أوراق من الذاكرة

أوراق من الذاكرة

كنت يوما أتمشى كعادتي بعد العصر ومررت بجانب حديقة مهملة في ضواحي المدينة بها شجرة كبيرة وارفة ورأيت احدهم واقف في ظلها فاقتربت منه دون أن يحس بي لأنه كان يتكلم فظننت انه يحاكي صديقه ولكني لم أرى أحدا غيره , ولما اقتربت اكثر وإذا به يخاطب الشجرة ويقول :...
كم كنت ادور حولك وانتظر بلهفة وشوق في قدوم حبيب أُلاطفه احيانا وأعاتبه أحيانا أخرى كنتي تسمعي حديثنا وتكتمي سرنا , كنتي شاهدة علي أحلامنا وأمانينا التي تضفي علي احساس مفعم بالحيوية يزيح عني كل هموم الدنيا حيث كنت أرى فيه اهل الدنيا كلهم .. أخذ وقتي كله أكلمه في وجوده واستعد لملاقاته في غيابه فلم يكن عندى فراغ بل أرى الوقت لا يسع شوقي إليه ولا ترى عيني إلا صورته في وجوده وطيف خياله في غيابه .. وكان يردد كلمات كلها شوق وحنين .... فأحدثت
حركة فأنتبه لوجودي ونظر إليَََ بنظرات فيها انكسار وخجل وهو يمسح دموعه .. فقلت له:...

لا تخجل يا بني إن ما تشعر به هو دليل علي صدق إحساسك وحبك لهذا الغائب عن المكان الحاضر في نفسك فانت رجل ذو قلب حساس صادق الوعد محب .. ولكن لم تكن ثقتك فيه في محلها فكان ما كان ....
ونصحته بكلمات من فيلسوف خبر الدنيا وأهلها فقلت : ...

لا تذرف دموعك أمام أي كان فإن كان يحبك ... آلمته و إن كان يبغضك ... أفرحته
دائماً ضع دموعك بمرتبة دمك ..
و تذكر أنّ ...
نزف دمك المتواصل .. يجردك من الحياة و نزف دمعك على من لا يستحق .. يجردك من الكرامة و كلاهما غاليان .....

عندما تتوقف في محطة الرحيل لتودع قطاراً يحمل بين ركابه من كنت تعتبره جميع أهل الأرض … واجه رحيله بصمود ... واجعل العمر الضائع على أعتاب الحكاية ليس عمرك .... و خنجر الغدر لم يصب حلمك في الصميم ... و النزف لا يمت لـِخافقكَ بصلة
و اعلم أنَّ.....
الصمود في وجه الخذلان .. هو أعظم الانتصارات
وتذكر.....
أن لازال في العمر الكثير من الأشياء الجميلة التي لم تكتشفها بعد فـــــلا تحرم قلبك لذة عيشها
وثق أنكَ تستحق السعادة ... حتى تنالها .. فالدنيا لم تتوقف عند أول عثرة بل فيها خير كثير
فانصرف وهو مبتسم ودعوت له بالصبر وأن يخلفه الله بمن يسعده