إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
البطنان وسكانه والحرب العالمية الثانيه
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
البطنان وسكانه والحرب العالمية الثانيه
اطلعت على المقالة التاليه للأستاذ : احمد محمد القلال ، احد المهتمين بالدراسات التاريخيه عن ليبيا ، ونشرت هذه المقاله بتاريخ 8/12/2006 تحت عنوان ((اضواء على معاناة البطنان وسكانه اثناء الجهاد والحرب العالمية الثانيه))، وتعميما للفائده ، ولكونها تتعلق بساحات المعارك في مواقع شكلت التميمي جزءا منها، رايت عرضها اليكم كما وردت دون اي تعديل او تلخيص لمحتويات المقاله :
احمد محمد القلال أضواء على معاناة البطنان وسكانه أثناء الجهاد والحرب العالمية الثانية 8/12/2006
ورقة بحثية مقدمة من الأستاذ الباحث: احمد محمد القلال إلى مؤتمر الجمعية التاريخية الذي عقد بمدينة طبرق العامين الماضيين .
عن مظالم العهد الإيطالي عامة يقول الشاعر المرحوم حسين الحلافي:
كم من مسلم بثراك طبرق قد قضى ومن السياط أديمه يتمـزق
كم ضم سجنك من برئ طــبرق يرثي الجهد له وأين المشفق
ذا بالسياط يكون مصرعــه وذا برصاصة يرمى وهذا يشنق
كانت مدينة طبرق وارض البطنان عامة ، تعيش حياة هادئة بسكان اقرب إلى حياة البدو، يعيشون عيشة متواضعة ، ويعانون من عسر الظروف السائدة، كانوا بعيدين عن التيارات السياسية ، والجري وراء الماديات الجارفة، غير أنهم متآلفون متعاونون ينتمون إلى لحمة واحدة ، أو صلات قريبة من ذلك بالانسجام أو المصاهرة أو الجوار، يعمل القليلون منهم في نشاط تجاري، و جلهم في أعمال المواشي ورعيها، وفي الزراعة الموسمية.
غير أنهم لم يكونوا بعيدين أو متهاونين دون الاشتراك في الجهاد ضد الغزو الإيطالي الغاشم، وقد أصابهم ما أصاب الليبيون عامة من بطش وقتل وتهجير.
فكم من محاكم عسكرية صورية طائرة عقدت على ارض هذه المدينة، فأصدرت ونفذت أحكام الإعدام شنقاً في مواطنين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يذودون عن حياض الوطن بالجهاد ودعم المجاهدين بقيادة شيخ الشهداء عمر المختار ورفاقه الأبرار .
وكم اختلقت من الأسباب الفاشية لمداهمة البيوت والنجوع مطاردة للرجال الوطنيين، فسجنت وقتلت أبرياء، وكم هجرت من عائلات وأسر بشيوخها ونسائها وأطفالها، رأت فيهم جذور العداء والمقاومة والخطر على بقائها واستقرارها، فجرجرتهم في طوابير طويلة مع حيواناتهم تحت حراسة مشددة و بأساليب الإهانة والتهديد، فقضى الأهالي أياما بلياليها في ظروف أعسر من العسيرة، فتوفي منهم من توفي ،ونفق من حيواناتهم ما نفق قبل أن يصلوا بهم إلى معسكرات الاعتقال.
كما حشروا منهم أعداداً كبيرة في باخرة أو بواخر صُعدوا إليها تحت جلدات السياط وخناجر البنادق، وتهديدات القتل والرمي في البحر، وكانوا كالحيوانات السامنة لا يعرفون اتجاهاً و مصيراً، ولم ينالوا من الغذاء إلا ما كان بالكاد يسد الرمق، يرمى إليهم كما ترمى فضلاته لآكليها، ولم يعيروا أي انتباه إنساني لأحوال المرضى و النساء والأطفال وأولئك الذين لم يألفوا ركوب البحر، أنها صورة أشد قتامة من سحب الدخان.
وكانت المحطة الأخيرة معسكر الاعتقال، حيث حط بهم القدر ليلقوا أشد أنواع العذابات في معسكر القهر والتجويع والموت البطيء، فقضى الآلاف منهم نحبهم مرضاً وحسرة.
و لما حُلت المعتقلات خرج الذين كتبت لهم النجاة، وقد كانوا بقايا بشرية في هياكل هزيلة البنية وجريحة بما تلقته من إهانات وما عانته من ضيم، عديمة الإمكانيات من كل شيء، تحمل ذكريات حزينة أليمة،تؤسى من له قلب ينبض بالأيمان والوطنية، وقد توالت السنوات قبل اندمال الجروح واستعادة الصحة والحياة الطبيعية . غير أنها لم تُنس وقد حُفرت في سجل التاريخ عاراً على الغزاة الظلام وذكرى للشهداء وإعزازاً للأحياء إلى أن حل يوم الثأر فاقتلعتهم رياح الحرب و رمت بجذورهم خلف البحر فصاروا أثرا بعد عين.
وبعد أن وطدت ايطاليا أركان سلطتها في البلاد، شهدت طبرق وما حولها نشاطا عسكرياً مستمرا، لم يكن له مثيلاً في ربوع ليبيا، كما أخذت مواقع كثيرة بأرض البطنان تعمر بالمطارات العسكرية والمواقع الدفاعية المختلفة، كان ذلك إعدادا لحرب قادمة واسعة. وكان هذا النشاط قد ازداد قوة وكثافة بحلول أواخر القرن الماضي.
وحينما أخذت نذر الحرب العالمية الثانية تجثم بسحبها القاتمة، سرعان ما أصبحت مدينة طبرق ومحيطها تعجان بتحركات الجيوش الإيطالية استعداد للهجوم على القوات البريطانية المعسكرة على الأرض المصرية المجاورة.
وعندما قامت الحرب باشتعال نيرانها في كثير من بلدان العالم، وجاء الدور على ليبيا بساحلها وصحرائها، صارت البطنان عامة ومدينة طبرق خاصة ميدانا واسعاً مهيئاً للمعارك الحربية، فالحكومة الإيطالية سبق لها إن أقامت استحكامات دفاعية كثيرة وحشدت قوات كبيرة، وخزنت كميات هائلة من العتاد، وبنت منشآت ومواني عسكرية لتعزيز الملاحة والدفاع، واتخذت من مدينة طبرق قاعدة لتحركات وعمليات جيوشها، وقد أنشئ حولها خط دفاعي بلغ طوله حوالي اثنين وأربعين كيلو مترا، تخللته مواقع دفاعية قوية، يمتد أمامها خندق مغطى مضاد للدبابات ومزروع بالألغام. وفي بلدة البردي وهي ميناء حربي صغير قرب الحدود المصرية أقيمت دفاعات ساحلية مضادة لمدافع الأساطيل والدبابات والطائرات يحيط بها خط محصن طوله حوالي عشرين كيلومتر فوق الهضبة الشرقية على السهل الساحلي وقد زرعت فيه الألغام وأعدت فيه مواقع دفاعية مختلفة.
ولم يعد هناك ما ينتظر قبل بدء العمليات الحربية بين ايطاليا وبريطانيا، فالحرب قد أعلنت رسميا بينهما يوم 10-6-1940م، وكل التجهيزات العسكرية قد تمت حيثما يوجد كل طرف، ولكن الحرب في الجبهة الليبية المصرية انحصرت خلال الشهور الأولى بعد إعلان الحرب، انحصرت في عمليات استطلاعية برية وبحرية وغارات جوية على مراكز التجمعات والتموين، ولفتح ثغرات في خط الأسلاك الشائكة الممتدة بين الحدود الليبية والمصرية. ثم تطور الوضع إلى شن غارات جوية وهجمات بحرية من كل طرف على مواقع الآخر في البطنان وفي مصر.
و لضغط سلاح البحرية البريطاني اضطرت الجيوش الإيطالية إلى الانسحاب من كابوتزو ((مساعد)) وما دالينا. ومع ذلك انسحبت القوات البريطانية حتى مدينة مطروح لاتخاذها خطا دفاعيا رئيساً.
واستغل الجيش الإيطالي العاشر بقيادة الجنرال ((غرسياني)) هذا الوضع، وتقدم بالتوغل في الحدود المصرية حتى وصل بلدة (سيدي براني)) وسقطت بعد هجوم سريع مما جعل السيطرة البريطانية على الشرق الأوسط في خطر، ولكن القوات الإيطالية لم تتقدم بعد ذلك، وأخذت تحصن موقعها وتعيد تنظيم جيوشها، ولهذا سمح الوقت للجنرال ((ويفل)) بالاستعداد وشن هجوم مضاد. ففي 9-12-1940م قام الجنرال ((اوكنور)) قائد قوة الصحراء الغربية بالهجوم المضاد، وكانت النتيجة هي تدمير معظم الفرق الإيطالية واستسلامها، وفي مساء يوم 11-12من نفس السنة أعاد الجيش البريطاني ((سيدي براني)) وطارد فلول الجيش الإيطالي، وبعد سقوط بلدة البردي في 15-1-1941م بلغ عدد الأسرى الإيطاليين حوالي 30.000اسير. وسقطت طبرق يوم21- من نفس الشهر والسنة وهي نقطة إسناد بري وبحري هامة جداً. واستمرت المطاردة إلى مدينة اجدابيا. ومن جهة أخرى توسعت المطاردة لتشمل الصحراء حيث توجد القوات الإيطالية فقطعت القوات البريطانية الطريق الذي يربط المخيلى ودرنة، واحتلت مطارات التميمي والغزالة وبمبة، أما المخيلى فقد كان التمسك بها شديداً لأنها نقطة التقاء الطرق الصحراوية الموصلة إلى بنغازي، فتمركزت بها قوة ((ماليتي)) الإيطالية المدرعة ولكنها هزمت بعد ذلك. ومن اجدابيا استمرت المطاردة إلى العقيلة حيث تم القضاء على الجيش العاشر، بعد أن تم اسر 133.000 جندي، و400 دبابة وعربة، و850مدفعاً. وعندئذ لم ير المارشال ((غرسياني)) بدا من الرضوخ للأمر الواقع بعد أن تبددت أحلامه، فتنازل عن قيادته للجنرال ((غاري بالدي)) الذي كان رئيساً للأركان، والذي سرعان ما خلفه الفريق باستيكور والفريق كافاليرو.
بهذه الهزيمة المنكرة لايطاليا دخل عنصر جديد في الحرب بالشمال الإفريقي والصحراء الليبية . ففي 6-12-1941م كلف ((هتلر)) الجنرال ((اروين رومل)) بقيادة حملة عسكرية لمساعدة الجيش الإيطالي المتقهقر في ليبيا للدفاع عن طرابلس التي أصبحت مهددة بالسقوط في يد بريطانيا . وفي 12-2 من نفس السنة بدأ نزول الفيلق الألماني بطرابلس تحت ستار قوي من السرية. وبتاريخ 31-3-1941م قام ((روميل)) بأول هجوم سريع أجبر القوات البريطانية على الانسحاب شرقاً إلى أن وصلت قواته المخيلى يوم 6-4-1941م ، واتخذ من خط المخيلى / درنة خطا دفاعيا، أما القوات البريطانية المنسحبة فقد تجمعت في طبرق واتخذت منها قاعدة دفاعية قوية. ولكن القوات الألمانية الإيطالية استمرت في التقدم واجتازت طبرق دون محاولة احتلالها لعلمها أنها محصنة تحصينا قويا, لهذا ضربت عليها الحصار الشهير الذي استمر ثمانية اشهر ويصفها مؤلف كتاب سنوات المصير (كانت تقف كالسد المنيع، تقوم في منتصف الصحراء القاحلة وتقع على خليج يتراوح عمق الماء فيه بين 15-20مترا، وتهيأ حماية كافية للسفن الراسية، وهذا الميناء خير مواني برقة من الناحية العسكرية. وكان من الطبيعي أن تتحول هذه المدينة إلى قلعة عسكرية محصنة. وكانت حاميتها المحاصرة تتكون من 30الف جندي تمول وتجهز باستمرار عن طريق البحر، بالرغم من القصف الجوي ليلا و نهارا على الميناء والاستحكامات .
ولفك حصار طبرق جرت على ارض البطنان معارك ضارية، تبادلت على إثرها جيوش الحلفاء والمحور النصر والهزيمة ونتج عنها الكر والفر والقتل والتشرد والعذاب والمعاناة ، ومن أهم هذه المعارك:
معركة الفأس:
خططت لها القيادة البريطانية لهجومين، الأول تمهيدي لإعادة كابوتزو و السلوم لتكونا قاعدة للهجوم التالي ، إلا أنها فشلت لعدم توفر غطاء جوي كاف، ولعدم تقدير كفاءة ((رومل)) الذي وصلت قواته إلى ممر حلفايا. أما الهجوم الكبير فقد بدأ يوم 15-6-1941م لكنه فشل أيضا. وهذه المعركة تعتبر أول معركة رئيسة بين دبابات الطرفين.
معركة الصليبي:
فشل الهجومين السابقين لفك حصار طبرق الذي طال أمده وصار وصمة عار في وجه الحلفاء رغم أن فترة الحصار لم تكن فترة هدوء بين القوات المتحاربة أدى بالقيادة البريطانية العليا إلى تعيين الجنرال (اوكنلك) خلفا للجنرال ((ويفل))فكون هذا القائد بالدمج الجيش الثامن وعين لقيادته الجنرال ((ريتشي) وقد بلغت قواته 750 ألف جندي و595 دبابة وفي ذات الوقت كانت قوات المحور بقيادة الجنرال ( رومل)تقوم بتعزيز موقعها في ممر حلفايا والسلوم والبردي. ولكن الجنرال ((ريتشي)) قائد الجيش الثامن كان مصمما على فك حصار طبرق، وظلت محاولاته مستمرة إلى ما بعد الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 1941م، حيث تم يوم9 من نفس الشهر الاستيلاء على العدم، وفي اليوم التالي سقطت عكرمة، ثم تمكنت القوة البريطانية المحاصرة من الالتحام بالقوات البريطانية الأخرى وسط معركة ضارية انتهت بفك حصار طبرق يوم 19-12-1941م بعد أن دام 245يوما.
أن فك حصار طبرق كان نصراً كبيراً لقوات الحلفاء، ولكنه لم ينه الحرب فقد كانت قوات المحور بقيادة ((رومل)) تتمركز في خط دفاع قوي في ممر حلفايا والسلوم والبردي، فقام ((ريتشي)) مصراً على كسح قوات المحور من الغزالة إلى بنغازي، فاتخذ خط الغزالة.. بئر حكيم منطلقا له.
معركة بير حكيم:
بئر حكيم نقطة في صحراء، أهميتها أنها تقع عند مفترق طريقين، اولهما طريق بئر حكيم مارا بعكرمة ومنها إلى الساحل والثاني إلى العدم وطبرق ، وتقع في نهاية المواقع الصالحة لحركة الآليات قبل أن يبدأ بحر الرمال، وقد وضع للدفاع عنه فيلق فرنسا الحرة، وبلغ عدد جنوده 3600جندي، حصنوا موقعهم بحوالي نصف مليون لغم. وفي يوم 6-6-1942م كانت قوات البانزر الألمانية تمزق اللواء الهندي على هضبة((أسلاف)) والدبابات البريطانية تدور حول نفسها في ارتباك وفزع، وبعد معارك ((المرجل)) الضارية تلقت قوات الحلفاء فيما بين يومي 2و9/6-1942م حوالي 1300 غارة جوية من السلاح الألماني، وانتهت المعارك بسقوط بئر حكيم في يد المحور بقيادة الجنرال((رومل)) بتاريخ 12-6-1942م وقد تكبد الفرنسيون أثناء القتال و الانسحاب 2590 جندي بين قتيل وجريح ومفقود.
معركة العلمين:
كانت معركة العملين الكبرى بداية لنهاية الحرب في شمال أفريقيا كلها، فالأعداد الهائلة التي أعدها الجنرال ((مونتجمري)) أتت بنتائج حاسمة لصالح قوات الحفاء، بدحر قوات المحور التي كانت تعاني بشدة من عدم استجابة قيادتها لتعويض الخسائر السابقة وللنقص الحاد في الوقود والتموين.
فتحت أنين هذا الوضع اشتعلت نيران المعركة الكبرى في 23-10-1942م وانتهت يوم 3-11-1942م وكانت كما قال عنها عسكريون معقدة جداً، وأن أحداثها استوعبت فصولاً طويلة من الكتب العسكرية.
وبعد انتهائها بدأت مطاردة فلول جيوش المحور، وبعد تطهير الأرض المصرية أعلن الجنرال ((مونتجمري)) قائد الجيش الثامن يوم 11-111942 م بدء الاحتلال الثالث لبرقة وظلت المطاردة مستمرة إلى أن خرج آخر جندي للمحور من الحدود الليبية إلى تونس يوم 3-2-1943م
وفي وصف القتلى الألمان بعد معركة العملين الكبرى قال فون ايزبيك:"كانت هياكل الجنود الألمان تفترش الأرض في كل مكان وكم من القادة والجنود يرقدون مع وحداتهم قرب تلة من الرمال أو كومة من الأحجار البيضاء حيث ريح القبلي و ورمالها تغطي تلك الرفاة التي ضمها لباس القتال كفنا إلى العالم الأبدي"
مدينة طبرق وسكانها:
ما كان للسكان أن يبقوا هانئين في ديارهم، بعد أن أخذت الحياة المدنية تتقلص وتتوارى لتحل محلها حياة عسكرية، وأغلقت المدينة في وجوههم بعد أن خرجوا منها طلباً للنجاة من ويلات الحرب، ثم أخرج منها الباقون قسراً، فتشتتوا بين القرى والأرياف الآمنة نسبياً، وحولت إلى مدينة عسكرية تقيم بها وتتحرك فيها جيوش المتحاربين بآلياتهم وعتادهم ودفاعاتهم. وظل احتلالها يتداول بين الطرفين، فإذا تمكن منها هذا، صب الآخر عليها جام غضبه بأسلحته الجوية والبحرية والبرية، حتى لقد قيل أنها تلقت خلال ثلاثة شهور من عام 1941م... 1000 غارة جوية من سلاح الحلفاء والمحور، وكان ذلك لتحقيق الإفادة من موقعها الحيوي ومن مينائها المتميز عسكرياً.
وأثناء الكر والفر وحصارها الشهير، تحولت شوارعها إلى دشم عسكرية وساحات معارك حربية ضارية، وامتلأت أركانها بمخازن الذخيرة والعتاد والتموين، وصارت أرضها تهتز ليلاً ونهاراً من دوي المدافع المضادة وانفجار قنابل الغارات فعم الدخان سماءها وأحرقت النيران أرجاءها، فحولت مبانيها إلى أكوام، وخرائب تعشش فيها القوارض والزواحف، وهذا ضابط يصف المدينة بعد فك الحصار فيقول ( ولم يبق منها سوى أكوام الأحجار وآثار الخرائب والجدران المحطمة والمنازل المتهدمة، وكانت القنابل الألمانية تتساقط وتنفجر في أرجائها بدون انقطاع، وكانت مشاهد التدمير تغمر المدينة وتبسط عليها أستارها الكئيبة، وتتصاعد سحب الدخان من أطرافها ومن المستودعات والمخازن الملتهبة وكان المرء يشاهد في كل مكان هياكل دبابات وسيارات تحترق ملتهبة وقد احمرت جوانبها من شدة اللهب))
وبعد توقف الحرب وابتعاد ميادينها الساخنة, ظلت عسكرة المدينة مستمرة في قبضة الجيش البريطاني، لم تكون فيها إدارة مدنية، ولم يسمح لسكانها بالعودة إليها رغم حالتها السيئة جداً، وكان العاملون من السكان يأتون إليها نهاراً ويغادرونها ليلا , لا لمزولة نشاط خاص وإنما للعمل مع الجيش البريطاني في الأعمال العامة وسط مخاطر كثيرة. ولقد كانوا كالأغراب عنها فلا دخول بدون تصاريح ولا خروج بدون تفتيش, ولا يسمح لهم بالتجول لمعرفة مصير ما كان لهم فيها ومن كان معهم، أنهم كانوا من بعيد يسترقون النظر إذا عبروا شارعا أو حيا منها، ولا يملكون حيال ما وقع عليه النظر سوى الحوقلة بمشاعر الأسف.
وعندما فتحت المدينة وسمح لسكانها بالعودة سنة 1947م، تولت بعض شؤونها الإدارة العسكرية في برقة، فعينت لها احد الضباط البريطانيين متصرفا لأمور السكان، وهذا غير ما جرى في المتصرفيات الأخرى حيث عين لها متصرفون ليبيون من قبل، فأخذت الحياة في ابسط صورها تعاد إليها، وقد خصص للسكان ، في أول الأمر، الجزء الغربي من المدينة، ومنح عدد قليل منهم قروض لترميم مساكنهم، وبنيت مدرسة وسوق صغير، وخصص لعلاج المرضى منهم ركن بمستشفى الجيش ، وطهرت المدينة من الألغام والقنابل الحية.
ومع مرور الأيام أعاد السكان حياتهم العامة، بما لا يختلف عن غيرهم في المدن الليبية المتضررة الأخرى، وسط ذكريات ومشاهد الحرب المؤلمة وما جلبت من مآسي، ووسط معاناة الفقر والعوز.
ولكن بمشاعر الفرح لانتهاء الحرب ولم شمل من كتبت لهم النجاة من أفراد الأسر، وباشراقة أمل في حياة جديدة ناهضة بعد أن انتهى الحكم الإيطالي الظالم.
وهكذا ماانفكت الحياة في طبرق والبطنان عامة تعمل ساعية لتكامل نشاطها، جاهدة لتطوير خدماتها ومرافقها وإنتاجها متطلعة إلى مراتب متقدمة من الاستقرار والنماء والازدهار.
احمد محمد القلال أضواء على معاناة البطنان وسكانه أثناء الجهاد والحرب العالمية الثانية 8/12/2006
ورقة بحثية مقدمة من الأستاذ الباحث: احمد محمد القلال إلى مؤتمر الجمعية التاريخية الذي عقد بمدينة طبرق العامين الماضيين .
عن مظالم العهد الإيطالي عامة يقول الشاعر المرحوم حسين الحلافي:
كم من مسلم بثراك طبرق قد قضى ومن السياط أديمه يتمـزق
كم ضم سجنك من برئ طــبرق يرثي الجهد له وأين المشفق
ذا بالسياط يكون مصرعــه وذا برصاصة يرمى وهذا يشنق
كانت مدينة طبرق وارض البطنان عامة ، تعيش حياة هادئة بسكان اقرب إلى حياة البدو، يعيشون عيشة متواضعة ، ويعانون من عسر الظروف السائدة، كانوا بعيدين عن التيارات السياسية ، والجري وراء الماديات الجارفة، غير أنهم متآلفون متعاونون ينتمون إلى لحمة واحدة ، أو صلات قريبة من ذلك بالانسجام أو المصاهرة أو الجوار، يعمل القليلون منهم في نشاط تجاري، و جلهم في أعمال المواشي ورعيها، وفي الزراعة الموسمية.
غير أنهم لم يكونوا بعيدين أو متهاونين دون الاشتراك في الجهاد ضد الغزو الإيطالي الغاشم، وقد أصابهم ما أصاب الليبيون عامة من بطش وقتل وتهجير.
فكم من محاكم عسكرية صورية طائرة عقدت على ارض هذه المدينة، فأصدرت ونفذت أحكام الإعدام شنقاً في مواطنين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يذودون عن حياض الوطن بالجهاد ودعم المجاهدين بقيادة شيخ الشهداء عمر المختار ورفاقه الأبرار .
وكم اختلقت من الأسباب الفاشية لمداهمة البيوت والنجوع مطاردة للرجال الوطنيين، فسجنت وقتلت أبرياء، وكم هجرت من عائلات وأسر بشيوخها ونسائها وأطفالها، رأت فيهم جذور العداء والمقاومة والخطر على بقائها واستقرارها، فجرجرتهم في طوابير طويلة مع حيواناتهم تحت حراسة مشددة و بأساليب الإهانة والتهديد، فقضى الأهالي أياما بلياليها في ظروف أعسر من العسيرة، فتوفي منهم من توفي ،ونفق من حيواناتهم ما نفق قبل أن يصلوا بهم إلى معسكرات الاعتقال.
كما حشروا منهم أعداداً كبيرة في باخرة أو بواخر صُعدوا إليها تحت جلدات السياط وخناجر البنادق، وتهديدات القتل والرمي في البحر، وكانوا كالحيوانات السامنة لا يعرفون اتجاهاً و مصيراً، ولم ينالوا من الغذاء إلا ما كان بالكاد يسد الرمق، يرمى إليهم كما ترمى فضلاته لآكليها، ولم يعيروا أي انتباه إنساني لأحوال المرضى و النساء والأطفال وأولئك الذين لم يألفوا ركوب البحر، أنها صورة أشد قتامة من سحب الدخان.
وكانت المحطة الأخيرة معسكر الاعتقال، حيث حط بهم القدر ليلقوا أشد أنواع العذابات في معسكر القهر والتجويع والموت البطيء، فقضى الآلاف منهم نحبهم مرضاً وحسرة.
و لما حُلت المعتقلات خرج الذين كتبت لهم النجاة، وقد كانوا بقايا بشرية في هياكل هزيلة البنية وجريحة بما تلقته من إهانات وما عانته من ضيم، عديمة الإمكانيات من كل شيء، تحمل ذكريات حزينة أليمة،تؤسى من له قلب ينبض بالأيمان والوطنية، وقد توالت السنوات قبل اندمال الجروح واستعادة الصحة والحياة الطبيعية . غير أنها لم تُنس وقد حُفرت في سجل التاريخ عاراً على الغزاة الظلام وذكرى للشهداء وإعزازاً للأحياء إلى أن حل يوم الثأر فاقتلعتهم رياح الحرب و رمت بجذورهم خلف البحر فصاروا أثرا بعد عين.
وبعد أن وطدت ايطاليا أركان سلطتها في البلاد، شهدت طبرق وما حولها نشاطا عسكرياً مستمرا، لم يكن له مثيلاً في ربوع ليبيا، كما أخذت مواقع كثيرة بأرض البطنان تعمر بالمطارات العسكرية والمواقع الدفاعية المختلفة، كان ذلك إعدادا لحرب قادمة واسعة. وكان هذا النشاط قد ازداد قوة وكثافة بحلول أواخر القرن الماضي.
وحينما أخذت نذر الحرب العالمية الثانية تجثم بسحبها القاتمة، سرعان ما أصبحت مدينة طبرق ومحيطها تعجان بتحركات الجيوش الإيطالية استعداد للهجوم على القوات البريطانية المعسكرة على الأرض المصرية المجاورة.
وعندما قامت الحرب باشتعال نيرانها في كثير من بلدان العالم، وجاء الدور على ليبيا بساحلها وصحرائها، صارت البطنان عامة ومدينة طبرق خاصة ميدانا واسعاً مهيئاً للمعارك الحربية، فالحكومة الإيطالية سبق لها إن أقامت استحكامات دفاعية كثيرة وحشدت قوات كبيرة، وخزنت كميات هائلة من العتاد، وبنت منشآت ومواني عسكرية لتعزيز الملاحة والدفاع، واتخذت من مدينة طبرق قاعدة لتحركات وعمليات جيوشها، وقد أنشئ حولها خط دفاعي بلغ طوله حوالي اثنين وأربعين كيلو مترا، تخللته مواقع دفاعية قوية، يمتد أمامها خندق مغطى مضاد للدبابات ومزروع بالألغام. وفي بلدة البردي وهي ميناء حربي صغير قرب الحدود المصرية أقيمت دفاعات ساحلية مضادة لمدافع الأساطيل والدبابات والطائرات يحيط بها خط محصن طوله حوالي عشرين كيلومتر فوق الهضبة الشرقية على السهل الساحلي وقد زرعت فيه الألغام وأعدت فيه مواقع دفاعية مختلفة.
ولم يعد هناك ما ينتظر قبل بدء العمليات الحربية بين ايطاليا وبريطانيا، فالحرب قد أعلنت رسميا بينهما يوم 10-6-1940م، وكل التجهيزات العسكرية قد تمت حيثما يوجد كل طرف، ولكن الحرب في الجبهة الليبية المصرية انحصرت خلال الشهور الأولى بعد إعلان الحرب، انحصرت في عمليات استطلاعية برية وبحرية وغارات جوية على مراكز التجمعات والتموين، ولفتح ثغرات في خط الأسلاك الشائكة الممتدة بين الحدود الليبية والمصرية. ثم تطور الوضع إلى شن غارات جوية وهجمات بحرية من كل طرف على مواقع الآخر في البطنان وفي مصر.
و لضغط سلاح البحرية البريطاني اضطرت الجيوش الإيطالية إلى الانسحاب من كابوتزو ((مساعد)) وما دالينا. ومع ذلك انسحبت القوات البريطانية حتى مدينة مطروح لاتخاذها خطا دفاعيا رئيساً.
واستغل الجيش الإيطالي العاشر بقيادة الجنرال ((غرسياني)) هذا الوضع، وتقدم بالتوغل في الحدود المصرية حتى وصل بلدة (سيدي براني)) وسقطت بعد هجوم سريع مما جعل السيطرة البريطانية على الشرق الأوسط في خطر، ولكن القوات الإيطالية لم تتقدم بعد ذلك، وأخذت تحصن موقعها وتعيد تنظيم جيوشها، ولهذا سمح الوقت للجنرال ((ويفل)) بالاستعداد وشن هجوم مضاد. ففي 9-12-1940م قام الجنرال ((اوكنور)) قائد قوة الصحراء الغربية بالهجوم المضاد، وكانت النتيجة هي تدمير معظم الفرق الإيطالية واستسلامها، وفي مساء يوم 11-12من نفس السنة أعاد الجيش البريطاني ((سيدي براني)) وطارد فلول الجيش الإيطالي، وبعد سقوط بلدة البردي في 15-1-1941م بلغ عدد الأسرى الإيطاليين حوالي 30.000اسير. وسقطت طبرق يوم21- من نفس الشهر والسنة وهي نقطة إسناد بري وبحري هامة جداً. واستمرت المطاردة إلى مدينة اجدابيا. ومن جهة أخرى توسعت المطاردة لتشمل الصحراء حيث توجد القوات الإيطالية فقطعت القوات البريطانية الطريق الذي يربط المخيلى ودرنة، واحتلت مطارات التميمي والغزالة وبمبة، أما المخيلى فقد كان التمسك بها شديداً لأنها نقطة التقاء الطرق الصحراوية الموصلة إلى بنغازي، فتمركزت بها قوة ((ماليتي)) الإيطالية المدرعة ولكنها هزمت بعد ذلك. ومن اجدابيا استمرت المطاردة إلى العقيلة حيث تم القضاء على الجيش العاشر، بعد أن تم اسر 133.000 جندي، و400 دبابة وعربة، و850مدفعاً. وعندئذ لم ير المارشال ((غرسياني)) بدا من الرضوخ للأمر الواقع بعد أن تبددت أحلامه، فتنازل عن قيادته للجنرال ((غاري بالدي)) الذي كان رئيساً للأركان، والذي سرعان ما خلفه الفريق باستيكور والفريق كافاليرو.
بهذه الهزيمة المنكرة لايطاليا دخل عنصر جديد في الحرب بالشمال الإفريقي والصحراء الليبية . ففي 6-12-1941م كلف ((هتلر)) الجنرال ((اروين رومل)) بقيادة حملة عسكرية لمساعدة الجيش الإيطالي المتقهقر في ليبيا للدفاع عن طرابلس التي أصبحت مهددة بالسقوط في يد بريطانيا . وفي 12-2 من نفس السنة بدأ نزول الفيلق الألماني بطرابلس تحت ستار قوي من السرية. وبتاريخ 31-3-1941م قام ((روميل)) بأول هجوم سريع أجبر القوات البريطانية على الانسحاب شرقاً إلى أن وصلت قواته المخيلى يوم 6-4-1941م ، واتخذ من خط المخيلى / درنة خطا دفاعيا، أما القوات البريطانية المنسحبة فقد تجمعت في طبرق واتخذت منها قاعدة دفاعية قوية. ولكن القوات الألمانية الإيطالية استمرت في التقدم واجتازت طبرق دون محاولة احتلالها لعلمها أنها محصنة تحصينا قويا, لهذا ضربت عليها الحصار الشهير الذي استمر ثمانية اشهر ويصفها مؤلف كتاب سنوات المصير (كانت تقف كالسد المنيع، تقوم في منتصف الصحراء القاحلة وتقع على خليج يتراوح عمق الماء فيه بين 15-20مترا، وتهيأ حماية كافية للسفن الراسية، وهذا الميناء خير مواني برقة من الناحية العسكرية. وكان من الطبيعي أن تتحول هذه المدينة إلى قلعة عسكرية محصنة. وكانت حاميتها المحاصرة تتكون من 30الف جندي تمول وتجهز باستمرار عن طريق البحر، بالرغم من القصف الجوي ليلا و نهارا على الميناء والاستحكامات .
ولفك حصار طبرق جرت على ارض البطنان معارك ضارية، تبادلت على إثرها جيوش الحلفاء والمحور النصر والهزيمة ونتج عنها الكر والفر والقتل والتشرد والعذاب والمعاناة ، ومن أهم هذه المعارك:
معركة الفأس:
خططت لها القيادة البريطانية لهجومين، الأول تمهيدي لإعادة كابوتزو و السلوم لتكونا قاعدة للهجوم التالي ، إلا أنها فشلت لعدم توفر غطاء جوي كاف، ولعدم تقدير كفاءة ((رومل)) الذي وصلت قواته إلى ممر حلفايا. أما الهجوم الكبير فقد بدأ يوم 15-6-1941م لكنه فشل أيضا. وهذه المعركة تعتبر أول معركة رئيسة بين دبابات الطرفين.
معركة الصليبي:
فشل الهجومين السابقين لفك حصار طبرق الذي طال أمده وصار وصمة عار في وجه الحلفاء رغم أن فترة الحصار لم تكن فترة هدوء بين القوات المتحاربة أدى بالقيادة البريطانية العليا إلى تعيين الجنرال (اوكنلك) خلفا للجنرال ((ويفل))فكون هذا القائد بالدمج الجيش الثامن وعين لقيادته الجنرال ((ريتشي) وقد بلغت قواته 750 ألف جندي و595 دبابة وفي ذات الوقت كانت قوات المحور بقيادة الجنرال ( رومل)تقوم بتعزيز موقعها في ممر حلفايا والسلوم والبردي. ولكن الجنرال ((ريتشي)) قائد الجيش الثامن كان مصمما على فك حصار طبرق، وظلت محاولاته مستمرة إلى ما بعد الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 1941م، حيث تم يوم9 من نفس الشهر الاستيلاء على العدم، وفي اليوم التالي سقطت عكرمة، ثم تمكنت القوة البريطانية المحاصرة من الالتحام بالقوات البريطانية الأخرى وسط معركة ضارية انتهت بفك حصار طبرق يوم 19-12-1941م بعد أن دام 245يوما.
أن فك حصار طبرق كان نصراً كبيراً لقوات الحلفاء، ولكنه لم ينه الحرب فقد كانت قوات المحور بقيادة ((رومل)) تتمركز في خط دفاع قوي في ممر حلفايا والسلوم والبردي، فقام ((ريتشي)) مصراً على كسح قوات المحور من الغزالة إلى بنغازي، فاتخذ خط الغزالة.. بئر حكيم منطلقا له.
معركة بير حكيم:
بئر حكيم نقطة في صحراء، أهميتها أنها تقع عند مفترق طريقين، اولهما طريق بئر حكيم مارا بعكرمة ومنها إلى الساحل والثاني إلى العدم وطبرق ، وتقع في نهاية المواقع الصالحة لحركة الآليات قبل أن يبدأ بحر الرمال، وقد وضع للدفاع عنه فيلق فرنسا الحرة، وبلغ عدد جنوده 3600جندي، حصنوا موقعهم بحوالي نصف مليون لغم. وفي يوم 6-6-1942م كانت قوات البانزر الألمانية تمزق اللواء الهندي على هضبة((أسلاف)) والدبابات البريطانية تدور حول نفسها في ارتباك وفزع، وبعد معارك ((المرجل)) الضارية تلقت قوات الحلفاء فيما بين يومي 2و9/6-1942م حوالي 1300 غارة جوية من السلاح الألماني، وانتهت المعارك بسقوط بئر حكيم في يد المحور بقيادة الجنرال((رومل)) بتاريخ 12-6-1942م وقد تكبد الفرنسيون أثناء القتال و الانسحاب 2590 جندي بين قتيل وجريح ومفقود.
معركة العلمين:
كانت معركة العملين الكبرى بداية لنهاية الحرب في شمال أفريقيا كلها، فالأعداد الهائلة التي أعدها الجنرال ((مونتجمري)) أتت بنتائج حاسمة لصالح قوات الحفاء، بدحر قوات المحور التي كانت تعاني بشدة من عدم استجابة قيادتها لتعويض الخسائر السابقة وللنقص الحاد في الوقود والتموين.
فتحت أنين هذا الوضع اشتعلت نيران المعركة الكبرى في 23-10-1942م وانتهت يوم 3-11-1942م وكانت كما قال عنها عسكريون معقدة جداً، وأن أحداثها استوعبت فصولاً طويلة من الكتب العسكرية.
وبعد انتهائها بدأت مطاردة فلول جيوش المحور، وبعد تطهير الأرض المصرية أعلن الجنرال ((مونتجمري)) قائد الجيش الثامن يوم 11-111942 م بدء الاحتلال الثالث لبرقة وظلت المطاردة مستمرة إلى أن خرج آخر جندي للمحور من الحدود الليبية إلى تونس يوم 3-2-1943م
وفي وصف القتلى الألمان بعد معركة العملين الكبرى قال فون ايزبيك:"كانت هياكل الجنود الألمان تفترش الأرض في كل مكان وكم من القادة والجنود يرقدون مع وحداتهم قرب تلة من الرمال أو كومة من الأحجار البيضاء حيث ريح القبلي و ورمالها تغطي تلك الرفاة التي ضمها لباس القتال كفنا إلى العالم الأبدي"
مدينة طبرق وسكانها:
ما كان للسكان أن يبقوا هانئين في ديارهم، بعد أن أخذت الحياة المدنية تتقلص وتتوارى لتحل محلها حياة عسكرية، وأغلقت المدينة في وجوههم بعد أن خرجوا منها طلباً للنجاة من ويلات الحرب، ثم أخرج منها الباقون قسراً، فتشتتوا بين القرى والأرياف الآمنة نسبياً، وحولت إلى مدينة عسكرية تقيم بها وتتحرك فيها جيوش المتحاربين بآلياتهم وعتادهم ودفاعاتهم. وظل احتلالها يتداول بين الطرفين، فإذا تمكن منها هذا، صب الآخر عليها جام غضبه بأسلحته الجوية والبحرية والبرية، حتى لقد قيل أنها تلقت خلال ثلاثة شهور من عام 1941م... 1000 غارة جوية من سلاح الحلفاء والمحور، وكان ذلك لتحقيق الإفادة من موقعها الحيوي ومن مينائها المتميز عسكرياً.
وأثناء الكر والفر وحصارها الشهير، تحولت شوارعها إلى دشم عسكرية وساحات معارك حربية ضارية، وامتلأت أركانها بمخازن الذخيرة والعتاد والتموين، وصارت أرضها تهتز ليلاً ونهاراً من دوي المدافع المضادة وانفجار قنابل الغارات فعم الدخان سماءها وأحرقت النيران أرجاءها، فحولت مبانيها إلى أكوام، وخرائب تعشش فيها القوارض والزواحف، وهذا ضابط يصف المدينة بعد فك الحصار فيقول ( ولم يبق منها سوى أكوام الأحجار وآثار الخرائب والجدران المحطمة والمنازل المتهدمة، وكانت القنابل الألمانية تتساقط وتنفجر في أرجائها بدون انقطاع، وكانت مشاهد التدمير تغمر المدينة وتبسط عليها أستارها الكئيبة، وتتصاعد سحب الدخان من أطرافها ومن المستودعات والمخازن الملتهبة وكان المرء يشاهد في كل مكان هياكل دبابات وسيارات تحترق ملتهبة وقد احمرت جوانبها من شدة اللهب))
وبعد توقف الحرب وابتعاد ميادينها الساخنة, ظلت عسكرة المدينة مستمرة في قبضة الجيش البريطاني، لم تكون فيها إدارة مدنية، ولم يسمح لسكانها بالعودة إليها رغم حالتها السيئة جداً، وكان العاملون من السكان يأتون إليها نهاراً ويغادرونها ليلا , لا لمزولة نشاط خاص وإنما للعمل مع الجيش البريطاني في الأعمال العامة وسط مخاطر كثيرة. ولقد كانوا كالأغراب عنها فلا دخول بدون تصاريح ولا خروج بدون تفتيش, ولا يسمح لهم بالتجول لمعرفة مصير ما كان لهم فيها ومن كان معهم، أنهم كانوا من بعيد يسترقون النظر إذا عبروا شارعا أو حيا منها، ولا يملكون حيال ما وقع عليه النظر سوى الحوقلة بمشاعر الأسف.
وعندما فتحت المدينة وسمح لسكانها بالعودة سنة 1947م، تولت بعض شؤونها الإدارة العسكرية في برقة، فعينت لها احد الضباط البريطانيين متصرفا لأمور السكان، وهذا غير ما جرى في المتصرفيات الأخرى حيث عين لها متصرفون ليبيون من قبل، فأخذت الحياة في ابسط صورها تعاد إليها، وقد خصص للسكان ، في أول الأمر، الجزء الغربي من المدينة، ومنح عدد قليل منهم قروض لترميم مساكنهم، وبنيت مدرسة وسوق صغير، وخصص لعلاج المرضى منهم ركن بمستشفى الجيش ، وطهرت المدينة من الألغام والقنابل الحية.
ومع مرور الأيام أعاد السكان حياتهم العامة، بما لا يختلف عن غيرهم في المدن الليبية المتضررة الأخرى، وسط ذكريات ومشاهد الحرب المؤلمة وما جلبت من مآسي، ووسط معاناة الفقر والعوز.
ولكن بمشاعر الفرح لانتهاء الحرب ولم شمل من كتبت لهم النجاة من أفراد الأسر، وباشراقة أمل في حياة جديدة ناهضة بعد أن انتهى الحكم الإيطالي الظالم.
وهكذا ماانفكت الحياة في طبرق والبطنان عامة تعمل ساعية لتكامل نشاطها، جاهدة لتطوير خدماتها ومرافقها وإنتاجها متطلعة إلى مراتب متقدمة من الاستقرار والنماء والازدهار.
ابن الباديه- لواء
-
عدد المشاركات : 1788
العمر : 60
رقم العضوية : 648
قوة التقييم : 34
تاريخ التسجيل : 24/10/2009
رد: البطنان وسكانه والحرب العالمية الثانيه
معلومات قيمة اخى لك الف شكر
فرج احميد- مستشار
-
عدد المشاركات : 17243
العمر : 62
رقم العضوية : 118
قوة التقييم : 348
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: البطنان وسكانه والحرب العالمية الثانيه
مشكور على هذا الموضوع الرائع
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» بالفيديو بنغازي والحرب العالمية الثانية
» حارسات نجل القذافي يثرن انتباه سواح الأقصر وسكانه
» الحب والحرب مفهومان لا يقبلان الخطأ!
» حوادث السير في ليبيا والحرب الغير معلنة
» القذافي يتكلم - أسرار الحكم والحرب والثورة - الحلقة الثالثة
» حارسات نجل القذافي يثرن انتباه سواح الأقصر وسكانه
» الحب والحرب مفهومان لا يقبلان الخطأ!
» حوادث السير في ليبيا والحرب الغير معلنة
» القذافي يتكلم - أسرار الحكم والحرب والثورة - الحلقة الثالثة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR