عندما يطير الخروف!

لقد استطاعت فأس المجاملات في حياتنا أن تحطم باقتدار المعايير المهنية والأصول العلمية لكثير من شئوننا اليومية على مدار الساعة, مؤتمراتنا, احتفالاتنا, اجتماعاتنا, ..الخ, لا صوت فيها يعلو فوق صوت المجاملات.

فمن أجل سيادته وحضرته وفخامته ومعاليه .. الخ يمكن كل شيء ولرضاه يحدث كل شيء, لا عليك أن تقلب بروتوكول مؤتمر علمي ما رأسا على عقب, ولا بأس أن تلغي قداسة الوقت لاجتماع ما, كل ذلك فقط وحصريا من أجل والينا المعظم.

فلأن شهية حضرته اليوم مفتوحة للكلام, فلا مانع من تخريب الجدول الزمني للحفل وإعطائه ساعة بدلا من عشر دقائق, ولا ضير من اعتبار مقاله في المؤتمر العلمي عبارة عن بحث علمي محكم, ولا بأس في تأخير بدء افتتاح المعرض لساعة من الزمان لأن حضرته لم يحترم الوقت, ولا خلل في أن نجعل كلمته هي الأولى في اليوم الدراسي رغم أن رئيس اللجنة التحضيرية أولى بها, بل لا مشكلة في أن نعتبر الخروف يطير وأن الطاوس يلد, لأن عظمته يرى ذلك من وجهة نظره, ولأننا لا نقدر إلا أن نجامله ونهز له الرؤوس بالموافقة الأبدية.

إن "سيادته" لا يتحمل مسئولية خرق القوانين والقواعد ( في غالب الأحيان), لأنه باختصار لم يطلب فعل ذلك من أحد, ولكن هناك من يتبرع من نفسه لقلبها من أجله, لأنه لا يستطيع إلا فعل ذلك.

مكمن الخلل في الضعف والترهل في الذات لدرجة فرض الإنسان فيها رقيبا على نفسه, بل ويحاسبها بالنيابة عن المسئول, فالمسئول يعيش بداخل الذات العربية التي تربت على احترامه لدرجة إلغاء العقل ونسيان كل الأصول المهنية والعلمية لأجله, وهو الذي لم يطلب منه ذلك.

لقد طفح الكيل بالمجاملات إلى حد لا يطيقه الغيور, وبتنا في مجتمعاتنا العربية نخشى على قواعد البروتوكول وأصول العلم من أن تنتهي تماماً, حيث إننا مع كل جريمة اغتصاب لمعيار مهني ما لدينا ما يبررها في عالم المجاملات والاحترامات الذي لا سماء له.

وعلى رعاة القيم والمعايير والأصول أن يقتلوا الجبن الاجتماعي في داخلهم, وألا ينصاعوا لصوت المسئول الوهمي فيهم, وعلى السادة الكبراء أن يعينوا هؤلاء على تثبيت الأصول والقواعد العلمية وألا يقبلوا على أنفسهم أن يكونوا فوقها بل تحتها.