دق ناقوس الخطر

أكد عدد من أساتذة وخبراء علم الاجتماع، أنّ مشكلة (العنوسة) في الوطن العربي والإسلامي بدأت تدخل في نفق مظلم، بسبب إرتفاع معدلات الفتيات اللاتي فاتهنّ (قطار الزواج)، نتيجة لظروف اجتماعية، أم إقتصادية، أم قانونيّة، أم ثقافية...أم غيرها من المعتقدات والسلوكيات غير السويّة التي أعاقت زواج الشباب، وأسهمت في تفاقم المشكلة وتحويلها إلى ما يشبه (القنبلة) الموقوتة، تكاد تنفجر،




إنّ مشكلة العنوسة (كابوس) يهدد الملايين من الفتيات في العالم العربي والإسلامي، بعد أن تبددت أحلامهنّ في عشّ الزوجية الجميل الذي يتم تتويجهن فيه كالملكات، وممارسة غريزة الأمومة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في قلب الأنثى، فهذه الأحلام تنهار شيءً فشيء ما لم تكن هناك حلول عاجلة، نابعة من روح ديننا الحنيف وأخلاقنا الإسلامية.

حيث إنّ زيادة معدلات العنوسة يهدد بزيادة معدلات الجرائم الأخلاقية، والإنحراف الجنسي والعلاقات غير الشرعية والتي يدخل فيها الزواج العرفي وغير من العلاقات غير المقبولة، وزيادة معدلات الإغتصاب، وتعني في المجمل العام تحللاً أخلاقياً للمجتمع، وهو خطر داهم يحمل في طياته بذور إنهيار استقرار المجتمعات، ويتطلب تكاتف الجهود من أجل التغلب على هذا الخطر.

ولا شكّ أنّ للإعلام دوراً مؤثراً في قضية (العنوسة) التي تجعل نظرات المجتمع تطارد الفتاة ولا ترحم كل من تقدم بهن السن دون الزواج، فإنّ وسائل الإعلام تركز في عرضها للحياة الزوجيّة على أنها فكرة ثقيلة الظل، يجني من ورائها المرء الهموم والمسئولية الثقيلة، وترسم لنا صورة زوجة تحوّل حياة الزّوج إلى عذاب ومعاناة، وأولاد يحيطون آباءهم بالطلبات والإحتياجات، وقد ظلت الأفلام تخدر الشباب وتدس لهم السمّ في العسل موهمةً إيّاهم أنّ الحياة السعيدة هي التي تكون بلا زواجٍ.

وأنه عندما يتم تقديم نماذج من الأزواج والزوجات يختار نماذج الفتاة الجميلة الرشيقة المثقفة الجامعية التي من عائلة محترمة وغنية و متدينة وبها كل الصفات الإيجابية، وكذلك العريس فهو وسيم مثقف جامعي متدين يعمل بمهنة مرموقة من عائلة محترمة شخصية جذابة، وهكذا دائما. وهذا ما أخذ بالكثير من الفتيات ـ قبل الفتي ـ بالتفكير والعيش بأحلام خالية من الواقع: حيث ما زالت بعض الفتيات تحتفظ في مخيّلتها بصورة الشاب الذي ترغب أن تتزوج به يوماً ما، وأن يكون شريك حياتها وأباًً لأبنائها، وما زالت تسقي الزهور التي بداخلها، على الرغم من بلوغها سنّاً ما، وقسوة أسرتها عليها، ووصف أقاربها لها ب ـ العانس ـ، وكذلك تعليقات صديقاتها لها أنّها ستبقى كالبيت الوقف إذا لم تقرر سريعاً الدّخول إلى عالم المتزوجات من أيّ رجلٍ يطرق باب منزلها!، ولم يثن ذلك النقد وتلك الضغوطات من رؤية تلك البنات للحياة الزّوجيّة ولشكل شخصية الرجل الذي ترغب أن يقاسمها بقية حياتها، فهي بالرغم من تقدم عمرها، إلاّ أنّها تؤمن أنّه لا بدّ أنّ هناك فرصة ذهبيّة ستأتي ومعها (رجل) يحمل شيئاً من صفات الزوج الذي ترغب أن تكمل حياتها معه، وتنجب منه الأبناء، فهي لا ترغب بمجرد الزّواج والإرتباط بأيّ رجلٍ، حتى إن كان معدوم المميزات لمجرد خوض تجربة الزواج والخلاص من لقب ـ عانس ـ، إنّما ترغب أن يكون في حياتها زوج حقيقي أو لا يكون، فهي تثق بنفسها وتعلم أنّ عدم زواجها لا يقلل من شأنها كإنسانه. ومن هنا كان من الضرورة أنّ ينزل الإعلام إلى أرض الواقع، وتكون هناك أعمال فنيّة وأفلام تساهم في حلّ المشكلة من خلال رسم الصورة الحقيقية للزّواج، وما يجب أن يكون عليه الحال لبناء عشّ الإستقرار الأسري وتكوين أجيال سليمة نفسياً وخالية من العقد. فليس المطلوب من الفتات القبول بمطلق الرجل، لمجرّد الزواج، لكنّ العيش في أحلام وكثرة الشروط والمميّزات، في غير محلّها أبداً، حيث لا يمكن تخيّل إنسان خالٍ من النّقص.

حلول لتفادي المفاهيم الخاطئة :
يرى الكثير من علماء الإجتماع: أنّ المجتمع العربي والإسلامي يتخبط بين عاداته وتقاليده وبين مفاهيم الحضارة، وقد تجسد ذلك واضحاً في عدم تفهّم الأسر للتحولات الإقتصاديّة وما صاحبها من أزمات وتغيرات إجتماعية، فهي لا تزال تطالب مَن يتقدم للزواج من بناتها بمطالب يعجز عن تلبيتها معظم شباب اليوم، ومن ثم تحوّلت مشكلة العنوسة وفقاً لهذا الإتجاه إلى مشكلةٍ ماديةٍ بحتةٍ، نتيجة التغييرات الحادة التي طرأت على تفكير أغلب الناس، ويرى بعض علماء الإجتماع، أنّ هناك حلولاً كثيرةً مطروحةً لعلّ الأنسب منها هو العمل بما يروى عن رسول الله (ص): (أكثر النساء بركةً أقلهنّ مهوراً) بالإضافة إلى إنتهاء الآباء عن تشددهم في مطالبهم لمن يتقدم لخطبة بناتهم، وأيضاً فإن فكرة الزّواج الجماعي حالياً في كثير من الدّول العربيّة والإسلاميّة أصبحت تلقى قبولاً ونجاحاً، وبالتالي يجب على الجمعيات الخيريّة ورجال الأعمال في المجتمع العربي والإسلامي تبني هذه الفكرة ودعمها بالأموال والدّعاية لها، وعدم النظر إليها بعين الاحتقار.