من هو (ذو القرنين)؟

من طرف محمد اللافي 2010-10-19, 11:48 am

قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً﴾ [سورة: الكهف، الآية: (83)].

سبب نزول هذه الآية هو ما رواه (ابن عباس): أن (قريشاً) اجتمعوا، وقالوا: إن (محمداً) نشأ فينا بالأمانة والصدق، وما اتهمناه بكذب قط, وقد ادعى ما ادعى، فابعثوا نفراً إلى (اليهود) بـ(المدينة)، واسألوهم عنه، فإنهم أهل كتاب, فبعثوا جماعة إليهم، فقالت (اليهود): سلوه عن ثلاثة أشياء، فإن أجاب عن كلها, أو لم يجب عن شيء منها، فليس بنبي، وإن أجاب عن اثنتين ولم يجب عن واحد، فهو نبي، فسألوه عن فتية فُقدوا في الزمن الأول ما كان شأنهم, فإنه كان لهم حديثٌ عجيب, وعن رجلٍ بلغ مشرق الأرض ومغربها، ما خبره؟ وعن الروح، قال: فسألوا النبي ÷ فقال: (أخبركم بما سألتم غداً), ولم يقل: إن شاء الله، فلبث الوحي. قال (مجاهد): اثني عشر يوماً، وقيل: خمسة عشر يوماً، وقيل: أربعين يوماً، وأهل (مكة) يقولون: قد وعدنا (محمداً) غداً وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء, حتى حزن رسول الله ÷ من مكث الوحي، وشق عليه ما يقوله أهل (مكة)، ثم نزل (جبريل) عليه السلام بقوله تعالى : ﴿وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً﴾[سورة: الكهف، الآية: (23)]، ونزل في الفتية ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً﴾[سورة: الكهف، الآية: (9)]، ونزل فيمن بلغ المشرق والمغرب قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ﴾، ونزل في الروح ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[سورة: الإسراء، الآية: (85)].

وإذا ما جمعنا الآيات في شأن (ذي القرنين) فقد جاءت في سورة الكهف فقط حاكية عن (ذي القرنين) ورحلاته الثلاث، ولنبدأ في التدقيق في سيرة (ذي القرنين).

أولاً: كان (ذو القرنين) مجرد رجل، ولم يكن رسولاً:

وذلك لثلاثة أمور:

أولها: ما جاء في كلام (اليهود) عن السؤال عنه كان خالياً من التعظيم والإجلال، ووصفوه بالرجل، ثم أن (اليهود) كعادتهم لو كان (ذو القرنين) نبياً لنسبوه إليهم لما كان من الخبر العجيب فيه، كما نسبوا سيدنا (إبراهيم) أنه يهودياً...

ثانيها: كان خطاب قوم مغرب الشمس لـ(ذي القرنين) بصيغة عادية خالية من صفة النبي أو الرسول، اذ قالوا: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾[سورة: الكهف، الآية: (86)]، ومعلومٌ أن هؤلاء القوم ليسوا بكافرين، ولا ينادي الرسول أو النبي باسمه إلا ما حكاه الله عن الأقوام الظالمة..

ثالثها: لو كان رسولاً لصار مرسلاً إلى ثلاثة أقوام حسب ما ذكره القرآن: قوم مغرب الشمس، وقوم مطلع الشمس، وأصحاب السد، ناهيك عن افتراضية أن يكون مرسلاً لقومه قبل رحلته، وبالتالي يقع القائل بأنه رسول في معضلة أن سيدنا (محمد) ÷ هو الوحيد المرسل إلى الناس كافة، وأن جميع الأنبياء والرسل قد أُرسلوا إلى قومهم خاصة، وقد وقع الباحث (حمدي) الصريصري في كتابه (فك أسرار ذي القرنين (أخناتون) ويأجوج ومأجوج) في هذه المعضلة عندما خرج بنظرية أن (ذا القرنين) هو (أخناتون) ابن (فرعون موسى)، وأنه نبي مرسل للشعبين المصري والصيني، ولم يستطع أن يرد على هذا التناقض.

ثانياً: لا يُشترط أن يكون (ذو القرنين) ملكاً:

وقد استند القائلون بأنه ملك على قوله تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾[سورة: الكهف، الآية: (84)]، فقام المفسرون بتفسير أن هذا التمكين هو الملك، واستشهدوا بما جاء في القرآن في قصة سيدنا (يوسف) من التمكين له في الأرض، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ﴾[سورة: يوسف، الآيات: (21، 56)]، وهذا الأمر فيه نظر لأمرين:

أولهما: أن سيدنا (يوسف) لم يكن ملكاً، وإنما كان وزيراً أو حاكماً أو سمه ما شئت، لأن معروف أن لـ(مصر) في عهد سيدنا (يوسف) ملكاً.

ثانيهما: تكرر لفظ (التمكين) في القرآن عدة مرات، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾[سورة: الأنعام، الآية: (6)]، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾[سورة: الأعراف، الآية: (10)]، وقوله عز وجل: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[سورة: الحج، الآية: (41)] وغيرها من الآيات التي لا تعني الملك في حد ذاته، وإنما تعني التيسير...

وبالتالي يكون تفسير التمكين لـ(ذي القرنين) إنما هو التيسير في الأرض، وأما قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾، فقد فسرها المفسرون بالعلم.

بالإضافة إلى أن ما حكاه الله عن (ذي القرنين) عند وصوله إلى مكان السد، ليس فيه إشعار أنه ملك، لأن الملك عادةً يأتي بملكه وحرسه، بينما (ذو القرنين) طلب المعونة من أصحاب المنطقة، فقال: ﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً﴾[سورة: الكهف، الآية: (95)].
ثالثاً: (ذو القرنين) ليس هو (الاسكندر) اليوناني:

خرج غالب المفسرون بأن (ذي القرنين) إنما هو (الاسكندر) بن فيلبوس اليوناني، الذي ملك الشرق والغرب، والشمال، وهذا التفسير منهم إنما تكلف منهم لما اعتقدوا في تفسير آيات (ذي القرنين) على أنه ملك من ملوك الأرض، فبحثوا عن ملك من الملوك فيه هذه الصفات، لم يجدوا إلا (الاسكندر) بن اليوناني، وهذا القول لا يصح لأن (ذي القرنين) كان رجلاً مؤمناً بالله وموحداً، ومؤمناً بالبعث واليوم الآخر، بينما (الاسكندر) اليوناني كان وثنياً.

رابعاً: (ذو القرنين) في رأينا:

في اعتقادنا أن (ذا القرنين) هو (الخضر) عليه السلام، وهذا ما سنبينه كالآتي:

* اسمه:

واسم (الخضر) مضطرب فيه اضطراباً متبايناً، فقيل: هو: (بليا) بن ملكان بن فالغ بن شالح بن ارفخشذ بن نوح، وقيل: (إيليا) بن عاميل شما لخسين بن أرما بن علقما بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل: (أرميا) بن حلقيا من سبط هارون، والأصح الذي نقله أهل السير وثبت عن النبي ÷، كما قاله (البغوي) وغيره، إن اسمه (بليا) بن مَلكان، كان من بني إسرائيل، وقيل كان من أبناء الملوك، وكنيته أبو العباس.

* حياته:

كان أبوه ملكاً وأمه اسمها (ألها)، وإنها ولدته في مغارة، وأنه وجد هناك شاةً تُرضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية، ولما وجده الرجل، أخذه ورباه، فلما شب، طلب أبوه كاتباً، وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي أنزلت على (إبراهيم) و(شيث)، فكان فيمن أقدم عليه من الكتاب ابنه (الخضر)، وهو لا يعرفه، فلما استحسن خطه ومعرفته، بحث عن جلية أمره، فعرف أنه ابنه فضمه لنفسه، وولاه أمر الناس. ثم إن (الخضر) فر من الملك.

* المؤيدات أن (الخضر) هو (ذو القرنين):

اتفق جمهور المفسرين على أن (الخضر) لم يكن نبياً، وإنما كان عبداً صالحاً، وأنه كان ذو علمٍ عظيم ويعلم صحف (شيت) و(إبراهيم).
وصحف (شيت) من الصحف التي قيل أنها من الله لنبي الله (شيت) بن (آدم)، وأنه ورث صحف أبيه (آدم) وبالتالي فقد جمعت من الأسرار لحكم الأرض حتى قيام الساعة، وهو ما اعتمد عليه (فاروق) شكري في كتابه (ذو القرنين) عندما خرج بنظرية أن (إدريس) عليه السلام هو (ذو القرنين).

وبالتالي فيكون (الخضر) قد آتاه الله علم (آدم) و(شيت) وصحف (إبراهيم)، وهذا والله من التمكين في الأرض والأخذ بالأسباب في قوله تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾.

ثم إن (الخضر) فر من أبيه الملك إلى جزائر البحر حسب قول المفسرون، وهنا نقف عند قوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾[سورة: الكهف، الآية: (85)] في بداية حكاية الله عن شيء من قصة (ذي القرنين)، فقد اتصلت هذه الآية بحرف الفاء، بينما جاءت آيتان بعدها مرتبطة بحرف (ثم)، ومعلوم في اللغة أن حرف الفاء يدل على التعجل وعدم التأني، وهذا يدل على أن (ذا القرنين) كان عجولاً في مسيره، وهذا الأمر ينطبق على قصة (الخضر) وفراره من أبيه.
وحسب ما ساقه المفسرون من أن (الخضر) قد فر من أبيه تجاه البحر، فهذا ما يدل على أنه قد قام برحلات بحرية أولها إلى مغرب الشمس، وبغض النظر عن المكان الذي قصده (الخضر) وماهيته... فهذا الأمر لم أقف عليه حتى الآن، وأما ما ساقه الباحث (حمدي) الصريصري من أنه (جزر المالديف) اعتماداً على نظريته أنه (اخناتون) هو (ذو القرنين) نفسه، فهذا ما لم أقتنع به.

إنما يجب أن نقف برهة أمام سورة الكهف كلها... لقد جاء الله بجوابين من أسئلة (اليهود) من ثلاثة، وأتى بهما الله في سورة الكهف، وجعل بينهما قصة سيدنا (موسى) و(الخضر)، ولم يجعل هناك فاصلاً بين قصة (الخضر) و(موسى) وقصة (ذو القرنين)، وكأن بين القصتين علاقة...

فإن قيل لو كانت القصتان لشخص واحد، لما أتى الله بما يُشعر بأن قصة (ذي القرنين) مستقلة ولا ترتبط بقصة (الخضر) وشخصيته، لأنه بدأها بقوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً﴾، فكأنه شخص مختلف الاختلاف عن (الخضر)، لأجبناه بأن قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ﴾ إنما كان جواباً لسؤال (بني إسرائيل) عنه، هذا من جانب.
أما من الجانب الآخر فإن ترتيب القرآن على ما هو معروف الآن والذي يبدأ بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس، إنما هو ترتيب من الله جاء على لسان (جبريل) بعد أن استكمل الله إنزال القرآن كله بدءاً بسورة العلق، وبالتالي فقصة (ذي القرنين) لم تأت بعد قصة (الخضر) و(موسى) من الناحية الزمنية، وإنما أراد الله شيئاً من هذا الترتيب، والله أعلم.

ومن المؤيدات على أن (ذا القرنين) هو (الخضر) أنهما اشتركا في أمور منها:
الأول: أن كلاهما عبدين من عباد الله، لم يكونا نبيين.

الثاني: أن صيغة الكلام تتشابه بين (الخضر) و(ذي القرنين).

الثالث: أن كلاهما قد حكى الله عنهما 3 رحلات، وهو ما سنُبين من خلالها لمزيد من التشابه كما سيأتي.

عندما بلغ (ذو القرنين) مغرب الشمس، ووجد الشمس تغيب في البحر﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾[سورة: الكهف، الآية: (86)]، هذا فيه إشارة إلى تآلفه ركوب البحر كما هي رحلة (الخضر) و(موسى) على السفينة أول الأمر﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ﴾[سورة: الكهف، الآية: (71)].

عندما وجد (ذو القرنين) في رحلته الأولى قوماً طلبوا منه الحكم على طائفة لم يؤمنوا بالله، ﴿وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾[سورة: الكهف، الآية: (86)]، فأجابهم إلى أن الحكم على من لم يؤمن هو القتل قال تعالى: ﴿قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً﴾[سورة: الكهف، الآية: (87)].

وهذا الأمر من (ذي القرنين) في تنفيذ عقوبة القتل على الكافر... هي ما قام به (الخضر) مع الغلام الكافر ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ﴾[سورة: الكهف، الآية: (74)]، وقال تبريراً لذلك: ﴿وَأَمَّا الغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً﴾[سورة: الكهف، الآية: (80)].

ثم استمر (ذو القرنين) في رحلته حتى وصل مطلع الشمس، ولم يُبين الله ما حصل مع (ذي القرنين) في ذلك المكان، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً # كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً﴾[سورة: الكهف، الآيات: (90، 91)].

ثم بلغ (ذو القرنين) بين السدين، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾[سورة: الكهف، الآية: (93)]، وشكا أولئك له ما يعيثه قوم (يأجوج) و(مأجوج) من فساد ﴿قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَداًّ﴾[سورة: الكهف، الآية: (94)].

فقام ببناء الردم أو السد، وذلك بين جبلين، وقد نفى الباحث (حمدي) الصريصري في تفسير قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾[سورة: الكهف، الآية: (96)] على أن الصدفين هما جبلين، وذلك لما حاول من قلب موازين اللغة العربية في كثير منٍ منها لأجل أن يُقنع نفسه أن ردم (يأجوج) و(مأجوج) كائن في مدينة (جنج جو) الصينية، باعتبار أن جبال الصين عالية ومرتفعة آلاف الأمتار، وبالتالي فيستحيل أن يكون الردم بين جبلين، وأن يصل إلى هكذا ارتفاع.

بل لقد أبعد الباحث (حمدي) إلى أن وصل به الأمر إلى انتقاد أئمة اللغة جميعهم في تعريف كلمة (ردم)، فقال ص392: "جاء في تعريف الردم في بعض معاجم العربية على أنه "سد"، وهذا في تقديري خطأ لغوي فادح"، ثم رجع إلى تعريف الردم في اللغة الانجليزية، وهكذا فعل في كثير من التعاريف... حتى أنه نفى أن يكون معنى القطر الذي دخل في مكونات سد (يأجوج) و(مأجوج) في قوله تعالى: ﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً﴾[سورة: الكهف، الآية: (96)]، نفى أن يكون هو النحاس المذاب، لأنه لم يجد في مدينة (جنج جو) وما حولها مصدراً لمادة النحاس، فما كان منه إلا تكلف الأمر ونفى أن يكون القطر بمعنى النحاس المذاب، واضطر إلى تعرف مادة القطر باللغة الانجليزية وتفسير ذلك حسب ما قيل، وتناسى أن لغة القرآن الكريم هي العربية، وليست هي الانجليزية.

وبعد أن أكمل (ذو القرنين) بناء السد، تحدث الله أن هذا السد صار حاجزاً منيعاً من أن يبغي قوم (يأجوج) و(مأجوج) على أصحاب السد، فقال: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً﴾[سورة: الكهف، الآية: (97)]، وهذا إشارة إلى أن (يأجوج) و(مأجوج) هم بشر، وليس كما يدعيه الكاتب (فاروق) شكري في كتابه (ذو القرنين) ص196 و197 من أن (مأجوج) المقصود به ماءٌ مالح وأن (يأجوج) مقصود به الحمم البركانية، فكيف سيقف أمام قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً﴾، فالمعلوم من تفسير هذه الآية أن (يأجوج) و(مأجوج) ما قدروا على أن يصعدوا من فوق هذا السد، ولا قدروا على نقبه ما أسفله، فكيف يكون تفسير هذه الآية لمن ادعى أن (يأجوج) و(مأجوج) ظاهرتين طبيعتين؟

و(ذو القرنين) ببناءه السد في رحلته الأخيرة ... يشابه بناء جدار اليتيمين في المدينة في رحلته الأخيرة، قال تعالى: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِداَراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾[سورة: الكهف، الآية: (77)].

وكلاهما (ذو القرنين) و(الخضر) لم يأخذا الأجر على ما قاما به من بناء قال تعالى في شأن (ذي القرنين): ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ﴾[سورة: الكهف، الآية: (95)]، وقال في شأن (الخضر): ﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾[سورة: الكهف، الآية: (77)].

وبالتالي فبعد أن انتهى (ذو القرنين) من بناء السد، غادرهم ولبث فترة من الزمن حتى لقي (موسى) وقام بالرحلة معه... واستمر (الخضر) حتى قام بالتعزية في موت (محمد) رسول الله ÷، وهذا فيما ذكرناه في مقالة خاصة تُبين أن (الخضر) لازال حياً.

وعليه.. وفي نهاية هذا البحث المختصرالخاص بمن هو (ذو القرنين) دون التطرق لتفاصيل رحلاته، وهذا يظهر التشابه الكبير بين (ذي القرنين) و(الخضر)، وهي مجرد نظرية خرجت بها ... قد تكون صائبة، والله أعلم.

انظر: (الطبري: التفسير): (16/12)، و(الرازي: التفسير الكبير): (21/ 139- 141)، و(الخازن: لباب التأويل في معاني التنزيل): (4/182)، و(القرطبي: التفسير): (11/44)، و(ابن كثير: التفسير): (3/105)، و(ابن سمعون: الأمالي): (1/271، 272)، و(السيوطي: الدر المنثور): (5/449)، و(حمدي بن حمزة الصريصري: فك أسرار ذي القرنين (أخناتون) ويأجوج ومأجوج): (45، 221، 367، 392)، و(فاروق شكري: ذو القرنين): (129، 196، 197).

من هو (ذو القرنين)؟ 944316