إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
الأخضر المسحور والتائب و ألمغدور
صفحة 1 من اصل 1
الأخضر المسحور والتائب و ألمغدور
د. عمر الطويبي زوبي:
موسى زلوم : الأخضر المسحور والتائب و ألمغدور
وقد كتب السيد/ عبد الرحمن شلقم كتابه عن نفرقليل من كثير من أولئك الذين كانوا عيونا وزبانية لفرعون العصر الحديث على إخوانهم المواطنين فأصابهم من جرائمه ماتشيب له الولدان؛ فإنني أكتب اليوم هذه المقالة عن شخص آمن بصدق شعارات الطاغية في الحرية، والعدالة، والسلطة الشعبية إيمانا بلغ به كل مبلغ بحيث ملك عليه روحه، وعقله، بل وكل جوارحه وهو طالب في المرحلة الثانوية، ثم في الجامعة، وبعد الجامعة بسنوات. حتى إذا بلغ صاحبنا رشده وانتبه الى جدلية الصراع بين الحق والباطل في الحياة الدنيا، واكتشف مفاسد الزعيم الدّجال، واشمأزت نفسه من نفاق وممارسات الرفاق من الحواريين والرهبان، أدرك صاحبنا أنه كان مجرد عصاه في يد طاغية الزمان، و فزاعة في كل شارع وميدان. وهكذا كفر صاحبنا بحرية العبيد في بلد الطغاة، وبعدالة الحرمان في صدقة البخلاء، وبسلطة الشعب في حكم البغاة. وأعلن قبل عشرين عاما انشقاقه عن النظام بعدم المشاركة في أنشطة اللجان الثورية. كما بدأ يتحدث بصوت عال عن انتقاداته للنظام الذي أفلست سياساته الداخلية والتي تمثلت في الخراب الاقتصادي والاجتماعي. هذا هو (موسى زلوم) الذي أقدّم قصته عبرة للشباب حتى لايقعوا ضحايا في فخ وشباك المحتالين الذين يتاجرون بالبشر في شتى الأغراض. ولأعطيه، ونحن نتمتع بالحرية التي أهداها لنا شباب في عمر الورود صدقوا ماعاهدوا الله عليه، حق الذّكر والترحم عليه معهم. داعيا الله أن تكون قد وصلته في قبره تكبيرات الجهاد والتحرير والنصر. (ملاحظة: جاء ذكر "موسى زلوم" مرة واحدة في كتاب عبد الرحمن شلقم عند حديثه عن د. سعيد حفيانه).
ولد هذا الشاب الأسمر في قرية (محروقة) وهي من قرى وادي الشاطئ على ما أعتقد من أسرة فقيرة جدا حسب قوله. فقد خاطب اجتماع نقابة الأدباء (يوم انتخب محمد خليفة التليسي نقيبا للأدباء) في حضور الطاغية أنه يؤيد النظام بقوة لأنه كان قبل سبتمبر يلبس قميصا مصنوعا من أكياس الدقيق وصار بعده يتمتع بعيش كريم. جاء هذا الشاب اليافع الذي حصل على الشهادة الثانوية من فزان الى جامعة الفاتح (سابقا)عام 1975م والتحق بكلية التربية في قسم علم الاجتماع. كانت قسماته مريحة، وابتسامته الخفيفة والقصيرة تبعث في ناظرها الحيرة أكثر من الإطمئنان. كان، عموما، مؤدبا في سلوكه. يحترم اساتذته وكان دائما يبدؤهم بالتحية والسلام. وكنت أنا أستاذا جديدا في الكلية، ولم يكن طالبا عندي في المجموعات التي قمت بتدريسها؛ ومع ذلك كان يلاقيني بالتحية والمجاملة أكثر من غيره وكأني به يقول لي (أنت وأنا وحيدان في جامعة تقوم على العصبية والقبلية. فأنا الجنوبي الأسمر الفقير وأنت ألاستاذ الذي تنتمي الى وسط اجتماعي متواضع ومن أقلية تعيش بعيدا عن حمى قبيلتها الأم في مصراته منذ قرن ونصف). كان متحدثا لبقا، وخطيبا جيدا، وصريحا لدرجة تجعل رفاقه من عصابة الثوريين يومئذ يتجنبون الحوار والنقاش معه. كان معروفا هو وأعضاء عصابة (جمعية ابن خلدون) الإرهابية في كلية التربية معروفين في الجامعة كلها. غير أنني وأنا أسترجع أحداث تلك السنين البائسة أتذكر أنه كان يتجنب المساهمة في أنشطة ماكان يعرف (اللجان الثورية) داخل كلية التربية. وقد يكون سبب ذلك عدم رغبته في تجنب الإصطدام مع أساتذة الكلية وربما حتى زملائه الطلبة من غير خانة الثوريين.
لازالت الصور واضحة في ذاكرتي وهو يصول ويجول في اول ماعرف ب (ثورة الطلاب في 7 أبريل عام 1976م في جامعة الفاتح سابقا). كان في مقدمة اي نشاط غوغائي ذلك اليوم، ولكن حسب ما سمعت كان بالكلام أكثر منه بالأفعال. وأتذكر كيف أنه تم إغلاق منافذ الجامعة فجأة ذلك اليوم بحيث تم منع الطلاب والأساتذة من مغادرة المكان. فالتجأت اليه مع زميل آخر فكتب لنا إذنا بالخروج على قصاصة من علبة دخان فارغة كانت ملقاة على الطريق. وهكذا غادرنا المكان ونحن مذهولين مما رأينا وسمعنا، وحائرين ماالذي كان يدبره النظام الفاشي للجامعة بقية ذلك اليوم المشؤوم.
أعود لصاحبنا الذي كنت ألتقيه نادرا في الكلية بعد ذلك. جاءني مرة وهو يخاطبني مخطئا كعادته دائما (يادكتور بشير أي باسم والدي) قائلا أنه تناهى الى سمعه أن واحدا من رفاقه ممن كانوا يسمون "ثوار مثابة كلية التربية" قد نقل عنه كلاما يسيء لي شخصيا. وقال لي ما معناه "إن كان ذلك حدث فهو كذب وافتراء، وأنه سينتقم منه أشد انتقام وأمامي شخصيا. غير أنه رغبة مني في تهدئة الأمور أجبته بأن ذلك لم يحدث وأنكرت ما سمعته فعلا من ذلك الشخص الذي أراد أن يوقع الفتنة بيني وبينه". وهذا الإحساس صدق مع الأيام في خبرتي مع الرجلين: حيث كان زلوم يقف موقف المدافع عن سلبيتي في عدم الانضمام إلى ما كان يعرف (باللجنة الثورية في كل التربية) وهو يلتمس لي الأعذار؛ بينما كان الشخص الآخر يبحث دائما لي عن سقطة تقودني الى السجن أو الى المعاناة على أقل تقدير.
تخرج موسى زلوم من الكلية، وتزوج، ومنحه النظام بيتا منهوبا من مالكه قرب فندق الشاطئ في حي الأندلس الذي حلم بالسكن فيه الرجعيون، والثوريون، والفساق والصالحون، والسماسرة والمنافقون، وعملاء الاستعمار والوطنيون، والمتعلمون والمتخلفون، ومن يحب غرس أشجار الورد ومن يحب غرس أشجار التين (الكرموس) والزيتون. كذلك وشملت صاحبنا رشوة الطاغية للمتصوفين من زبانيته منحة مزارع الهكتارين فنال واحدة منها لعله ينسى قميص كيس الدقيق، وأيام طفولة محرومة من كل بهجة، وأسرة تعيش على الكفاف كأي أسرة اتخذت من قرى وادي الشاطئ رحلة الصبر مع الأيام.
وهكذا جاء صاحبنا الى طرابلس تسبقه أحلام لاحدود لها في ثورة تعد شعبها (كذبا وبهتانا)"بالفردوس الأرضي"، وأوهام سيطرت على تفكيره "بتحقيق العدل بين الناس". لقد صدّق كل خزعبلات الطاغية دون تمحيص. فكان لايقبل تشكيكا في مقولات ذلك العهد، ويثوربكل عنف على من يهاجم الطاغية وفكره التخريبي، ويتهم مرتكبه بالعمالة والخيانة. لدرجة أنه تم إغواءه من بعض أهل الشروالسوء على أحد أساتذته في قسم علم الإجتماع فدخل معه في نقاش بيزنطي (لم يدرك الأستاذ للأسف الفخ الذي كان منصوبا له) فأوشى به صاحبنا الى ماكان يعرف بالأجهزة الثورية والأمنية صوتا وصورة. فدفع الأستاذ ثمن ذلك شهرا من السجن، والقيد، والتهديد بالتصفية، والخوف الدائم.
