إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
”ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى” كشاهد عيان
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
”ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى” كشاهد عيان
الاخوه الافاضل
ابن الباديه يحييكم مرة أخرى ، وفي الوقت الذي أثمن فيه عاليا جهود كافة المشرفين على المنتدى فانني من المتابعين للموقع بصصورة دائمه وشبه يوميه . المرفق مقابلة مع احد سكان المنطقه اجراها معه الأستاذ (محمد مختار الساعدي) وتم نشرها في موقع آخر
ورأيت ارسالها اليكم لتعميم الفائده من جهة ولأنها توثق فترة تاريخيه تخص ( عيت أرفاد ) رواها شخص صادق عاصر تلك الفترة.
مع تحياتي
الأماكن و الأزمنة
كلمات شاهد عيان من زمن أخر
يونيو 11, 2009 معسكرات الاعتقال ، برقة
وقعت في يدي مؤخرا ورقة لمقابلة أجراها محمد مختار الساعدى مع الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى في يناير عام 2008 . الحاج عبد النبي في التسعينات من عمره ، حفظه الله و متعه بالصحة و العافية، و قد كان شاهد عيان لما جرى من أحداث رهيبة ابتداء من سنة 1929 و هو في الثالثة عشر من عمره لمعسكرات الاعتقال الفاشية في برقة لمنع دعم و عون سكانها من البادية الر حل للمجاهدين بقيادة عمر المختار ، و ذلك بعد أن أكمل غراتسيانى سوره من الأسلاك الشائكة بالحدود الشرقية لمنع أية إمدادات تأتى عبر الصحراء الغربية من مصر . سبق و أن كتبت في تدوينه سابقة بعنوان “معسكرات الاعتقال” في مدونة “بوابة التاريخ” عن حكاية تشابه هذه الحكاية ، و لكن لاعتقادي بأننا لم نخلد ذكرى هؤلاء الشهداء الذين فقدوا حياتهم بسبب المرض و التجويع و العطش و التنكيل، و الآخرين الذين عاشوها و حملوا أثارها بقية عمرهم ، لم نخلد ذكراهم و لو بلوحة جداريه تكتب فيها أسماءهم في مواقع هذه المعسكرات في عين الغزالة و برسس و المرج و سلوق و طلميثة ، و البريقة و العقيلة، و إيمانا منى بأن كل ما يعرف عن هذه الحقبة يجب أن ينشر و أن يعرفه الناس ، فقد استأذنت من الأستاذ محمد مختار الساعدى مسجل هذه المقابلة و أذن لي مشكورا بنشرها .
الحاج عبد النبي عبد الشافي من منطقة القبة بالجبل الأخضر ، و قال متذكرا تلك الأيام الأليمة ، علما بأنه قد تم تبسيط لغة السرد – بدلا من لهجة بادية شرق ليبيا – تسهيلا للفهم ، مع عدم المساس بالمعنى :
” تم تجميع المواطنين من منطقة القبة و الجبل الأخضر للمرة الأولى عندما كان عمري ثلاث عشر سنة في الخريف وقت الحرث ، و بعد أن جمعنا تم تفريقنا و قيل بأن الحكومة عفت عنا . و بعد انتهاء فصل الربيع جاء وقت حصاد الزرع ، و عندها صدر قرار الطليان بأمر الجميع بالتجمع مرة أخرى فى مركز القبة ، و أضطر الناس أن يتركوا زرعهم وقت الحصاد . أبلغنا بالرحيل من مركز التجمع بالقبة و إلى الغرب ، و حطت بنا الرحلات عند منطقة القيقب . في اليوم التالي استؤنف الرحيل إلى مفترق الطرق جنوب شحات ، و أبلغنا بأنه على من ليس عنده راحلة أن يهبط إلى ميناء سوسة لينقل في بالبحر . رحلنا من شحات إلى غرب البيضاء عند سيدي رافع ، و أقمنا ذلك اليوم هناك بينما كان الطليان متوجسين من وادي الجريب – وادي الكوف – ، ثم جمعونا قرب مسة عشية النهار لسماع بيان هام : ” غذا تدخلون الوادي ، و ربما يكون به العدو ، فإذا حدث شي ما مع الحكومة عليكم ألا تتخلفوا “
في اليوم التالي رحلنا و هبطنا الوادي واحدا وراء واحد . الترحيل من الصبح و حتى مغيب الشمس ، أول قافلة المرحلين يكون بلغ مكان التوقف و أخرهم يتهيأ لمغادرة مكان الارتحال. يتم هذا بينما الجنود الأحباش يطوقون المرتحلين و نوقهم و مواشيهم ، و يشعلون النار في الأنحاء ، و هناك كثير من الماشية حاصرتها النار و الدخان و تركها أصحابها يوم عبور وادي الكوف .
حط المرحلون أمام زاوية العرقوب ، ثم استؤنف الترحيل في اليوم التالي و حطينا قبل منطقة الغريب ، و بعدها في منطقة المرج حيث أقمنا ثلاثة أيام ، بعدها نزلنا الباكور نحو برسس على ساحل البحر .
و كانت المناطق التي مررنا بها خالية من الناس فتجد الزرع و تجد مناجل الحصاد بدون حاصدين ، فالناس كلهم قد رحلوا و جمعوا في معسكر اعتقال سلوق .
بقينا في برسس حوالي 15 يوما و لحق بنا آخرون جمعوا عند مرتوبة لا علم لنا بهم إلى أن جاء من قال بأنهم حطوا في أردانو شرق توكرة . أمرونا نحن المرحلين من القبة بالرحيل إلى أردانو ، و جمعونا مع المرحلين من مرتوبة و لم نكن سمعنا شيئا عن البريقة أو العقيلة . كانت الإبل تسرح حتى حافة الجبل ، و كان الناس يحتفظون بالكثير من نوقهم و أغنامهم و حميرهم . و عشية ذاك اليوم غار المحافظية – المجاهدون – على الإبل عند سفح الجبل ، و تبادلوا إطلاق النار مع الحراس ، و غنموا جزءا من الإبل و فروا بها .
و استنكر الطليان كيفية وصول المجاهدين إلى الساحل ، و طلبوا من كل شيخ قبيلة أن يسجل كل أفراد قبيلته ممن لهم أقارب مع المجاهدين – أخ ، ابن ، أب ، زوج - حتى يكونوا رهائن ، و صدر الأمر بترحيلهم عن طريق البحر . ساد التوجس و الترقب الخوف بين الناس ، و في صباح اليوم الثاني فر من المعتقل إحدى عشر رجلا من قبيلة العواكلة ممن لديهم قرابة مع المجاهدين تاركين أولادهم و زوجاتهم .
وجدنا قبلنا في طلميثة نجوع من قبائل البراعصة و الحاسة و الدرسة و العواقير ممن لهم قرابة مع المجاهدين . في طلميثة كان الناس يشحنون في صندوق رافعة الباخرة ، و ينزلون إلى سطحها كل مرة ثمانية أشخاص من الصباح و حتى غروب الشمس . و ازدحمت الباخرة بركابها ، و من لم يجد مكانا على السطح أعتلى القمرة ، و عند طلوع الشمس رست الباخرة في العقيلة .
المسافة من مرسى العقيلة إلى المعتقل حوالي كيلو مترا ، و وجدنا المكان مسيج بالأسلاك الشائكة يحرسه أحباش من بعيد ، أما من يأمر الناس فهو عربي بسوط في يده و كان هناك ترتيب لعدد من الكابوات – الرؤساء – من العرب كانوا قد بنو خيامهم ينتظرون وصولنا . تركنا مواشينا في طلميثة ، و الناس نقلوا فقط خيامهم ، أما من كان معه شعيرا أو قمحا فقد حجزت منه عند النزول في مرسى العقيلة و قسمت تحت نظام الحصص .
جاءنا طليانى يعطى بيانا ما زلت أذكر ما قال ، كأنه يتحدث الآن :
” أنتم محافظية – مجاهدين – و كانت الحكومة تريد قتلكم . هنا تموتون بالعشرات و لا تخسر الحكومة طلقة واحدة عليكم . “
أو كما قالها بكلامه هو حرفيا : جاء طليانى يدرس علينا كأنها ها الوقت :
“سياتى ريبيللى ( أي أنتم متمردون )الحكومة كانت تنوى قتلكم و هنا تموتو بالطزازين و الحكومة لا تخسر عليكم اسبيرارى ( اطلاقة ) ”
انتهت شهادة الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى كما سجلها الأستاذ محمد مختار الساعدى يوم الأربعاء الموافق 23/01/2008 ، مع الاسترشاد بالاستبيان المعد من قبل مركز جهاد الليبيين .
استغرقت عملية الترحيل للمجموعة التي كان الحاج عبد النبي عبد الشافي أحد أفرادها ثمان مراحل كانوا يقطعون فيها مسافة 25 كيلو مترا فى كل مرحلة ، و هو كان ضمن المجموعة التي أكملت الرحلة بحرا من طلميثة إلى العقيلة . و قد استمرت فترة المعتقلات لعدة سنوات ، و بعد إعدام عمرا المختار تم استغلال المعتقلون فى أعمال السخرة لأشغال الطريق الساحلي مقابل فرنكات ضئيلة ، و مع سنة 1934 تم تفكيكها و ترجيع السكان إلى مناطقهم الأصلية . و تختلف المصادر التاريخية فى ذكر العدد الصحيح للمعتقلين ، و لعل الرقم الصحيح لا يقل عن 70,000 معتقلا يرجح أن نصفهم على الأقل قد قضى عليه فى تلك المعتقلات ، و تذهب بعض التقديرات إلى أن عدد الناجين لم يزد عن 20,000 .
These pictures are from: Libyan Culture website … Here ..
بقية أقوال شاهد عيان من زمن أخر
أكتوبر 25, 2009 : ذكرى المنفيين ، الاحتلال الايطالي ، معسكرات الاعتقال .
سبق و أن نشرت في تدوينه سابقة بعنوان ” كلمات شاهد عيان من زمن أخر ” ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى ” فى مقابلة مع الأستاذ محمد مختار الساعدى عن ذكرياته فى معسكرات الاعتقال الفاشية و هو في سن الثالثة عشرة من عمره . أجريت المقابلة يوم الأربعاء الموافق 23/01/2008 ، مع الاسترشاد بالاستبيان المعد من قبل مركز الجهاد الليبي .
و لكن ما نشر فى تلك التدوينة لم يكن كل ما رواه الحاج عبد النبي ، فقد حكي أيضا عن ظروف الحياة العامة فى تلك المعسكرات و ما قاساه الناس من ويلات فيها . الآن و بمناسبة يوم ذكرى المنفيين الذى يوافق يوم غذ ، أتابع نشر بقية الذكريات التي حكاها هذا الشاهد تأكيدا على أن التاريخ لا ينسى ، و على أن الحق لا يسقط بالتقادم . الكلمات التي تحكى عن تلك الفترة السوداء هي لأحداث حقيقية من فم شاهد عيان حدثت منذ ثمانين سنة فقط .
قال الحاج عبد النبي :
التمهيد قبل الضم للمعتقلات … قبل قرار ترحيل النجوع و ضمها فى معتقلات ، جمعت السلطة الإيطالية المشائخ والعمد وخيرتهم إما أن تحاربو المحافظية و تزودكم الحكومة بالسلاح أو أن ترفضوا فترحلون إلي المعتقلات. المشائخ طلبوا مهلة للتدارس و الرد علي السلطات الإيطالية بقرارهم. اجتمعوا يتدارسون الأمر يقال أن بينهم رجل من المرج قال أن هذه مسؤولية لا نقدر عليها فوافقوه كلهم وبعد انقضاء المهلة أجاب المشائخ بأنهم لا قدرة لهم علي محاربة المحافظية. كان بعض المشائخ قد حبسوا في بنينه ثم نفي بعضهم إلي إيطاليا بعد ذلك. الدور (الجبهة) الأكثر إقلاقا للسلطات الإيطالية هو دور عمر المختار في وادي الجريب (وادي الكوف) يصعدون منه جنوبا حتى منطقة خولان جنوب درنه يهبطون شمالا حتى الحنية علي الساحل غرب البيضا.
معتقل العقيله … المعتقل يسمى (كونفيناتو) المسؤول الإيطالي الأكبر هو غراتسياني. المكان منطقة رملية منبسطة نوعا يحدها من الأمام ( حهة الشرق) تبة ذات امتداد وفي الجهة الغربية يتكدس مرتفع من طوق رملي. في جانب من المعسكر جعل ما يدعي مستوصف من بويتات المعتقلين كانت يلا أعمدة تقريبا ردمت الرمال أجزاء منها. تري (الكابو) واقفا و البويتات مصفوفة متلاصقة (الجازل في الجازل) في اشواط علي امتداد الصف (الريقه). كل قبيلة ترصف بيوتاتها في صف أو أكثر، آل ارفاد، يليهم آل منصور ثم آل غيث ، أما تقسيم المعتقل إلي ارباع كان معمولا به في معتقل البريقة وليس في معتقل العقيلة .
الحراسة و التسجيل و التمام … في العقيلة الحراس يراقبون السياج ليل نهار. يجمع المعتقلين من الرجال كل صباح يتمم عليهم شيخهم ويعطي التمام لمسؤول التجمع (الكابو اقروبو). هذا يرتدي شنه حمراء مميزة بشارة فضيه كعلامة (اشبور حادر على شكل حرف V ) . يتم التجميع للتمام (الريقه) صباحا و مساءا ثم اقتصر علي الجمع الصباحي. يجمع الناس في الريقة متراصفين أربعة أربعة أحيانا من العصر حتى صلاة المغرب في انتظار الكابو ليأخذ (النوفتا) التمام. يظهر مهيبا (يلهد) علي جواده ويقبل الجواد مسرعا هابطا مع طريق تنحدر إلي أن يتوقف عند جمع المنتظرين فيتقدمون نحوه و يعطونه التمام كل عن صفه أو قبيلته.
الحصة الغذائية (الرسيوني) … الحصة الغذائية بمعدل نصف وقه شعير للنفر كل سبعة أيام. مكان استلام (الرسيوني) الاسبوعي عند جهة البحر. الكثير من الناس الذين لا يقوون علي الوقوف يزحفون للاقتراب من كومة الشعير، يحاول بعضهم أن يقنص قبصة منه في مخلبه، يلقمه إلي فمه علي عجل قبل أن يهم عليه الكابو بسوطه. الكيال المرحوم محمد بو وهاب يتعمد أن يزيد المكيال بما قد تحوزه أصابع يده فيمتن الناس للحبات الإضافية. الحصة الغذائية (الرسيوني) ثابتة لا تتغير في رمضان و لا في غيره. يقسم الشعير لأوجه مبادلة مقابل زيت و سكر وقوالب مكعبات صغيرة من شحم وهذه تجدها في الدكاكين القليلة (أربعة دكاكين) التي كانت بالمعتقل كانت لنصارى و يهود ليبين . من له كسوة لباس أو هدمة يكتسي بها والقاصر له العراء.
الكثيرون لا تكفهم حصتهم الغذائية شيئا. عائلتنا – آل عبد الشافي – انتفعنا بثمن النعاج التي بعناها عندما كنا لم نزل في اردانوا شرق توكرة قبيل الترحيل إلي معتقل العقيله – لذلك لم نعاني جوعا وأمراضا بالقدر الذي عاناه الكثير من المعوزين الآخرين من المعتقلين. مات منا جدنا و ماتت عيده زوجة عثمان بو الفقيه. المرحوم عوض الرداع كان ذبح ناقته الزرقاء المسماه (الرطبه) و باع لحمها بالكيلو عندما كنا لا نزال في طلميثه، ثمنها نفعه في المعتقل. عائلة عبدالواحد الساعدي لم يكن بحوزتهم شيء فعانوا مر المعاناة و قضي معضمهم.
من دخل معتقل البريقة ثلاثة أثلاث، مات الثلثان ودفنوا في الرمل بالمعتقل و الثلث خرجوا من المعتقل أحياء.
مياه الشرب … المياه تجلب محمولة علي الحمير وتستخدم الحمير أيضا لجمع وجلب الحطب للوقود والطهي. هناك آبار في الرمل في الوادي أمام الصقالة، المياه آسنة عفنة تري سطحها في الصباح و قد غطته طبقة شفافة خضراء .وهي مسببة للأمراض.
الأمراض … الناس أصيبوا بالأمراض من الجوع ووجع في الركب. ترى الرجل (حاطي) كالجمل الهزيل يتحرك جالسا أو يزحف ولا يقوى علي الوقوف. أعراض أخرى تظهر في منطقة الفم تبدو في الوجه كأثر حرق النار (وهره). لجأ البعض لنبات الأرض كنبتة العنصل يقولون أنهم استحسنوا طبخها مع الكسكسو.
قبل السماح بإخراج المواشي خارج المعتقل صار الناس يذبحون مواشيهم ليقتاتو منها ولكن ذبح المواشي ممنوع و عقوبته الشنق.
المرحوم بالقاسم بو علي ذبح ناقة خلسة في ظلام الليل و قسم لحمها بميزان علي ضوء شمعة. خبئت أحشاء الناقة و جلدها بالحفر والردم في الرمل داخل الخيمة التي نقيم فيها وبقي سرا مدفونا إلي أن غادرنا المكان بعد أكثر من عام.
هناك ما يدعى مستوصف و ما يدعى حكيم عربي يعطيك ليمونة. الحكيم الافرنجي يأتي في يوم مخصص في الأسبوع، يعلن عن قدومه من قبل البراح وهو عبد الغني بو السايل الجازوي. يمر البراح أمام (الريقة) مناديا. معه أشخاص يضعون خرقة حمراء فيها صليب يلووا لك (فاشة وتنتورا) رباط و نوع من المطهر.
أماكن قضاء الحاجة … ترك مكان فضاء قرب السياج الشائك في آخر الطرف الشرقي للمعتقل مسافة أقل من كيلومتر ليقضي فيه الناس حاجتهم. في العقيلة كان السياج قريبا من الخيام ولم يخصص مكان ليقضي فيه المعتقلين حاجتهم. فكان علي من يريد أن يقضي حاجته أن يحضر عند الباب ويبقي قرب الحراس إلي أن يتجمع خمسة أو ستة أشخاص يصطحبهم فرد من الحراس لمسافة ما خارج المعتقل. النسوة لا يغادرن إلي الخارج فالمنطقة رملية ويردمن فضلاتهن في الرمل.
الوفيات … الموت والوفيات كثيرة وكان الموتي يدفنون بملابسهم اللهم إلا فيما ندر إذا استطاع أهل الميت تدبير الكفن. تصل الجنازة و يسجى الجثمان في انتظار وصول جنازة تالية أخرى ثم أخرى وتطلق صافرة لمتطوعين يحملون الجثامين للمقبرة إذا لم يكن للميت أحد يتولي دفنه. عندما جئنا لمعتقل البريقة كانت (الرهمة) أي الفترة الأكثر في الوفيات من المعتقلين قد انقضت في العام الأول ثم انخفضت في العام الثاني فلم نشهد الوفيات اليومية الكبيرة مائة جنازة في اليوم الواحد لمدة تناهز العام أو تزيد.
المواشي … المواشي معظمها مجرد هياكل عظام يكسوها الجلد أما الإبل التي سخرت إلي الكفرة فقد هلكت جميعها تقريبا. الطليان ألزموا كل شيخ بتوفير عدد كذا ناقة وهذه أغلبها هلكت في الصحراء إلي الكفرة أو في طريق العودة منها. في بداية الترحيل كنا لا نزال محتفظين بالضأن والإبل وعند وصولنا إلي منطقة التجميع في ساحل توكره. قام عمي ببيع كل ما نملكه من الضأن حوالي خمسين نعجة نقلها جميعها إلي بنغازي و باعها هناك احتفظنا – بعد طلميثة – بالعنزات و النوق كان يرعاها علي بو المصري . كل بيت (عائلة) يكلف منهم شخص بمواشيهم ويخرج خارج المعتقل مع المواشي صحبة أسرته يحاول جهده أن ينجيها من الهلاك.
خدمة طريق جالو … سخرت في مجموعة عمال 70 شخص إلي منطقة جالو وأوجلة و بقيت هناك سبعة أشهر ورجعت قبيل الترحيل والضم إلي معتقل البريقه فلم أشهد وفيات كثيرة في معتقل العقيله.
أخذونا من العقيلة 70 رجل لخدمة الطرق في جالو وأوجلة. نقتلع ونجمع نبات الحطايا و نرصفه في المنخفضات لكي تتمكن الآليات الإيطالية من اجتياز الرمال في طريقها إلي الكفرة. في اليوم رغيف خبز و طاستين سكر نمشوا أربعة أربعة و نرجع أربعة أربعة تحت سيطرة حراس أحباش عليهم مسؤول طلياني.
حالات الهرب … علي علمي لم يهرب أحد من العقيلة. بعض حالات الهروب حصلت في معتقل البريقه. مجموعة العواكلة الذين كانوا هربوا من معتقل التجميع في اردانوا (قرب طلميثه) قبل أن نصل إلي العقيلة، جاءت السلطات بعائلاتهم كلهم إلي العقيلة . قبل أن يعاد تجميعنا من معتقل العقيله إلي معتقل البريقه، سمعت أن هناك من حاول الهروب من البريقه. اقتفت السلطات أثرهم وقبضوا عليهم و شنقوهم لا أعلم عددهم. الشخص الذي نفذ الشنق يخفي وجهه لكن الناس يعرفونه يقال له الطايل. بعدها حاول آخرون الهرب وصدرت الأوامر من المسؤول الإيطالي لمتعقبهم من العرب بألا يقبض علي الهاربين بل يلحق بهم بالسياره و يتولي إعدامهم حيث يجدهم.
الأعياد الدينيه … أذكر أنه مر علينا عيد اضحي وكان صهرنا محمد بوالغرباوية صاحب سلطات في معتقل العقيلة زوجته شريفه من عائلة بو عطشانه من أقاربنا جاء ممتطيا فرسا ومعه كيلوات لحم كل كيلو علي حده يمر علي من يعرفهم وسأل أمي إن لم يكن لدينا عيد. أجابته عيدنا بالخير و الصلاة علي النبي فأشاح بالفرس و ذهب مبتعدا و نحن نتحسر ونلوم أمنا علي قولتها تلك حرمتنا من كيلو لحم.
شهر رمضان لم يلقي أي انتباه أو اهتمام بالمره فالناس ليس لديهم شيء يؤكل. يسرقون الخبز من (الطابونه) و يخطفون الكسكاس من علي الحلة. بل صار البعض يتسابقون علي مربض الهجن ليجمعوا ما يستطيعون من بعرها يفتتوه ليحصلوا علي ما فيه من علف الشعير فيجففونه و يقلونه يقتاتون به. آخرون لجأوا للجرذان فراحوا ينتشرون بحثا عنها فيصطادونها ويبيعونها أو يبادلونها بحاجتهم.
المعتقلين الملحقين … بعد وصولنا للمعتقل في العقيلة ألحق بعدنا معتقلي قضاء مرماريكا (البطنان ) من قبائل المنفه والقطعان إضافة إلي العبيدات الشرقيين و نزلوا خارج السياج. ثم سمح لهم بالانتقال إلي نواحي منطقة بشر مع قبيلة المغاربة. عندما جاءوا كنت مازلت في معتقل العقيلة لكني طلعت إلي جالو ضمن عمال الطريق لمدة سبعة أشهر و عندما عدت كان معتقلي مرماريكا قد سرح لهم بالانتقال إلي نواحي بشر. تردد عند قدومهم أن حمزه القطعاني عنده ذهب وأن الحكومة تنوي التفتيش وتأخذ ما تجده لديه لتوزعه علي المعتقلين ! فقام بإخفاء ما عنده بعضه أو جله بطريقة ما و يقال أن (الكابو) امويله بو الغرباوية أعانه في ذلك.
كان والد آل بو الغرباوية (عبد الكريم) لا يزال حيا و عندما يجتمعون في الليل كان ينصح أولاده محذرا بأنه لو عادت امرأة من هؤلاء الناس الذين تسوطونهم ستكافيكم بما صار.
المسؤولين علي المعتقلات … في ذلك الوقت المسؤول علي المعتقلين في البريقة والعقيلة يقال له (كاسوني) أما (باريلا) جاءوا به لأنهم قالوا من قتل له المحافظية (المجاهدون) أخ أو اب طلياني يكلف بمسؤوليات علي المعتقلين. طلياني آخر صغير السن اسمه (فريتاللي) قيل أن المحافظيه كانوا قتلوا أخاه. هذا يتخير أيا من المعتقلين كما اتفق ليصفعه علي وجهه . الطلياني المسؤول في معتقل العقيله شاب برتبة ملازم ثان يقال له افريتاللو و بعد رجوعي من جالو لم يكن موجودا وبلغني أنه نقل إلي معتقل البريقه. باريلا مارس العسف علي قبائل العبيدات بالتحديد كان له بيت داخل معتقل البريقه به كراسي يرتدي ملابس مدنيه . سمعت أنه سبق أن أسره المحافظيه وأمرهم سيدي عمر أن يبقوا علي حياته، صار المحافظيه يصطحبونه معهم ليحمل قرب الماء ثم أخلو سبيله بعد ذلك.
مجموعة رؤساء (كابوات) من العرب الليبين كل منهم مسؤول عن شوط أو صف (ريقه) من بيوت وخيام المعتقلين. يرأسهم (كابو قروبو) الذي هو مسؤول عن عدد من الصفوف في ربع من الأرباع التي تشكل المعتقل. أما المسؤول الأعلي من العرب فهو (كابو دي كابو).
إدارة المعتقل … الإيطالي ثم الكابو دي كابو ثم الكابو ثم كابو ريقة (شوط). القبيلة عليها شيخ مربوطة به مشائح قبيلة ارفاد المرحوم الجبالي و المرحوم عبد السلام مسؤوليتهم تغيب أي من أفرد القبيلة يتلقون العقاب عليه. المسؤوليات الأخرى في توزيع فرصة جمع الحطب [أو التسخير بأجر] فرد أو إثنين من كل قبيلة .
المشائخ يرأسهم كابو مسؤول لكل شوط أو صف في يده سوط جلد عادة ما يكون عسكري سابق مع الطليان يضع شارة (اشبور) علي طاقيته. الكابوات منهم محمد بو الكاسح من قبيلة غيث و شخص ملقب بالمقصب من قبيلة شاهين يأخذوا التمام (النوفتا) من الشيخ و يعطيها للكابو اقروبو الأعلي منه. يرأسهم الكابو دي كابو وهذا يحمل شارة علي طاقتيه (اشبورين علامة حرف V مزدوج مقلوب ) شخص يدعى راف الله من قبيلة الحوته. الكابو دي كابو هو الذي يعطي التمام لباريله.
المخالفات و العقوبات … شهدت عملية شنق مرة واحدة رأيت رجلا يتدلي متأرجحا من المشنقة وكان يمنع علي الحاضرين أن ينظروا إلي الجهة الأخرى أو يطرقوا إلي أسفل فهناك شخص يمر خلفك ليضمن أنك تتجه ببصرك إلي مشهد الشنق. أما في البريقه فقد سمعت عنه إلا أني لم أشهده .
عقوبة عدم حضور التمام خمسين سوط، الشيخ لازم يبلغ عنك، الشيخ نفسه لم ينجو من الجلد بالسوط. من تتغيب عن التمام من النساء، تقيد بالربط إلي عمود وتبقي ساعتين ويتم جلدها في وضع الجلوس.المرحومة (الصاعبة) كانت نافس في البيت بعد أن وضعت مولودا وكان الشيخ قد أعطى التمام كاملا و لم يبلغ عن تخلفها و غيابها. في حين هناك أفراد مكلفين بالتفتيش علي المتخلفين عن الجمع اكتشفوا تخلفها في البيت مع مولودها، فعوقب الشيخ بالجلد خمسين سوطا. في البداية، كان الجميع يحضرون التمام (الريقة) النساء يلزمن بالتمام (الترييق) و بعد ذلك اقتصر التمام علي الرجال فالشيخ يتحمل المسؤولية عن تغيب أي من أفراد قبيلته رجالا ونساء.
في البريقه شهدت جلد النساء مرتان وفي العقيله شهدته مرة واحدة تلك كانت امرأة سمراء ضبطت مع حبشي فجاؤا بها إلي طريق الميراد و ربطوها إلي عمود و رفعوا ثوبها إلي ما فوق نطاقها وبقيت هناك واقفة منكسة رأسها يراها كل مار مع الطريق. الأمر في يد الرايس والعقوبة تنفذ فوري لا محكمة لا غيره. ولا يوجد سجن داخل المعتقل.
سمعت أن شخص قطعاني يقال أنه من آل بو اشوشينه لا أعلم جرمه قيل أنه جلد ألف سوط ! كان هناك شخص أخرص مقرب من الطليان يتولي حمل الضحية علي كتفيه ويمشي بها حتى البحر ليغطسه في الماء المالح. من رمي بالرصاص من الهاربين تكفل بإعدامهم شخص مقرب من الإيطاليين يقال له الجبيهي لديه سيارة مزودة برشاش عليه حبشي طارد مجموعة من قبيلة غيث وأعدمهم بالرشاش.
مدرسة الأيتام (القزازين) … قرب نهاية مدة الاعتقال أتيحت فرصة للأطفال الأيتام (القزازين) و أخذوا للمدرسة –داخل المعتقل- من ضمنهم عبدالله الجبالي وبنت لعلي بوالمصري و بنتان أخريان لآل امشاضي.
العون من خارج المعتقل … الأقارب ممن لم يستهدفوا بالاحتجاز في المعتقل غير متحمسين لإعلان صلتهم وقرابتهم بأقاربهم المعتقلين. أما من هم داخل المدن أو أجبروا علي ترك مواطنهم في الأرياف و الانضواء داخل المدن، فهم بين بابين تحكم الداخل والخارج بالقفل والمفتاح. لم يصلنا مد أو عون من دول مسلمين شغلهم حالنا فلا علم لأحد بما يجري لنا. لم نكن نتصور وجود أي مسلم و لا نصراني غيرنا نحن والطليان ولا نسمع شيئا علي الإطلاق عن الآخرين باستثناء الترك.
حرث غوط بصوص … في فترة متأخرة لاحقة أعطيت فرصة لعدد من المعتقلين للخروج لحرث منطقة شرق بشر في غوط يسمى (بصوص).كنت فيمن خرجوا للحرث و كان معي عوض الرداع. استجلبت السلطات محاريث خشبية وبذار شعير و حوالي عشرين ناقة مدجنة للحرث لعلها من إبل قبيلة المغاربة. كان المكلفين بالحرث من معتقل العقيلة. قضينا في الحرث مدة 15 يوما تقريبا . عند الحصاد قد يقوم أي من الحصادين – قبيل انتهاء اليوم – بحك بعض سنابل الشعير وصب الحبوب خلسة في قنينة المياه (فياشكا)، حتى إذا ما بلغ خيمتة أفرغ القنينة مما فيها من حبوب قوتا لأهله. ثم أن أحدا أبلغ السلطات بالأمر فوجد الحصادون تفتيشا عند بوابة المعتقل. يؤمر الجميع بإفراغ قنيناتهم مما فيها فينكشف الأمر و يأتي العقاب.
الترحيل مرة أخرى من معتقل العقيله إلي معتقل البريقه … بعد أسر عمر المحتار ضمت السلطات من بقي من معتقلي العقيلة علي من بقي من معتقلي البريقة. كان معنا (أقاربنا عائلة بو عطشانه) علي النصر وله بنتان وليس له ولد, حمد بو عطشانه ومازق والشايب محمد وولده مرعي، محمد مازق طفل يرتدي طربوش، حمد له ولدان الصالحين و أمه شريعه. عائلة عبدالواحد الساعدي ابنه صالح امحافظي أولاده في المعتقل الساعدي و محمد وابنته ناجية. أم اشناف ولدها امحافظي. عوض الرداع لأن ابنه جبرين عوض امحافظي. ابوبكر كان تحصل علي وظيفة كابو وفي الأصل جاءوا به للمعتقل لأن أخاه عبدالخالق بو عبد الواحد محافظي.
فرص العمل … بعد أن استنفذ الاعتقال و الحشر و الجوع و المرض فعله [في السنة الاولي] توفرت فرص عمل في شق الطرق عمل فيها الناس بالقرعة (علي القبيلة و علي الفرد) . العمل من طلوع الشمس إلي مغيبها (من زرقتا الـ حجتا) اقتلاع و تكسير الحجارة و البالة و الكرويله . بعض النساء يقمن بإعداد الطعام للشغيله و يتناولن أجرا اربعة سفريته في الشهر. الأجرة للرجال سبعة فرنكات في اليوم. الفرنك خمس سفاريت و السفريته اربعة مليم صولدي اصغير و صولدي كبير وهناك فرنكين مقرونات عليهن فاس موسوليني. كيلو السكر بفرنكين و كيلو الكاكاوية بفرنكين. عملت في (ابريزة شهوان) غرب اجدابيا كان معي حسين بو حمد نقتلع و نكسر الحجارة ثم عملنا علي فاقون ينقل التراب و يسير علي قضيب سكة ومعنا من النساء المرحومة جندية (نفاقه). لكن فرصة العمل في البريزات محددة بفترة معينه لأنها توزع علي القبائل بالفرد ثم بالتناوب عيت ارفاد كذا و عيت منصور كذا
طريق بالبو (ابريزة الألف) … بعد أسر عمر المختار، أخرجت السلطات ألف شخص من المعتقلين ليعملوا في شق طريق (طريق بالبو) معهم 100 امرأة (نفاقه). بعد ذلك بفترة غير قصيرة، طلبوا المشائخ بينهم الجبالي بو علي وقالوا لهم أن الحكومة تريد إرجاعكم إلي مناطقكم ولكن المناطق المسرحة من مرتوبه شرقا اما المنطقة الجبلية فلا. الشيخ علي بو محمد لم يخرج من الحبس إلا بعد اعتقال عمر المختار. جاءنا في معتقل البريقة و كان معتلا بادي عليه المرض. وعندما كان أقاربه مجتمعين حوله في البيت نادى البراح في طلب المشائخ (في المعتقل) للحضور في بيت باريلا فذهب ابنه المرحوم الجبالي علي و ذهب معه المرحوم عبدالسلام الساعدي.
أبلغهم باريلا بنية الحكومة إخلاء سبيلهم و إعادتهم إلي ديارهم فعلى كل قبيلة أن تبين موطن سكنها وأن تكتب في طلبه شرط أن تكون خارج منطقة الجبل من مرتوبة شرقا.
مواطني الجبل من قبيلة منصور لم يجدوا جوابا. قبيلة بو جازية سجلوا منطقتهم المرغوبة (مرتوبة) و قبيلة ارفاد سجلوا منطقة (التميمي) معهم قبيلة شاهين و سجل باقي القبائل مناطقهم التي يرغبون العودة إليها.
من اعداد محمد مختار الساعدى
المشعثين المغبرين
أكتوبر 19, 2009 in عام | Tags: تاريخ ، ليبيا ، يوم الحداد | 1 comment
جاءتني ورقة من الاستاذ محمد الساعدى بعنوان ” المشعثين المغبرين ” . الورقة من وحى تلك الأيام الرهيبة التي عاشها شعبنا فى برقة و البطنان خلال سنوات الاحتلال الايطالي من 1929 الى 1934 ، حيث جمعت قبائل البدو الرحل فى معسكرات اعتقال حتى لا تمد يد العون لعمر المختار و رفاقه . مكان الأحداث التي يكتب عنها الكاتب هو عين الغزالة أو نواحيها ، و هذا المكان يقع – ما بين مدينتي درنة و طبرق – و قد خصصه غراتزيانى للتجميع المبدئي لقبائل العبيدات قبل ترحيلهم الى معسكر العقوبات فى البريقة و العقيلة . و لقدوم ذكرى ” يوم الحداد ” الذي سيحل علينا بعد عدة أيام ، استأذنت صديقي لنشر ورقته فى مدونتي و سمح لي مشكورا بذلك وفاءا لهؤلاء المشعثين المغبرين ، منهم من ابعدوا و منهم من قضى نحبه على أعواد المشانق أو فى ساحات القتال ، يوم أن كان للوطن معنى لعله غير معنى هذا اليوم .
كتب محمد الساعدى :
لاح له عند مد البصر صرح أو بناية قديمة تعتلى ربوة ناتئة بعض النتوء . تمتد الربوة فى طرف من حيث أتى و تنهد فى الطرف الأخر حيث يتجه . لعله قصد بموقع الصرح هذا أن يشرف على ما بعده من سهوب فيجعل مسافة كبيرة منها تحت مرمى البصر . كان ظن الصرح القديم ذلك بعضا من خرائب أو صيرة قديمة أو أثر من إحدى قرى الغابرين ، الى أن بدا عند الاقتراب منه أكثر جسامة و أقرب أطرافا .
تصعد الربوة من جهة منخفض يحاذيها حتى بلغ الصرح فوجده مختلفا عما عهده من خرائب و قرى قديمة غابرة ، فليس ثمة بئر يتوسط المكان و لا أثر لكسر الفخار من أولئك الناس الذين كانوا يوما هنا يتعيشون فعلم أن هؤلاء جاءوا ليسودوا و ليس ليتعيشوا . يقابله عند واجهة المدخل نقش رسم بكسارة الحجر ، نضدت فى صنعة و مهارة حتى يميز الناظر إليها صورة حيوان بين الكلبة و اللبوة ترضع صغارا ليسوا من جنسها بل صغارا آدميين .
فى الساحة الخارجية يتوسط أثر و فتات من خشب لوتد ضخم أو ما بقى من عمود يغور و ينغرس فى الأرض ، ربما كان يوما سارية علم و بيارق . حاول أن يتخيل ما كان لون البيرق أو العلم الذي رفعته السارية و كم رفرف عليها و أي ريح لامسته و فردته و كم سمعت السارية صامتة من هتاف و نده و عسكر و نعوت و تحقير و تعظيم . و يوحى المكان من داخله بما كان عليه من جسامة و علو و ما تزال مواضع فيه على قدر من المتانة فلا شك أن القوم يحسنون صنعة البناء . جاس فى الأرجاء و وجد الجدران القديمة تزيد فى مواضع عن ارتفاع فارس على جواده . و فى موضع واسع من المكان نتئت من الجدران بقايا حلقات معدنية لعله اصطبل خيل أو حضيرة هجن .
تذكر ما كان سمعه عن أولئك الخيالة و الهجانة و كيف كان الناس يتقون أذاهم و لا يجدون أنفسهم ندا لهم أو لسيدهم و لا حيلة لهم أن يشكوهم لأحد أو يختصمونهم عند قاض عدل من غير جنسهم . صار يفكر كيف وطن الناس أنفسهم على مهادنتهم و موالاتهم بل و الانضمام إليهم لينالوا قوتهم أو يأمنوا على عيالهم و كيف ألفوا أن يوالوا و يطيعوا و يذعنوا و يغالوا فى طاعتهم و فى إذعانهم . ثم كيف أن لم يفعلوا ذلك صب عليهم الغضب و قاسى العذاب فيحرق زرعهم و يهلك ضرعهم و تضبح فيهم الطقطاقة تنثر حبا تسمع الأذن أزيزه و لا تبصره العين إلا فيما يتخطف من الناس . يصرع الحب من يصيب فينبثق الدم ممن يصرعه كدم الشاة يسيل على الأرض برهة حتى إذا ما أجتمع مع ساخن التراب أو بارده ذهبت رغوته و زبده و تخثر و دكن لونه و حال من الوقت أسود يجف بعدها و يتقشر و تذروه الرياح مع سف التراب .
حضر له بعض أسماء ممن سمع عن منيتهم فخال نفسه يتعرف على أخر مكان وطئوه و أخر مرأى رأوه و أخر نفس شهقوه . هناك رمى ( سعد ) بالرصاص و جيء به محمولا على غرارة فما وصلوا به بيته إلا و كانت الغرارة قد ارتوت و صار الدم يرشح منها فدفنوا الغرارة معه . و لعل فى مكان أخر توجد زيتونة ( صالح ) حيث علق على نصفين . ذكر أسماء أخرى و أماكن أخرى فلعله غير بعيد أردى ( على ) و أردى رفاقه التسعة و بقيوا حيث أردوا و لا تكاد تجد لأحد منهم قبر أو شاهد . حضره نوح النائحات و نديب الندابات:
هابا عللى منا غابوا من غيبتهم ما ننهابو
كلمهم عاكس لشناب و هم ما هابوا عالزينة تمو يزابو
هابا يا رقاد الناب رمايا و ادماهم سكلاب
فى ناحية أخرى من المكان وجد أثرا من جذعين متباعدين كابتعاد قوائم باب أو مدخل ذي اتساع ، لكنها كانت فى ركن لا يصح فيه باب أو مدخل ، تبين عندها ما بقى من درج لمصطبة أو منصة بين القائمين ، فشعر برهبة هذه البقعة أكثر من غيرها و وجد نفسه يخلع نعليه إذ يستحضر ما تحكى عنه العجائز يذكرن كيف كان الرجال يصعدون المكان مكتوفي الابدى ، و كيف يعلقون من رقابهم و يلفظون أخر أنفاسهم فتتدلى أجسادهم تنتفض برهة ثم تهمد بلا حراك . تذكر ما كان سمعه عن ( الطيف ) ، قال لعله فى مكان كهذا المكان ينقطع به الحبل فيهزئ من شانقيه و يقول قولته الشهيرة ” غير عليك حكومة حتى احبالها بايدات ” .
حسب ما سمع و لم ير عن ذلك الزمن الذي انقضى أن مثل هذا الصرح عشرات كما أن الآلاف قد قضوا ، و سالت دماءهم أو علقوا و لم تسل منهم دماء . لم يكن ذلك ليجعله يستوحش من المكان بل ظن أنه ما ساقته خطاه مصادفة الى حيث كان فشاء أن يتيمم و يبيت بين المنصة و القوائم و يقضى الليلة فى هذا المكان .
فى نومه خيل إليه أنه يسمع وقع الأقدام و النعال الغليظة و الرطانة و الصياح و الزجر و النهى و الأوامر و التوبيخ و نابي الشتم و التصغير و القهقهات . و خاله يرى لمعان الأحذية الطويلة و ألوان و بريق النياشين و يعجب لاختلاف هيئة لابسيها و ملاحة بشرتهم و سود قمصانهم و النظرة التي فى عيونهم و كثير طعامهم و قناني خمرهم و نهمهم و إقبالهم عليه و ولعهم به . ثم يعجب كيف لائ من المشعثين المغبرين الجائعين أن يهزأ من كل هذا و هو يساق للموت و يحز الحبل عنقه فينتفض كما الذبيحة و كيف تبقى الكلمات طويلا بعد أن يكون البدن قد همد أو لم يعد ثمة بدن .
عندما أفاق فى الصباح خرج الى حيث يوجد نقش اللبوة و صغارها فأعمل فيه تهشيما و تحطيما حتى أتى عليه .
إضافة و تصحيح … بتاريخ 22/10/2009
بعد نشر النص اكتشفت بعض النواقص التي كان من الواجب إدراجها بالتدوينة وفاء لذكرى هؤلاء ” المشعثين المغبرين ” و جهادهم النبيل ، لذا فاننى ألحقها فى هذه الإضافة :
1 – ما ورد فى المقدمة من أن موقع عين الغزالة خصص لتجميع قبائل العبيدات كان صحيحا ، و لكن من الصحيح أيضا أنه كان لتجميع قبائل المنفة و القطعان و بعض أولاد حمد الطلوح ، و هم من كانوا يقطنون الإقليم المسمى مرمريكا ( شرق درنة الى الحدود المصرية ) .
2 – وردنتى الأسماء التالية من الاستاذ محمد مختار الساعدى من بين من أعدموا بمعتقل عين الغزالة : سعد الجبالى الرفادى ، محمود بلقاسم الطلحى و مازق بالقاسم الطلحى ، سليمان الشاعت القرباعى ، صالح الوادى الطلحى ، عبد الله محمد الحمرى ، عبد الله الواحدى ، محمود سعد محمود القطعانى ، بوبكر البايد القطعانى ، عبد القادر المسماري ، بو قعيدة الفاخرى ، صالح حمد لربد ، و ذلك إضافة الى الطيف بو امصورة الغيثى مع أقاربه حمد الطيف و الهونى الطيف و عبد ربه محمد و السنوسي محمد ، فرحمة الله عليهم جميعا.
ابن الباديه يحييكم مرة أخرى ، وفي الوقت الذي أثمن فيه عاليا جهود كافة المشرفين على المنتدى فانني من المتابعين للموقع بصصورة دائمه وشبه يوميه . المرفق مقابلة مع احد سكان المنطقه اجراها معه الأستاذ (محمد مختار الساعدي) وتم نشرها في موقع آخر
ورأيت ارسالها اليكم لتعميم الفائده من جهة ولأنها توثق فترة تاريخيه تخص ( عيت أرفاد ) رواها شخص صادق عاصر تلك الفترة.
مع تحياتي
الأماكن و الأزمنة
كلمات شاهد عيان من زمن أخر
يونيو 11, 2009 معسكرات الاعتقال ، برقة
وقعت في يدي مؤخرا ورقة لمقابلة أجراها محمد مختار الساعدى مع الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى في يناير عام 2008 . الحاج عبد النبي في التسعينات من عمره ، حفظه الله و متعه بالصحة و العافية، و قد كان شاهد عيان لما جرى من أحداث رهيبة ابتداء من سنة 1929 و هو في الثالثة عشر من عمره لمعسكرات الاعتقال الفاشية في برقة لمنع دعم و عون سكانها من البادية الر حل للمجاهدين بقيادة عمر المختار ، و ذلك بعد أن أكمل غراتسيانى سوره من الأسلاك الشائكة بالحدود الشرقية لمنع أية إمدادات تأتى عبر الصحراء الغربية من مصر . سبق و أن كتبت في تدوينه سابقة بعنوان “معسكرات الاعتقال” في مدونة “بوابة التاريخ” عن حكاية تشابه هذه الحكاية ، و لكن لاعتقادي بأننا لم نخلد ذكرى هؤلاء الشهداء الذين فقدوا حياتهم بسبب المرض و التجويع و العطش و التنكيل، و الآخرين الذين عاشوها و حملوا أثارها بقية عمرهم ، لم نخلد ذكراهم و لو بلوحة جداريه تكتب فيها أسماءهم في مواقع هذه المعسكرات في عين الغزالة و برسس و المرج و سلوق و طلميثة ، و البريقة و العقيلة، و إيمانا منى بأن كل ما يعرف عن هذه الحقبة يجب أن ينشر و أن يعرفه الناس ، فقد استأذنت من الأستاذ محمد مختار الساعدى مسجل هذه المقابلة و أذن لي مشكورا بنشرها .
الحاج عبد النبي عبد الشافي من منطقة القبة بالجبل الأخضر ، و قال متذكرا تلك الأيام الأليمة ، علما بأنه قد تم تبسيط لغة السرد – بدلا من لهجة بادية شرق ليبيا – تسهيلا للفهم ، مع عدم المساس بالمعنى :
” تم تجميع المواطنين من منطقة القبة و الجبل الأخضر للمرة الأولى عندما كان عمري ثلاث عشر سنة في الخريف وقت الحرث ، و بعد أن جمعنا تم تفريقنا و قيل بأن الحكومة عفت عنا . و بعد انتهاء فصل الربيع جاء وقت حصاد الزرع ، و عندها صدر قرار الطليان بأمر الجميع بالتجمع مرة أخرى فى مركز القبة ، و أضطر الناس أن يتركوا زرعهم وقت الحصاد . أبلغنا بالرحيل من مركز التجمع بالقبة و إلى الغرب ، و حطت بنا الرحلات عند منطقة القيقب . في اليوم التالي استؤنف الرحيل إلى مفترق الطرق جنوب شحات ، و أبلغنا بأنه على من ليس عنده راحلة أن يهبط إلى ميناء سوسة لينقل في بالبحر . رحلنا من شحات إلى غرب البيضاء عند سيدي رافع ، و أقمنا ذلك اليوم هناك بينما كان الطليان متوجسين من وادي الجريب – وادي الكوف – ، ثم جمعونا قرب مسة عشية النهار لسماع بيان هام : ” غذا تدخلون الوادي ، و ربما يكون به العدو ، فإذا حدث شي ما مع الحكومة عليكم ألا تتخلفوا “
في اليوم التالي رحلنا و هبطنا الوادي واحدا وراء واحد . الترحيل من الصبح و حتى مغيب الشمس ، أول قافلة المرحلين يكون بلغ مكان التوقف و أخرهم يتهيأ لمغادرة مكان الارتحال. يتم هذا بينما الجنود الأحباش يطوقون المرتحلين و نوقهم و مواشيهم ، و يشعلون النار في الأنحاء ، و هناك كثير من الماشية حاصرتها النار و الدخان و تركها أصحابها يوم عبور وادي الكوف .
حط المرحلون أمام زاوية العرقوب ، ثم استؤنف الترحيل في اليوم التالي و حطينا قبل منطقة الغريب ، و بعدها في منطقة المرج حيث أقمنا ثلاثة أيام ، بعدها نزلنا الباكور نحو برسس على ساحل البحر .
و كانت المناطق التي مررنا بها خالية من الناس فتجد الزرع و تجد مناجل الحصاد بدون حاصدين ، فالناس كلهم قد رحلوا و جمعوا في معسكر اعتقال سلوق .
بقينا في برسس حوالي 15 يوما و لحق بنا آخرون جمعوا عند مرتوبة لا علم لنا بهم إلى أن جاء من قال بأنهم حطوا في أردانو شرق توكرة . أمرونا نحن المرحلين من القبة بالرحيل إلى أردانو ، و جمعونا مع المرحلين من مرتوبة و لم نكن سمعنا شيئا عن البريقة أو العقيلة . كانت الإبل تسرح حتى حافة الجبل ، و كان الناس يحتفظون بالكثير من نوقهم و أغنامهم و حميرهم . و عشية ذاك اليوم غار المحافظية – المجاهدون – على الإبل عند سفح الجبل ، و تبادلوا إطلاق النار مع الحراس ، و غنموا جزءا من الإبل و فروا بها .
و استنكر الطليان كيفية وصول المجاهدين إلى الساحل ، و طلبوا من كل شيخ قبيلة أن يسجل كل أفراد قبيلته ممن لهم أقارب مع المجاهدين – أخ ، ابن ، أب ، زوج - حتى يكونوا رهائن ، و صدر الأمر بترحيلهم عن طريق البحر . ساد التوجس و الترقب الخوف بين الناس ، و في صباح اليوم الثاني فر من المعتقل إحدى عشر رجلا من قبيلة العواكلة ممن لديهم قرابة مع المجاهدين تاركين أولادهم و زوجاتهم .
وجدنا قبلنا في طلميثة نجوع من قبائل البراعصة و الحاسة و الدرسة و العواقير ممن لهم قرابة مع المجاهدين . في طلميثة كان الناس يشحنون في صندوق رافعة الباخرة ، و ينزلون إلى سطحها كل مرة ثمانية أشخاص من الصباح و حتى غروب الشمس . و ازدحمت الباخرة بركابها ، و من لم يجد مكانا على السطح أعتلى القمرة ، و عند طلوع الشمس رست الباخرة في العقيلة .
المسافة من مرسى العقيلة إلى المعتقل حوالي كيلو مترا ، و وجدنا المكان مسيج بالأسلاك الشائكة يحرسه أحباش من بعيد ، أما من يأمر الناس فهو عربي بسوط في يده و كان هناك ترتيب لعدد من الكابوات – الرؤساء – من العرب كانوا قد بنو خيامهم ينتظرون وصولنا . تركنا مواشينا في طلميثة ، و الناس نقلوا فقط خيامهم ، أما من كان معه شعيرا أو قمحا فقد حجزت منه عند النزول في مرسى العقيلة و قسمت تحت نظام الحصص .
جاءنا طليانى يعطى بيانا ما زلت أذكر ما قال ، كأنه يتحدث الآن :
” أنتم محافظية – مجاهدين – و كانت الحكومة تريد قتلكم . هنا تموتون بالعشرات و لا تخسر الحكومة طلقة واحدة عليكم . “
أو كما قالها بكلامه هو حرفيا : جاء طليانى يدرس علينا كأنها ها الوقت :
“سياتى ريبيللى ( أي أنتم متمردون )الحكومة كانت تنوى قتلكم و هنا تموتو بالطزازين و الحكومة لا تخسر عليكم اسبيرارى ( اطلاقة ) ”
انتهت شهادة الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى كما سجلها الأستاذ محمد مختار الساعدى يوم الأربعاء الموافق 23/01/2008 ، مع الاسترشاد بالاستبيان المعد من قبل مركز جهاد الليبيين .
استغرقت عملية الترحيل للمجموعة التي كان الحاج عبد النبي عبد الشافي أحد أفرادها ثمان مراحل كانوا يقطعون فيها مسافة 25 كيلو مترا فى كل مرحلة ، و هو كان ضمن المجموعة التي أكملت الرحلة بحرا من طلميثة إلى العقيلة . و قد استمرت فترة المعتقلات لعدة سنوات ، و بعد إعدام عمرا المختار تم استغلال المعتقلون فى أعمال السخرة لأشغال الطريق الساحلي مقابل فرنكات ضئيلة ، و مع سنة 1934 تم تفكيكها و ترجيع السكان إلى مناطقهم الأصلية . و تختلف المصادر التاريخية فى ذكر العدد الصحيح للمعتقلين ، و لعل الرقم الصحيح لا يقل عن 70,000 معتقلا يرجح أن نصفهم على الأقل قد قضى عليه فى تلك المعتقلات ، و تذهب بعض التقديرات إلى أن عدد الناجين لم يزد عن 20,000 .
These pictures are from: Libyan Culture website … Here ..
بقية أقوال شاهد عيان من زمن أخر
أكتوبر 25, 2009 : ذكرى المنفيين ، الاحتلال الايطالي ، معسكرات الاعتقال .
سبق و أن نشرت في تدوينه سابقة بعنوان ” كلمات شاهد عيان من زمن أخر ” ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى ” فى مقابلة مع الأستاذ محمد مختار الساعدى عن ذكرياته فى معسكرات الاعتقال الفاشية و هو في سن الثالثة عشرة من عمره . أجريت المقابلة يوم الأربعاء الموافق 23/01/2008 ، مع الاسترشاد بالاستبيان المعد من قبل مركز الجهاد الليبي .
و لكن ما نشر فى تلك التدوينة لم يكن كل ما رواه الحاج عبد النبي ، فقد حكي أيضا عن ظروف الحياة العامة فى تلك المعسكرات و ما قاساه الناس من ويلات فيها . الآن و بمناسبة يوم ذكرى المنفيين الذى يوافق يوم غذ ، أتابع نشر بقية الذكريات التي حكاها هذا الشاهد تأكيدا على أن التاريخ لا ينسى ، و على أن الحق لا يسقط بالتقادم . الكلمات التي تحكى عن تلك الفترة السوداء هي لأحداث حقيقية من فم شاهد عيان حدثت منذ ثمانين سنة فقط .
قال الحاج عبد النبي :
التمهيد قبل الضم للمعتقلات … قبل قرار ترحيل النجوع و ضمها فى معتقلات ، جمعت السلطة الإيطالية المشائخ والعمد وخيرتهم إما أن تحاربو المحافظية و تزودكم الحكومة بالسلاح أو أن ترفضوا فترحلون إلي المعتقلات. المشائخ طلبوا مهلة للتدارس و الرد علي السلطات الإيطالية بقرارهم. اجتمعوا يتدارسون الأمر يقال أن بينهم رجل من المرج قال أن هذه مسؤولية لا نقدر عليها فوافقوه كلهم وبعد انقضاء المهلة أجاب المشائخ بأنهم لا قدرة لهم علي محاربة المحافظية. كان بعض المشائخ قد حبسوا في بنينه ثم نفي بعضهم إلي إيطاليا بعد ذلك. الدور (الجبهة) الأكثر إقلاقا للسلطات الإيطالية هو دور عمر المختار في وادي الجريب (وادي الكوف) يصعدون منه جنوبا حتى منطقة خولان جنوب درنه يهبطون شمالا حتى الحنية علي الساحل غرب البيضا.
معتقل العقيله … المعتقل يسمى (كونفيناتو) المسؤول الإيطالي الأكبر هو غراتسياني. المكان منطقة رملية منبسطة نوعا يحدها من الأمام ( حهة الشرق) تبة ذات امتداد وفي الجهة الغربية يتكدس مرتفع من طوق رملي. في جانب من المعسكر جعل ما يدعي مستوصف من بويتات المعتقلين كانت يلا أعمدة تقريبا ردمت الرمال أجزاء منها. تري (الكابو) واقفا و البويتات مصفوفة متلاصقة (الجازل في الجازل) في اشواط علي امتداد الصف (الريقه). كل قبيلة ترصف بيوتاتها في صف أو أكثر، آل ارفاد، يليهم آل منصور ثم آل غيث ، أما تقسيم المعتقل إلي ارباع كان معمولا به في معتقل البريقة وليس في معتقل العقيلة .
الحراسة و التسجيل و التمام … في العقيلة الحراس يراقبون السياج ليل نهار. يجمع المعتقلين من الرجال كل صباح يتمم عليهم شيخهم ويعطي التمام لمسؤول التجمع (الكابو اقروبو). هذا يرتدي شنه حمراء مميزة بشارة فضيه كعلامة (اشبور حادر على شكل حرف V ) . يتم التجميع للتمام (الريقه) صباحا و مساءا ثم اقتصر علي الجمع الصباحي. يجمع الناس في الريقة متراصفين أربعة أربعة أحيانا من العصر حتى صلاة المغرب في انتظار الكابو ليأخذ (النوفتا) التمام. يظهر مهيبا (يلهد) علي جواده ويقبل الجواد مسرعا هابطا مع طريق تنحدر إلي أن يتوقف عند جمع المنتظرين فيتقدمون نحوه و يعطونه التمام كل عن صفه أو قبيلته.
الحصة الغذائية (الرسيوني) … الحصة الغذائية بمعدل نصف وقه شعير للنفر كل سبعة أيام. مكان استلام (الرسيوني) الاسبوعي عند جهة البحر. الكثير من الناس الذين لا يقوون علي الوقوف يزحفون للاقتراب من كومة الشعير، يحاول بعضهم أن يقنص قبصة منه في مخلبه، يلقمه إلي فمه علي عجل قبل أن يهم عليه الكابو بسوطه. الكيال المرحوم محمد بو وهاب يتعمد أن يزيد المكيال بما قد تحوزه أصابع يده فيمتن الناس للحبات الإضافية. الحصة الغذائية (الرسيوني) ثابتة لا تتغير في رمضان و لا في غيره. يقسم الشعير لأوجه مبادلة مقابل زيت و سكر وقوالب مكعبات صغيرة من شحم وهذه تجدها في الدكاكين القليلة (أربعة دكاكين) التي كانت بالمعتقل كانت لنصارى و يهود ليبين . من له كسوة لباس أو هدمة يكتسي بها والقاصر له العراء.
الكثيرون لا تكفهم حصتهم الغذائية شيئا. عائلتنا – آل عبد الشافي – انتفعنا بثمن النعاج التي بعناها عندما كنا لم نزل في اردانوا شرق توكرة قبيل الترحيل إلي معتقل العقيله – لذلك لم نعاني جوعا وأمراضا بالقدر الذي عاناه الكثير من المعوزين الآخرين من المعتقلين. مات منا جدنا و ماتت عيده زوجة عثمان بو الفقيه. المرحوم عوض الرداع كان ذبح ناقته الزرقاء المسماه (الرطبه) و باع لحمها بالكيلو عندما كنا لا نزال في طلميثه، ثمنها نفعه في المعتقل. عائلة عبدالواحد الساعدي لم يكن بحوزتهم شيء فعانوا مر المعاناة و قضي معضمهم.
من دخل معتقل البريقة ثلاثة أثلاث، مات الثلثان ودفنوا في الرمل بالمعتقل و الثلث خرجوا من المعتقل أحياء.
مياه الشرب … المياه تجلب محمولة علي الحمير وتستخدم الحمير أيضا لجمع وجلب الحطب للوقود والطهي. هناك آبار في الرمل في الوادي أمام الصقالة، المياه آسنة عفنة تري سطحها في الصباح و قد غطته طبقة شفافة خضراء .وهي مسببة للأمراض.
الأمراض … الناس أصيبوا بالأمراض من الجوع ووجع في الركب. ترى الرجل (حاطي) كالجمل الهزيل يتحرك جالسا أو يزحف ولا يقوى علي الوقوف. أعراض أخرى تظهر في منطقة الفم تبدو في الوجه كأثر حرق النار (وهره). لجأ البعض لنبات الأرض كنبتة العنصل يقولون أنهم استحسنوا طبخها مع الكسكسو.
قبل السماح بإخراج المواشي خارج المعتقل صار الناس يذبحون مواشيهم ليقتاتو منها ولكن ذبح المواشي ممنوع و عقوبته الشنق.
المرحوم بالقاسم بو علي ذبح ناقة خلسة في ظلام الليل و قسم لحمها بميزان علي ضوء شمعة. خبئت أحشاء الناقة و جلدها بالحفر والردم في الرمل داخل الخيمة التي نقيم فيها وبقي سرا مدفونا إلي أن غادرنا المكان بعد أكثر من عام.
هناك ما يدعى مستوصف و ما يدعى حكيم عربي يعطيك ليمونة. الحكيم الافرنجي يأتي في يوم مخصص في الأسبوع، يعلن عن قدومه من قبل البراح وهو عبد الغني بو السايل الجازوي. يمر البراح أمام (الريقة) مناديا. معه أشخاص يضعون خرقة حمراء فيها صليب يلووا لك (فاشة وتنتورا) رباط و نوع من المطهر.
أماكن قضاء الحاجة … ترك مكان فضاء قرب السياج الشائك في آخر الطرف الشرقي للمعتقل مسافة أقل من كيلومتر ليقضي فيه الناس حاجتهم. في العقيلة كان السياج قريبا من الخيام ولم يخصص مكان ليقضي فيه المعتقلين حاجتهم. فكان علي من يريد أن يقضي حاجته أن يحضر عند الباب ويبقي قرب الحراس إلي أن يتجمع خمسة أو ستة أشخاص يصطحبهم فرد من الحراس لمسافة ما خارج المعتقل. النسوة لا يغادرن إلي الخارج فالمنطقة رملية ويردمن فضلاتهن في الرمل.
الوفيات … الموت والوفيات كثيرة وكان الموتي يدفنون بملابسهم اللهم إلا فيما ندر إذا استطاع أهل الميت تدبير الكفن. تصل الجنازة و يسجى الجثمان في انتظار وصول جنازة تالية أخرى ثم أخرى وتطلق صافرة لمتطوعين يحملون الجثامين للمقبرة إذا لم يكن للميت أحد يتولي دفنه. عندما جئنا لمعتقل البريقة كانت (الرهمة) أي الفترة الأكثر في الوفيات من المعتقلين قد انقضت في العام الأول ثم انخفضت في العام الثاني فلم نشهد الوفيات اليومية الكبيرة مائة جنازة في اليوم الواحد لمدة تناهز العام أو تزيد.
المواشي … المواشي معظمها مجرد هياكل عظام يكسوها الجلد أما الإبل التي سخرت إلي الكفرة فقد هلكت جميعها تقريبا. الطليان ألزموا كل شيخ بتوفير عدد كذا ناقة وهذه أغلبها هلكت في الصحراء إلي الكفرة أو في طريق العودة منها. في بداية الترحيل كنا لا نزال محتفظين بالضأن والإبل وعند وصولنا إلي منطقة التجميع في ساحل توكره. قام عمي ببيع كل ما نملكه من الضأن حوالي خمسين نعجة نقلها جميعها إلي بنغازي و باعها هناك احتفظنا – بعد طلميثة – بالعنزات و النوق كان يرعاها علي بو المصري . كل بيت (عائلة) يكلف منهم شخص بمواشيهم ويخرج خارج المعتقل مع المواشي صحبة أسرته يحاول جهده أن ينجيها من الهلاك.
خدمة طريق جالو … سخرت في مجموعة عمال 70 شخص إلي منطقة جالو وأوجلة و بقيت هناك سبعة أشهر ورجعت قبيل الترحيل والضم إلي معتقل البريقه فلم أشهد وفيات كثيرة في معتقل العقيله.
أخذونا من العقيلة 70 رجل لخدمة الطرق في جالو وأوجلة. نقتلع ونجمع نبات الحطايا و نرصفه في المنخفضات لكي تتمكن الآليات الإيطالية من اجتياز الرمال في طريقها إلي الكفرة. في اليوم رغيف خبز و طاستين سكر نمشوا أربعة أربعة و نرجع أربعة أربعة تحت سيطرة حراس أحباش عليهم مسؤول طلياني.
حالات الهرب … علي علمي لم يهرب أحد من العقيلة. بعض حالات الهروب حصلت في معتقل البريقه. مجموعة العواكلة الذين كانوا هربوا من معتقل التجميع في اردانوا (قرب طلميثه) قبل أن نصل إلي العقيلة، جاءت السلطات بعائلاتهم كلهم إلي العقيلة . قبل أن يعاد تجميعنا من معتقل العقيله إلي معتقل البريقه، سمعت أن هناك من حاول الهروب من البريقه. اقتفت السلطات أثرهم وقبضوا عليهم و شنقوهم لا أعلم عددهم. الشخص الذي نفذ الشنق يخفي وجهه لكن الناس يعرفونه يقال له الطايل. بعدها حاول آخرون الهرب وصدرت الأوامر من المسؤول الإيطالي لمتعقبهم من العرب بألا يقبض علي الهاربين بل يلحق بهم بالسياره و يتولي إعدامهم حيث يجدهم.
الأعياد الدينيه … أذكر أنه مر علينا عيد اضحي وكان صهرنا محمد بوالغرباوية صاحب سلطات في معتقل العقيلة زوجته شريفه من عائلة بو عطشانه من أقاربنا جاء ممتطيا فرسا ومعه كيلوات لحم كل كيلو علي حده يمر علي من يعرفهم وسأل أمي إن لم يكن لدينا عيد. أجابته عيدنا بالخير و الصلاة علي النبي فأشاح بالفرس و ذهب مبتعدا و نحن نتحسر ونلوم أمنا علي قولتها تلك حرمتنا من كيلو لحم.
شهر رمضان لم يلقي أي انتباه أو اهتمام بالمره فالناس ليس لديهم شيء يؤكل. يسرقون الخبز من (الطابونه) و يخطفون الكسكاس من علي الحلة. بل صار البعض يتسابقون علي مربض الهجن ليجمعوا ما يستطيعون من بعرها يفتتوه ليحصلوا علي ما فيه من علف الشعير فيجففونه و يقلونه يقتاتون به. آخرون لجأوا للجرذان فراحوا ينتشرون بحثا عنها فيصطادونها ويبيعونها أو يبادلونها بحاجتهم.
المعتقلين الملحقين … بعد وصولنا للمعتقل في العقيلة ألحق بعدنا معتقلي قضاء مرماريكا (البطنان ) من قبائل المنفه والقطعان إضافة إلي العبيدات الشرقيين و نزلوا خارج السياج. ثم سمح لهم بالانتقال إلي نواحي منطقة بشر مع قبيلة المغاربة. عندما جاءوا كنت مازلت في معتقل العقيلة لكني طلعت إلي جالو ضمن عمال الطريق لمدة سبعة أشهر و عندما عدت كان معتقلي مرماريكا قد سرح لهم بالانتقال إلي نواحي بشر. تردد عند قدومهم أن حمزه القطعاني عنده ذهب وأن الحكومة تنوي التفتيش وتأخذ ما تجده لديه لتوزعه علي المعتقلين ! فقام بإخفاء ما عنده بعضه أو جله بطريقة ما و يقال أن (الكابو) امويله بو الغرباوية أعانه في ذلك.
كان والد آل بو الغرباوية (عبد الكريم) لا يزال حيا و عندما يجتمعون في الليل كان ينصح أولاده محذرا بأنه لو عادت امرأة من هؤلاء الناس الذين تسوطونهم ستكافيكم بما صار.
المسؤولين علي المعتقلات … في ذلك الوقت المسؤول علي المعتقلين في البريقة والعقيلة يقال له (كاسوني) أما (باريلا) جاءوا به لأنهم قالوا من قتل له المحافظية (المجاهدون) أخ أو اب طلياني يكلف بمسؤوليات علي المعتقلين. طلياني آخر صغير السن اسمه (فريتاللي) قيل أن المحافظيه كانوا قتلوا أخاه. هذا يتخير أيا من المعتقلين كما اتفق ليصفعه علي وجهه . الطلياني المسؤول في معتقل العقيله شاب برتبة ملازم ثان يقال له افريتاللو و بعد رجوعي من جالو لم يكن موجودا وبلغني أنه نقل إلي معتقل البريقه. باريلا مارس العسف علي قبائل العبيدات بالتحديد كان له بيت داخل معتقل البريقه به كراسي يرتدي ملابس مدنيه . سمعت أنه سبق أن أسره المحافظيه وأمرهم سيدي عمر أن يبقوا علي حياته، صار المحافظيه يصطحبونه معهم ليحمل قرب الماء ثم أخلو سبيله بعد ذلك.
مجموعة رؤساء (كابوات) من العرب الليبين كل منهم مسؤول عن شوط أو صف (ريقه) من بيوت وخيام المعتقلين. يرأسهم (كابو قروبو) الذي هو مسؤول عن عدد من الصفوف في ربع من الأرباع التي تشكل المعتقل. أما المسؤول الأعلي من العرب فهو (كابو دي كابو).
إدارة المعتقل … الإيطالي ثم الكابو دي كابو ثم الكابو ثم كابو ريقة (شوط). القبيلة عليها شيخ مربوطة به مشائح قبيلة ارفاد المرحوم الجبالي و المرحوم عبد السلام مسؤوليتهم تغيب أي من أفرد القبيلة يتلقون العقاب عليه. المسؤوليات الأخرى في توزيع فرصة جمع الحطب [أو التسخير بأجر] فرد أو إثنين من كل قبيلة .
المشائخ يرأسهم كابو مسؤول لكل شوط أو صف في يده سوط جلد عادة ما يكون عسكري سابق مع الطليان يضع شارة (اشبور) علي طاقيته. الكابوات منهم محمد بو الكاسح من قبيلة غيث و شخص ملقب بالمقصب من قبيلة شاهين يأخذوا التمام (النوفتا) من الشيخ و يعطيها للكابو اقروبو الأعلي منه. يرأسهم الكابو دي كابو وهذا يحمل شارة علي طاقتيه (اشبورين علامة حرف V مزدوج مقلوب ) شخص يدعى راف الله من قبيلة الحوته. الكابو دي كابو هو الذي يعطي التمام لباريله.
المخالفات و العقوبات … شهدت عملية شنق مرة واحدة رأيت رجلا يتدلي متأرجحا من المشنقة وكان يمنع علي الحاضرين أن ينظروا إلي الجهة الأخرى أو يطرقوا إلي أسفل فهناك شخص يمر خلفك ليضمن أنك تتجه ببصرك إلي مشهد الشنق. أما في البريقه فقد سمعت عنه إلا أني لم أشهده .
عقوبة عدم حضور التمام خمسين سوط، الشيخ لازم يبلغ عنك، الشيخ نفسه لم ينجو من الجلد بالسوط. من تتغيب عن التمام من النساء، تقيد بالربط إلي عمود وتبقي ساعتين ويتم جلدها في وضع الجلوس.المرحومة (الصاعبة) كانت نافس في البيت بعد أن وضعت مولودا وكان الشيخ قد أعطى التمام كاملا و لم يبلغ عن تخلفها و غيابها. في حين هناك أفراد مكلفين بالتفتيش علي المتخلفين عن الجمع اكتشفوا تخلفها في البيت مع مولودها، فعوقب الشيخ بالجلد خمسين سوطا. في البداية، كان الجميع يحضرون التمام (الريقة) النساء يلزمن بالتمام (الترييق) و بعد ذلك اقتصر التمام علي الرجال فالشيخ يتحمل المسؤولية عن تغيب أي من أفراد قبيلته رجالا ونساء.
في البريقه شهدت جلد النساء مرتان وفي العقيله شهدته مرة واحدة تلك كانت امرأة سمراء ضبطت مع حبشي فجاؤا بها إلي طريق الميراد و ربطوها إلي عمود و رفعوا ثوبها إلي ما فوق نطاقها وبقيت هناك واقفة منكسة رأسها يراها كل مار مع الطريق. الأمر في يد الرايس والعقوبة تنفذ فوري لا محكمة لا غيره. ولا يوجد سجن داخل المعتقل.
سمعت أن شخص قطعاني يقال أنه من آل بو اشوشينه لا أعلم جرمه قيل أنه جلد ألف سوط ! كان هناك شخص أخرص مقرب من الطليان يتولي حمل الضحية علي كتفيه ويمشي بها حتى البحر ليغطسه في الماء المالح. من رمي بالرصاص من الهاربين تكفل بإعدامهم شخص مقرب من الإيطاليين يقال له الجبيهي لديه سيارة مزودة برشاش عليه حبشي طارد مجموعة من قبيلة غيث وأعدمهم بالرشاش.
مدرسة الأيتام (القزازين) … قرب نهاية مدة الاعتقال أتيحت فرصة للأطفال الأيتام (القزازين) و أخذوا للمدرسة –داخل المعتقل- من ضمنهم عبدالله الجبالي وبنت لعلي بوالمصري و بنتان أخريان لآل امشاضي.
العون من خارج المعتقل … الأقارب ممن لم يستهدفوا بالاحتجاز في المعتقل غير متحمسين لإعلان صلتهم وقرابتهم بأقاربهم المعتقلين. أما من هم داخل المدن أو أجبروا علي ترك مواطنهم في الأرياف و الانضواء داخل المدن، فهم بين بابين تحكم الداخل والخارج بالقفل والمفتاح. لم يصلنا مد أو عون من دول مسلمين شغلهم حالنا فلا علم لأحد بما يجري لنا. لم نكن نتصور وجود أي مسلم و لا نصراني غيرنا نحن والطليان ولا نسمع شيئا علي الإطلاق عن الآخرين باستثناء الترك.
حرث غوط بصوص … في فترة متأخرة لاحقة أعطيت فرصة لعدد من المعتقلين للخروج لحرث منطقة شرق بشر في غوط يسمى (بصوص).كنت فيمن خرجوا للحرث و كان معي عوض الرداع. استجلبت السلطات محاريث خشبية وبذار شعير و حوالي عشرين ناقة مدجنة للحرث لعلها من إبل قبيلة المغاربة. كان المكلفين بالحرث من معتقل العقيلة. قضينا في الحرث مدة 15 يوما تقريبا . عند الحصاد قد يقوم أي من الحصادين – قبيل انتهاء اليوم – بحك بعض سنابل الشعير وصب الحبوب خلسة في قنينة المياه (فياشكا)، حتى إذا ما بلغ خيمتة أفرغ القنينة مما فيها من حبوب قوتا لأهله. ثم أن أحدا أبلغ السلطات بالأمر فوجد الحصادون تفتيشا عند بوابة المعتقل. يؤمر الجميع بإفراغ قنيناتهم مما فيها فينكشف الأمر و يأتي العقاب.
الترحيل مرة أخرى من معتقل العقيله إلي معتقل البريقه … بعد أسر عمر المحتار ضمت السلطات من بقي من معتقلي العقيلة علي من بقي من معتقلي البريقة. كان معنا (أقاربنا عائلة بو عطشانه) علي النصر وله بنتان وليس له ولد, حمد بو عطشانه ومازق والشايب محمد وولده مرعي، محمد مازق طفل يرتدي طربوش، حمد له ولدان الصالحين و أمه شريعه. عائلة عبدالواحد الساعدي ابنه صالح امحافظي أولاده في المعتقل الساعدي و محمد وابنته ناجية. أم اشناف ولدها امحافظي. عوض الرداع لأن ابنه جبرين عوض امحافظي. ابوبكر كان تحصل علي وظيفة كابو وفي الأصل جاءوا به للمعتقل لأن أخاه عبدالخالق بو عبد الواحد محافظي.
فرص العمل … بعد أن استنفذ الاعتقال و الحشر و الجوع و المرض فعله [في السنة الاولي] توفرت فرص عمل في شق الطرق عمل فيها الناس بالقرعة (علي القبيلة و علي الفرد) . العمل من طلوع الشمس إلي مغيبها (من زرقتا الـ حجتا) اقتلاع و تكسير الحجارة و البالة و الكرويله . بعض النساء يقمن بإعداد الطعام للشغيله و يتناولن أجرا اربعة سفريته في الشهر. الأجرة للرجال سبعة فرنكات في اليوم. الفرنك خمس سفاريت و السفريته اربعة مليم صولدي اصغير و صولدي كبير وهناك فرنكين مقرونات عليهن فاس موسوليني. كيلو السكر بفرنكين و كيلو الكاكاوية بفرنكين. عملت في (ابريزة شهوان) غرب اجدابيا كان معي حسين بو حمد نقتلع و نكسر الحجارة ثم عملنا علي فاقون ينقل التراب و يسير علي قضيب سكة ومعنا من النساء المرحومة جندية (نفاقه). لكن فرصة العمل في البريزات محددة بفترة معينه لأنها توزع علي القبائل بالفرد ثم بالتناوب عيت ارفاد كذا و عيت منصور كذا
طريق بالبو (ابريزة الألف) … بعد أسر عمر المختار، أخرجت السلطات ألف شخص من المعتقلين ليعملوا في شق طريق (طريق بالبو) معهم 100 امرأة (نفاقه). بعد ذلك بفترة غير قصيرة، طلبوا المشائخ بينهم الجبالي بو علي وقالوا لهم أن الحكومة تريد إرجاعكم إلي مناطقكم ولكن المناطق المسرحة من مرتوبه شرقا اما المنطقة الجبلية فلا. الشيخ علي بو محمد لم يخرج من الحبس إلا بعد اعتقال عمر المختار. جاءنا في معتقل البريقة و كان معتلا بادي عليه المرض. وعندما كان أقاربه مجتمعين حوله في البيت نادى البراح في طلب المشائخ (في المعتقل) للحضور في بيت باريلا فذهب ابنه المرحوم الجبالي علي و ذهب معه المرحوم عبدالسلام الساعدي.
أبلغهم باريلا بنية الحكومة إخلاء سبيلهم و إعادتهم إلي ديارهم فعلى كل قبيلة أن تبين موطن سكنها وأن تكتب في طلبه شرط أن تكون خارج منطقة الجبل من مرتوبة شرقا.
مواطني الجبل من قبيلة منصور لم يجدوا جوابا. قبيلة بو جازية سجلوا منطقتهم المرغوبة (مرتوبة) و قبيلة ارفاد سجلوا منطقة (التميمي) معهم قبيلة شاهين و سجل باقي القبائل مناطقهم التي يرغبون العودة إليها.
من اعداد محمد مختار الساعدى
المشعثين المغبرين
أكتوبر 19, 2009 in عام | Tags: تاريخ ، ليبيا ، يوم الحداد | 1 comment
جاءتني ورقة من الاستاذ محمد الساعدى بعنوان ” المشعثين المغبرين ” . الورقة من وحى تلك الأيام الرهيبة التي عاشها شعبنا فى برقة و البطنان خلال سنوات الاحتلال الايطالي من 1929 الى 1934 ، حيث جمعت قبائل البدو الرحل فى معسكرات اعتقال حتى لا تمد يد العون لعمر المختار و رفاقه . مكان الأحداث التي يكتب عنها الكاتب هو عين الغزالة أو نواحيها ، و هذا المكان يقع – ما بين مدينتي درنة و طبرق – و قد خصصه غراتزيانى للتجميع المبدئي لقبائل العبيدات قبل ترحيلهم الى معسكر العقوبات فى البريقة و العقيلة . و لقدوم ذكرى ” يوم الحداد ” الذي سيحل علينا بعد عدة أيام ، استأذنت صديقي لنشر ورقته فى مدونتي و سمح لي مشكورا بذلك وفاءا لهؤلاء المشعثين المغبرين ، منهم من ابعدوا و منهم من قضى نحبه على أعواد المشانق أو فى ساحات القتال ، يوم أن كان للوطن معنى لعله غير معنى هذا اليوم .
كتب محمد الساعدى :
لاح له عند مد البصر صرح أو بناية قديمة تعتلى ربوة ناتئة بعض النتوء . تمتد الربوة فى طرف من حيث أتى و تنهد فى الطرف الأخر حيث يتجه . لعله قصد بموقع الصرح هذا أن يشرف على ما بعده من سهوب فيجعل مسافة كبيرة منها تحت مرمى البصر . كان ظن الصرح القديم ذلك بعضا من خرائب أو صيرة قديمة أو أثر من إحدى قرى الغابرين ، الى أن بدا عند الاقتراب منه أكثر جسامة و أقرب أطرافا .
تصعد الربوة من جهة منخفض يحاذيها حتى بلغ الصرح فوجده مختلفا عما عهده من خرائب و قرى قديمة غابرة ، فليس ثمة بئر يتوسط المكان و لا أثر لكسر الفخار من أولئك الناس الذين كانوا يوما هنا يتعيشون فعلم أن هؤلاء جاءوا ليسودوا و ليس ليتعيشوا . يقابله عند واجهة المدخل نقش رسم بكسارة الحجر ، نضدت فى صنعة و مهارة حتى يميز الناظر إليها صورة حيوان بين الكلبة و اللبوة ترضع صغارا ليسوا من جنسها بل صغارا آدميين .
فى الساحة الخارجية يتوسط أثر و فتات من خشب لوتد ضخم أو ما بقى من عمود يغور و ينغرس فى الأرض ، ربما كان يوما سارية علم و بيارق . حاول أن يتخيل ما كان لون البيرق أو العلم الذي رفعته السارية و كم رفرف عليها و أي ريح لامسته و فردته و كم سمعت السارية صامتة من هتاف و نده و عسكر و نعوت و تحقير و تعظيم . و يوحى المكان من داخله بما كان عليه من جسامة و علو و ما تزال مواضع فيه على قدر من المتانة فلا شك أن القوم يحسنون صنعة البناء . جاس فى الأرجاء و وجد الجدران القديمة تزيد فى مواضع عن ارتفاع فارس على جواده . و فى موضع واسع من المكان نتئت من الجدران بقايا حلقات معدنية لعله اصطبل خيل أو حضيرة هجن .
تذكر ما كان سمعه عن أولئك الخيالة و الهجانة و كيف كان الناس يتقون أذاهم و لا يجدون أنفسهم ندا لهم أو لسيدهم و لا حيلة لهم أن يشكوهم لأحد أو يختصمونهم عند قاض عدل من غير جنسهم . صار يفكر كيف وطن الناس أنفسهم على مهادنتهم و موالاتهم بل و الانضمام إليهم لينالوا قوتهم أو يأمنوا على عيالهم و كيف ألفوا أن يوالوا و يطيعوا و يذعنوا و يغالوا فى طاعتهم و فى إذعانهم . ثم كيف أن لم يفعلوا ذلك صب عليهم الغضب و قاسى العذاب فيحرق زرعهم و يهلك ضرعهم و تضبح فيهم الطقطاقة تنثر حبا تسمع الأذن أزيزه و لا تبصره العين إلا فيما يتخطف من الناس . يصرع الحب من يصيب فينبثق الدم ممن يصرعه كدم الشاة يسيل على الأرض برهة حتى إذا ما أجتمع مع ساخن التراب أو بارده ذهبت رغوته و زبده و تخثر و دكن لونه و حال من الوقت أسود يجف بعدها و يتقشر و تذروه الرياح مع سف التراب .
حضر له بعض أسماء ممن سمع عن منيتهم فخال نفسه يتعرف على أخر مكان وطئوه و أخر مرأى رأوه و أخر نفس شهقوه . هناك رمى ( سعد ) بالرصاص و جيء به محمولا على غرارة فما وصلوا به بيته إلا و كانت الغرارة قد ارتوت و صار الدم يرشح منها فدفنوا الغرارة معه . و لعل فى مكان أخر توجد زيتونة ( صالح ) حيث علق على نصفين . ذكر أسماء أخرى و أماكن أخرى فلعله غير بعيد أردى ( على ) و أردى رفاقه التسعة و بقيوا حيث أردوا و لا تكاد تجد لأحد منهم قبر أو شاهد . حضره نوح النائحات و نديب الندابات:
هابا عللى منا غابوا من غيبتهم ما ننهابو
كلمهم عاكس لشناب و هم ما هابوا عالزينة تمو يزابو
هابا يا رقاد الناب رمايا و ادماهم سكلاب
فى ناحية أخرى من المكان وجد أثرا من جذعين متباعدين كابتعاد قوائم باب أو مدخل ذي اتساع ، لكنها كانت فى ركن لا يصح فيه باب أو مدخل ، تبين عندها ما بقى من درج لمصطبة أو منصة بين القائمين ، فشعر برهبة هذه البقعة أكثر من غيرها و وجد نفسه يخلع نعليه إذ يستحضر ما تحكى عنه العجائز يذكرن كيف كان الرجال يصعدون المكان مكتوفي الابدى ، و كيف يعلقون من رقابهم و يلفظون أخر أنفاسهم فتتدلى أجسادهم تنتفض برهة ثم تهمد بلا حراك . تذكر ما كان سمعه عن ( الطيف ) ، قال لعله فى مكان كهذا المكان ينقطع به الحبل فيهزئ من شانقيه و يقول قولته الشهيرة ” غير عليك حكومة حتى احبالها بايدات ” .
حسب ما سمع و لم ير عن ذلك الزمن الذي انقضى أن مثل هذا الصرح عشرات كما أن الآلاف قد قضوا ، و سالت دماءهم أو علقوا و لم تسل منهم دماء . لم يكن ذلك ليجعله يستوحش من المكان بل ظن أنه ما ساقته خطاه مصادفة الى حيث كان فشاء أن يتيمم و يبيت بين المنصة و القوائم و يقضى الليلة فى هذا المكان .
فى نومه خيل إليه أنه يسمع وقع الأقدام و النعال الغليظة و الرطانة و الصياح و الزجر و النهى و الأوامر و التوبيخ و نابي الشتم و التصغير و القهقهات . و خاله يرى لمعان الأحذية الطويلة و ألوان و بريق النياشين و يعجب لاختلاف هيئة لابسيها و ملاحة بشرتهم و سود قمصانهم و النظرة التي فى عيونهم و كثير طعامهم و قناني خمرهم و نهمهم و إقبالهم عليه و ولعهم به . ثم يعجب كيف لائ من المشعثين المغبرين الجائعين أن يهزأ من كل هذا و هو يساق للموت و يحز الحبل عنقه فينتفض كما الذبيحة و كيف تبقى الكلمات طويلا بعد أن يكون البدن قد همد أو لم يعد ثمة بدن .
عندما أفاق فى الصباح خرج الى حيث يوجد نقش اللبوة و صغارها فأعمل فيه تهشيما و تحطيما حتى أتى عليه .
إضافة و تصحيح … بتاريخ 22/10/2009
بعد نشر النص اكتشفت بعض النواقص التي كان من الواجب إدراجها بالتدوينة وفاء لذكرى هؤلاء ” المشعثين المغبرين ” و جهادهم النبيل ، لذا فاننى ألحقها فى هذه الإضافة :
1 – ما ورد فى المقدمة من أن موقع عين الغزالة خصص لتجميع قبائل العبيدات كان صحيحا ، و لكن من الصحيح أيضا أنه كان لتجميع قبائل المنفة و القطعان و بعض أولاد حمد الطلوح ، و هم من كانوا يقطنون الإقليم المسمى مرمريكا ( شرق درنة الى الحدود المصرية ) .
2 – وردنتى الأسماء التالية من الاستاذ محمد مختار الساعدى من بين من أعدموا بمعتقل عين الغزالة : سعد الجبالى الرفادى ، محمود بلقاسم الطلحى و مازق بالقاسم الطلحى ، سليمان الشاعت القرباعى ، صالح الوادى الطلحى ، عبد الله محمد الحمرى ، عبد الله الواحدى ، محمود سعد محمود القطعانى ، بوبكر البايد القطعانى ، عبد القادر المسماري ، بو قعيدة الفاخرى ، صالح حمد لربد ، و ذلك إضافة الى الطيف بو امصورة الغيثى مع أقاربه حمد الطيف و الهونى الطيف و عبد ربه محمد و السنوسي محمد ، فرحمة الله عليهم جميعا.
عدل سابقا من قبل الكابتن في 2009-10-29, 2:15 pm عدل 1 مرات (السبب : منع الاشهار)
ابن الباديه- لواء
-
عدد المشاركات : 1788
العمر : 60
رقم العضوية : 648
قوة التقييم : 34
تاريخ التسجيل : 24/10/2009
رد: ”ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى” كشاهد عيان
مشكور اخي الكريم لهذه المعلومات القيمة من مصدر موثوق وهو الحاج / عبدالنبي عبدالشافي -وهو جاري - متعه الله بالصحة والعافية
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
الكلمة الطيبة صدقة
A good word is charity
الكابتن- المشرف العام للمنتدي
-
عدد المشاركات : 14594
العمر : 56
رقم العضوية : 1
قوة التقييم : 423
تاريخ التسجيل : 15/08/2008
رد: ”ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى” كشاهد عيان
مجهودات رائعة مشكور اخى ابن البادية
فرج احميد- مستشار
-
عدد المشاركات : 17243
العمر : 62
رقم العضوية : 118
قوة التقييم : 348
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: ”ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى” كشاهد عيان
مشكور اخى العزيز على المجهودات الطيبه بارك الله فيك
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: ”ما رواه الحاج عبد النبي عبد الشافي الرفادى” كشاهد عيان
شكراً لك على ما طرحت وانت دائماً مميز
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» تعزية الحاج أحمد بو عبدالله في الحاج حمد وهاب
» من جرائم قرسياني في الحبشه ( محمد صابر بوالغفود) كشاهد
» كتاب الرد الشافي على مفتريات القذافي
» الإصابة تحرم عبد الشافي من المشاركة مع مصر أمام البرازيل
» شهود عيان في مدينة بني وليد
» من جرائم قرسياني في الحبشه ( محمد صابر بوالغفود) كشاهد
» كتاب الرد الشافي على مفتريات القذافي
» الإصابة تحرم عبد الشافي من المشاركة مع مصر أمام البرازيل
» شهود عيان في مدينة بني وليد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR