إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي (1911 1942)
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي (1911 1942)
بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي (1911 1942)
محاولة لاعادة تشكيل تاريخ مدينة.. واعادة تركيب لممارسات ايطاليا الفظيعة ومذابحها ومعسكرات الاعتقال
المدرسون اثناء الاستعمار كانوا الطبقة النيرة التي حافظت علي العربية وثقافتها في ظروف صعبة ومعادية.
عرض: محمد عوض الشارف
**********************
تسير الدارسات التاريخية الخاصة بالتاريخ الليبي سيرًا متعثرًا؛ فثمة منطقة فراغ تاريخي في الذاكرة الليبية بعضها سقط هملا، وبعضها أسقط عمدا بعوامل التعرية المختلفة، وما بين الإهمال والعمد يأتي كتاب الأستاذ وهبي البوري الموسوم ب (بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي) ليملأ فراغًا مهمًا في المكتبة التاريخية الليبية، وقد صدرت طبعته الأولي عن مجلس تنمية الإبداع الثقافي في ليبيا عام 2004م وعدد صفحاته خمسٌ وخمسون وثلاثمئة.
الكتاب متميز في مادته العلمية، ومصدر تميزه أن المؤلف أدرك بعض الشيوخ الذين شاهدوا أو شاركوا في الأحداث التي يؤرخ لها الكتاب، كما أنه كان شاهدًا علي بعضها، إضافة إلي إجادة المؤلف للغة الإيطالية.
ويؤرخ الكتاب لمدينة بنغازي أثناء الاحتلال الإيطالي، ويرصد أهم معارك الجهاد ومجمل حركة الأحداث السياسية و التطورات العمرانية والاقتصادية والدستورية، وبعض ملامح الحياة الثقافية والاجتماعية. وقد جمع بين الرواية الشفوية ، والشعر الشعبي الذي جسد آلام وآمال تلك الفترة.
*****
الأستاذ وهبي البوري أحد الرواد في الثقافة والسياسة في ليبيا، وصاحب معرفة عميقة جمعت بين الثقافة والسياسة؛ فعطاؤه الثقافي لم ينضب منذ ما يناهز سبعين عامًا، وتنوع بين الأدب والتاريخ والترجمة، وولج غمار السياسة من موقع المثقف، فتعددت مسؤولياته السياسية والدبلوماسية في العهد الملكي؛ فكان وزيرًا للخارجية عام 1957م، ومندوبًا للأمم المتحدة عام 1963م، وخبرته الواسعة نجد ثمارها في أضعاف هذا الكتاب.
يقرر المؤلف في المقدمة أن تاريخ بنغازي لم يكتب بعد بصورة واضحة رُغم الجهود المبذولة لكتابة تاريخها الممتد إلي أكثر من خمسة وعشرين قرنًا، ولعله من المفيد لو ذكر المصادر والمراجع التي تؤرخ للمدينة، ويضيف إلي ذلك أن بنغازي اشتهرت : بالكرم والنخوة وإيواء الغريب ... مع أن سكان بنغازي ينتمون إلي قبائل ومناطق مختلفة غير أن انتماءهم لها أقوي وأمتن من انتمائهم إلي مواطنهم الأصلية .
والكتاب كما يقول مؤلفه هو: محاولة متواضعة لإعادة بناء حياة بنغازي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية خلال فترة الاستعمار الإيطالي التي دامت ثلاثين عامًا .
يتكون الكتاب من قسمين: الأول يتضمن الأحداث الحربية والمآسي الطبيعية وشراسة الممارسات الإيطالية وحياة السكان الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك فترات الهدوء والحوار من بداية الاحتلال حتي نهاية المقاومة. والقسم الثاني يبدأ بعهد (بالبو) وتكوين الضفة الرابعة وتحقيق ما عجزت إيطاليا عن تحقيقه خلال العشرين سنة الماضية وكذلك سياسة (بالبو) الإسلامية ومحاولاته الفاشلة في تحويل العرب إلي إيطاليين من الدرجة الثانية ويتضمن هذا القسم ما مر ببنغازي من مآسٍ خلال الحرب وتحويلها إلي مدينة أشباح خربة .
ويكشف المؤلف عن محاولة الاستعمار الإيطالي تغييب الذاكرة الليبية وتجفيف ينابيعها، وأن إيطاليا في فترة من الفترات سمحت : لباحثين ليبيين في أول الأمر بالاطلاع علي محفوظات وزارة الخارجية الإيطالية، وكنت أحد الذين تحصلوا علي إذن بالاطلاع علي هذه الملفات، غير أنني عندما طلبت ملفات معينة وجدتها شبه خالية مما يدل علي أن الأيدي عبثت بها، أو أن المسؤولين سحبوا الوثائق المحرجة لإيطاليا، فالحكومة الإيطالية حتي اليوم لا ترضي بإدانة ما ارتكبه ولاتها وقادتها من جرائم في ليبيا أو الاعتذار عنها ، وقد منع بداية من عام 1984 الاطلاعُ علي ملفات وزارتي الخارجية وإفريقيا الإيطالية في الفترة بين عامي 1930 1940 .
ومما يجدر ذكره أن إيطاليا مارست في ليبيا سياسة الأرض المحروقة والأسلحة المحرمة، والفترة التي تصر الحكومة الإيطالية علي تغييبها اقترفت إيطاليا خلالها جريمة إبادة من أبشع الجرائم الإنسانية ؛ عندما أقام الاستعمار الإيطالي معسكرات اعتقال جماعية للأهالي بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم، بله مواشيهم، وبلغ عدد المعتقلين مئة ألف، خرج منهم خمسة وثلاثون ألفًا أحياءً!!.
*****
الهولوكوست الليبي
هذه المأساة الإنسانية أسماها بحق الدكتور/ علي عبداللطيف حميدة الهولوكست الإيطالي في ليبيا.
ويذكر الأستاذ وهبي بناء علي ما صرح به عدد من المعتقلين في معتقلات الموت الرهيبة أن عربة الموت كانت: تمر كل يوم علي الخيام لأخذ الموتي الذين كان عددهم في تزايد، وعجز بعض الناس عن الوقوف علي أقدامهم لدفن أعزائهم . ص 174.
إن التكتم الإيطالي لا يعفي أنظمة الحكم في ليبيا، منذ الاستقلال عام 1951، من تحمّل مسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية عن عدم ظهور هذه الحقيقة المُغَيَبة ، فدم أجدادنا ليس دمًا أبيضَ حتي يبقي مطمورًا بغبار الزمن!!.
*****
سخريات الشاعر احمد رفيق المهدوي
ويتحدث المؤلف عن المقاومة السلبية للشباب المثقف، وعن سخرية الشاعر أحمد رفيق المهدوي (1898 1961) من صحيفة (بريد برقة) التي تصدرها الحكومة الإيطالية، فيقول:
ويتناول الكتاب الحياة السياسية والثقافية في بنغازي، والحزب الدستوري الذي أسسه محمد طاهر المحيشي عام 1920، وكان بعض الإيطاليين المعادين للفاشية يشبهون شيخ الشهداء عمر المختار ب (غاريبالدي) موحد إيطاليا في القرن التاسع عشر. وعند دخول الجنود الإيطاليين في صباح 20/10/1911 إلي مدينة بنغازي بقيادة نقيب يدعي بيانكو تحضر فراسة الشاعر الشعبي واعدة ومحذرة ص 30:
*****
صفحة الكتاب الأخيرة تتحدث عن هزيمة القوات الإيطالية وعودة الناس إلي بيوتهم وهم معدومون لا يملكون إلا القليل من حطام الدنيا، واصفة همة وإخلاص رجال تلك المرحلة:
فشمروا عن سواعدهم وقاموا بترميم مساكنهم ثم شرعوا في إعادة بناء بنغازي بسواعدهم ودون الاعتماد علي عامل أجنبي واحد ، وعند قراءتي هذا النص وقفت متأملا بين لحظة الحاضر؛ الذي تحولت فيه حاضنة ضمير ليبيا عمر المختار إلي الأرض اليباب ، ونموذجًا لمسرح العابثين ، وبين الماضي الذي قدم فيه جيل الفداء علي الرغم من قلة ذات اليد كل ما يملك لأجل البناء، ذلك الماضي الذي كان أحد دعائمه ونجبائه الأديب الدكتور/ علي الساحلي الذي جادت ملكته الأدبية بقصيدة في وصف بنغازي وأهلها، منها:
صفحات من كتاب بنغازي في فترة الاستعمار الايطالي
*****
النهضة الثقافية في بنغازي
لم تغير ايطاليا طيلة فترة استعمارها سياستها التعليمية ولم تعدلها الي الافضل، فقد ظل التعليم الخاص بالعرب مقتصرا علي المرحلة الابتدائية وثلاث سنوات اخري بمدرسة الصنائع، ولم يكن سهلا علي الناس الحاق ابنائهم بمدارس خارجية باستثناء قلة من المقتدرين، ومع ذلك فان ليبيا كجزء من العالم العربي لم تقطع صلتها بلغتها وتراثها رغم المتغيرات السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة عبر القرون.
ووجدت ايطاليا وقت الاحتلال مدارس وصحفاً ومعاهد دينية كما وجدت نخبة من العلماء والمثقفين حافظوا علي التراث العربي رغم ما مرت به البلاد من احداث ومتغيرات، غير ان الجيل الذي ولد وترعرع في فترة الاحتلال تعرض لطغيان موجة الثقافة الايطالية التي استهوته وتقبلها، غير انه في نفس الوقت اراد ان لا يفقد هويته وقد وجد في الجيل الذي سبقه من امسك بيده وعزز ارتباطه بماضيه. وفتح المثقفون والعلماء قلوبهم وبيوتهم لمساعدة الراغبين في تعلم لغتهم وادابها واصول دينهم. وكان من بين هؤلاء الافاضل الشيخ رجب عثمان والشيخ احمد مرسي والشيخ بو ختالة والشيخ الصفراني والشيخ خليل الكوافي وغيرهم من الافاضل الذين لم تسعفنا الذاكرة باسمائهم. ولا شك ان هذه المبادرات الفردية كان لها تأثيرها الايجابي وشجعت علي احياء اللغة والثقافة العربية التي ظلت كالنار الخامدة تحت الرماد تنتظر من يحركها لتستعيد اشتعالها. وفي اعتقادنا ان عدة عوامل قد ساهمت في بعث الثقافة العربية والاهتمام بها:
اولا: دور الصحافة المصرية التي كانت تصل بنغازي بصورة غير منتظمة، وقد اقبلت الطبقة المتعلمة وخاصة الشباب، علي قراءة مجلات الرسالة والهلال وابوللو التي كان يكتب بها في تلك الفترة عمالقة الادب العربي، وكانوا يناقشون مقالاتهم في جلساتهم وسهراتهم وكان تأثيرها عليهم عظيما.
ثانيا: الرغبة في العودة الي الاصل والتمسك بالتراث في وجه الغزو الثقافي الايطالي وسياسة التمييز العنصري.
ثالثا: صدور مجلة ليبيا المصورة في اواخر عام 1935 التي ارادها المستعمر بوقا للدعاية لتحقيق اغراضه فتحولت تدريجيا الي مجلة عربية حافلة بالشعر والمقالات الادبية والتاريخية والقصة الليبية، ووجد المثقفون فيها الوسيلة لنقل اشعارهم وافكارهم الي غيرهم من المواطنين وساهم فيها الكثير من الكتاب من طرابلس ودرنة وغيرها من البلاد الليبية.
رابعا: وجود احمد رفيق المهدوي في بنغازي.
يعتبر احمد رفيق قاعدة اساسية في بناء النهضة الثقافية الحديثة في ليبيا وقد بدأ دوره في هذا الميدان عندما كان لا يزال في مقتبل العمر وقد سر آنذاك بانتصار مصطفي كمال علي اليونان ذلك النصر الذي هز العالم العربي والاسلامي فنظم قصيدته التي تحدثنا عنها في اوائل الكتاب.
وبالرغم من ان احمد رفيق اضطر الي الابتعاد عن الوطن والاقامة في تركيا مرتين، الاولي في العشرينيات، والثانية في الثلاثينيات، الا ان صلته باصدقائه لم تنقطع وظلت تصلهم اشعاره حاملة معها حنيته واشواقه للوطن ومشاعر الاسي والألم لفراقه. ومن المعتقد ان تأثير احمد رفيق في الحركة الثقافية ظهر بصورة اكثر وضوحا في فترة الثلاثينيات التي نظم فيها اجمل وابلغ قصائده، فقد وجد امامه بوادر نهضة ادبية ووجد العديد من الشبان المولعين بالشعر والادب يلتفون حوله ويدفعونه الي المزيد من العطاء الفكري.
لقد كان رفيق مدرسة قائمة بذاتها، فقد جمع بين الشعر والادب والوطنية والاباء والشمم، واصبح مثلا وقدوة للشباب، وكان شعراء درنة وطرابلس علي صلة به وفي مساجلات معه، وعندما دعي لزيارة درنة اعجب بجمالها وبخلق اهلها وانشد فيها قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
وكانت قهوة البحر (قهوة الشاطئ) الواقعة في آخر شارع عصمان، ملتقي الشعراء الناشئين ومحبي الادب، وكانت المكان المفضل الذي كان يقضي فيه رفيق جلساته مع اصدقائه والذي شاهد مولد بعض قصائده، ووصف رفيق قهوة الشاطئ بعدة ابيات مطلعها:
ولم تعرف بنغازي لا في العهد التركي ولا في العهد الايطالي اية مكتبة عامة يستطيع الباحثون والمثقفون الرجوع اليها عند الحاجة، في حين انشأت الحكومة مكتبة ايطالية تضم عشرين الف مجلد ومكتبة للآثار تضم ايضا عشرين الف مجلد بالاضافة الي مكتبات البلدية والزراعة وغيرها ولم يعملوا علي تأسيس اية مكتبة عربية في المدينة.
غير ان بعض المثقفين ورجال العلم كانت لديهم مكتبات تتفاوت في محتوياتها الا انها كانت توفر للباحث بعض ما كان يحتاجه.
وكانت المكتبة الوحيدة في بنغازي لبيع الكتب والصحف هي مكتبة محمد علي بوقعيقيص الواقعة في ميدان الحداد، وكانت شبه مركز ثقافي بقصده المثقفون لشراء حاجتهم من الكتب والمجلات وللقاء زملائهم واصدقائهم، وكان صاحب المكتبة يبذل جهدا وتضحيات ليوفر للمدينة ما امكن من مطبوعات عربية وقد ادت هذه المكتبة خدمات جليلة لادباء بنغازي ومثقفيها.
وانشأ عوض زاقوب مكتبة اخري في سوق الظلام ساهمت بدورها في استيراد وتوزيع المطبوعات العربية التي زاد عليها الاقبال.
انزعجت السلطات الايطالية من نشاط احمد رفيق المهدوي ومن آرائه وافكاره وتأثيرها في الشباب، فأمرت بابعاده، وكان يوم رحيله من بنغازي يوما مشهودا حيث جاءت جموع من اهل المدينة لوداعه وكانت مظاهرة صامتة ضد الاجراء الايطالي ودليلا علي المكانة التي كان رفيق يحتلها في قلوب مواطنيه.
وقد ودع رفيق وطنه بثلاث قصائد الاولي مطلعها:
ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن الثقافة والمثقفين ان نذكر بكل اعتزاز الأوائل من الادباء الذين كونوا هذا الجيل فكريا وعلموه وزرعوا فيه روح الاعتزاز باللغة والثقافة العربية وكان عطاؤهم لا حدود له، وهم الشيخ السنوسي المرتضي الذي يدين له بالفضل معظم ابناء بنغازي، والاساتذة مصطفي دريزة وباكير بادي وعلي الشركسي وحسين اشرف وحسني فوزي الأمير، ومصطفي الطياش وحسين فليفلة ومحمد عباس، وغيرهم ممن لم تسعفنا الذاكرة باسمائهم.
من الصعب مقارنة الحركة الثقافية المتواضعة والمتهيبة التي قامت في ليبيا في الثلاثينيات مع الحركات المتشابهة التي قامت في الاقطار العربية الاخري لاختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والخلفيات. لقد قامت الحركة الليبية في ظل حكم استعماري جائر اعلن الحرب بصراحة علي اللغة والثقافة العربية وفي مواجهة غزو ثقافي ايطالي جارف، وندرك من هذا المنطلق مبلغ المشاق والصعوبات والجهود التي بذلت من أجل ربط الجيل الناشئ بلغته وتراثه، ومن المعتقد ان سياسة التمييز العنصري المذلة قد دفعت بالشباب الي الاهتمام بلغتهم وحضارتهم وتراثهم وذلك كرد فعل طبيعي ومظهر من مظاهر التحدي.
ومن المعروف أنه لم تكن تتوفر ببنغازي في تلك الفترة الاسباب والسبل المساعدة علي تنمية المعرفة وتوسيع الافق الثقافي، فقد كان علي المثقفين الناشئين ان يعتمدوا علي انفسهم وعلي اصدقائهم واساتذتهم لتنمية مداركهم اللغوية والثقافية.