صارت لقاءاتي معه والقائمة على الصدفة والصدفة وحدها تقل مع الأيام، وخاصة بعد أن انتقلت للتدريس في جامعة الزاوية (جامعة السابع من أبريل سابقا). سمعت بأنه قد حصل على درجة الماجستير في علم الاجتماع من كلية التربية بجامعة الفاتح سابقا وتحت إشراف أستاذ مبرز في الإختصاص. وكان موضوع رسالته يتناول التطور الحضري في قريته (محروقه). وذهب بعدها الى كندا للدراسة لدرجة الدكتوراه غير أنه بعد سنتين أو ثلاث قطع دراسته وعاد الى ليبيا. وجدته يوما (أوائل التسعينات من القرن الماضي تقريبا) وهو يتحاور مع أحد أساتذة قسم علم الإجتماع في جامعة الفاتح (سابقا) حول فشل عهد الطاغية في كل وعوده بتنمية الشعب الليبي وتحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. كان صاحبنا يتكلم عن غلاء الأسعار وفقر الشعب الليبي وهو في بلد الموارد والثروات الطبيعية؛ والأستاذ يستمع بهمهمات غامضة بطريقة محرجة لمكانته. وكان صاحبنا يريد أن يسمع رأي الأستاذ المتردد. كما كنت أنا مذهولا من الكلام الذي يخرج من فم موسى زلوم وكأنه فحيح نار هادئة. نظر إليّ الأستاذ مستنجدا بأن أقول شيئا، كما نظر اليّ موسى وهو يترقب مشاركتي بعيون تتفرّس نظراتها وجهي كأنها تتحسس الحيرة في أعماقي. فقلت وأنا أريد أن أستوضح نيته ومقاصده (تعرف ياموسى.... نحن جيل التضحية لأننا ندفع ثمن معاداة الغرب والرجعية...... وقد كتب القدر على جيلنا أن يكون جسر عبور للتنمية البشرية والاقتصادية.... لابأس أن نتحمل اليوم حتى تهنأ أجيال الغد). فانفجر غاضبا قائلا (يادكتور بشير....كم هو مرتبك الآن؟.....هل يكفيك لشراء ثوب لإبنتك أو زوجتك.....الشعب بقي ينتظر الفرج عشرين عاما ولكن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ. أنت تعرف الحقيقة يادكتور بشير ولكنك إما أنك تشعرني بأنك تخاف مني.....أو أنك تضحك وتستخف بعقلي. وتركنا مغاضبا). يومها قلت لنفسي إن تغيرا عميقا قد حدث في تفكير وقناعات الرجل.
وغاب الرجل. وعلمت من بعض أصدقائه الثوريين القذافيين أن صاحبنا صار موظفا في المكتب الثقافي في السفارة الليبية في الرباط لمدة سنة أو سنتين. عاد بعدها معتكفا في الشاطئ ومنعزلا عن أي نشاط ثوري. أطلق لحيته، وحافظ على صلواته في المسجد، وخرج من سكنه في حي الأندلس وقال بأن السكن في بيت مغصوب حرام. وسمعت بأنه ذهب إلى الأستاذ الذي وشى به للأمن وكاد أن يقوده الى الموت طالبا منه الصفح والمغفرة لذنبه في حقه. ولقيته مصادفة بعدها وسألته عن حقيقة ذهابه الى الأستاذ وطلب المغفرة منه فأعلمني بأنه قد قام بذلك فعلا، فشكرته وودعته متجنبا إحراجه بأسئلة أكثر. أخبرني الأستاذ المعني وهو صديق لي أيضا عندما أخبرته بأني قد سمعت بقدوم موسى إليه وطلبه العفو منه فقال لي نعم لقد حدث ذلك. وأضاف الأستاذ: كان موسى في اعتذاره وطلب السماح مني يتحدث برقة مسحت عنه كل عنف الشباب وحماقته. لقد كست وجهه ابتسامة عريضة وأنا أقول له "أنا سامحتك".
صار الرجل يتحدث صراحة وبصوت عال عن فساد النظام. وأن ما وعدت به ثورة القذافي كان سرابا. وخافه رفاقه القدامى من الثوريين القذافيين فتجنبوا صحبته، ووشوا به الى زعيمهم أنّ (موسى زلوم قد كفر). ويظهر أن جميع محاولات الثوريين والرفاق الخضر قد فشلت في أن تعيد صاحبنا إلى معبد الطاغوت أو أن تلجم فمه عن البوح بإظهار مخازي النظام وعيوبه. فكان القرار بالقضاء عليه بطريقة لايظهر فيها أن النظام ينكّل بمريديه وحوارييه. وفي اليوم الموعود، وبعد أن صلّى صلاة الظهر في مسجد عبد السلام الأسمر في زليطن، كان موسى زلوم راكبا مع سائق في سيارة تنهب الأرض نهبا نحو سرت مستعجلة الاستجابة لطلب الزعيم له بالحضور. وبين تاورغاء وسرت كان الموت في انتظار هذا الرجل في حادث (كما تناقلت الأفواه ذلك). ومات صاحبنا وبقي السائق على قيد الحياة. وأنا هنا لا أعرف عن ملابسات موت صاحبنا شيئا. وقد كان الموت يتصيد موسى زلوم ورفيقه؛غير أنه لكل أجل كتاب. الأمر الذي لا أستطيع أن أخفيه هو أن مشاعري تخبرني بأن موسى زلوم مات غيلة وغدرا. ولكن كيف؟ ومن نفذ ذلك؟. أنا لا أعرف...... كل ما أستطيع قوله أن قتله كان مدبرا من الزعيم بناء على تطور المقدمات وتسلسل النتائج والأحداث.
لقد شعر النظام بأن موسى زلوم قد فهم سر اللعبة القذافية وأسرار الحكم فكفر بالزعيم، وكتابه الأخضر، وخزعبلاته ومناوراته وسرابه. وشعر الزعيم أن صاحبنا لم يكن "لقاقا" ولا منافقا يوم انبرى يدافع عن الزعيم ومبادئه بكل جدية. وشعر النظام أيضا بأن موسى زلوم عرف ربّه، وعرف رسوله صلى الله عليه وسلم، وقرآنه، وإسلامه فتاب توبة نصوحة نقية. وعرف النظام في موسى زلوم رجلا شجاعا ثابتا على مبادئه ولا يخاف أن يقول رأيه حتى للزعيم الذي ترتعش أمامه الفرسان. وقد ناقش موسى زلوم الزعيم في فساد الحكم والزبانية والأزلام عدة مرات كما أخبرني بعض رفاقه (طبعا بمنطق الثوري الغيور على ثورة الزعيم ومبادئه بطبيعة الحال وله العذر في ذلك). فكان ما كان.
وأخبرني أحد أقاربه منذ ما يقارب عشر سنوات ( يعمل سائق سيارة نقل استأجرته لنقل امتعة لي بالصدفة من سوق الثلاثاء) عندما علم بأنني أستاذ في الجامعة وأنني أعرف موسى زلوم بأن الشك يحيط بوفاته. وأن والدته أصرت على أن يتم فتح التابوت لترى وجه ابنها حتى تصدق بأن جثمانه هو الموجود في التابوت.
وقد يسأل سائل عن الدافع الذي دفعني لكتابة موضوع هذه المقالة. فأقول الآتي:
1) أن في قصة موسى زلوم عبرة لشبابنا في أن يحكموا عقولهم في كل مايسمعونه من دعاوي وأفكار حتى لا يضحك عليهم أحد كما ضحك الطاغية على صاحبنا.
2) أن هذا الرجل كان صادقا في ضلاله وصادقا في توبته وصلاحه.
3) أن هذا الرجل كان شجاعا يوم كان الرجال الشجعان يعدّون على الأصابع. لقد كفر بالطاغية وهو تحت جدران معبده، وبين سراديب صولجانه، وتحت نظر زبانيته وعصابته.
4) أن هذا الرجل (حسب اعتقادي) كان يتمنى الشهادة وهو يرفع صوته ضد الفساد والظلم والبغي لعله يكفّر عمّا اقترفه من ذنوب وقت جهله وطيشه.
5) أن هذا الرجل خالط عباد الله المتقين في كندا والمغرب من علماء المسلمين الذي حباهم الله بمعرفة علوم الدنيا والدين فلامست أقوالهم عقله وقلبه وروحه فتاب توبة صادقة فتاب الله عليه فأصلح له بقية عمره وكذلك آخرته.آمين.
