إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
من كتاب الأيام ((طه حسين ))
+2
فرج احميد
عبدالحفيظ عوض ربيع
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
من كتاب الأيام ((طه حسين ))
يا ابنتي إن حدثتك بما كان عليه أبوك في بعض لأطوار صباه أن تضحكي منه قاسية لاهية ، وما أحب أن يضحك طفل من أبيه وما أحب أن يلهو أو يقسو عليه .
***
عَرِفَت لنفسه إرادةٌ قوية ، ومن ذلك الوقت حرم على نفسه ألواناً من الطعام لم تبح له إلا أن جاوز الخامسة والعشرين ، حرم على نفسه الحساء والأرز وكل الألوان التي تؤكل بالملاعق لأنه كان يعرف أنه لا يحسن اصطناع الملعقة ، وكان يكره أن يضحك عليه إخوته ، أو تبكي أمه ، أو يعلمه أبوه في هدوء حزين .
***
كان يجلس بين الطاعمين خجلاً وجلاً ، مضطرب النفس مضطرب حركة اليد ، لا يحسن أن يقتطع لقمته ، ولا يحسن أن يغمسها في الطبق ، ولا يحسن أن يبلغ بها فمه ، ويخيل إلى نفسه أن عيون القوم كلها تلحظه ، وأن عين الشيخ خاصة ترمقه خفية ، فيزيده هذا اضطراباً ، وإذا يده ترتعش ، وإذا بالمرق يتقاطر على ثوبه وهو يعرف ذلك ويألم له ولا يحسن أن يتقيه .
***
ولم يبلغ التاسعة من عمره حتى كان قد وعي من الأغاني والتعديد والقصص وشعر الهلاليين والزناتيين والأوراد والأدعية وأناشيد الصوفية جملة صالحة ، وحفظ إلى ذلك القرآن كله .
***
كان مجلسه عن شماله إذا دخل الغرفة ، يمشي خطوة أو خطوتين فيجد حصيراً قد بسط على الأرض ألقي عليه بساط قديم لكنه قيم ، هناك يجلس أثناء النهار وهناك ينام أثناء الليل تلقى له وسادة يضع عليها رأسه ولحاف يلتف به .
***
عاد إلى سكونه وجموده في ركنه الذي اضطر إليه ، وقد أخذ لنهار ينصرم والشمس تنحدر إلى مغربها وأخذ يتسرب إلى نفسه شعور شاحب هادئ حزين ، ثم يدعو مؤذن المغرب إلى الصلاة فيعرف الصبي أن الليل قد أقبل ، ويقدر في نفسه أن الظلمة قد أخذت تكتنفه ، ويقدر في نفسه أن لو كان معه في الغرفة بعض المبصرين لأضيء المصباح ليطرد هذه الظلمة المتكاثفة ، ولكنه وحيد لا حاجة له إلى المصباح فيما يظن المبصرون ، وإن كان ليراهم مخطئين في هذا الظن ، فقد كان في ذلك الوقت يفرق تفرقة غامضة بين الظلمة والنور .وكان يجد في المصباح إذا أضيء جليساً له ومؤنساً . وكان يجد في الظلمة وحشة لعلها كانت تأتيه من عقله الناشئ ومن حسه المضطرب .. والغريب أنه كان يجد للظلمة صوتاً يبلغ أذنيه ، صوتاً متصلاً يشبه صوت البعوض لولا أنه غليظ ممتلئ وكان هذا الصوت يبلغ أذنيه فيؤذيهما ، ويبلغ قلبه فيملؤه روعاً ، وإذا هو مضطر إلى أن يغير جلسته فيجلس القرفصاء ويعتمد بمرفقيه على ركبتيه ويخفي رأسه بيديه ويسلم نفسه لهذا الصوت الذي يأخذه من كل مكان .
***
وسعى إلى مكان الامتحان في زاوية العميان خائفاً أشد الخوف مضطرباً أشد الاضطراب ، ولكنه لم يكد يدنو من الممتحنين حتى ذهب عنه الوجل فجأة ، وامتلأ قلبه حسرة وألماً ، وثارت في نفسه خواطر لاذعة لم ينسها قط ، فقط انتظر أن يفرغ الممتحنان من الطالب الذي كان أمامهما ، وإذا هو يسمع أحد الممتحنين يدعوه بهذه الجملة التي وقعت في أذنه ومن قلبه أسوأ وقع : ( أقبل يا أعمى ) ولولا أن أخاه أخذ بذراعه في غير رفق وقاده إلى الممتحنين في غير كلام لما صدق أن هذه دعوة قد سيقت إليه ، فقد كان تعود من أهله كثيراً من الرفق به وتجنباً لذكر هذه الآفة بمحضرة ، وكان يقدر ذلك وإن كان لم ينس قط آفته ولم يُ شغل قط عن ذكرها .
***
اشتد ضيقه بالأزهر وأهله وبحياته في القاهرة .....، من الأزهر إلى الجامعة هو رمز لانتقال المجتمع العربي من ثقافة القرون الوسطى إلى أبواب الحضارة الحديثة .
***
حتى إذا أنشئت الجامعة وعلم الفتى علمها ذهب عنه الخوف وملأ الأمل نفسه رضا وبهجة وسرور ، واستمع الفتى لأول درس من دروس الجامعة في الحضارة الإسلامية ، فراعه ما راعه شيء لم يكن له بمثله عهد في الأزهر ... ، كان تحرقه لدرس اليوم الثالث أشد من تحرقه إلى الدرسين اللذين سبقاه ، فسيكون الأستاذ إيطالياً ، ويتحدث باللغة العربية ...
***
هذا الأستاذ كارلو نالينو المستشرق الإيطالي يدرس باللغة العربية تاريخ الأدب والشعر الأموي .. وهذا الأستاذ سنتلايا يدرس بالعربية تاريخ الفلسفة الإسلامية وتاريخ الترجمة بخاصة .. وإذا الفتى يخرج من حياته الأولى خروجاً يوشك أن يكون تاماً ، لكن عقله قد نأى عن بيئته نأياً تاماً واتصل بأساتذته أولئك اتصالاً متيناً .
***
عَرِفَت لنفسه إرادةٌ قوية ، ومن ذلك الوقت حرم على نفسه ألواناً من الطعام لم تبح له إلا أن جاوز الخامسة والعشرين ، حرم على نفسه الحساء والأرز وكل الألوان التي تؤكل بالملاعق لأنه كان يعرف أنه لا يحسن اصطناع الملعقة ، وكان يكره أن يضحك عليه إخوته ، أو تبكي أمه ، أو يعلمه أبوه في هدوء حزين .
***
كان يجلس بين الطاعمين خجلاً وجلاً ، مضطرب النفس مضطرب حركة اليد ، لا يحسن أن يقتطع لقمته ، ولا يحسن أن يغمسها في الطبق ، ولا يحسن أن يبلغ بها فمه ، ويخيل إلى نفسه أن عيون القوم كلها تلحظه ، وأن عين الشيخ خاصة ترمقه خفية ، فيزيده هذا اضطراباً ، وإذا يده ترتعش ، وإذا بالمرق يتقاطر على ثوبه وهو يعرف ذلك ويألم له ولا يحسن أن يتقيه .
***
ولم يبلغ التاسعة من عمره حتى كان قد وعي من الأغاني والتعديد والقصص وشعر الهلاليين والزناتيين والأوراد والأدعية وأناشيد الصوفية جملة صالحة ، وحفظ إلى ذلك القرآن كله .
***
كان مجلسه عن شماله إذا دخل الغرفة ، يمشي خطوة أو خطوتين فيجد حصيراً قد بسط على الأرض ألقي عليه بساط قديم لكنه قيم ، هناك يجلس أثناء النهار وهناك ينام أثناء الليل تلقى له وسادة يضع عليها رأسه ولحاف يلتف به .
***
عاد إلى سكونه وجموده في ركنه الذي اضطر إليه ، وقد أخذ لنهار ينصرم والشمس تنحدر إلى مغربها وأخذ يتسرب إلى نفسه شعور شاحب هادئ حزين ، ثم يدعو مؤذن المغرب إلى الصلاة فيعرف الصبي أن الليل قد أقبل ، ويقدر في نفسه أن الظلمة قد أخذت تكتنفه ، ويقدر في نفسه أن لو كان معه في الغرفة بعض المبصرين لأضيء المصباح ليطرد هذه الظلمة المتكاثفة ، ولكنه وحيد لا حاجة له إلى المصباح فيما يظن المبصرون ، وإن كان ليراهم مخطئين في هذا الظن ، فقد كان في ذلك الوقت يفرق تفرقة غامضة بين الظلمة والنور .وكان يجد في المصباح إذا أضيء جليساً له ومؤنساً . وكان يجد في الظلمة وحشة لعلها كانت تأتيه من عقله الناشئ ومن حسه المضطرب .. والغريب أنه كان يجد للظلمة صوتاً يبلغ أذنيه ، صوتاً متصلاً يشبه صوت البعوض لولا أنه غليظ ممتلئ وكان هذا الصوت يبلغ أذنيه فيؤذيهما ، ويبلغ قلبه فيملؤه روعاً ، وإذا هو مضطر إلى أن يغير جلسته فيجلس القرفصاء ويعتمد بمرفقيه على ركبتيه ويخفي رأسه بيديه ويسلم نفسه لهذا الصوت الذي يأخذه من كل مكان .
***
وسعى إلى مكان الامتحان في زاوية العميان خائفاً أشد الخوف مضطرباً أشد الاضطراب ، ولكنه لم يكد يدنو من الممتحنين حتى ذهب عنه الوجل فجأة ، وامتلأ قلبه حسرة وألماً ، وثارت في نفسه خواطر لاذعة لم ينسها قط ، فقط انتظر أن يفرغ الممتحنان من الطالب الذي كان أمامهما ، وإذا هو يسمع أحد الممتحنين يدعوه بهذه الجملة التي وقعت في أذنه ومن قلبه أسوأ وقع : ( أقبل يا أعمى ) ولولا أن أخاه أخذ بذراعه في غير رفق وقاده إلى الممتحنين في غير كلام لما صدق أن هذه دعوة قد سيقت إليه ، فقد كان تعود من أهله كثيراً من الرفق به وتجنباً لذكر هذه الآفة بمحضرة ، وكان يقدر ذلك وإن كان لم ينس قط آفته ولم يُ شغل قط عن ذكرها .
***
اشتد ضيقه بالأزهر وأهله وبحياته في القاهرة .....، من الأزهر إلى الجامعة هو رمز لانتقال المجتمع العربي من ثقافة القرون الوسطى إلى أبواب الحضارة الحديثة .
***
حتى إذا أنشئت الجامعة وعلم الفتى علمها ذهب عنه الخوف وملأ الأمل نفسه رضا وبهجة وسرور ، واستمع الفتى لأول درس من دروس الجامعة في الحضارة الإسلامية ، فراعه ما راعه شيء لم يكن له بمثله عهد في الأزهر ... ، كان تحرقه لدرس اليوم الثالث أشد من تحرقه إلى الدرسين اللذين سبقاه ، فسيكون الأستاذ إيطالياً ، ويتحدث باللغة العربية ...
***
هذا الأستاذ كارلو نالينو المستشرق الإيطالي يدرس باللغة العربية تاريخ الأدب والشعر الأموي .. وهذا الأستاذ سنتلايا يدرس بالعربية تاريخ الفلسفة الإسلامية وتاريخ الترجمة بخاصة .. وإذا الفتى يخرج من حياته الأولى خروجاً يوشك أن يكون تاماً ، لكن عقله قد نأى عن بيئته نأياً تاماً واتصل بأساتذته أولئك اتصالاً متيناً .
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
فرج احميد- مستشار
-
عدد المشاركات : 17243
العمر : 62
رقم العضوية : 118
قوة التقييم : 348
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
جلنار- مستشار
-
عدد المشاركات : 19334
العمر : 35
رقم العضوية : 349
قوة التقييم : 28
تاريخ التسجيل : 19/07/2009
رد: من كتاب الأيام ((طه حسين ))
على رأى رونالدو ... مشاركة خبرها مو هنا بلكل .. تشكر على ما قدمت
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: من كتاب الأيام ((طه حسين ))
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
لحظة الوداع من أصعب اللحظات على البشر .. ولكن ما باليد حيله
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
زهرة اللوتس- إداري
-
عدد المشاركات : 124527
العمر : 42
رقم العضوية : 2346
قوة التقييم : 158
تاريخ التسجيل : 30/06/2010
رد: من كتاب الأيام ((طه حسين ))
شكرا على هذا الطرح الرائع
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: من كتاب الأيام ((طه حسين ))
كل الشكرعلى المتابعه المستمره
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
مواضيع مماثلة
» لدكتور "حسين علي حسين" وكيل وزير الصحة بمهام تسيير أعمال الوزارةلحين عودته
» كتاب جدير باى مكتبة منزلية ليبية (تحميل كتاب مفردات بنغازية)
» كتاب طبــرق كتاب يحطم رقم قياسي فى المبيعات فى استرالي
» أول كتاب طبخ ألكتروني بالصور ’’ عربي’’ (كتاب أمة الله)
» من هو طه حسين ؟
» كتاب جدير باى مكتبة منزلية ليبية (تحميل كتاب مفردات بنغازية)
» كتاب طبــرق كتاب يحطم رقم قياسي فى المبيعات فى استرالي
» أول كتاب طبخ ألكتروني بالصور ’’ عربي’’ (كتاب أمة الله)
» من هو طه حسين ؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR