المغرب يسعى جاهدا لتجاوز افرازات حملة مسيئة قادها انصار البو

يواصل المغرب توسيع الثغرة القائمة بين الحكومة الاسبانية ومؤيدي جبهة البوليزاريو في شبه الجزيرة الايبرية الذين نجحوا من خلال وسائل الاعلام، بعد مواجهات مدينة العيون، في خلق اجواء ملبدة بالعداء تجاه جارهم جنوب الضفة المتوسطية.
زيارة وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي للعاصمة الاسبانية الثلاثاء كانت مبرمجة منذ عدة اسابيع، لبحث العلاقات الثنائية والتعاون مع نظيره الاسباني النائب الأول لرئيس الحكومة ووزير الداخلية ألفريدو فيريز روبالكابا، في ميادين مكافحة الارهاب وتدبير ملف الهجرة والهجرة السرية والاتجار بالمخدرات والبشر.
الا ان الزيارة كانت مناسبة ليقدم الشرقاوي مقاربة الرباط للمواجهات التي عرفتها يوم الثامن من الشهر الجاري مدينة العيون اثر تفكيك مخيم اقامه مواطنون للمطالبة بسكن وشغل، وما خلفته هذه المواجهات من خسائر بشرية ومادية لحقت بالمدينة ومؤسسات الدولة ومبانيها التي شيدت كلها بعد الخروج الاسباني ولم تعلن السلطات المغربية حتى الان عن حجمها.
الا ان ابرز ما خلفته تلك المواجهات كان تصاعد التوتر بين السلطات المغربية والصحافة الاسبانية التي تتهمها الرباط بالانحياز واللاموضوعية مستندة الى تعاطي هذه الصحافة مع القضايا المغربية وخاصة قضية الصحراء الغربية، والتي توجتها بنشر صور لضحايا فلسطينيين سقطوا بعدوان اسرائيلي على قطاع غزة في 2006 وضحايا مغاربة بالدار البيضاء تعرضوا للقتل بداية العام الجاري.
وزير الداخلية الطيب الشرقاوي اكد في ندوة عقدها بمدريد أن التدخل السلمي لقوات الأمن المغربية بمخيم اكديم إزيك كان يهدف بالأساس إلى رفع الحصار والاحتجاز المضروب على سكان هذا المخيم من طرف ميليشيات مسلحة.
وجدد الشرقاوي التأكيد أن قوات الامن المغربية لم تطلق أي رصاصة أثناء تدخلها بكل من المخيم او بالمدينة وقال ان ما تداولته بعض وسائل الاعلام الاسبانية كان استنادا إلى مصادر مشبوهة بخصوص استعمال العنف ضد المحتجين.
وأوضح أن 'المغرب المؤمن بقيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان' اختار التدخل 'بشكل سلمي وإنساني من أجل تحرير مواطنين من قبضة عصابات إجرامية'، مضيفا ان ما 'روجته بعض الاوساط ووسائل الاعلام بإسبانيا حول أعمال إبادة وجرائم ضد الانسانية كان أخباراً مغلوطة وكاذبة'.
وأوضح أن الميليشيات المسلحة كانت تضم في صفوفها مهربين وأصحاب سوابق وأشخاصاً مسلحين مبحوثاً عنهم من العدالة وفئة الانتهازيين يشتغلون وفق أجندة سياسية خارجية عمدت على الاعتداء على قوات الأمن، مستعملة الحجارة والزجاجات الحارقة وقنينات الغاز والسلاح الأبيض وعمدت إلى ذبح أحد أفراد قوات الامن، وهي اعمال وصفها بـ'الهمجية والبربرية تذكرنا بتلك التي يتم ارتكابها من قبل إرهابيين بمنطقة جنوب الصحراء والساحل'.
وأكد الطيب الشرقاوي الثلاثاء في تقرير للحكومة المغربية أن الحركة الاقتصادية والاجتماعية بمدينة العيون عادت إلى وضعها الطبيعي منذ اليوم الموالي للأحداث وان الوضعية الأمنية الحالية بالمنطقة 'طبيعية ولا تثير أي تخوف إذ عادت الأمور إلى وضعها الطبيعي واستؤنفت الحركة الاقتصادية والاجتماعية بشكل طبيعي، حيث انصرف المواطنون إلى مشاغلهم اليومية في جو من الأمن والأمان'.
الوزير المغربي قبل توجهه الى مدريد عقد مع زميله بالخارجية الطيب الفاسي الفهري ندوة بالرباط الذي حمل مسؤولية ما عرفته مدينة العيون للجزائر وجبهة البوليزاريو اللتين 'اختارتا بعناد استراتيجية تقوم على التمويه بخصوص مسلسل المفاوضات' وانهما 'نهجتا أسلوب التمويه من خلال إثارة قضايا حقوق الانسان تارة واستغلال الثروات الطبيعية للأقاليم الجنوبية تارة أخرى بغية تفادي مفاوضات حقيقية.'
واكد الفاسي الفهري ان موضوع مخيم (أكديم ازيك) برهن على' إصرار الطرف الآخر على محاولة تسميم مناخ المفاوضات' مبرزا 'الطابع السلمي لتدخل قوات حفظ النظام التي استعملت وسائل مألوفة تراعي سلامة الارواح خلال عملية تفكيك المخيم خلافا للادعاءات والأكاذيب التي تم الترويج لها في عدة وسائل إعلام أجنبية'.
وربط الفاسي بين أساليب العنف المستعملة ممن وصفها بـ'عصابات إجرامية' قال انها تخندقت داخل المخيم وتلك التي تنتشر بشكل كبير عبر منطقة الساحل جنوب الصحراء. وقال 'لم يسبق أن عرفنا في المغرب مثل هذا النوع من الأعمال البربرية وهذا الاسلوب الجديد من نوعه نعلم جيدا من يقف وراءه (..) هناك في الجنوب في منطقة الساحل يوجد من يقوم بهذا العمل'.
وعرض اثناء الندوة الصحافية شريطا حول تفكيك مخيم اكديم ايزيك ومواجهات مدينة العيون اظهر المسلحين يهاجمون قوات الامن التي لم تكن مزودة الا بالعصي والدروع الواقية وخراطيم المياه. كما اظهر الشريط مشهد ذبح أحد أفراد القوات الأمنية والتبول على جثة أحد أفراد الحماية المدنية تركت على قارعة الطريق.
وقالت جبهة البوليزاريو ان المغرب يحاول تشويه الحقائق وإظهار قواته في صورة الضحية وهددت باعادة النظر في موقفها من المفاوضات مع المغرب وقالت ان احداث مدينة العيون كانت 'النتيجة المؤسفة لعجز مجلس الأمن عن حماية السكان الصحراويين من أجل إيجاد حل يسمح بتقرير مصير الصحراويين'. ودعت الجبهة في رسالة لرئيس مجلس الأمن، الأمم المتحدة للتكفل بالصحراء الغربية وتكليف قواتها المنتشرة لمراقبة وقف اطلاق النار بالتقرير حول اوضاع حقوق الانسان.
ونفى رئيس الدبلوماسية المغربية ما ورد في تقارير عن طلب إسبانيا لتوضيحات حول مواجهات العيون وقال أن المغرب 'بلد ذو سيادة' يتعامل على هذا الأساس، وأن الدبلوماسية المغربية كانت على اتصال دائم مع القنصليات الأجنبية، والتي أطلعتها على تطور الوضعية، منذ اليوم الأول من اندلاع هذه القضية.
وأضاف أن نفس المنطق يسود التدابير المتخذة بحق بعض النواب والصحافيين الذين يظهرون مساندتهم لجبهة البوليزاريو ، لان أي بلد في العالم لن يتسامح مع أن يأتي أحد كيفما كان لـ'يصب الزيت على النار' من خلال التدخل في شؤون ذات صبغة داخلية.
وقال الفاسي في اجتماع للحكومة المغربية ان 'مناخ التصعيد العدائي والتهييج المحموم والاضطراب غير المسبوق للانفصاليين (اشارة لجبهة البوليزاريو)، كان في نطاق مخطط استراتيجي للنيل من وحدة المغرب وصورته بعد اتساع دائرة سحب الاعترافات بالجمهورية الصحراوية وازدياد التأييد للمبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي'.
وقال ان هذا 'المخطط، بأبعاده الأمنية والسياسية والحقوقية والدعائية، عرف خلال الأسابيع الماضية، تحولا نوعيا باستخدام كل الأساليب المغرضة قصد استغلال مطالب اجتماعية عادية، وإعطائها بعدا سياسيا وانفصاليا لا علاقة له أصلا بالموضوع'.
وقال الفاسي الفهري 'سنواصل المفاوضات، وسيظل المغرب متشبثا بتطبيع علاقاته مع الجزائر وفتح حوار جاد مع هذا البلد وإقرار تعاون مثمر على طريق تعزيز العلاقات الثنائية وبناء الصرح المغاربي'. بالنسبة للصحافة الاسبانية أكد خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، أن المغرب 'بلد ذو سيادة ولن يتساهل مع الصحافيين الذين يتنكرون للأصول المهنية ويعبرون صراحة عن مواقف معادية لمصالحه ومستهدفة لمؤسساته'. وقال الناصري امام مجلس المستشارين إن المغرب 'بلد ذو سيادة يتعامل وسيتعامل على هذا الأساس، ولن يتساهل مع الصحافيين ولا مع غير الصحافيين الذين يظهرون مساندتهم للأطروحة الانفصالية ويتصرفون خارج القوانين المغربية، ويتنكرون للأصول المهنية، ويقومون بالتعبير صراحة عن مواقف سياسية معادية لمصالح المغرب ومستهدفة لمؤسساته ومسيئة لصورته'. واكد حرص وزارته ومن خلال الحكومة على مواصلة نهجها الثابت في تسهيل مهام المراسلين الأجانب العاملين في المغرب، وتمكينهم من كل ظروف العمل المناسبة، في ظل أجواء الحرية والانفتاح السائدة، مؤكدة أنها تلح مجددا على وجوب التقيد بالضوابط القانونية والتنظيمية المعمول بها، وصيانة الممارسة الإعلامية من كل انزلاق، طبقا للقواعد والآداب المهنية المتعارف عليها عالميا.
وقال وزير الاتصال 'إننا ندرك جيدا أن مسلسل مناهضة عدد من وسائل الإعلام الإسبانية للمغرب، هو محاولة لتأليب الرأي العام الإسباني والأوروبي والدولي عليه، وممارسة شتى أساليب التشويش على تجربته الديمقراطية، والسعي إلى إلهائه حتى لا يطالب باستكمال وحدته الترابية باسترجاع الثغور الشمالية المحتلة'.
وأبرز وزير الاتصال أن بلاده في تصديها للحرب المعلنة التي تخوضها ضدها عدة أطراف، من بينها الإعلام الإسباني ، لا تبحث عن تحريف للنزاع أو خلق جبهة مواجهة وهمية، 'بل تضع العالم أمام الحقيقة الساطعة: علينا أن لا نخطئ التحليل، هناك توزيع للأدوار بين أربع جهات، الدبلوماسية الجزائرية وجماعة البوليزاريو والمجرمين والإرهابيين المجندين وجزء كبير من الصحافة الإسبانية'.
وقال ان الحكومة أدانت 'بشدة هذا الانزلاق الخطير في أكثر من مناسبة وبأشكال شتى وعلى مستويات متعددة'، ذلك، كما قال، 'أننا وجدنا أنفسنا نجابه ليس أخطاء مهنية عرضية بل مخططا محبوكا، صادرا عن سبق إصرار وترصد، ونية سيئة ومبيتة لتوجيه دعوة صريحة إلى الكراهية، والتحريض على العنف، وهو أمر ينطوي على تضليل خطير للرأي العام الإسباني، من أجل إثارة الحقد لديه في حق المغرب ومواطنيه في مناخ يهيمن عليه طابع العنصرية وكراهية الأجنبي'.