عبدالرزاق العرادي : طرابلس حرّرها أهلُها

عبدالرزاق العرادي : طرابلس حرّرها أهلُها
20 أغسطس 2012

كنت ضمن اللجنة التي شكلها رئيس المكتب التنفيذي السابق الدكتور محمود جبريل لتتولى مهام تحرير وتأمين العاصمة، والحق يقال أن هذه اللجنة لم يكن لها أي دور على الإطلاق، لا في التحرير، ولا في التأمين. هذه اللجنة تأخر تشكيلها أكثر من ثلاثة أشهر وعندما شكلت، اجتمعت اجتماع يتيم في ابوظبي، قدم خلالها اعضاء طرابلس خطتهم، بينما قدم الفريق الآخر خطة باللغة الإنجليزية، غلب عليها أعمال الإغاثة، وتحقيق الاستقرار، في عالم نظري لم يتحقق منها إلا النذر اليسير بعد التحرير. وفي اعتقادي الكل يتذكر قصة ال15,000 جندي الجاهزون لتأمين العاصمة، تلك الفرية التي كانت مجرد تصريح صحفي لا علاقة لها بالحقيقة. قصة كفيلة بإسقاط قائلها سياسياً لولا إنشغال الرأي العام بفرحة التحرير.
فجر عروس البحر التي لم ترى النور:
غرفة جربة كانت تخطط لفجر عروس البحر، وهي خطة يغلب عليها الخيال، حيث سيتم صناعة الهبَّة من خلال قيام الناتو بضرب 85 هدف ( تم تقليصها بعد ذلك)، ومن تم يقتنص الثوار الفرصة بداخل العاصمة، وينقضوا على النظام ،ويقوم الثوار من خارج العاصمة بالدخول إليها. قلت للدكتور جبريل في ذلك الاجتماع أننا لا نفضل أن يدخل الثوار العاصمة، ويجب عليهم حماية مداخل العاصمة من الخارج. هذه كانت عملية فجر عروس البحر التي لم ترى النور، لكن ثوار العاصمة كان لهم رأيٌ أخر. كان مقرر للعملية ان تكون في بداية شهر يوليو، ثم تأجلت مرة أخرى إلى أخر يوليو، واستمرت المماطلت إلى ان قرر اهلها وبالتحديد ثوار سوق الجمعة وتاجوارء أنها ستكون يوم 17 رمضان. ونظراً لتأخر وصول بعض الاسلحة، اجلت عملية تحرير العاصمة (820 الله اكبر)، الى يوم 20/ 8، ورفض الثوار أي تأجيل إضافي، وذلك رغبة في اقتناص مناسبة غزوة بدر، او فتح مكة، وقد كان الفتح يوم فتح مكة.
العاصمة قبل التحرير:
خرج من طرابلس سكانها، الذين ينتمون الى المناطق المحررة، أو ينتمون الى المدن التي تقاتل النظام، وخرج منها اهلها، الذين التحقوا بصفوف الثوار، أو الذين هربوا من بطش النظام. خرج منها أيضاً القافز من السفينة الغارقة. ودخل اليها العتاة الظلمة المجرمين، الذين عاثوا في مدنهم فساداً، ليُحْكِمُوا سيطرتهم على العاصمة. كل مدينة لفظت اخباثها ليحل هذا الخَبث بالعاصمة. احاطوا بالعاصمة إحاطة السِّوار بالمعصم. أصبحت العاصمة فارغة إلا من المناضلين الشرفاء الذين شرفهم الله بتحريرها، أو من الذين لا يجدون حيلة ولايستطيعون سبيلاً، والباقي من القتلة ومعاونيهم ومؤيدي النظام والمتورطين والمستفيدين من تجارة الحروب الذين اتوْ من كل حدبٍ وصوبٍ.
العاصمة والعمل السري:
من الجهل القول أن العاصمة تأخرت في التحرر، بل يجب القول أنه بمجرد أن توفر لها السلاح تحررت، وإنما فشلت المحاولة الاولى في العشرين من فبراير، لبطش النظام وتواجد كبار المجرمين بها وتركيزهم عليها، بالإضافة لعدم توفر السلاح. لقد بدأ العمل السري فيها (فيما يخص يوم 17 فبراير)، على الاقل من النافذة التي زويت لي، أقول كانت البداية في يوم 8 فبراير حيث كنا نجتمع في منطقة السراج وتحديداً في بيت محمد عميش (السفير الليبي الحالي بالكويت) وفي بيت نزار كعوان (النائب بالمؤتمر الوطني العام)، وكانت هذه اللقاءات تعج بالعديد من النشطاء أذكر منهم نزار كعوان وهشام ابوحجر (آمر لواء طرابلس وعضو الغرفة بجربة) وخالد الزروق وعماد البناني ود.محمد الحريزي (عضو المجلس الوطني الإنتقالي والمتحدث السابق بإسمه) وصلاح الشلوي وصلاح التونالي ومصطفى نوح (المنسق العسكري لإئتلاف 17 فبراير- طرابلس والنائب الأول لرئيس المخابرات حالياً) ومنير عيان (رئيس إئتلاف شباب العاصمة) ود.مصطفى التاغدي وغيرهم كثير.
كنا نلتقي ونخطط ماذا نعمل؟ وكنا نتواصل مع المنطقة الشرقية لمعرفة ما هو المتوقع وهل ستنجح المظاهرات وما كنا نعتقد أنها ثورة سوف تنتهي بما انتهت اليه. كنا نخطط لمبادرة سميت نداء من اجل الوطن، الذي وقع عليه خمسون شخصية منهم الدكتور الصادق الغرياني ( مفتي البلاد) والدكتور حمزة أبوفارس (وزير الوقاف) ورفض التوقيع عليها المدني الشويرف (الموقوف بسجن بمصراته) كما وقّع عليها المحامي عبدالله بانون (العضو السابق بالمجلس الوطني الإنتقالي) وعَلمْتُ من نزار كعوان ان المحامية عزة المقهور (الناشطة الحقوقية المتميزة) وافقت على التوقيع عليها ايضاً، ووقّع عليها ثلة من النشطاء الآخرين. استمر العمل السري طيلت الستة أشهر من خلال نوافذ متعددة.
شكلنا جبهة القوى الوطنية لسد الفراغ السياسي الذي قد ينتج بسقوط النظام وحُلت بمجرد ان تم تشكيل المجلس الوطني. كانت الأعمال كثيرة، جمع المال وإخفاء شخصيات وتهريب أخرى وتشكيل خلايا وادخال سلاح، عبر الجرافات بالبحر، وترتيب مستشفيات ميدانية في المناطق والتحق بالصفوف أبطال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، كما تم تشكيل مجلس المحلي واعتماده من قبل المجلس الوطني الانتقالي وإيفاد ممثلين إلى بنغازي للالتحاق بالمجلس الوطني الانتقالي.
ليس (فجر عروس البحر) بل هي (820 الله اكبر):
لا يمكن بحال إهمال الضربات التي تلقاها النظام في بنغازي واجدابيا والبريقة ومصراته والزاوية والجبل الأشم، هذه الضربات كلها، كان لها عظيم الأثر في تحرير العاصمة، لكنه عملية تحرير العاصمة (820 الله اكبر) قام بها أهلها ويمكن تلخيص العملية في ثلاثة نقاط رئيسية:
- اقفل منطقتك ودافع عنها. حيث قامت كل منطقة باستخدام ما تيسر لقفل المنطقة ومنع السيارات من الحركة بيسر وذلك بالأشجار وبالسيارات وبالتراب والحجارة وبكل ما هو متاح وبالتالي أصبح من السهل اصطياد فلول النظام وإعاقة تحركهم وقطع خطوط الإمداد.
- لا تذهب الى الساحة الخضراء( ميدان الشهداء): حيث تم اجهاض الانتفاضة الأولى في 20 فبراير بسبب ذهاب الناس الى الميدان وبدون سلاح فتمكن النظام من ضربها وتفريقها حيث كان السلاح مقابل الحجارة في معركة غير متوازنة.
- لا تذهب الى باب العزيزية: حيث كان من المتوقع ان تكون معززة بقوات ضاربة ولم يكن يتوقع ان يفر منها الطاغية يوم 18 فبراير، مما سهل تمشيطها يوم 23 أغسطس، نظراً لعدم وجود قيادة بداخلها، وليس كما يقال عبثاً أن البرَّاني اشكال اصدر اوامره بعدم التصدي.
قام الثوار الاشاوس بعد أذان المغرب مباشرة ليلة العشرين من رمضان بتنفيد الخطة حيث قام بعضهم بأكل ثمرة ثم التكبير عبر مكبرات الصوت بالمساجد، بعد أن تم توزيع أقراص مدمجة، وأقفلوا الطرق ودافعوا بإستمامة خلال الساعات الأولى وانهار النظام في أقل من ثماني ساعات وعشرين دقيقة. كانت البداية في سوق الجمعة وتاجوراء ثم تمت السيطرة على طرابلس المدينة بكل يسر بفضل الله ثم الشهداء الذين سقطوا في الساعات الأولى من العملية. لقد كانت الخطة في غاية البساطة يوم عشرين ثمانية الساعة ثمانية وعشرين دقيقة بعد التكبير اي بعد صلاة المغرب. والجدير بالذكر أن هذه العملية بحاجة الى شهادة الشهود وكتّاب التاريخ ليسطروا بأقلامهم ما سطره الشهداء بدمائهم الزكية،
هنا أجد نفسي وبقوة أطالب ثوار طرابلس الذين شاركوا، بالعمل السري وفي عملية (820 الله أكبر)، بالكتابة عنها وقصص البطولة للعديد من الأبطال الذي سقطوا شهداء أو أُودِع في غياهب السجون . إنني أرى ان هذه المرحلة أشق وأخطر من قتال الجبهات وفي كل خير.
الثوار من خارج العاصمة:
وصل الثوار من خارجها للتمشيط حيث دارت معارك خفيفة في ضواحي المدينة وقاموا بالسيطرة على المناطق الحيوية والعديد من المقرات وبالتالي سقط النظام بالكامل في العاصمة. بدأ الثوار في شحن الأسلحة والذخائر المتكدسة في العاصمة وما يحتاجونه لمواصلة محاربة النظام في خارجها ومنهم من تمركز في العاصمة ولم يواصل النـِّضال خارجها. لكنَّ الحق يقال أن من هؤلاء الأشاوس من كان يبحث عن الشهادة مضانة، مع كل صيحة او هيعة منهم على سبيل المثال الشهيد جمال التونالي الذي قاتل في مصراته ودخل طرابلس من البحر وقاتل فيها ثم عاد الى مصراته واستشهد في اثناء تحرير سرت رحمنا ورحمه الله.
ربما كان للفجر دور آخر:
تم تشكيل لجنة الاستقرار والتي كان دورها فيما أعلم توزيع المياه التي تبرعت بها جهات دولية، ولكن في الوقت الذي كان فيه الليبيون و أهل طرابلس تحديداً فرحين بتحرير العاصمة، وكان الثوار من خارجها يمشطون المناطق المحيطة، كان هناك أناس يقمون بأعمال سطو على وثائق بعينها. هذه العمليات سيكشف عنها الزمن حتماً، فكانت هناك كتيبة دخلت بالبحر وأخرى بالبر قامتا بالذهاب مباشرة الى أماكن معينة واستولتا على وثائق تخاف دول أجنبية ان تقع هذه الوثائق في أيدي الثوار. ليس لدي تفصيل لمن تتبع هاتين الكتيبتين؟ وما هي هذه الوثائق؟ ومن خطط لهما؟ ومن نفد هذه العمليات؟ ولحساب من قامت بما قامت به؟ لكن لربما الفجر ليس منها ببعيد. يجب ان يكن معلوماً أنه من حق الشعب الليبي أن يعلِم اين هُرِّبت هذه الوثائق، ومن واجب من يعْلَم أن يُخْبِر شعبه بها.
رحم الله شهدائنا الأبرار وشفى الله الجرحى وأنزل الله على عوائلهم وعوائل المفقودين الصبر والسلوان وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تزوير التاريخ
عبد الرازق العرادى يزور التاريخ
نكذب كل هولا لنصدق عبد الرازق العرادى

الفيلم الوثائقي: الطريق إلى طرابلس - الجزء الأول
https://www.youtube.com/watch?v=sMPkWy-G0Jo

الفيلم الوثائقي: الطريق إلى طرابلس - الجزء الثاني
https://www.youtube.com/watch?v=ToTslrL4m88

الفيلم الوثائقي: الطريق إلى طرابلس - الجزء الثالث
https://www.youtube.com/watch?v=N2kJ3c81aPI

برنامج الطريق الى طرابلس : حوار مع محمود جبريل 19-8-2011
https://www.youtube.com/watch?v=0SV4bfROILo

لمصلحة من كتب عبد الرازق العرادى هذا المقال؟