وحِفظهِ لأنسابها.
فمضيتُ إليه وقلتُ له: أحَقا ما يُقالُ مِن أنَّ محمَّدَ بنَ عبدِ الله أظهرَ النبوةَ، وأنكَ اتبعته؟!
قال: نعم... وجَعل يقصُّ عليَّ من خبره، ويُرغبُني في الدُّخول معه، فأخبرته خبر الرّاهبِ، فدهِش له وقال: هَلمَّ ( امض ) معِي على محمدٍ لتقصَّ عليه خبرَكَ، ولتِسمعَ ما يقول... ولِتدخل في دين الله...
قال طلحة: فمضَيتُ معه إلى محمدٍ فعرضَ عليَّ الإسلامَ، وقرأ عليَّ شيئاً من القرآن، وبَشرَني بخيري الدُّنيا والآخرةِ.
فشرحَ الله صدرِي إلى الإسلامِ، وقصَصتُ عليهِ قصةَ راهِبِ بُصرى فَسُرَّ بها سُروراً بَدا على وجهه...
ثم أعلنتُ بينَ يديهِ شهادةَ أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله...
فكنتُ رابعَ ثلاثةٍ أسلموا على يَدي أبي بكر.
* * *
- ووقعَ إسلامُ الفتى القرشِي على أهلهِ وذويه وقع الصاعقةِ.
وكان أشدّهم جزعاً ( حزناً وهلعاً ) لإسلامه أمهُ؛ فقد كانت ترجو أن يسودَ قومَه لما يَتمتعُ به من كريم الشمائلِ وجليلِ الخصائل.....
* * *
- وقد بادَرَ إليه قومُه لِيثنوه عن دينهِ فوجدوه كالطودِ ( الجبل العظيم ) الراسخِ الذي لا يَتزعزعُ.
فلمَّا يئسوا من إقناعِه بالحُسنى لجَؤوا إلى تعذيبهِ والتنكيلِ به...
حَدثَ مسعودُ بنُ خراشٍ قال: بينما كنت أسعى بينَ الصفا والمروةِ ( مشعران من مشاعر الحج يسعى الحجاج المعتمرون بينهما ) ، إذا أناسٌ كثيرٌ يَتبعُونَ فتىً أوثِقت يداه ( كتفت يداه وربطتا ) إلى عُنقهِ... وهم يُهرولون وراءه، ويدفعونه في ظهرِه، ويضربونه على رأسه...
وخلفه امرأةٌ عجوز تسُبه وتصيحُ به...
فقلت: ما شأنُ ( ما أمره وخبره ) هذا الفتى؟!
فقالوا: هذا طلحَة بنُ عبيد الله ، صَبأ ( رَجعَ ) عن دينه، وتبع غلامَ بني هاشم...
فقلت: ومن هذه العجوز التي وراءه؟
فقالوا: هي الصَّعبة بنتُ الحضرميِّ أمُّ الفتى...
* * *
- ثم إنَّ نوفلَ بن خويلدٍ المُلقبَ بأسدِ قريشٍ، قام إلى طلحة بن عبيد الله فأوثقه في حبلٍ، وأوثق معهُ أبا بكرٍ الصدّيق، وقرَنهما معاً وأسلمهُما إلى سُفهاءِ مكة، ليذيقوهما أشدّ العذابِ...
لذلك دُعي طلحَة بنُ عبيد الله وأبو بكرٍ الصديقُ بالقرينيْن.
* * *
- ثم جعلتِ الأيام تدورُ، والأحداثُ تتلاحقُ، وطلحة بن عبيد الله يزدادُ مع الأيام اكتمالاً، وبلاؤه في سبيلِ الله ورسوله يكبرُ ويَتعاظمُ، وبِره بالإسلامِ والمسلمين ينمو ويتسعُ، حتى أطلق عليه المُسلمون لقبَ الشهيدِ الحيِّ ودعاه الرسولُ عليه الصلاة والسلام بطلحةِ الخيرِ، وطلحةِ الجودِ، وطلحةِ الفيَّاض.
ولكلٍّ من هذه الألقاب قصة لا تقلُّ روعة عن أخواتها.
* * *
- أما قِصة تلقيبهِ بالشهيدِ الحيِّ فكانتْ يومَ أحُدٍ حين انهزمَ المُسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق معه غيرُ أحدَ عشرَ رجُلا من الأنصارِ وطلحة بن عبيد الله من المهاجرين.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يصعدُ هو ومنْ معه الجبلِ، فلحقتْ به عُصبة من المشركين تريدُ قتله.
فقال عليه الصلاة والسلام: ( من يرُدُّ عنا هؤلاءِ وهو رفيقي في الجنَّةِ؟ ).
فقال طلحة: أنا يا رسول الله.
فقال عليه الصلاة والسلامُ: ( لا، مكانَك "إلزم مكانك").
فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله.
فقال: ( نعم، أنتَ ).
فقاتَلَ الأنصاريَّ حتى قتلَ، ثم صعدَ الرسولُ عليه الصلاة والسلامُ بمنْ معه فلحقه المشركون، فقال: ( ألا رَجلٌ لهؤلاءِ؟! ).
فقال طلحة: أنا يا رسول الله.
فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا، مكانكَ ).
فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله.
فقال: ( نعم، أنتَ )، ثم قاتل الأنصاريُّ حتى قتل أيضاً.
* * *
- وتابع الرسولُ صعودهُ، فلحقَ به المشركون، فلم يزل يقولُ مثل قوله، ويقولُ طلحة: أنا يا رسول الله، فيمنعُه النبيُّ، ويأذنُ لرجلٍ من الأنصارِ حتى استشهدوا جميعاً، ولم يبقَ معه إلا طلحة فلحق به المشركون، فقال لطلحة: ( الآن، نعم....).
وكان الرسولُ عليه الصلاة والسلام قد كسِرت رباعيَّته ( سنه التي بين الناب والثنية ) وشجَّ جبينُه، وجُرحتْ شفته، وسال الدمُ من وجههِ، وأصابه الإعياءُ ( التعب ) فجَعلَ طلحة يكرُّ ( يهجم ) على المُشركين حتى يدفعهم عن سول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينقلبُ إلى النبيِّ فيرقى به قليلاً في الجبل، ثم يسندُه إلى الأرضِ، ويكرُّ على المشركين من جديدٍ...
ومازال كذلك حتى صَدَّهم عنه...
قال أبو بكر: وكنتُ آنئذٍ أنا وأبو عبيدة بنُ الجراحِ بعيدين عن رسول الله، فلما أقبلنا عليه نريدُ إسعافه قال: ( أترُكاني وانصرِفا إلى صاحِبكما )، يُريدَ طلحَة.
فإذا طلحة تنزفُ دماؤه، وفيه بضعٌ وسبعون ضربةً بسيف أو طعنة برمحٍ أو رمية بِسهم...
وإذا هو قد قطِعت كفّه، وسقط في حُفرةٍ مغشيا عليه....
فكان الرسولِ عليه الصلاةُ والسلام يقول بعد ذلك: ( من سَره أن يَنظرَ إلى رجُلٍ يمشي على الأرض، قد قضَى نحبه فليَنظرْ إلى طلحة بنِ عُبيد الله ).
وكان الصدِّيقُ رضوانُ الله عليه إذا ذكر أحدٌ يقول: ذلكَ يومٌ كله لطلحة...
* * *
- هذه هي قصة نعتِ طلحة بن عبيدِ الله بالشهيدِ الحيِّ، أما تلقيبُه بطلحةِ الخير وطلحةِ الجودِ فله مائة قِصةٍ وقصة...
من ذلك أنَّ طلحة كان تاجراً واسع التجارةِ عظيمَ الثراءِ، فجاءَه ذات يومٍ مالٌ من حَضرمَوْتَ مقدارُه سبعمائةِ ألفِ درهمٍ، فبَاتَ ليلته وَجلاً ( خائفاً ) جزعاً محزوناً.
فدخلتْ عليه زوجته أم كلثوم بنتُ أبي بكرٍ الصديق وقالت: ما بك يا أبا محمد؟!!
لعَله رابَكَ ( أصابك وساءك ) منا شيءٌ !!
فقال: لا، ولنِعمَ حَليلة ( الزوجة ) الرجُل المُسلم أنتِ...
ولكن تفكرتُ منذ الليلةِ وقلتُ: ما ظنُّ رجلٍ بِربّه إذا كان ينامُ وهذا المال في بيته؟!
قالت: وما يُغمُّك ( يهمك ويدخل عليك الغم ) منه؟!
أينَ أنتَ من المحتاجين من قومك وأخلائِك؟!
فإذا أصبحتَ فقسِّمه بينهم.
فقال: رَحِمَك الله، إنك مُوفقة بنتُ موفقٍ....
فلما أصبحَ جعلَ المالَ في صُررٍ وجِفانٍ ( جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة ) وقسمَه بين فقراءِ المهاجرين والأنصارِ.
ورُوي أيضاً أنّ رجُلاً جاء إلى طلحة بن عُبيد الله يطلبُ رفدَه ( معونته وعطاءه ) وذكرَ له رحماً تربُطه به، فقال طلحة: هذا رحِمٌ ما ذكرها لي أحدٌ من قبلُ.
وإنَّ لي أرضاً دفعَ لي فيها عثمانُ بن عفانَ ثلاثمائةِ ألفٍ....
فإن شئتَ خُذها وإن شئت بِعتها لك مِنه بثلاثمائةِ ألفٍ، وأعطيتك الثمنَ، فقال الرجلُ: بَلْ آخذ ثمنَهَا...
فأعطاه إيَّاه...
* * *
- هنيئاً لطلحة الخيرِ والجودِ هذا اللقبُ الذي خلعُه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورضي الله عنه ونورَ له في قبره.
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
لك كل الشكر..وبارك الله فيك...
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
لحظة الوداع من أصعب اللحظات على البشر .. ولكن ما باليد حيله
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
زهرة اللوتس- إداري
-
عدد المشاركات : 124527
العمر : 42
رقم العضوية : 2346
قوة التقييم : 158
تاريخ التسجيل : 30/06/2010
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
لكى الشكرعلى المتابعه
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
شكراً لما قدمت جزاك الله خيرآ
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
كل الشكرعلى المرور
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
جزاك اللة خيرا اخي
شجون الشرق- ملازم أول
-
عدد المشاركات : 285
العمر : 34
قوة التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 30/10/2010
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
لكم الشكرعلى المرور
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
بارك الله فيك فى ميزان حسناتك ان شاءالله
فرج احميد- مستشار
-
عدد المشاركات : 17243
العمر : 62
رقم العضوية : 118
قوة التقييم : 348
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
مشكوربوحميد على المتابعه
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
بارك الله فيك
اسماعيل الشويقي- عريف
-
عدد المشاركات : 105
العمر : 44
رقم العضوية : 1494
قوة التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 09/04/2010
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
بارك الله فيك وجزاك كل خير
احمدمحمدعبدالمولى- عريف
-
عدد المشاركات : 98
العمر : 34
قوة التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 05/08/2011
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
مشكوراخى على المتابعه
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
أخي الفاضل وأســتاذي غبد الجفيظ
بارك الله فيك وبارك لك مقدراً جهودك الحثيثة الجلية
واذا تسمح لي ملاحظة صغيرة جداً
انت كتبت أسم الصحابي
طلحة بن عبيد الله التميمي
وأعتقد ذاك حدث سهواً
وأسمه:
طلحة بن عبيد الله التيمي
وهذه القبيلة من قريش
بينما التميمي قبيلة أخرى
صحيح كلتيهما تلتقي بمضر
هذا ما أحببت التنويه له
أشكرك على سعة صدرك
وعشمي فيك جعلني أبدي الملاحظة
ولك خالص شكري
بارك الله فيك وبارك لك مقدراً جهودك الحثيثة الجلية
واذا تسمح لي ملاحظة صغيرة جداً
انت كتبت أسم الصحابي
طلحة بن عبيد الله التميمي
وأعتقد ذاك حدث سهواً
وأسمه:
طلحة بن عبيد الله التيمي
وهذه القبيلة من قريش
بينما التميمي قبيلة أخرى
صحيح كلتيهما تلتقي بمضر
هذا ما أحببت التنويه له
أشكرك على سعة صدرك
وعشمي فيك جعلني أبدي الملاحظة
ولك خالص شكري
سـيف التميمي- فريق
-
عدد المشاركات : 3175
العمر : 58
رقم العضوية : 6154
قوة التقييم : 46
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
جزاك اللة خير
البرنس 2011- لواء
-
عدد المشاركات : 1642
العمر : 38
رقم العضوية : 84
قوة التقييم : 5
تاريخ التسجيل : 27/03/2009
رد: طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
كل الشكرعلى المروروالمتابعه
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
مواضيع مماثلة
» طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
» طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
» من يتقى الله الله يجعل له مخرجا)) الله عليك يا فضل
» عن أنس بن مالك رضي الله عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
» حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه و سلم: قصة بلال رضي الله
» طلحَة بنُ عبيدِ الله التميميُّ
» من يتقى الله الله يجعل له مخرجا)) الله عليك يا فضل
» عن أنس بن مالك رضي الله عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
» حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه و سلم: قصة بلال رضي الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 9:15 am من طرف STAR
» شيفروليه بولت الكهربائية.. كل ما تريد معرفته
اليوم في 9:14 am من طرف STAR
» البطيخ للحامل.. متى يكون مضرًا؟
اليوم في 9:13 am من طرف STAR
» كفتة البطاطس بالدجاج
اليوم في 9:13 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 9:07 am من طرف STAR
» استا بالكريمة مع صدر الدجاج والبروكلي
2024-05-07, 9:40 am من طرف STAR
» BMW تطلق سيارتها الكهربائية i4 M50 الرياضية
2024-05-05, 9:06 am من طرف STAR
» احذر الإفراط في شرب عصير الجزر.. ماذا يفعل بالجسم؟
2024-05-05, 9:06 am من طرف STAR
» عملاق الدوري الإنجليزي يستقر على التعاقد مع صلاح بعد أزمته مع كلوب
2024-05-05, 9:05 am من طرف STAR
» زوروا أماكن السياحة الجذابة في ليوبليانا عاصمة سلوفينيا
2024-05-05, 9:05 am من طرف STAR
» معهد الفلك": عيد الأضحى فلكياً الأحد 16 حزيران
2024-05-05, 9:04 am من طرف STAR
» ميسي سجل هدفا وصنع 5 بالدوري الأمريكي
2024-05-05, 9:03 am من طرف STAR
» شوربة الباذنجان
2024-05-05, 9:02 am من طرف STAR
» بارما يعود مجدداً لدوري الأضواء
2024-05-02, 11:04 am من طرف STAR
» طرق فعالة للتخلص من الناموس من دون استخدام المبيدات
2024-05-02, 11:03 am من طرف STAR