فإنها لا تعمى الأبصار!!ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

من طرف صلاح سالم 2010-10-12, 12:16 pm


ليس عيباً أن يفقد الإنسان نعمة السمع أو البصر ، فهذا أمرٌ اختاره جل وعلا لحكمة وغاية ، علمها من علمها وجهلها من جهلها .
ولكن العيب ـ أحبائي ـ هو أن يسعى الإنسان بإرادته ، ليطمس نور بصيرته ، فيظلم قلبه ، ويضيق صدره . فالدنيا يعطيها ربنا سبحانه لمن يحب ولمن لا يحب ، أما الآخرة فلا يلقاها إلا ذو حظ عظيم . فكم من معافى ، سليم ، حاد السمع ، طليق البصر ، يملك بسطة في جسمه ، قد يكون في الآخرة من المخذولين ! وسوفنجد كثيرين من البؤساء ، الفقراء ، المرضى ، المبتلين ، هم عند ربهموخالقهم يزنون الجبال الراسيات ، بما حملت قلوبهم من الخير والإحسان . نعلمجميعاً بأن نعمة البصر من أجل النعم وأعظمها ، التي امتن بها الله علىالإنسان ، ونعلم كذلك يقيناً بأن الله سائلنا يوم القيامة ، عن كيفيةاستخدامنا ، وعن طريقة استثمارنا لما وهبه لنا من نعمة البصر ، فقال جلشأنه :- {{ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً }} {{ ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم }} . ولأجلجلالة هذه النعمة ، وحاجة الإنسان الماسة إليها ، لم يجد اللطيف الودودثواباً ولا جزاءً يكافئ به ، من صبر على ابتلاء ربه له بفقد عينيه سوىالجنة ، كما جاء ذلك مقرراً في حديث سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، فيمايرويه عن رب العزة : " من ابتليته بحبيبتيه فصبر ، عوضته مكانهما الجنة " . ولميكن العمى وفقد البصر يوماً سبباً من أسباب التقوقع والجمود ، وفتورالعزائم ، ووهن الإرادة ، بل عرف التاريخ وسطّر ، لكثير ممن ابتلوا بذهابنور أعينهم ، إنجازات رائعة ، وكرامات فائقة ، في شتى الميادين ، العلميةوالأدبية والفكرية ، ولم يمنعهم فقد بصرهم ، من طمس نور البصيرة ، بل مضوابعزيمة فولاذية لينحتوا أسماءهم في صفحات الذاكرة ، بجميل صنعهم ، حالهميحاكي ما أنشده ابن عباس رضي الله عنه عندما قال : إن أذهب الله من عـينيّ نورهما فـفي فـؤادي وقلبي منهما نورُ عقلي ذكي وقلبي ما حوى دخلا وفي فمي صارمٌ كالسيف مشهورُ وياليتنا نقدر لهذه النعمة قدرها ، ونتوهم كيف لو فقدناها كيف ستكون حالتنا ،ربما شابهت حالة ذلكم الطفل الذي لم يبصر شيئاً ليسأل أمه الحنون : يا أمي ما شكل السماء وما الضياءُ وما القمــــر بجمالها تتحدثـــون ولا أرى فيهــــا أثــر هل هذه الدنيا ظـلام في ظلام مستمــــــر أماهُ مدي لي يديــك عسـى يجانبني الضجـــر أمشي أخاف تعثــرا وسط النهار أو السحـــر لا أهتدي في السيــر إن طـال الطـريق أو قصـر والأرض عندي يستوي منها البسـاط والحُفــــر عكـازتي هي ناظـري هل في جمــادٍ من نظـــر يجري الصغـار ويلعبون ويرتعــون ولا ضــــرر وأنا ضـرير قاعـــد في عقــر داري مستقـــر الله يلطف بـــــي ويصـرف ما أقـاسي من كدر هذه أحبائي حالة من فقد ضياء العينين .. شوق لرؤية كل شيء .. يسمع بالأشياء ولا يعرفها .. يتلمس المخلوقات ولا يدركها .. يود إبصار ما حوله من خلق الله .. ولكنصدقوني يا أحبتي حفظكم الله . كم من مبصرين ، هم عميان في حقيقتهم ولايشعرون ، وكم من عميان بيننا ، هم أشد إبصاراً ممن يتمتعون بنعمة البصر ،فما هو نفع العينين إذا لم تتمتع بالنظر والتأمل في ملكوت ربها ، والنظرفي كتابه ، والغض عن المحارم ، والبكاء من خشيته ، وإبداء الرحمةللمنكسرين من خلقه ؟ أحبابي إن من أقبح الخصال ، أن تُمنح نعماً لاتحصى من خالقك ، تستطيع بها ، أن ترتقي في دينك ودنياك ، ثم تهملها ،وتستخدمها فيما لا يرضي خالقك ، وتُبطل أثرها ، الذي سوف تُسأل عنه : ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ اليوميطيب لي ، أن أضع بين نواظركم النيرة صورة فيها العظة والدرس ، فيها شحذللهمم ، وتقوية للإرادة ، وتذكير بنعم المولى سبحانه علينا . اليوم أساتذتنا ، خمسة من الأشقاء ، الذين حُرموا من نعمة البصر ، ولكنهم أوتوا نعمة البصيرة والإرادة . خمسةمن الأشقاء ، تميزوا في مجالاتهم ، فاقوا أقرانهم ، بهروا معلميهم ،أذهلوا أصدقاءهم ، أخجلوا بني جلدتهم ، بصلابة إرادتهم ، وقوة إيمانهم ،وشدة صبرهم وكفاحهم ، فتبوؤا المكانة السامقة ، بهممهم الشامخة ، التي أبتالخنوع والاستسلام لعالم اليأس والإحباط . قيل لقتادة رحمه الله : ما بال العميان أذكى الناس ، وأكيسُ من البصراء ؟ فقال : لأن أبصارهم تحولت إلى قلوبهم !! . قالوا قد عميت فقلت كـلا وإني اليوم أبصــرُ من بصير سواد العين زاد سـواد قلبي ليجتمعا على فهم الأمــور خمسة أشقـــــــاء .. ثلاثة من الذكور .. وأختـــــان .. محمود ـ صلاح ـ أحمد ـ إيمان ـ خضراء تربوافي بيت متواضع عفيف ، رضوا من الدنيا بالقليل ، ظللتهم والدتهم المكافحةالحنون ، بدفئها ، وقربها ورعايتها ، ساندها في دورها العظيم زوجها الأصيل، الذي تبسم للابتلاءات والمصائب ، فلستَ تراه إلا ضاحكاً بشوشاً ، فيسرائه وضرائه ، شاكراً لخالقه ، راضياً بعطائه ، واثقاً في ثوابه ، ولنتستطيع مهما فعلت ، الحصول على كلمة واحدة منه ، فيها أدنى معنى من معانيالشكوى والضعف ، وكأنه يتمثل قول الشاعر : تنكّر لي دهري وما دري بأني أعز وأحداث الزمان تهـونُ فبات يريني المر كيف مذاقه وبت أريه الصبر كيف يكونُ ذريةٌولدت لتتألق .. لتبدع .. لتتفوق .. لتثبت لأقرانها ، وأهلها ، والناسأجمعين ، بأن القلب الذي عرف الصلة بخالقه ، لن تستطيع صوارف الدهر ،وصفعات الزمان ، النيل من طموحاته ، ولا الوقوف بساحاته ، وكان لهم خمستهمما أرادوا. محمود على اعطير أستاذنا الأكبر " محمود علي اعطير " ولد في عام 1977 م . واصلدراسته وأكمل تعليمه الجامعي ، ونال الليسانس من قسم التاريخ بجامعة عمرالمختار. إذا صافحته ولقيته ، تظن أنك من ألطف خلق الله على قلبه ، منقوة ترحابه ، وشدة فرحه بلقائك ، وبالإلحاح في دخولك إلى بيتهم الطاهر ،يتحدث بحنان ، يستمع إليك بأدب ، يشعرك ، بقيمة لحظاتك معه ، ولا تكادتفارقه إلا بصعوبة من كرم ضيافته ، ونبل أخلاقه . فإن يكُ عيـني خبا نورها فكم قبلها نور عين خبــا فلم يعم قلبي ولكنمـــا أرى نور عيني لقــلبي سعى صلاح على اعطير درسنا الثاني عنوانه " صلاح علي اعطير " المولود في عام 1978 م . خريج من كلية القانون ، الرابع على دفعته .. هل أتحدث عن شعره الفصيح ، المتنوع ، المؤثر ؟ أم أحدثكم عن قوة حفظه للقرآن الكريم برواية حفص عن عاصم ؟ أم تراني أسرد لكم مقتطفات من خطبه ، التي إن سمعتموها ، خُيّل إليكم بأن قس بن ساعدة أتانا في حلة جديدة !! والأعجبمن ذلك ، قدرته الفائقة ، وتمكنه من استخدام الحاسوب ، وتصفح الإنترنت "عبر القارئ الإلكتروني " يدير برامجه بطريقة لافتة ، يطبع ، بأسلوب فريد ،خال تماما من الأخطاء ، يحسن ما لا يحسنه في ذلك كثير من أرباب هذا العلم!! إن جالسته ، تشعر وكأنك وسط بستان ملئ بالثمار والأطايب ، فتحتارمن أين تبدأ ، وكيف ستنتهي ، كل ذلك يزينه التواضع ، ومزاحه البريء ،والضحكة النابعة من القلب ، وإذا حدثته بأي حديث استمع إليك بكل حواسه ،حتى تُحبس الكلمات في حلقك من هيبة سماعه ، وإن تكلم ونطق ، ظننت الجدرانمن حولك تستمع إلى نفائسه وفرائده ! أحمد على اعطير مدرستنا الثالثة عنوانها " أحمد علي اعطير " المولود في عام 1984 م . وهاكمفصول مدرسته التي تشع أنواراً ، وتنثر مسكاً ، وتفوح عبقاً ، يكاد يكونأصغر عضو هيئة تدريس في جامعة عمر المختار ، كان على رأس الأوائل طيلةأيام دراسته ، وحتى نهاية المرحلة الجامعية . ولم يسمح له شوقه لطلبالعلم وتحصيله بالانتظار ، فأخذت روحه التواقة بيده ليطرق باب الدراساتالعليا ، فصبر وصابر لينال الإجازة العالية " الماجستير " في الأدب العربي، ويتم تعيينه أستاذاً لمقررات الأدب العربي في عصوره المختلفة ، وما إنيدخل على تلامذته الذين يحبونه حباً كبيراً ، حتى تتزاحم المعلومات ،وتسيل بانسيابية وتميز ، يترجم عن ظهر قلب لأعلام وأسماء في عصور متباينة، يلقي القصائد والمعلقات عن ظهر قلب ، يحلل النظم ، يفسر الغريب منالكلام ، يجيب على الأسئلة بهدوء ، عجبٌ عجاب لو ترى عيناك . لئن كان يهديني الغـلام لوجهتي ويقتادني في السير إذ أنا راكبُ فقد يستضيء القوم بي في أمورهم ويخبو ضياء العين والرأىُ ثاقبُ الدوحة الرابعة التي نستظل بظلالها الوارقة ، وننتعش بمائها العذب الزلال ، هي دوحة " إيمان علي اعطير " المولودة عام 1982 . إيماناستطاعت أن تقهر الصعاب ، بهمة تناطح السحاب ، وهبها لهارب الأرباب ،ومسبب الأسباب ، فكانت الأولى في سنوات دراستها الجامعية الأربعة ، بتقديرممتاز ، وبنسب لم تسبق بمثلها ، وما إن تخرجت من قسم اللغة العربية حتىطرقت باب الدراسات العليا ، لتصافح الماجستير ، من خلال بوابة " البلاغة "، وهي اليوم تنشد من يهديها التعيين في الجامعة ، فكلها شوق إلى النفعوالإسهام في نشر اللغة العربية وجمالياتها ، فهل مجيب لها ، وقد نالت مانالت من التفوق رغم فقدانها لضياء بصرها ! وأردفت تفوقها العلمي بحفظهالنصف القرآن الكريم على يد شقيقها الأستاذ العمد . وأخيراً ها نحن أنخنا مطايانا بواحة أخاذة ، عنوانها " خضراء علي اعطير " المولودة في عام 1987 م . والتي تحمل في قلبها الزاكي " ربع القرآن الكريم " وتسير بمعية ربها نحو ختمه كله . خضراؤنا تدرس في السنة الرابعة في قسم اللغة العربية ، وكان تقديرها في السنوات الثلاثة الأولى " ممتاز " . تسير بخطى ثابتة نحو درب أشقائها في إكمال تعليمها العالي . إن يذهب الله من عيني نورهما فإن قلــبي بصير ما به ضـررُ أرى بقلبي دنياي وآخرتــي والقلب يدرك ما لا يدركُ البصرُ أراكم أحبابي تتعجبون .. ليس العجب منهم ؟ بل العجب كل العجب من شأننا ! هم عرفوا للنعم حقها ومستحقها فساروا بالله قدما ، وأخذوا بما تيسر بين أيديهم من أسباب ، ففتح الله لهم ، وصدقوا الله فصدقهم . أما نحن .. فالنعم بين أيدينا ، يمكننا استخدامها كيف شئنا ولكن : وما انتفاع أخ الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلمُ ماوضعتُ هذه الصفحات المضيئة بين نواظركم ، إلا لكي نأخذ منها العبرة والدرس، فعسى أن ننفض الغبار عنا ، وننتفض من غفلتنا ، وقصورنا ، فهذه النعم ،سوف نسأل عنها على رؤوس الأشهاد . فأعدوا للسؤال عدته !! وتهيؤوا للوقوف بين يدي خالقكم !! ليت شعري كيف ستكون إجابتنا ..أخذ الله بأيدينا جميعاً لما يحب ويرضى

من طرف جلنار 2010-10-12, 3:07 pm

مشكور علي الطرح

من طرف **حبة مسك** 2010-10-12, 3:31 pm

بارك الله بك أخي الكريم وجزاك الله عنا كل الخير .... بالفعل صفحات مضيئة عسى العبرة والدروس تاخذ طريقها إلى قلوبنا محل بصائرنا .
( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )...

أظنك الشيخ صلاح سالم فإن كنت أنت فذاك معطن العلم والمعرفة وأنت غني عن التعريف .

وإن لم تكن ذلك كذلك فأسأل الله لك الخير على هذا الرسالة الرائعة التي تفوح بعمق الأحاسيس والإيمان

ملاحظة : كلمة واحدة لا أرى أنها توجد في قاموس الأعلى الديان رب العزة والجبروت فأرجو التصحيح إن كنت مخطأ وهي

لم يجد اللطيف الودود ثواباً ولا جزاءً يكافئ به ، من صبر على ابتلاء ربه له بفقد عينيه سوى الجنة ، .