6) أن هذا الرجل (كما أسلفت) كان يقف بصفي بدون منة أو شرط يوم كدت أن أكون وحيدا وسط عاصفة الغوغائيين في جامعة الفاتح سابقا والتي كانت تتصارعها الفئات القبلية والتجمعات المصلحية. ورأيت أن من باب الوفاء له أن أحكي قصته للناس لعلهم يتعظون. وأن أدعو له بالرحمة والمغفرة، وله ولجميع شهدائنا بالجنة، وأن يسعف جرحانا ويثبتهم بالصبروالإيمان. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
د. عمر الطويبي زوبي
موسى زلوم : الأخضر المسحور والتائب و ألمغدور
وقد كتب السيد/ عبد الرحمن شلقم كتابه عن نفرقليل من كثير من أولئك الذين كانوا عيونا وزبانية لفرعون العصر الحديث على إخوانهم المواطنين فأصابهم من جرائمه ماتشيب له الولدان؛ فإنني أكتب اليوم هذه المقالة عن شخص آمن بصدق شعارات الطاغية في الحرية، والعدالة، والسلطة الشعبية إيمانا بلغ به كل مبلغ بحيث ملك عليه روحه، وعقله، بل وكل جوارحه وهو طالب في المرحلة الثانوية، ثم في الجامعة، وبعد الجامعة بسنوات. حتى إذا بلغ صاحبنا رشده وانتبه الى جدلية الصراع بين الحق والباطل في الحياة الدنيا، واكتشف مفاسد الزعيم الدّجال، واشمأزت نفسه من نفاق وممارسات الرفاق من الحواريين والرهبان، أدرك صاحبنا أنه كان مجرد عصاه في يد طاغية الزمان، و فزاعة في كل شارع وميدان. وهكذا كفر صاحبنا بحرية العبيد في بلد الطغاة، وبعدالة الحرمان في صدقة البخلاء، وبسلطة الشعب في حكم البغاة. وأعلن قبل عشرين عاما انشقاقه عن النظام بعدم المشاركة في أنشطة اللجان الثورية. كما بدأ يتحدث بصوت عال عن انتقاداته للنظام الذي أفلست سياساته الداخلية والتي تمثلت في الخراب الاقتصادي والاجتماعي. هذا هو (موسى زلوم) الذي أقدّم قصته عبرة للشباب حتى لايقعوا ضحايا في فخ وشباك المحتالين الذين يتاجرون بالبشر في شتى الأغراض. ولأعطيه، ونحن نتمتع بالحرية التي أهداها لنا شباب في عمر الورود صدقوا ماعاهدوا الله عليه، حق الذّكر والترحم عليه معهم. داعيا الله أن تكون قد وصلته في قبره تكبيرات الجهاد والتحرير والنصر. (ملاحظة: جاء ذكر "موسى زلوم" مرة واحدة في كتاب عبد الرحمن شلقم عند حديثه عن د. سعيد حفيانه).
ولد هذا الشاب الأسمر في قرية (محروقة) وهي من قرى وادي الشاطئ على ما أعتقد من أسرة فقيرة جدا حسب قوله. فقد خاطب اجتماع نقابة الأدباء (يوم انتخب محمد خليفة التليسي نقيبا للأدباء) في حضور الطاغية أنه يؤيد النظام بقوة لأنه كان قبل سبتمبر يلبس قميصا مصنوعا من أكياس الدقيق وصار بعده يتمتع بعيش كريم. جاء هذا الشاب اليافع الذي حصل على الشهادة الثانوية من فزان الى جامعة الفاتح (سابقا)عام 1975م والتحق بكلية التربية في قسم علم الاجتماع. كانت قسماته مريحة، وابتسامته الخفيفة والقصيرة تبعث في ناظرها الحيرة أكثر من الإطمئنان. كان، عموما، مؤدبا في سلوكه. يحترم اساتذته وكان دائما يبدؤهم بالتحية والسلام. وكنت أنا أستاذا جديدا في الكلية، ولم يكن طالبا عندي في المجموعات التي قمت بتدريسها؛ ومع ذلك كان يلاقيني بالتحية والمجاملة أكثر من غيره وكأني به يقول لي (أنت وأنا وحيدان في جامعة تقوم على العصبية والقبلية. فأنا الجنوبي الأسمر الفقير وأنت ألاستاذ الذي تنتمي الى وسط اجتماعي متواضع ومن أقلية تعيش بعيدا عن حمى قبيلتها الأم في مصراته منذ قرن ونصف). كان متحدثا لبقا، وخطيبا جيدا، وصريحا لدرجة تجعل رفاقه من عصابة الثوريين يومئذ يتجنبون الحوار والنقاش معه. كان معروفا هو وأعضاء عصابة (جمعية ابن خلدون) الإرهابية في كلية التربية معروفين في الجامعة كلها. غير أنني وأنا أسترجع أحداث تلك السنين البائسة أتذكر أنه كان يتجنب المساهمة في أنشطة ماكان يعرف (اللجان الثورية) داخل كلية التربية. وقد يكون سبب ذلك عدم رغبته في تجنب الإصطدام مع أساتذة الكلية وربما حتى زملائه الطلبة من غير خانة الثوريين.
لازالت الصور واضحة في ذاكرتي وهو يصول ويجول في اول ماعرف ب (ثورة الطلاب في 7 أبريل عام 1976م في جامعة الفاتح سابقا). كان في مقدمة اي نشاط غوغائي ذلك اليوم، ولكن حسب ما سمعت كان بالكلام أكثر منه بالأفعال. وأتذكر كيف أنه تم إغلاق منافذ الجامعة فجأة ذلك اليوم بحيث تم منع الطلاب والأساتذة من مغادرة المكان. فالتجأت اليه مع زميل آخر فكتب لنا إذنا بالخروج على قصاصة من علبة دخان فارغة كانت ملقاة على الطريق. وهكذا غادرنا المكان ونحن مذهولين مما رأينا وسمعنا، وحائرين ماالذي كان يدبره النظام الفاشي للجامعة بقية ذلك اليوم المشؤوم.
أعود لصاحبنا الذي كنت ألتقيه نادرا في الكلية بعد ذلك. جاءني مرة وهو يخاطبني مخطئا كعادته دائما (يادكتور بشير أي باسم والدي) قائلا أنه تناهى الى سمعه أن واحدا من رفاقه ممن كانوا يسمون "ثوار مثابة كلية التربية" قد نقل عنه كلاما يسيء لي شخصيا. وقال لي ما معناه "إن كان ذلك حدث فهو كذب وافتراء، وأنه سينتقم منه أشد انتقام وأمامي شخصيا. غير أنه رغبة مني في تهدئة الأمور أجبته بأن ذلك لم يحدث وأنكرت ما سمعته فعلا من ذلك الشخص الذي أراد أن يوقع الفتنة بيني وبينه". وهذا الإحساس صدق مع الأيام في خبرتي مع الرجلين: حيث كان زلوم يقف موقف المدافع عن سلبيتي في عدم الانضمام إلى ما كان يعرف (باللجنة الثورية في كل التربية) وهو يلتمس لي الأعذار؛ بينما كان الشخص الآخر يبحث دائما لي عن سقطة تقودني الى السجن أو الى المعاناة على أقل تقدير.
تخرج موسى زلوم من الكلية، وتزوج، ومنحه النظام بيتا منهوبا من مالكه قرب فندق الشاطئ في حي الأندلس الذي حلم بالسكن فيه الرجعيون، والثوريون، والفساق والصالحون، والسماسرة والمنافقون، وعملاء الاستعمار والوطنيون، والمتعلمون والمتخلفون، ومن يحب غرس أشجار الورد ومن يحب غرس أشجار التين (الكرموس) والزيتون. كذلك وشملت صاحبنا رشوة الطاغية للمتصوفين من زبانيته منحة مزارع الهكتارين فنال واحدة منها لعله ينسى قميص كيس الدقيق، وأيام طفولة محرومة من كل بهجة، وأسرة تعيش على الكفاف كأي أسرة اتخذت من قرى وادي الشاطئ رحلة الصبر مع الأيام.
وهكذا جاء صاحبنا الى طرابلس تسبقه أحلام لاحدود لها في ثورة تعد شعبها (كذبا وبهتانا)"بالفردوس الأرضي"، وأوهام سيطرت على تفكيره "بتحقيق العدل بين الناس". لقد صدّق كل خزعبلات الطاغية دون تمحيص. فكان لايقبل تشكيكا في مقولات ذلك العهد، ويثوربكل عنف على من يهاجم الطاغية وفكره التخريبي، ويتهم مرتكبه بالعمالة والخيانة. لدرجة أنه تم إغواءه من بعض أهل الشروالسوء على أحد أساتذته في قسم علم الإجتماع فدخل معه في نقاش بيزنطي (لم يدرك الأستاذ للأسف الفخ الذي كان منصوبا له) فأوشى به صاحبنا الى ماكان يعرف بالأجهزة الثورية والأمنية صوتا وصورة. فدفع الأستاذ ثمن ذلك شهرا من السجن، والقيد، والتهديد بالتصفية، والخوف الدائم.
صارت لقاءاتي معه والقائمة على الصدفة والصدفة وحدها تقل مع الأيام، وخاصة بعد أن انتقلت للتدريس في جامعة الزاوية (جامعة السابع من أبريل سابقا). سمعت بأنه قد حصل على درجة الماجستير في علم الاجتماع من كلية التربية بجامعة الفاتح سابقا وتحت إشراف أستاذ مبرز في الإختصاص. وكان موضوع رسالته يتناول التطور الحضري في قريته (محروقه). وذهب بعدها الى كندا للدراسة لدرجة الدكتوراه غير أنه بعد سنتين أو ثلاث قطع دراسته وعاد الى ليبيا. وجدته يوما (أوائل التسعينات من القرن الماضي تقريبا) وهو يتحاور مع أحد أساتذة قسم علم الإجتماع في جامعة الفاتح (سابقا) حول فشل عهد الطاغية في كل وعوده بتنمية الشعب الليبي وتحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. كان صاحبنا يتكلم عن غلاء الأسعار وفقر الشعب الليبي وهو في بلد الموارد والثروات الطبيعية؛ والأستاذ يستمع بهمهمات غامضة بطريقة محرجة لمكانته. وكان صاحبنا يريد أن يسمع رأي الأستاذ المتردد. كما كنت أنا مذهولا من الكلام الذي يخرج من فم موسى زلوم وكأنه فحيح نار هادئة. نظر إليّ الأستاذ مستنجدا بأن أقول شيئا، كما نظر اليّ موسى وهو يترقب مشاركتي بعيون تتفرّس نظراتها وجهي كأنها تتحسس الحيرة في أعماقي. فقلت وأنا أريد أن أستوضح نيته ومقاصده (تعرف ياموسى.... نحن جيل التضحية لأننا ندفع ثمن معاداة الغرب والرجعية...... وقد كتب القدر على جيلنا أن يكون جسر عبور للتنمية البشرية والاقتصادية.... لابأس أن نتحمل اليوم حتى تهنأ أجيال الغد). فانفجر غاضبا قائلا (يادكتور بشير....كم هو مرتبك الآن؟.....هل يكفيك لشراء ثوب لإبنتك أو زوجتك.....الشعب بقي ينتظر الفرج عشرين عاما ولكن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ. أنت تعرف الحقيقة يادكتور بشير ولكنك إما أنك تشعرني بأنك تخاف مني.....أو أنك تضحك وتستخف بعقلي. وتركنا مغاضبا). يومها قلت لنفسي إن تغيرا عميقا قد حدث في تفكير وقناعات الرجل.
وغاب الرجل. وعلمت من بعض أصدقائه الثوريين القذافيين أن صاحبنا صار موظفا في المكتب الثقافي في السفارة الليبية في الرباط لمدة سنة أو سنتين. عاد بعدها معتكفا في الشاطئ ومنعزلا عن أي نشاط ثوري. أطلق لحيته، وحافظ على صلواته في المسجد، وخرج من سكنه في حي الأندلس وقال بأن السكن في بيت مغصوب حرام. وسمعت بأنه ذهب إلى الأستاذ الذي وشى به للأمن وكاد أن يقوده الى الموت طالبا منه الصفح والمغفرة لذنبه في حقه. ولقيته مصادفة بعدها وسألته عن حقيقة ذهابه الى الأستاذ وطلب المغفرة منه فأعلمني بأنه قد قام بذلك فعلا، فشكرته وودعته متجنبا إحراجه بأسئلة أكثر. أخبرني الأستاذ المعني وهو صديق لي أيضا عندما أخبرته بأني قد سمعت بقدوم موسى إليه وطلبه العفو منه فقال لي نعم لقد حدث ذلك. وأضاف الأستاذ: كان موسى في اعتذاره وطلب السماح مني يتحدث برقة مسحت عنه كل عنف الشباب وحماقته. لقد كست وجهه ابتسامة عريضة وأنا أقول له "أنا سامحتك".
صار الرجل يتحدث صراحة وبصوت عال عن فساد النظام. وأن ما وعدت به ثورة القذافي كان سرابا. وخافه رفاقه القدامى من الثوريين القذافيين فتجنبوا صحبته، ووشوا به الى زعيمهم أنّ (موسى زلوم قد كفر). ويظهر أن جميع محاولات الثوريين والرفاق الخضر قد فشلت في أن تعيد صاحبنا إلى معبد الطاغوت أو أن تلجم فمه عن البوح بإظهار مخازي النظام وعيوبه. فكان القرار بالقضاء عليه بطريقة لايظهر فيها أن النظام ينكّل بمريديه وحوارييه. وفي اليوم الموعود، وبعد أن صلّى صلاة الظهر في مسجد عبد السلام الأسمر في زليطن، كان موسى زلوم راكبا مع سائق في سيارة تنهب الأرض نهبا نحو سرت مستعجلة الاستجابة لطلب الزعيم له بالحضور. وبين تاورغاء وسرت كان الموت في انتظار هذا الرجل في حادث (كما تناقلت الأفواه ذلك). ومات صاحبنا وبقي السائق على قيد الحياة. وأنا هنا لا أعرف عن ملابسات موت صاحبنا شيئا. وقد كان الموت يتصيد موسى زلوم ورفيقه؛غير أنه لكل أجل كتاب. الأمر الذي لا أستطيع أن أخفيه هو أن مشاعري تخبرني بأن موسى زلوم مات غيلة وغدرا. ولكن كيف؟ ومن نفذ ذلك؟. أنا لا أعرف...... كل ما أستطيع قوله أن قتله كان مدبرا من الزعيم بناء على تطور المقدمات وتسلسل النتائج والأحداث.
لقد شعر النظام بأن موسى زلوم قد فهم سر اللعبة القذافية وأسرار الحكم فكفر بالزعيم، وكتابه الأخضر، وخزعبلاته ومناوراته وسرابه. وشعر الزعيم أن صاحبنا لم يكن "لقاقا" ولا منافقا يوم انبرى يدافع عن الزعيم ومبادئه بكل جدية. وشعر النظام أيضا بأن موسى زلوم عرف ربّه، وعرف رسوله صلى الله عليه وسلم، وقرآنه، وإسلامه فتاب توبة نصوحة نقية. وعرف النظام في موسى زلوم رجلا شجاعا ثابتا على مبادئه ولا يخاف أن يقول رأيه حتى للزعيم الذي ترتعش أمامه الفرسان. وقد ناقش موسى زلوم الزعيم في فساد الحكم والزبانية والأزلام عدة مرات كما أخبرني بعض رفاقه (طبعا بمنطق الثوري الغيور على ثورة الزعيم ومبادئه بطبيعة الحال وله العذر في ذلك). فكان ما كان.
وأخبرني أحد أقاربه منذ ما يقارب عشر سنوات ( يعمل سائق سيارة نقل استأجرته لنقل امتعة لي بالصدفة من سوق الثلاثاء) عندما علم بأنني أستاذ في الجامعة وأنني أعرف موسى زلوم بأن الشك يحيط بوفاته. وأن والدته أصرت على أن يتم فتح التابوت لترى وجه ابنها حتى تصدق بأن جثمانه هو الموجود في التابوت.
وقد يسأل سائل عن الدافع الذي دفعني لكتابة موضوع هذه المقالة. فأقول الآتي:
1) أن في قصة موسى زلوم عبرة لشبابنا في أن يحكموا عقولهم في كل مايسمعونه من دعاوي وأفكار حتى لا يضحك عليهم أحد كما ضحك الطاغية على صاحبنا.
2) أن هذا الرجل كان صادقا في ضلاله وصادقا في توبته وصلاحه.
3) أن هذا الرجل كان شجاعا يوم كان الرجال الشجعان يعدّون على الأصابع. لقد كفر بالطاغية وهو تحت جدران معبده، وبين سراديب صولجانه، وتحت نظر زبانيته وعصابته.
4) أن هذا الرجل (حسب اعتقادي) كان يتمنى الشهادة وهو يرفع صوته ضد الفساد والظلم والبغي لعله يكفّر عمّا اقترفه من ذنوب وقت جهله وطيشه.
5) أن هذا الرجل خالط عباد الله المتقين في كندا والمغرب من علماء المسلمين الذي حباهم الله بمعرفة علوم الدنيا والدين فلامست أقوالهم عقله وقلبه وروحه فتاب توبة صادقة فتاب الله عليه فأصلح له بقية عمره وكذلك آخرته.آمين.
6) أن هذا الرجل (كما أسلفت) كان يقف بصفي بدون منة أو شرط يوم كدت أن أكون وحيدا وسط عاصفة الغوغائيين في جامعة الفاتح سابقا والتي كانت تتصارعها الفئات القبلية والتجمعات المصلحية. ورأيت أن من باب الوفاء له أن أحكي قصته للناس لعلهم يتعظون. وأن أدعو له بالرحمة والمغفرة، وله ولجميع شهدائنا بالجنة، وأن يسعف جرحانا ويثبتهم بالصبروالإيمان. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
د. عمر الطويبي زوبي
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
مواضيع مماثلة
» دواء المسحور .....
» الطريقة المباحة لعلاج المسحور
» عنكبوت "الباب المسحور" النادر .. عثر عليه في الصين
» رقية المسحور....اعتقد كلكم محتاجين لمثل هذا الموضوع
» الليزر الأخضر
» الطريقة المباحة لعلاج المسحور
» عنكبوت "الباب المسحور" النادر .. عثر عليه في الصين
» رقية المسحور....اعتقد كلكم محتاجين لمثل هذا الموضوع
» الليزر الأخضر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» الإكوادور وجهة مثالية لقضاء العطلات وسط المناظر الطبيعية
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» سر ارتفاع دواسة الفرامل عن دواسة البنزين في السيارة
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» ما ميزات شبكات "Wi-Fi 8" المنتظرة؟
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» رد فعل صلاح بعد اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي
اليوم في 8:04 am من طرف STAR
» هل تعاني من الأرق؟ طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الكبة المشوية على الطريقة الأصلية
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:00 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR