عندما تبلغين سن اليأس في العشرين من عمرك... وحتى أقل!

ثلاثة أشهر، أربعة وها هو الخامس يطلّ مثقلاً
بهمّ بات يؤرق ليلك ويقضّ نهارك الذي لم يعد
يحتمل انشغالات وأفكار تشحن رأسك ويومياتك.
أنتِ لم تبلغي العشرين بعد، عزباء، ولا
علاقات جنسيّة لديك كي تشكّي بوجود حمل، فما
سبب تأخّر دورتك الشهرية كل ذلك الوقت؟ في
طريقك الى الطبيب لإجراء الفحوص الطبيّة
اللازمة، تقلّبين في أمورك وتفاصيل حياتك،
تعتقدين أنه الضغط النفسي الذي عانيتِه من
جرّاء صدمة، هو سبب التأخير، وتعرّجين على
أسباب أخرى منها ما هو صحيّ مرضيّ قد يزول مع
العلاج اللازم، لكنك لم تفكّري قطّ بأنك قد
ودّعتِ الحيض الى الأبد! ماذا؟! أهو سنّ اليأس
في هذا العمر المبكر؟ أيعني ذلك كهولة في سن
الشباب؟ لن أتمكّن بعد اليوم من الاعتزاز
بأنوثتي؟ لن أُنجب طفلاً؟ بطبيعة الحال، أنتِ
لم تعودي قادرة على الإنجاب طبيعياً، لكن مع
تقدّم الطب يمكنك إنجاب طفل من بويضة امرأة
أخرى. وهذا منوط بعوامل عدة، منها الديني
والعقائدي وسواها. وهذا شأن آخر لا علاقة لنا
به في سياق بحثنا الذي يتناول انقطاع الطمث
المبكر...
ينطلق "نهارك" من دراسة حديثة يضعها بين يديك
سيّدتي، تربط بين انقطاع الطمث المبكر
والإصابة بالأزمات القلبية. ومنها ننطلق
للحديث مع ذوي الإختصاص، عن بلوغ سن اليأس
التي قد تصيب فتيات وسيّدات في أي عمر. لماذا
تحصل؟ وما تأثيراتها المحتملة؟
وجدت دراسة أميركية حديثة، علاقة وطيدة بين
انقطاع الطمث المبكر والإصابة بالسكتة
القلبيّة ومرض الشريان التاجي. وذكرت صحيفة
Menopause التي نشرت الدراسة، أن باحثين في جامعة
John Hopkins وجدوا من خلال معاينة أكثر من 2500 امرأة
بين 45 و84 سنة، أن خطر الإصابة بأمراض القلب
وسكتات الدماغ يزداد مرتين لدى النساء
اللواتي يختبرن انقطاع الطمث باكراً. وقال
معدّ الدراسة دانانجاي فايديا (Dhananjay Vaidya)،
الأستاذ المساعد في قسم الطب الباطني العام
بكليّة الطب في الجامعة المذكورة، "عندما
يعرف الطبيب أن امرأة دخلت مرحلة انقطاع
الطمث، ينبغي عليه إجراء توصيات وتقديم
علاجات لمساعدتها في منع الإصابة بأزمات
القلب والسكتات الدماغيّة".
في العشرينات وما دون
لكن، ما المقصود بالانقطاع المبكر للحيض؟ وفي
أي عمر يمكن حصوله؟ قبل الدخول في الشرح، يجب
الانتباه الى أمر في غاية الأهمية، ليس كل
توقف للدورة الشهرية هو انقطاع لها أو فشل في
المبيض، وإذا ما لاحظتِ تأخيراً أو تغييراً
غير طبيعي، عليك إجراء التحاليل الطبية
اللازمة لمعرفة طبيعة المشكلة التي
تواجهينها. "51 سنة هو معدل حصول انقطاع الحيض،
فالفتاة تولد مع مليون الى مليوني بويضة،
وعند البلوغ يقلّ العدد ليراوح ما بين 300 ألف
الى 400 ألف بويضة تخسرها طبيعياً الى أن يقارب
عدد البويضات الألف، فتتوقف الدورة الشهرية
وتكون المرأة عندها قد بلغت الخمسين من عمرها
عموماً. أما إذا حصل أن خسرت بويضاتها في وقت
أسرع من الوقت الطبيعي الذي يتطلّبه ذلك،
عندها يمكن الحديث عن انقطاع مبكر للطمث إذا
حصل دون ال 45 سنة، وفشل في المبيض إذا توقفت
الإباضة في عمر يقلّ عن 40 سنة، هكذا يوضح
الإختصاصي في الجراحة النسائيّة والتوليد في
مستشفى رزق الجامعي الدكتور خليل أبي نادر،
الفارق بين الحالين.
أما أسباب خسارة البويضات في وقت سريع وغير
طبيعي، فبعضها لا يزال غير معروف، "لكن من
الواضح أن العلاج الكيميائي لمرض السرطان
مثلاً أو العلاج الإشعاعي في منطقة الحوض
يتلفان البويضات، وحجم التلف أو الضرر الحاصل
مرتبط بعمر المرأة وكميّة العلاج المُعطى
لها"، يشرح الدكتور أبي نادر. ويشير الى ان
"أكثر الحالات لا يكون لها سبب واضح أو مباشر،
فأحياناً يكون فشل المبيض الذي يمكن أن يحصل
في أي عمر كان بما في ذلك عمر العشرينات وما
دون، مرتبطاً بخلل في كروموزومات المرأة
وخصوصاً الجنسيّة منها، فالمرأة عادة تمتلك
كروموزوم (XX) الذي إذا ما شابه خلل ما كأن
يتداخل معه جزء من الكروموزوم الذكوري (Y) أو
أي خطأ كروموزومي آخر، قد يؤدي الى فشل في
المبيض من جرّاء خسارة البويضات في وقت مبكر".
ومن الأسباب الأخرى، يذكر أبي نادر، الباحث
في جامعة لندن، "مهاجمة مناعة الجسم لذاتها"،
فماذا يعني ذلك؟ يجيب: "إن التهاب الغدّة
الدراقية أو فشل البنكرياس أو غيرها من
الأمراض التي تصيب الغدد قد يحصل بسبب مهاجمة
مناعة الجسم لذاتها. والطريقة نفسها قد تحصل
مع المبيض، وعند حصول الفشل فيه يجب إخضاع
المرأة للفحوص الطبيّة اللازمة لمعرفة ما إذا
كان ثمة خلل في عمل الغدد أو بعض منها، وعلى
ضوء ذلك يوصف العلاج بحسب نوع الخلل ومكمنه".
تأثيرات الفشل
يعرّف أبي نادر المبيض بالغدة التي تفرز
هورموني الأنوثة: الاستروجين والبروجستيرون،
"وفشله قبل الوقت الطبيعي المحدّد له، يؤثّر
في العظم فيصبح عرضة للترقق، كذلك قد تتأثر
شرايين القلب والجسم الذي يصبح عرضةً لشيخوخة
مبكرة، من هنا ضروري أن تأخذ المرأة
الهورمونات البديلة للمحافظة على جسمها
وصحتها". هذا، وأثبتت الدراسة التي بدأنا بها
هذا التحقيق، أن النساء اللواتي بدأت علامات
انقطاع الطمث بالظهور عليهن طبيعياً أو نتيجة
خضوعهن لجراحة ما في سن ال 46 أو أقل، ترتفع
نسبة إصابتهن بأمراض القلب والسكتات
الدماغيّة بمقدار الضعف، مقارنة بأولئك
اللواتي ينقطع الطمث لديهن في سنّ متقدمة.
وربطت البحوث بين العوامل البيئيّة أو
الجينيّة المرتبطة بكل من انقطاع الطمث
وأمراض القلب في آن واحد. كما أجمع الباحثون،
على ضرورة أن تعمل المرأة جاهدة على تجنّب
الوصول الى مرحلة انقطاع الطمث في سنّ مبكرة
قدر الإمكان، عبر الإقلاع عن التدخين، لأن
المرأة المدخِّنة تبلغ سن اليأس قبل عامين
مقارنة بغير المدخِّنات من جيلها، مع تجنّب
عملية استئصال الرحم وما من شأنه أن يسهم في
انقطاع الحيض، الاّ اذا اقتضت حالتها الصحيّة
ذلك ولم يكن ثمة خيار علاجي آخر متاح.
وعن نسبة إصابة النساء بانتهاء الإباضة في
عمر مبكر، أورد عدد من الدراسات أن الانقطاع
المبكر للطمث قد يصيب 1 الى 2 % من النساء، أما
الفشل "المبيضي" فهو "غير شائع ونسبة حصوله أقل
من ذلك"، بحسب أبي نادر. والتأثيرات النفسيّة
لذلك، تختلف باختلاف ذهنيّة النساء
وشخصياتهنّ ومدى تقبلهنّ الوضع الحاصل
واستعدادهنّ له وتأقلمهنّ معه.
المعركة النفسيّة
من منظور نفسي، تصاب المرأة التي تفقد دورتها
الشهرية في عمر مبكر، بصدمة كبيرة نتيجة
فقدانها عنصراً مهماً من حياتها إضافة الى
"دورتها الجسديّة"، بحسب توصيف المعالجة
النفسيّة الدكتورة دارين خوري. "فهي ستصنّف
نفسها عاجزة عن الإنجاب في سنّ مبكّرة". ويرى
علم النفس، أن المرأة في هذه الحالة قد تتعامل
مع جسدها على أنه شاخ باكراً، فتبدأ مرحلة
التدهور جسديّاً وجنسيّاً وعاطفيّاً، و يحصل
ذلك مع النساء اللواتي نشأن على خلفية
ثقافيّة إجتماعيّة تربط بين انقطاع الطمث
والشيخوخة. وتعتبر المرأة المثاليّة، الشابة
القادرة على الإنجاب وممارسة النشاط الجنسي.
في حين أن تصالح المرأة مع جسدها واعتبار
الأمر حالة صحيّة تحصل كغيرها من الحالات من
دون الانتقاص من أنوثتها، سيسهل عليها تقبّل
الفكرة".