وهناك واقع لا يمكن انكاره وهو المجهود الذي قام به في هذه المرحلة المدرسون الذين انتشروا في جميع انحاء البلاد والذين غرسوا في تلاميذهم روح الاعتزاز باللغة العربية والاقبال علي تعلمها. وكانوا في الغالب يتجاوزون المنهاج المقرر ومرامي سياسة ايطاليا في حصر تعليم العرب في تعلم مبادئ اللغة العربية وبعض سور من القرآن الكريم.
لقد كان المدرسون، خلال فترة الاستعمار الايطالي في جميع انحاء ليبيا، الطبقة النيرة التي دافعت وحافظت علي اللغة والثقافة العربية في ظروف صعبة معادية وكان لهم فضل المساهمة في مولد النهضة الثقافية الحديثة في ليبيا.
محاولة لاعادة تشكيل تاريخ مدينة.. واعادة تركيب لممارسات ايطاليا الفظيعة ومذابحها ومعسكرات الاعتقال
المدرسون اثناء الاستعمار كانوا الطبقة النيرة التي حافظت علي العربية وثقافتها في ظروف صعبة ومعادية.
عرض: محمد عوض الشارف
**********************
تسير الدارسات التاريخية الخاصة بالتاريخ الليبي سيرًا متعثرًا؛ فثمة منطقة فراغ تاريخي في الذاكرة الليبية بعضها سقط هملا، وبعضها أسقط عمدا بعوامل التعرية المختلفة، وما بين الإهمال والعمد يأتي كتاب الأستاذ وهبي البوري الموسوم ب (بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي) ليملأ فراغًا مهمًا في المكتبة التاريخية الليبية، وقد صدرت طبعته الأولي عن مجلس تنمية الإبداع الثقافي في ليبيا عام 2004م وعدد صفحاته خمسٌ وخمسون وثلاثمئة.
الكتاب متميز في مادته العلمية، ومصدر تميزه أن المؤلف أدرك بعض الشيوخ الذين شاهدوا أو شاركوا في الأحداث التي يؤرخ لها الكتاب، كما أنه كان شاهدًا علي بعضها، إضافة إلي إجادة المؤلف للغة الإيطالية.
ويؤرخ الكتاب لمدينة بنغازي أثناء الاحتلال الإيطالي، ويرصد أهم معارك الجهاد ومجمل حركة الأحداث السياسية و التطورات العمرانية والاقتصادية والدستورية، وبعض ملامح الحياة الثقافية والاجتماعية. وقد جمع بين الرواية الشفوية ، والشعر الشعبي الذي جسد آلام وآمال تلك الفترة.
*****
الأستاذ وهبي البوري أحد الرواد في الثقافة والسياسة في ليبيا، وصاحب معرفة عميقة جمعت بين الثقافة والسياسة؛ فعطاؤه الثقافي لم ينضب منذ ما يناهز سبعين عامًا، وتنوع بين الأدب والتاريخ والترجمة، وولج غمار السياسة من موقع المثقف، فتعددت مسؤولياته السياسية والدبلوماسية في العهد الملكي؛ فكان وزيرًا للخارجية عام 1957م، ومندوبًا للأمم المتحدة عام 1963م، وخبرته الواسعة نجد ثمارها في أضعاف هذا الكتاب.
يقرر المؤلف في المقدمة أن تاريخ بنغازي لم يكتب بعد بصورة واضحة رُغم الجهود المبذولة لكتابة تاريخها الممتد إلي أكثر من خمسة وعشرين قرنًا، ولعله من المفيد لو ذكر المصادر والمراجع التي تؤرخ للمدينة، ويضيف إلي ذلك أن بنغازي اشتهرت : بالكرم والنخوة وإيواء الغريب ... مع أن سكان بنغازي ينتمون إلي قبائل ومناطق مختلفة غير أن انتماءهم لها أقوي وأمتن من انتمائهم إلي مواطنهم الأصلية .
والكتاب كما يقول مؤلفه هو: محاولة متواضعة لإعادة بناء حياة بنغازي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية خلال فترة الاستعمار الإيطالي التي دامت ثلاثين عامًا .
يتكون الكتاب من قسمين: الأول يتضمن الأحداث الحربية والمآسي الطبيعية وشراسة الممارسات الإيطالية وحياة السكان الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك فترات الهدوء والحوار من بداية الاحتلال حتي نهاية المقاومة. والقسم الثاني يبدأ بعهد (بالبو) وتكوين الضفة الرابعة وتحقيق ما عجزت إيطاليا عن تحقيقه خلال العشرين سنة الماضية وكذلك سياسة (بالبو) الإسلامية ومحاولاته الفاشلة في تحويل العرب إلي إيطاليين من الدرجة الثانية ويتضمن هذا القسم ما مر ببنغازي من مآسٍ خلال الحرب وتحويلها إلي مدينة أشباح خربة .
ويكشف المؤلف عن محاولة الاستعمار الإيطالي تغييب الذاكرة الليبية وتجفيف ينابيعها، وأن إيطاليا في فترة من الفترات سمحت : لباحثين ليبيين في أول الأمر بالاطلاع علي محفوظات وزارة الخارجية الإيطالية، وكنت أحد الذين تحصلوا علي إذن بالاطلاع علي هذه الملفات، غير أنني عندما طلبت ملفات معينة وجدتها شبه خالية مما يدل علي أن الأيدي عبثت بها، أو أن المسؤولين سحبوا الوثائق المحرجة لإيطاليا، فالحكومة الإيطالية حتي اليوم لا ترضي بإدانة ما ارتكبه ولاتها وقادتها من جرائم في ليبيا أو الاعتذار عنها ، وقد منع بداية من عام 1984 الاطلاعُ علي ملفات وزارتي الخارجية وإفريقيا الإيطالية في الفترة بين عامي 1930 1940 .
ومما يجدر ذكره أن إيطاليا مارست في ليبيا سياسة الأرض المحروقة والأسلحة المحرمة، والفترة التي تصر الحكومة الإيطالية علي تغييبها اقترفت إيطاليا خلالها جريمة إبادة من أبشع الجرائم الإنسانية ؛ عندما أقام الاستعمار الإيطالي معسكرات اعتقال جماعية للأهالي بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم، بله مواشيهم، وبلغ عدد المعتقلين مئة ألف، خرج منهم خمسة وثلاثون ألفًا أحياءً!!.
*****
الهولوكوست الليبي
هذه المأساة الإنسانية أسماها بحق الدكتور/ علي عبداللطيف حميدة الهولوكست الإيطالي في ليبيا.
ويذكر الأستاذ وهبي بناء علي ما صرح به عدد من المعتقلين في معتقلات الموت الرهيبة أن عربة الموت كانت: تمر كل يوم علي الخيام لأخذ الموتي الذين كان عددهم في تزايد، وعجز بعض الناس عن الوقوف علي أقدامهم لدفن أعزائهم . ص 174.
إن التكتم الإيطالي لا يعفي أنظمة الحكم في ليبيا، منذ الاستقلال عام 1951، من تحمّل مسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية عن عدم ظهور هذه الحقيقة المُغَيَبة ، فدم أجدادنا ليس دمًا أبيضَ حتي يبقي مطمورًا بغبار الزمن!!.
*****
سخريات الشاعر احمد رفيق المهدوي
ويتحدث المؤلف عن المقاومة السلبية للشباب المثقف، وعن سخرية الشاعر أحمد رفيق المهدوي (1898 1961) من صحيفة (بريد برقة) التي تصدرها الحكومة الإيطالية، فيقول:
..........
ألم يبلغك ما قال البريد .. هراء لا يضر ولا يفيد .. مسيلمة الجرائد ما تنبأ .. وزاد كفره كفر شديد .. إذا جاؤوا إليك به فعجل .. إلي الكانون يصحبك الوقيد
..........
ويعرج المؤلف علي حي البركة؛ فقد أنشأت إيطاليا فيه أول خط هاتفي عام 1921، وأقامت عام 1928 معسكر (الدوقا دوستا)، وهو بجانب جريدة الحقيقة ، وهي صحيفة سياسية ثقافية مستقلة، ولدت في زمن الزهو الثقافي في ليبيا عام 1964، ومضت في سبيلها موؤودة عام 1972 .ويتناول الكتاب الحياة السياسية والثقافية في بنغازي، والحزب الدستوري الذي أسسه محمد طاهر المحيشي عام 1920، وكان بعض الإيطاليين المعادين للفاشية يشبهون شيخ الشهداء عمر المختار ب (غاريبالدي) موحد إيطاليا في القرن التاسع عشر. وعند دخول الجنود الإيطاليين في صباح 20/10/1911 إلي مدينة بنغازي بقيادة نقيب يدعي بيانكو تحضر فراسة الشاعر الشعبي واعدة ومحذرة ص 30:
..........
خيط العرب واعر عليك سكونه .. يا (بيانكو) ياما تعاني دونه
..........
وبعد خروج إيطاليا مهزومة عام 1942م يحضر الشعر الشعبي مؤكدًا صدق مقولته في كلمات تنضح سخرية ص 343 :..........
هابا يامرمي الدفاتر .. شورك فاتر .. يللي كنت علينا قادر .. هابا يا مرمي المدافع .. مانك نافع .. حتي والألمان عليك يدافع..........
ونظم الشاعر أحمد رفيق المهدوي قصيدة بعد انتصار تركيا بقيادة أتاتورك علي اليونان، وقد أثار هذا الانتصار في بداية الأمر موجة من الفرح والسرور ص 80:
..........
صلوا ياأهل الكمال .. علي النبي باهي الجمال .. نسأل المولي تعالي .. يحفظ الغازي كمال
..........
ونري تأزم وعي النخب الإسلامية في حينها بين انتصار تركيا علي اليونان، وفقدان الخلافة الإسلامية كرمز لوحدة المسلمين في شعر أحمد شوقي في بائية مطلعها :
..........
الله أكبر كم في الفتح من عجب .. ياخالد الترك جدد خالد العرب
..........
وعندما أسفر أتاتورك عن حقيقة انتمائه العقائدي والفكري رثي أمير الشعراء الخلافة بقوله:
..........
عادت أغاني العرس رجع نُواح .. ونُعيت بين معالم الأفراح .. كُفنتِ في ليل الزفاف بثوبه .. ودُفنت عند تبلج الإصباح
ونظم الشاعر أحمد رفيق المهدوي قصيدة بعد انتصار تركيا بقيادة أتاتورك علي اليونان، وقد أثار هذا الانتصار في بداية الأمر موجة من الفرح والسرور ص 80:
..........
صلوا ياأهل الكمال .. علي النبي باهي الجمال .. نسأل المولي تعالي .. يحفظ الغازي كمال
..........
ونري تأزم وعي النخب الإسلامية في حينها بين انتصار تركيا علي اليونان، وفقدان الخلافة الإسلامية كرمز لوحدة المسلمين في شعر أحمد شوقي في بائية مطلعها :
..........
الله أكبر كم في الفتح من عجب .. ياخالد الترك جدد خالد العرب
..........
وعندما أسفر أتاتورك عن حقيقة انتمائه العقائدي والفكري رثي أمير الشعراء الخلافة بقوله:
..........
عادت أغاني العرس رجع نُواح .. ونُعيت بين معالم الأفراح .. كُفنتِ في ليل الزفاف بثوبه .. ودُفنت عند تبلج الإصباح
..........
عودة الناس وهزيمة ايطاليا*****
صفحة الكتاب الأخيرة تتحدث عن هزيمة القوات الإيطالية وعودة الناس إلي بيوتهم وهم معدومون لا يملكون إلا القليل من حطام الدنيا، واصفة همة وإخلاص رجال تلك المرحلة:
فشمروا عن سواعدهم وقاموا بترميم مساكنهم ثم شرعوا في إعادة بناء بنغازي بسواعدهم ودون الاعتماد علي عامل أجنبي واحد ، وعند قراءتي هذا النص وقفت متأملا بين لحظة الحاضر؛ الذي تحولت فيه حاضنة ضمير ليبيا عمر المختار إلي الأرض اليباب ، ونموذجًا لمسرح العابثين ، وبين الماضي الذي قدم فيه جيل الفداء علي الرغم من قلة ذات اليد كل ما يملك لأجل البناء، ذلك الماضي الذي كان أحد دعائمه ونجبائه الأديب الدكتور/ علي الساحلي الذي جادت ملكته الأدبية بقصيدة في وصف بنغازي وأهلها، منها:
..........
قالوا هنا بنغازي قلت وهل سوي .. بنغازي ملعب صبوتي ومراحي .. بنغازي مهد طفولتي وفتوتي .. ورجولتي وكهولتي وكفاحي .. أزكي من الريحان ريح سباخها .. بل من أريج المسك والتفاح
..........
إلي أن يقول، رحمه الله :
..........
إلي أن يقول، رحمه الله :
..........
يتسابقون إلي المكارم والعلا .. وإلي فعل الخير والإصلاح .. لا يرهبون الموت عند حدودها .. يفدونها بالمال والأرواح .. كم بينهم أعتز عند لقائهم .. من إخوة غُر الوجوه صباح .. أزهو بصحبتهم وأفخر شامخا .. سيان في فرح وفي أتراح
..........
هذه السطور لا تفي بحق الكتاب، فهو من الكتب المهمة، والمؤسِّسة للذاكرة البنغازية، وحبذا لو خلا من التصحيفات المطبعية ، وازدان بالفهارس التوضيحية والصور التاريخية. صفحات من كتاب بنغازي في فترة الاستعمار الايطالي
*****
النهضة الثقافية في بنغازي
لم تغير ايطاليا طيلة فترة استعمارها سياستها التعليمية ولم تعدلها الي الافضل، فقد ظل التعليم الخاص بالعرب مقتصرا علي المرحلة الابتدائية وثلاث سنوات اخري بمدرسة الصنائع، ولم يكن سهلا علي الناس الحاق ابنائهم بمدارس خارجية باستثناء قلة من المقتدرين، ومع ذلك فان ليبيا كجزء من العالم العربي لم تقطع صلتها بلغتها وتراثها رغم المتغيرات السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة عبر القرون.
ووجدت ايطاليا وقت الاحتلال مدارس وصحفاً ومعاهد دينية كما وجدت نخبة من العلماء والمثقفين حافظوا علي التراث العربي رغم ما مرت به البلاد من احداث ومتغيرات، غير ان الجيل الذي ولد وترعرع في فترة الاحتلال تعرض لطغيان موجة الثقافة الايطالية التي استهوته وتقبلها، غير انه في نفس الوقت اراد ان لا يفقد هويته وقد وجد في الجيل الذي سبقه من امسك بيده وعزز ارتباطه بماضيه. وفتح المثقفون والعلماء قلوبهم وبيوتهم لمساعدة الراغبين في تعلم لغتهم وادابها واصول دينهم. وكان من بين هؤلاء الافاضل الشيخ رجب عثمان والشيخ احمد مرسي والشيخ بو ختالة والشيخ الصفراني والشيخ خليل الكوافي وغيرهم من الافاضل الذين لم تسعفنا الذاكرة باسمائهم. ولا شك ان هذه المبادرات الفردية كان لها تأثيرها الايجابي وشجعت علي احياء اللغة والثقافة العربية التي ظلت كالنار الخامدة تحت الرماد تنتظر من يحركها لتستعيد اشتعالها. وفي اعتقادنا ان عدة عوامل قد ساهمت في بعث الثقافة العربية والاهتمام بها:
اولا: دور الصحافة المصرية التي كانت تصل بنغازي بصورة غير منتظمة، وقد اقبلت الطبقة المتعلمة وخاصة الشباب، علي قراءة مجلات الرسالة والهلال وابوللو التي كان يكتب بها في تلك الفترة عمالقة الادب العربي، وكانوا يناقشون مقالاتهم في جلساتهم وسهراتهم وكان تأثيرها عليهم عظيما.
ثانيا: الرغبة في العودة الي الاصل والتمسك بالتراث في وجه الغزو الثقافي الايطالي وسياسة التمييز العنصري.
ثالثا: صدور مجلة ليبيا المصورة في اواخر عام 1935 التي ارادها المستعمر بوقا للدعاية لتحقيق اغراضه فتحولت تدريجيا الي مجلة عربية حافلة بالشعر والمقالات الادبية والتاريخية والقصة الليبية، ووجد المثقفون فيها الوسيلة لنقل اشعارهم وافكارهم الي غيرهم من المواطنين وساهم فيها الكثير من الكتاب من طرابلس ودرنة وغيرها من البلاد الليبية.
رابعا: وجود احمد رفيق المهدوي في بنغازي.
يعتبر احمد رفيق قاعدة اساسية في بناء النهضة الثقافية الحديثة في ليبيا وقد بدأ دوره في هذا الميدان عندما كان لا يزال في مقتبل العمر وقد سر آنذاك بانتصار مصطفي كمال علي اليونان ذلك النصر الذي هز العالم العربي والاسلامي فنظم قصيدته التي تحدثنا عنها في اوائل الكتاب.
وبالرغم من ان احمد رفيق اضطر الي الابتعاد عن الوطن والاقامة في تركيا مرتين، الاولي في العشرينيات، والثانية في الثلاثينيات، الا ان صلته باصدقائه لم تنقطع وظلت تصلهم اشعاره حاملة معها حنيته واشواقه للوطن ومشاعر الاسي والألم لفراقه. ومن المعتقد ان تأثير احمد رفيق في الحركة الثقافية ظهر بصورة اكثر وضوحا في فترة الثلاثينيات التي نظم فيها اجمل وابلغ قصائده، فقد وجد امامه بوادر نهضة ادبية ووجد العديد من الشبان المولعين بالشعر والادب يلتفون حوله ويدفعونه الي المزيد من العطاء الفكري.
لقد كان رفيق مدرسة قائمة بذاتها، فقد جمع بين الشعر والادب والوطنية والاباء والشمم، واصبح مثلا وقدوة للشباب، وكان شعراء درنة وطرابلس علي صلة به وفي مساجلات معه، وعندما دعي لزيارة درنة اعجب بجمالها وبخلق اهلها وانشد فيها قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
..........
قلت لما رأيت درنة ما هذا .. تباركت ربي احسن الخالقين
..........
وسها رفيق خلال زيارته لدرنة عن زيارة شاعرها محمد عبد القادر الحصادي فأرسل اليه بقصيدة عتاب لاهماله زيارته ورد عليه رفيق بقصيدة اعتذار الا انها لم ترق للحصادي واتفق الطرفان علي الاحتكام لشاعر ليبيا الكبير احمد الشارف ليصدر حكمه في النزاع، وهذا مثل للجو الادبي الرفيع الذي اوجده رفيق والذي شمل كل ليبيا، وكان يدل علي ان بوادر نهضة فكرية جديدة بدت في الأفق وكانت تشق طريقها بصعوبة بين الانقاض التي خلفها العهد الايطالي.وكانت قهوة البحر (قهوة الشاطئ) الواقعة في آخر شارع عصمان، ملتقي الشعراء الناشئين ومحبي الادب، وكانت المكان المفضل الذي كان يقضي فيه رفيق جلساته مع اصدقائه والذي شاهد مولد بعض قصائده، ووصف رفيق قهوة الشاطئ بعدة ابيات مطلعها:
..........
قهوة الشاطئ ما احلي الجلوس بها .. بين الاحبة في تلك العشيات
..........
وكانت الحركة الادبية البنغازية تتحرك في مواجهة الغزو الثقافي الايطالي الجارف وفي جو سياسي معاد للغة العربية وادابها وفي غياب جميع الوسائل او التنظيمات التي تشجع علي نمو نهضة عربية تحافظ علي اللغة والتراث العربي، وذلك في الوقت الذي كانت تتوفر فيه الاسباب لنشر وتعميم الثقافة الايطالية لمن اراد ذلك.قهوة الشاطئ ما احلي الجلوس بها .. بين الاحبة في تلك العشيات
..........
ولم تعرف بنغازي لا في العهد التركي ولا في العهد الايطالي اية مكتبة عامة يستطيع الباحثون والمثقفون الرجوع اليها عند الحاجة، في حين انشأت الحكومة مكتبة ايطالية تضم عشرين الف مجلد ومكتبة للآثار تضم ايضا عشرين الف مجلد بالاضافة الي مكتبات البلدية والزراعة وغيرها ولم يعملوا علي تأسيس اية مكتبة عربية في المدينة.
غير ان بعض المثقفين ورجال العلم كانت لديهم مكتبات تتفاوت في محتوياتها الا انها كانت توفر للباحث بعض ما كان يحتاجه.
وكانت المكتبة الوحيدة في بنغازي لبيع الكتب والصحف هي مكتبة محمد علي بوقعيقيص الواقعة في ميدان الحداد، وكانت شبه مركز ثقافي بقصده المثقفون لشراء حاجتهم من الكتب والمجلات وللقاء زملائهم واصدقائهم، وكان صاحب المكتبة يبذل جهدا وتضحيات ليوفر للمدينة ما امكن من مطبوعات عربية وقد ادت هذه المكتبة خدمات جليلة لادباء بنغازي ومثقفيها.
وانشأ عوض زاقوب مكتبة اخري في سوق الظلام ساهمت بدورها في استيراد وتوزيع المطبوعات العربية التي زاد عليها الاقبال.
انزعجت السلطات الايطالية من نشاط احمد رفيق المهدوي ومن آرائه وافكاره وتأثيرها في الشباب، فأمرت بابعاده، وكان يوم رحيله من بنغازي يوما مشهودا حيث جاءت جموع من اهل المدينة لوداعه وكانت مظاهرة صامتة ضد الاجراء الايطالي ودليلا علي المكانة التي كان رفيق يحتلها في قلوب مواطنيه.
وقد ودع رفيق وطنه بثلاث قصائد الاولي مطلعها:
..........
سكنته يوم الرحيل فهاجا .. شوق آثار المدمع الثجاجا ..
ومطلع القصيدة الثانية:
رحيلي عندك عز علي جدا .. وداعا ايها الوطن المفدي
..........
اما القصيدة الثالثة فكانت بالعامية وهذه ابياتها:
..........
تبقي علي خير يا وطننا بالسلامة .. رنا ندامة يا عون من فيك كمل أيامه .. يا عون من فيك كمل اوقاته .. في عز مرتاح لا قهر لا شماته .. حتي مع الفقر والقل والشحاتة .. تطيب المقامة لوما العدو فيك ناصب اعلامه
..........
وظل تأثير رفيق، بعد مغادرته للبلاد قائما في كل ليبيا وظلت اشعاره تتداول في كل مكان، وظل اسمه علي كل لسان وكان من منفاه يشارك ابناء وطنه الامهم وشجونهم ويغذي باستمرار لبنات الحركة الادبية التي شاهد نشأتها وكانت قصيدة (غيث الصغير) التي نظمها في منفاه ملحمة شعرية وطنية الهمت حماس الناس بصورة عامة واعتز بها الادباء بصورة خاصة وكان لها وقعها وتأثيرها داخل ليبيا وبين المهاجرين في الاراضي المجاورة.سكنته يوم الرحيل فهاجا .. شوق آثار المدمع الثجاجا ..
ومطلع القصيدة الثانية:
رحيلي عندك عز علي جدا .. وداعا ايها الوطن المفدي
..........
اما القصيدة الثالثة فكانت بالعامية وهذه ابياتها:
..........
تبقي علي خير يا وطننا بالسلامة .. رنا ندامة يا عون من فيك كمل أيامه .. يا عون من فيك كمل اوقاته .. في عز مرتاح لا قهر لا شماته .. حتي مع الفقر والقل والشحاتة .. تطيب المقامة لوما العدو فيك ناصب اعلامه
..........
ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن الثقافة والمثقفين ان نذكر بكل اعتزاز الأوائل من الادباء الذين كونوا هذا الجيل فكريا وعلموه وزرعوا فيه روح الاعتزاز باللغة والثقافة العربية وكان عطاؤهم لا حدود له، وهم الشيخ السنوسي المرتضي الذي يدين له بالفضل معظم ابناء بنغازي، والاساتذة مصطفي دريزة وباكير بادي وعلي الشركسي وحسين اشرف وحسني فوزي الأمير، ومصطفي الطياش وحسين فليفلة ومحمد عباس، وغيرهم ممن لم تسعفنا الذاكرة باسمائهم.
من الصعب مقارنة الحركة الثقافية المتواضعة والمتهيبة التي قامت في ليبيا في الثلاثينيات مع الحركات المتشابهة التي قامت في الاقطار العربية الاخري لاختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والخلفيات. لقد قامت الحركة الليبية في ظل حكم استعماري جائر اعلن الحرب بصراحة علي اللغة والثقافة العربية وفي مواجهة غزو ثقافي ايطالي جارف، وندرك من هذا المنطلق مبلغ المشاق والصعوبات والجهود التي بذلت من أجل ربط الجيل الناشئ بلغته وتراثه، ومن المعتقد ان سياسة التمييز العنصري المذلة قد دفعت بالشباب الي الاهتمام بلغتهم وحضارتهم وتراثهم وذلك كرد فعل طبيعي ومظهر من مظاهر التحدي.
ومن المعروف أنه لم تكن تتوفر ببنغازي في تلك الفترة الاسباب والسبل المساعدة علي تنمية المعرفة وتوسيع الافق الثقافي، فقد كان علي المثقفين الناشئين ان يعتمدوا علي انفسهم وعلي اصدقائهم واساتذتهم لتنمية مداركهم اللغوية والثقافية.
وهناك واقع لا يمكن انكاره وهو المجهود الذي قام به في هذه المرحلة المدرسون الذين انتشروا في جميع انحاء البلاد والذين غرسوا في تلاميذهم روح الاعتزاز باللغة العربية والاقبال علي تعلمها. وكانوا في الغالب يتجاوزون المنهاج المقرر ومرامي سياسة ايطاليا في حصر تعليم العرب في تعلم مبادئ اللغة العربية وبعض سور من القرآن الكريم.
لقد كان المدرسون، خلال فترة الاستعمار الايطالي في جميع انحاء ليبيا، الطبقة النيرة التي دافعت وحافظت علي اللغة والثقافة العربية في ظروف صعبة معادية وكان لهم فضل المساهمة في مولد النهضة الثقافية الحديثة في ليبيا.
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
رد: بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي (1911 1942)
هيييييييييييييييييييه !!! ياما امرعيه بنغازي .. ماشفت غير الدواعش لمعفنين ..لها رجال يحموها ...
شكرا لك
شكرا لك
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
الكلمة الطيبة صدقة
A good word is charity
الكابتن- المشرف العام للمنتدي
-
عدد المشاركات : 14594
العمر : 56
رقم العضوية : 1
قوة التقييم : 423
تاريخ التسجيل : 15/08/2008
رد: بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي (1911 1942)
شكرا لك
وان شاء الله تعود بنغازي مثل ما كانت
وان شاء الله تعود بنغازي مثل ما كانت
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» بنغازي 1942
» خريطة حصار طبرق 1942
» استئناف العمل بمستشفى الجلاء بمدينة بنغازي بعد فترة توقف دام
» حتى تظل فترة الخطوبة فترة سعيدة نقدم لكم دليل أسلوب التعامل
» تعرض القنصل الإيطالي لإطلاق نار في بنغازي الآن
» خريطة حصار طبرق 1942
» استئناف العمل بمستشفى الجلاء بمدينة بنغازي بعد فترة توقف دام
» حتى تظل فترة الخطوبة فترة سعيدة نقدم لكم دليل أسلوب التعامل
» تعرض القنصل الإيطالي لإطلاق نار في بنغازي الآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» الإكوادور وجهة مثالية لقضاء العطلات وسط المناظر الطبيعية
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» سر ارتفاع دواسة الفرامل عن دواسة البنزين في السيارة
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» ما ميزات شبكات "Wi-Fi 8" المنتظرة؟
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» رد فعل صلاح بعد اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي
اليوم في 8:04 am من طرف STAR
» هل تعاني من الأرق؟ طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الكبة المشوية على الطريقة الأصلية
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:00 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR