إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
الظهار تعريفه وحكمه
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الظهار تعريفه وحكمه
قوله: «الظهار» مصدر ظاهر يظاهر ظهاراً، مثل قاتل يقاتل قتالاً، وجاهد يجاهد جهاداً، هو مشتق من الظهر؛ لأن الظهر هو محل الركوب والمرأة مركوب عليها، فلهذا سمي هذا النوع من معاملة الزوجة ظهاراً.
والظهار أن يشبه الرجل زوجته بأمه، فيقول: أنت علي كظهر أمي، وهذه الكلمة ظهار بالإجماع، ولو نوى بها الطلاق فإنها تكون ظهاراً، وكانوا في الجاهلية يجعلون الظهار طلاقاً بائناً، ولهذا لو قال إنسان: أنا أريد بالظهار الطلاق، قلنا له: لا نقبل هذه النية؛ لأننا لو قبلنا نيته لرددنا الحكم في الإسلام إلى الحكم في الجاهلية، ولأن لفظه صريح في الظهار، والصريح لا تقبل نية خلافه، كما مر علينا في صريح الطلاق أنه لو قال: أنت طالق، ثم قال: ما أردت الطلاق، فإنه لا يقبل منه، ولو قال: أنت طالق طلقة واحدة وقال: أردت ثلاثاً ما يقبل؛ لأنه لفظ صريح، ولو قال: أنت طالق ثلاثاً وقال: أردت واحدة ما يقبل، كذلك إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، وقال: أردت الطلاق، فإنه لا يقبل؛ لعلتين:
أولاً : أنه مخالف لصريح اللفظ، وما خالف الصريح فغير مقبول.
ثانياً : أننا لو قبلنا ذلك لرددنا حكم الظهار من الإسلام إلى الجاهلية، وهذا أمر لا يجوز؛ لأن الإسلام أبطله.
فإذا قال: أنت علي كأمي، أي: في المودة والاحترام والتبجيل فليس ظهاراً؛ لأنه ما حرمها، وإذا قال: أنت أمي، فحسب نيته، فإذا أراد التحريم فهو ظهار، وإذا أراد الكرامة فليس بظهار؛ فإذا قال: يا أمي تعالي، أصلحي الغداء فليس بظهار، لكن ذكر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته باسم محارمه، فلا يقول: يا أختي، يا أمي، يا بنتي، وما أشبه ذلك، وقولهم ليس بصواب؛ لأن المعنى معلوم أنه أراد الكرامة، فهذا ليس فيه شيء، بل هذا من العبارات التي توجب المودة والمحبة والألفة.
مسألة: لو شبهها بغير أمه، فهل هو ظهار؟ لو قال: أنت عليّ كظهر أختي، أيكون ظهاراً؟ من أخذ بظاهر اللفظ قال: ليس بظهار؛ لأن ظهر غير الأم لا يساوي ظهر الأم؛ إذ إن استحلال الأم أعظم من استحلال الأخت، فيكون تشبيه الزوجة التي هي أحل شيء بالأم التي هي أحرم شيء أقبح مما إذا شبهها بالأخت، فلا يقاس عليه، لكن جمهور أهل العلم على خلاف هذا القول، وأن الظهار لا يختص بالأم، بل يشملها ويشمل غيرها.
وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَمَنْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ، أَوْ بَعْضَها بِبَعْضِ، أَوْ بِكُلِّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَداً بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ مِنْ ظَهْرٍ، أَوْ بَطْنٍ، ...........................
قوله: «وهو محرَّم» يعني أن الظهار محرَّم، والدليل قوله تعالى: {{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}} [المجادلة: 2] فكذبهم الله تعالى شرعاً وقدراً، قدراً في قوله: {{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}} وشرعاً في قوله: {{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}} والمنكر حرام، والزور حرام.
فإذا قال قائل: ما وجه وصفه بالمنكر والزور؟
قلنا: هذه الصيغة «أنت علي كظهر أمي» تضمنت خبراً وإنشاءً، فالخبر أن زوجته كظهر أمه وهذا زور وكذب، والإنشاء هو إنشاء تحريمها، وهو حرام، فيكون منكراً، فصار منكراً باعتباره إنشاء للظهار، وزوراً باعتباره كذباً.
أما تعريفه فقال المؤلف:
«فمن شبه زوجته أو بعضها ببعض أو بكل من تحرم عليه أبداً، بنسب، أو رضاع من ظهر أو بطن» فقوله: «فمن شبه» عامة تشمل البالغ والصغير، وأما المجنون فما تشمله؛ لأن المجنون لا قصد له، فيصح الظهار من الزوج الصغير.
وعلم من قوله: «شبه زوجته» أنه لا بد أن يكون قد عقد عليها عقداً صحيحاً، فإن ظاهر من امرأة ثم تزوجها بعد فإنه لا يكون ظهاراً؛ لأنه حين ظاهر منها لم تكن زوجته، وهذا الذي يفيده كلام المؤلف هو الحق، أن الظهار لا يصح إلا من الزوجة، والمشهور من المذهب أن الظهار يصح من الأجنبية التي ما تزوجها، فإذا قال لامرأة ما تزوجها: أنت علي كظهر أمي، فإذا تزوجها نقول: لا تجامعها ولا تقربها حتى تكفر كفارة الظهار، والصحيح أنه لا يصح، والدليل قول الله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [المجادلة: 3] ولا تكون المرأة من نسائهم إلا بعقد، فهو كقوله: {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [البقرة: 226] .
وقوله: «أو بعضها» أي: شبه بعضها، بأن قال: يدك علي كظهر أمي، نقول: هذا مظاهر؛ لأن التحريم لا يتبعض، فلا يوجد امرأة يدها حلال وجسمها حرام، ولا العكس، ولهذا سبق لنا أنه لو طلق عضواً من أعضائها طلقت؛ لأن الطلاق لا يتبعض.
وقوله: «ببعض أو بكل من تحرم عليه» فالمشبه بها لا فرق بين الكل والبعض، فلو قال: أنت علي كيد أمي صح الظهار، مثل: أنت علي كظهر أمي، فالظهر جزء من الأم، إذاً إذا شبه الزوجة كلها أو بعضها بمن تحرم عليه كلها أو بعضها صح الظهار؛ لأن الظهار لا يمكن أن تبعض؛ إذ لا يمكن أن تكون يد امرأة حلال له وبقية بدنها حرام، فلما لم يكن متبعضاً صار البعض كالكل.
وقوله: «بمن تحرم عليه أبداً» أفاد المؤلف: أنه لا بد أن يكون المشبه بها ممن تحرم عليه أبداً، يعني تحريماً مؤبداً، احترازاً من التي تحرم عليه إلى أمد كأخت زوجته، فلو قال لزوجته: أنت حرام علي كظهر أختك، فأختها حرام عليه ما دامت الزوجة معه، لكن لو بانت الزوجة منه لحلَّت له أختها، فهذا لا يكون ظهاراً.
وقوله: «ببعض أو بكل من تحرم عليه» لو شبهها بأجنبية لم يعقد عليها، قال: أنت علي كفلانة، فلا يكون مظاهراً؛ لأنها لا تحرم عليه.
ولو شبهها بظهر أبيه، قال: أنت علي كظهر أبي فغير ظهار؛ لأن المؤلف يقول: «بمن تحرم عليه» .
إذاً لو شبهها بأي رجل من الرجال فليس بظهار، ولو شبهها بامرأة أجنبية فليس بظهار، ولو شبهها بمن تحرم عليه إلى أمد فليس بظهار.
وقوله: «بنسب أو رضاع» النسب معروف، والمحرمات بالنسب عدَّدَهن الله في القرآن، فقال تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ}} [النساء: 23] فهن سبع: الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، والأخت، والعمَّة وإن علت، والخالة وإن علت، وبنت الأخ وإن نزلت، وبنت الأخت وإن نزلت، هؤلاء سبع.
ونظير هؤلاء السبع من الرضاع حرام؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» [(118)]، وهذا تبيين للقرآن، فالقرآن يقول: {{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}} [النساء: 23] فجاءت السنة لتبيين هذا، فنقول: الأم من الرضاع وإن علت، والبنت من الرضاع وإن نزلت، والأخت من الرضاع، والعمة من الرضاع وإن علت، والخالة من الرضاع وإن علت، وبنت الأخ من الرضاع وإن نزلت، وبنت الأخت من الرضاع وإن نزلت.
فلو قال الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي من الرضاع صار مظاهراً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، وإن كان بلا شك أن بشاعة ظهر الأم من النسب أعظم من بشاعة ظهر الأم من الرضاع، وبنت الأخت من الرضاع ليست مثل بنت الأخت من النسب، لكن مع ذلك ما دام النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فالحكم واحد.
بقي صنف ثالث من المحرمات على التأبيد ما ذكره المؤلف، وهو المحرمات بالصهر، فظاهر كلام المؤلف أنه لو شبه زوجته بأمها، فقال: أنت علي كظهر أمك، فظاهر كلامه أنه ليس بظهار؛ لأنه قال: «بنسب أو رضاع» ولكن سيأتي في كلام المؤلف أن المحرمات بالصهر كالمحرمات بالرضاع.
إذاً القاعدة: من شبه زوجته أو بعضها ببعض أو بكل من تحرم عليه تحريماً مؤبداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهو مظاهر.
وقوله: «من ظهر» هذا بيان لقوله: «ببعض من تحرم عليه» فيقول: أنت عليَّ كظهر أمي.
وقوله: «أو بطن» كأن يقول: أنت علي كبطن أمي.
أَوْ عُضْوٍ آخَرَ لاَ يَنْفَصِلُ، بِقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ، أَوْ مَعِي، أَوْ مِنِّي كَظَهْرِ أَمِّي، أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ وَجْهِ حَمَاتِي وَنَحْوِهِ، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَعَلَيْهَا كَفَّارَتُهُ. وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ.
قوله: «أو عضو آخر لا ينفصل» مثل اليد والرجل والأصبع، فلو قال: أنت علي كشعر رأس أمي، فليس مظاهراً؛ لأن الشعر في حكم المنفصل، وإذا انفصل عنها فليس له حكم.
قوله: «بقوله لها: أنت عليَّ أو معي أو مني كظهر أمي، أو كيد أختي، أو وجه حماتي ونحوه» .
التحريم بالمصاهرة كالتحريم بالرضاع والنسب، فيكون التشبيه بالمُحرَّمة بالمصاهرة، كالتشبيه بالمُحرَّمة من النسب والرضاع، والمحرمات بالصهر على الزوج أم زوجته وإن علت، وبنتها وإن نزلت، لكن بشرط أن يكون قد دخل بأمها؛ لقوله تعالى: {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} [النساء: 23] ، فإذا قال لزوجته: أنت عليَّ كبنتك من فلان، فهو مظاهر؛ لأنه شبهها بمن تحرم عليه بالصهر، وإذا قال: أنت عليّ كظهر ابنتك مني فهو مظاهر؛ لأنه شبهها بمن تحرم عليه بالنسب.
وقوله: «حماتي» الحماة أم الزوجة، أو قريباتها، لكن هنا يقصد أمها؛ لأن باقي القريبات تحرم عليه إلى أمد، فإذا قال: أنت علي كظهر أمك أو بطنها، أو يدها، أو رجلها أو أنفها أو شفتها، أو ما أشبه ذلك فهو مظاهر.
قوله: «أو أنت علي حرام» إذا قال: أنت عليّ حرام، فهو مظاهر، وقد سبق لنا في هذه المسألة تفصيل، فالمذهب أنه ظهار في كل حال، ولو نوى الطلاق أو اليمين.
والصواب أن في ذلك تفصيلاً:
أولاً: إذا قال: أنت عليَّ حرام فالأصل أنه يمين، وإذا كان الأصل أنه يمين صار حكمه حكم اليمين، فيكفر كفارة يمين وتحل له، والدليل على هذا قول الله تبارك وتعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}} [التحريم: 1، 2] ، والزوجة مما أحل الله له، فإذا حرمها فهو يمين، وما ذهب إليه المؤلف وغيره من الفقهاء قول مرجوح بلا شك، ولهذا صح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن من حرم زوجته فإنه يمين يكفرها[(119)].
ثانياً: إذا قصد الإنشاء، فإن نوى اليمين فهو يمين، وإن نوى الطلاق صار طلاقاً؛ لأن هذه الكلمة يصح أن يراد بها الطلاق، فإن الطلاق يحرم الزوجة، فيصح أن ينوي بها الطلاق لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [(120)]، وهذا نوى معنى ينطبق عليه هذا اللفظ، وإن نوى الظهار فهو ظهار؛ لأنه يحتمل كل هذه المعاني.
ثالثاً : أن يقول: أنت علي حرام مخبراً بتحريمها، يعني أنت عليَّ حرام بدل أن تكوني حلالاً، فهنا نقول له: كذبت، إلا أن تكون في حال يحرم عليه جماعها كالحائض والنفساء، والمحرمة بحج أو عمرة، ويريد بذلك الجماع فنقول: صدقت، وهذا القسم ليس فيه كفارة؛ لأنه إما كاذب وإما صادق فلا حنث فيه، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
قوله: «أو كالميتة» إن قال: أنت كالميتة، وقال: أنا أريد ميتة السمك، وميتة السمك حلال، لكنه خلاف الظاهر؛ لأنه عند الإطلاق إذا قيل ميتة فإنما يراد بذلك الميتة المحرمة، فيُدَيَّن، وقد سبق لنا أننا إذا قلنا: يدين، فإننا ننظر إلى حال الزوج، إن كان رجلاً صادقاً يخاف الله ـ عزّ وجل ـ فإنه لا يجوز للمرأة أن تحاكمه، وإن كان أمره بالعكس فإنه يجب عليها أن تحاكمه.
ثم إن قد يكون هناك قرينة تمنع دعواه أنه أراد ميتة السمك، وذلك فيما إذا كان في مغاضبة بينه وبين الزوجة، فقال: أنت عليَّ مثل الميتة، ثم قال: أردت ميتة السمك فهنا القرينة تكذبه.
قوله: «والدم» قال: أنت عليّ كالدم، والدم حرام، لكن يوجد دم حلال، وهو الكبد والطحال، فإذا قال: أنا نويت الحلال دُيِّنَ؛ لأن هذا خلاف الظاهر، وما كان خلاف الظاهر فإنه لا يقبل منه حكماً.
قوله: «فهو مظاهر» لكن سبق لنا في كلام المؤلف أنه إذا نوى بقوله: كالدم، والميتة، والخنزير الطلاق فهو طلاق، وإن نوى اليمين فهو يمين، وكلام المؤلف هنا لا يعارض كلامه فيما سبق، فيحمل كلامه هنا على ما إذا نوى الظهار، أو لم ينوِ شيئاً، أما إذا نوى اليمين فهو يمين، وإذا نوى الطلاق فهو طلاق.
قوله: «وإن قالته لزوجها فليس بظهار» أي: قالت المرأة لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي فهل تكون مظاهرة؟ لا؛ لأن الله قال: {{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [المجادلة: 2] ، وقال: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [المجادلة: 3] ولم يقل: يظاهرون من أزواجهن، فجعل الظهار للرجل، فكما أنها لا تطلق نفسها، فلا تظاهر من زوجها.
قوله: «وعليها كفارته» أي: عليها كفارة الظهار، وهذه من المسائل الغريبة أن يقال: ليس بظهار وعليها كفارته! فهذا شيء من عجائب العلم أن يُنفى الشيء، وتترتب آثاره؛ لأن الواجب إذا قلنا: ليس بظهار، أن لا يلزمها كفارة ظهار، وهل يمكن أن يوجد الأثر دون المؤثر؟! فكيف نوجب على المرأة كفارة الظهار ونحن نقول: إنه ليس بظهار؟! فهذا تناقض.
مثال ذلك: قالت لزوجها: أنت علي كظهر أبي، فجاء زوجها في الليل، وطلب منها أن يجامعها، نقول: نعم، تمكنه من الجماع؛ لأنه ليس بظهار، ولكن يجب عليها أن تعتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً.
والقول الثاني في المسألة: أنها ليس عليها كفارة ظهار، وهو الصواب بلا شك، وأن عليها كفارة يمين فقط، فما دمنا حكمنا بأنه ليس بظهار، فكيف نلزمها بحكمه؟! لأن الكفارة فرع عن ثبوت الظهار، فإذا لم يثبت الظهار فكيف نقول بالكفارة؟!
فالصواب: أن عليها كفارة يمين فقط؛ لأنه لا يعدو أن تكون قد حرَّمته ـ أي الزوج ـ فيكون داخلاً في قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}} [التحريم: 1] ، فإذا قالت لزوجها: أنت علي كظهر أبي، ثم مكنته من جماعها، لزمها كفارة يمين، عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، على التخيير، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام.
قوله: «ويصح من كل زوجة» يعني يصح أن يظاهر الرجل من كل زوجة، سواء دخل بها أم لم يدخل، وسواء كانت صغيرة أم كبيرة، وسواء كانت يمكن وطؤها أو لا يمكن.
وقوله: «ويصح من كل زوجة» علم منه أنه لا يصح من غير الزوجة، وسبق لنا أن المذهب يصح من الأجنبية، فإذا تزوجها لم يقربها حتى يكفر، وأن الصواب أنه في غير الزوجة لا يصح، ولكن إن عقد عليها لا يجامعها حتى يكفر كفارة يمين، كما لو قال: والله لا أجامع هذه المرأة ثم تزوجها، فإنها تحل له ولكن يكفر كفارة يمين.
* * *
فَصْلٌ
وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُعَجَّلاً، وَمُعَلَّقاً بِشَرْطٍ، فَإِذَا وُجِدَ صَارَ مُظَاهِراً، وَمُطْلَقاً، وَمُؤقَّتاً،.........
قوله: «ويصح الظهار معجلاً» يعني مُنجزاً، مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي.
قوله: «ومعلقاً بشرط» مثل أن يقول: إن فعلت كذا فأنت عليَّ كظهر أمي، أو إذا دخل شهر ربيع فأنت عليَّ كظهر أمي.
قوله: «فإذا وجد» الضمير يعود على الشرط.
قوله: «صار مظاهراً» لأن القاعدة أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط.
قوله: «ومطلقاً» يعني يصح غير موقت بوقت، بأن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي.
قوله: «ومؤقتاً» أي: يصح بأن يقول: أنت علي كظهر أمي شهرين، أو أنت علي كظهر أمي شهراً، وما أشبه ذلك، ودليل ذلك أن سلمة بن صخر ـ رضي الله عنه ـ ظاهر من زوجته شهر رمضان[(121)]، فهذا موقت بشهر رمضان، فيصح، وهذا ربما يجري من الإنسان، بأن يغضب على زوجته لإساءتها عشرته، فيقول: أنت علي كظهر أمي كل هذا الأسبوع، أو كل هذا الشهر، أو ما أشبه ذلك.
وقوله: «يصح» يعني ينعقد، وليس معنى ذلك أن ذلك يحل، فإذا مضى الوقت وجامعها بعد مضي الوقت لا تجب عليه الكفارة؛ لأنه انتهت المدة فزال حكم الظهار.
فَإِنْ وَطِئَ فِيهِ كَفَّرَ، وَإِنْ فَرَغَ الوَقْتُ زَالَ الظِّهَارُ، وَيَحْرُمُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَطْءٌ وَدَوَاعِيهِ مِمَّنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، ..........................
قوله: «فإن وطئ فيه كفَّر» لأنه وطئ في الوقت الذي هي عليه كظهر أمه.
قوله: «وإن فرغ الوقت» ووطئ بعد الفراغ.
قوله: «زال الظهار» أي: انتهى؛ لأن وقته انتهى.
قوله: «ويحرم قبل أن يكفِّر وطء ودواعيه ممن ظاهر منها» ظاهر قول المؤلف: «قبل أن يكفِّر» أنه لا فرق بين أن تكون الكفارة عتقاً، أو صوماً، أو إطعاماً، ولننظر في الآيات:
قال الله تعالى: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] هذا واضح أنه يجب إخراج الكفارة قبل المسيس، {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 4] فلو صام شهرين إلا يوماً واحداً، وفي آخر يوم جامع زوجته، نقول: أعد؛ لأن الله اشترط صيام شهرين متتابعين من قبل المسيس، فإن قال: لا أستطيع أن أبقى شهرين متتابعين صائماً، نقول: انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، {{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}} [المجادلة: 4] وليس فيها {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}}.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين الأنواع الثلاثة، وأنه لا يجوز أن يجامع حتى يكفِّر، أما في مسألة العتق والصيام فظاهر، وأما في مسألة الإطعام فمشكل؛ لأن الله ـ عزّ وجل ـ قيد النوعين الأولين {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} وسكت عن الثالث، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ما سكت الله عنه فهو عفو» [(122)]، ولا يمكن أن يحمل هذا المطلق على المقيد؛ وإن كان السبب واحداً وهو الظهار؛ لأن الحكم مختلف، وإذا اختلف الحكم فإنه لا يحمل المطلق على المقيد؛ ولذلك لم نحمل مطلق قوله تعالى في التيمم: {{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] على مقيده في آية الوضوء في قوله: {{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} [المائدة: 6] مع أن السبب واحد؛ وذلك لاختلاف الحكم، وهنا الحكم مختلف؛ ولذلك في مسألة الصيام أعاد الله تعالى {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] ولم يُحِل على التقييد في مسألة الرقبة، فلما قَيّد في الأول، وأتبعه قيداً في الثاني، وسكت عن الثالث عُلم أنه غير مراد، وأنه لا يشترط فيما إذا كان الإنسان غير قادر على الرقبة، ولا على الصيام، لا يشترط أن يقدم الكفارة؛ لأن الله ما اشترط ذلك، ولأَنَّهُ يجوز أن الله تعالى يسَّر في ذات الإطعام ويسَّر في كونه ليس بشرط في حلِّ الزوجة، فيكون الشارع راعى التيسير والتسهيل، ونظير ذلك مسح الرأس مثلاً، فهو مرة واحدة؛ لأنه لما يُسِّر في أصله يُسِّر في وصفه. وهذا توجيه قوي جداً، وهو أحد القولين في هذه المسألة، أنه إذا كان الواجب في الكفارة الإطعام فإنه يجوز أن يجامع قبل أن يكفِّر.
وقال الآخرون: لا يجوز أن يجامع حتى يكفِّر بالإطعام أيضاً، واستدلوا لذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام قال للمظاهر: «لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به» [(123)]، والله تعالى أمره بالثلاث، فظاهر الحديث العموم، وأنه لا يقربها حتى يكفّر بالإطعام.
وقالوا أيضاً: إذا كان الله ـ تعالى ـ منع المظاهر من جماع الزوجة، حتى يمضي شهران، فمنعه إياها حتى يمضي ساعة أو ساعتان أو وأقل ـ إذ يمكن أن يطعم في أقل من ساعة ـ فمنعه هنا من باب أولى، كما أن الرقبة ـ أيضاً ـ قد لا يجدها في خلال شهر أو شهرين أو ثلاثة، مع كونه غنياً قالوا: فإذا كان هذا في المدة الطويلة، فالمدة القصيرة من باب أولى، وهذا القول وإن كان ضعيفاً من حيث النظر، لكنه قوي من حيث الاحتياط، فالأحوط أن لا يقربها حتى يكفّر بالإطعام، كما لا يقربها حتى يكفّر بالصيام والعتق.
وقوله: «ودواعيه» دواعي الوطء كل ما يكون سبباً في الجماع كالتقبيل، والنظر إليها بشهوة، وتكراره، والضم، يقول المؤلف: إنها حرام؛ سداً للذرائع، وقياساً على المحرم فلا يجوز له أن يجامع ولا أن يباشر.
وقال بعض أهل العلم: إن دواعي الجماع لا تحرم؛ لأن الله تعالى قال: {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}}، وعلى هذا فيجوز له أن يقبلها، ويضمها، ويخلو بها، ويكرر نظره إليها، إلا إذا كان لا يأمن على نفسه، فحينئذٍ تكون له فتوى خاصة بالمنع، وإلا فالأصل الجواز، وهذا القول أصح؛ وذلك لأن الله تعالى حرم التماس وهو الجماع، فأباح ما سواه بالمفهوم، لكن لو كان الرجل يعلم من نفسه ـ لقوة شهوته ـ أنه لو فعل هذه المقدمات لجامع فحينئذٍ نمنعه، ونظيره الصائم يحرم أن يجامع، ويجوز أن يباشر، والحائض يحرم وطؤها وتجوز مباشرتها، فالمهم أنه ليس هناك دليل أنه متى حرم الجماع في عبادة حرم دواعيه.
وَلاَ تَثْبُتُ الكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ إِلاَّ بِالوَطْءِ وَهُوَ العَوْدُ، وَيَلْزَمُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَهُ عِنْدَ العَزْمِ عَلَيْهِ، وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَكْرِيرِهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلِظِهَارِهِ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَاتٍ فَكَفَّارَاتٌ.
قوله: «ولا تثبت الكفارة في الذمة إلا بالوطء» لأنه شرط وجوبها، وأما الظهار فسبب، والسبب إذا كان مشروطاً لا يثبت إلا بوجود الشرط، كالزكاة، سبب وجوبها ملك النصاب، وشرط الوجوب تمام الحول، فلو تلف المال قبل تمام الحول فليس فيه زكاة، كذلك هذه المرأة لو ظاهر منها ثم طلقها فهل تجب عليه الكفارة؟ ما تجب عليه الكفارة؛ لأنه ما وجد شرط الوجوب وهو الجماع، ولهذا قال المؤلف: «ولا تثبت الكفارة في الذمة إلا بالوطء» فلو مات الرجل قبل أن يطأ، أو ماتت المرأة قبل أن يطأها، أو فارقها قبل أن يطأها، لم تجب الكفارة.
فإن قال قائل: أليس قد وجد السبب وهو الظهار؟ قلنا: بلى، لكن هذا السبب مشروط، يشترط لوجوبه الوطء، ولكن لا يجوز الوطء إلا بعد إخراجها، فالإخراج شرط لحل الوطء، وليس شرطاً لثبوتها في الذمة، ولهذا قال المؤلف: «ولا تثبت في الذمة إلا بالوطء» .
قوله: «وهو العود» أي: المذكور في قوله تعالى: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}} [المجادلة: 3] وهو الوطء، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم اختلافاً كثيراً، فما ذهب إليه المؤلف هو القول الأول.
القول الثاني: أن معنى قوله: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}}، أي: ثم يقولون ذلك مرة ثانية، وتكون «ما» مصدرية، أي: ثم يعودون لقولهم، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، ولم يقله مرة ثانية فلا كفارة عليه؛ لأن الله قال: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}}، والذي قالوه صيغة الظهار وهذا رأي الظاهرية، أن العود هو أن يعيد اللفظ مرة ثانية.
وهذا القول ليس بصحيح؛ لأنه يقتضي أن يكون لفظ الظهار الأول لا حكم له إطلاقاً، ثم إنه لو كان المراد ما ذكروا لقال: ثم يُعيدون ما قالوا؛ لأنه إذا جعلنا المراد بالعود أن يقول الظهار مرة ثانية صار معناه الإعادة، فيكون التعبير الفصيح: ثم يُعيدون ما قالوا، والآية ليست كذلك.
القول الثالث: أن معنى الآية أن يعودوا للزوجة، وذلك بأن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلق فيها، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، ثم سكت مدة يمكنه أن يقول فيها: أنت طالق، ولم يطلق صار عائداً لما قال، فصورة العود على رأي هؤلاء أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يسكت، فإذا سكت بعد هذه الكلمة مدة يمكنه أن يقول فيها: أنت طالق، فحينئذٍ تجب عليه الكفارة؛ لأن إمساكها بعد الظهار دليل على أنه رجع فيما قال؛ إذ إن مقتضى قوله: أنت عليّ كظهر أمي أن تكون حراماً عليه، لا تحل له، فإذا أمسك زمناً يمكنه أن يطلق فيه ولم يفعل علم أنه قد ارتضى هذه الزوجة، وأنه قد عاد.
وهذا ـ أيضاً ـ ليس بصحيح؛ وذلك لأن عدم طلاقها في هذه الحال لا يدل على العود، وهذا يقتضي أن يكون لفظ الظهار طلاقاً؛ لأن هذه البرهة ـ الزمن القصير ـ معناه أنه كالطلاق تماماً.
القول الرابع: أن العود هو العزم على الوطء، يعني يعزم على أن يطأ زوجته، فقوله تعالى: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}} أي: يعزمون على استحلال المرأة، بشرط أن يطأها؛ أما إذا عزم على استحلالها ولكن ما وطئ ثم طلق مثلاً؛ فإنه ليس عليه كفارة؛ لأنها ما تجب إلا بالوطء.
وهذا القول هو الصحيح، وعلى هذا فإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ثم عزم على استحلالها، نقول: هذا عود إلى الحل بعد التحريم، لكن لا تجب الكفارة إلا بالوطء، أما المذهب فكما قال المؤلف: إن العود هو نفس الوطء؛ لكن ظاهر الآية الكريمة خلاف ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} فكيف نفسر العود بالمسيس، فإذا قلنا: إن العود هو الوطء صار معنى الآية: ثم يمسوهن فتحرير رقبة من قبل أن يتماسَّا، وهذا لا يستقيم، ولكن العود هو العزم على الوطء، واستحلالها استحلالاً لا يكون للأم، إلا أن الكفارة لا تثبت في الذمة إلا بالوطء.
قوله: «ويلزم إخراجها» أي: إخراج الكفارة.
قوله: «قبله» أي: قبل الوطء.
قوله: «عند العزم عليه» أي: إذا عزم على الوطء، قلنا: لا يمكنك أن تطأ حتى تكفِّر بالعتق، فإن لم يجد فالصيام، فإن لم يستطع بالصيام فالإطعام.
فإن قال قائل: ما الحكمة في أن هذه الكفارة من بين سائر الكفارات لا بد أن تخرج قبل الحنث؟
فالجواب: لأن الظهار منكر من القول وزور، فهو عظيم وقبيح، فشُدِّد على الإنسان فيه، ولأنه لو جامع قبل أن يكفر لأوشك أن يتهاون ويتوانى في الإخراج، فحرم من هذه الزوجة حتى يكفر.
قوله: «وتلزمه كفارة واحدة بتكريره قبل التكفير من واحدة» إذا تكرر الظهار، فهل تتكرر الكفارة أو لا؟ يعني إذا قال: أنت علي كظهر أمي، ثم عاد فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم قال: أنت علي كظهر أمي، فهل تتعدد الكفارة، أم يلزمه كفارة واحدة؟ فيه تفصيل، إن كفَّر عن الأول ثم أعاد الظهار فإن الكفارة تتعدد؛ لأن هذا الظهار غير الأول، ولأنه صادفه وذمته قد برئت من الظهار الأول، فيلزمه أن يعيد الكفارة.
وأما إذا لم يكفِّر عن الأول فتجزئه كفارة واحدة؛ لأن المظاهَر منها واحدة، فالمحل واحد، كما لو حلف أيماناً على شيء واحد، مثل أن يقول: والله لا أدخل دار فلان، ثم قال مرة ثانية: والله لا أدخل دار فلان، ثم قال: والله لا أدخل دار فلان، ثم دخله فيجب عليه كفارة واحدة؛ لأن المحلوف عليه واحد، فكذلك هنا المظاهَر منها واحدة، فلا يلزمه إلا كفارة واحدة.
قوله: «ولظهاره من نسائه بكلمة واحدة» مثل أن يقول لزوجاته الأربع: أنتن علي كظهر أمي، فكذلك عليه كفارة واحدة؛ لأن الظهار واحد، وبهذا نعرف أنه إذا كان الظهار واحداً أو المظاهَر منها واحدة فكفارته واحدة.
قوله: «وإن ظاهر منهن» أي: من زوجاته.
قوله: «بكلمات فكفارات» يعني على عددهن، بأن قال للأولى: أنت علي كظهر أمي، وللثانية: أنت علي كظهر أمي، وللثالثة: أنت علي كظهر أمي، وللرابعة: أنت على كظهر أمي، فيلزمه أربع كفارات؛ لتعدد الظهار والمظاهَر منها، ولو لم يكفر عن الأولى يلزمه أربع كفارات؛ وذلك لأن المحل متعدد، والصيغ ـ أيضاً ـ متعددة.
وقال بعض الأصحاب: إنه يلزمه كفارة واحدة، بناء على أن الكفارات تتداخل، وأن الأيمان إذا تكررت وموجبها واحد لزمه كفارة واحدة، وهذا هو المذهب في الأيمان.
فالمذهب إذا تعددت الأيمان فعليه كفارة واحدة، فعلى المذهب لو قال: هذا عليّ حرام، وقال: والله لا أدخل بيت فلان، وقال: والله لألبسنَّ هذا الثوب، وقال: لله علي نذر أن ألبس العمامة، فهذه أربعة أيمان مختلفة حسب الصيغة، فإذا حنث في كل هذه الأيمان ولم يكفِّر يلزمه على المذهب كفارة واحدة؛ لأنهم يقولون: إذا كان الموجَبُ واحداً فلا عبرة بتعدد السبب، وقاسوا ذلك على رجل أكل لحم إبل، وَبالَ، وتغوَّطَ، وخرجت منه ريح ونام، فهذه خمسة موجبات للوضوء، فيلزمه وضوء واحد، فيقولون: ما دام الموجَب بهذه الأشياء واحداً فلا عبرة بتعدد السبب.
وبناء على هذه القاعدة ـ على المذهب ـ يكون من ظاهر من زوجاته بكلمات ولم يكفّر تلزمه كفارة واحدة، ولكنهم في هذه المسألة خالفوا القاعدة وقالوا: إنه إذا ظاهر من نسائه بكلمات لزمه بعددهن لكل واحدة كفارة.
فالخلاصة: أنه إذا ظاهر من واحدة وكرر الظهار ففيه تفصيل؛ إن كفر تعددت الكفارة، وإن لم يكفِّر فواحدة، وإذا ظاهر من زوجاته إن كان بكلمة واحدة فكفارة واحدة، وإن كان بكلمات فكفارات.
* * *
فَصْلٌ
وكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً،......................
قوله: «وكفارته» أي: كفارة الظهار.
قوله: «عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً» هذا الكلام يدل على أن الكفارة على الترتيب لا على التخيير.
أولاً: عتق رقبة، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في الشروط.
ثانياً: إن لم يجد ما يعتق به رقبة، أو لم يجد رقبة وعنده الثمن فعليه الصيام لقوله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}} فيشمل من لم يجد الرقبة، كرجل يوجد عنده ملايين، لكن ما يجد رقبة يعتقها، أو وجد رقبة لكن ليس عنده مال يشتري به هذه الرقبة، فإنه ينتقل من ذلك إلى صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع لمرض، فإن كان المرض يرجى زواله فإنه يؤجل، كرمضان تماماً.
ثالثاً: إذا كان المرض لا يرجى زواله، كشيخ كبير فهنا ينتقل إلى الإطعام فيطعم ستين مسكيناً، وكأنه ـ والله أعلم ـ عن كل يوم مسكين؛ لأن الغالب أن الشهرين يتمَّان، أو يقال: إن هذا هو غاية التمام في الشهور، ولما جاء البدل وهو الإطعام صار ستين مسكيناً، والدليل قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *} {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً}} [المجادلة: 3، 4] ؛ إذاً النص على هذه الخصال في القرآن الكريم، وترتيبها ـ أيضاً ـ في القرآن الكريم، ولا نزاع في ذلك.
وقوله: «مسكيناً» يشمل الفقير.
ومتى يعتبر الوجود، والعكس، أو الاستطاعة؟
يعتبر عند وجوب الكفارة، فعلى هذا القول إذا لم يجد رقبة، فشرع في الصوم، ثم وجدها في أثناء الصوم هل يلزمه الانتقال؟ لا يلزمه، وكذلك لو فرض أنه كان عند زمن الوجوب لا يستطيع الصوم، فأطعم ستين مسكيناً، أو لم يطعم فإنه في هذه الحال لو قَدِرَ بعد ذلك على الصوم لا يلزمه الانتقال؛ لأن العبرة في القدرة، أو عدم القدرة هو وقت الوجوب.
وقوله: «أطعم ستين مسكيناً» هل إطعام الستين مسكيناً تمليك أو إطعام؟ نقول: في القرآن الكريم أنه إطعام، ولم يقل: أعطوا، بل قال: أطعموا، وحينئذٍ نعلم أنه ليس بتمليك، وبناء على ذلك نقول: إطعام ستين مسكيناً له صورتان:
الأولى : أن يصنع طعاماً، غداء أو عشاء، ويدعو المساكين إليه فيأكلوا وينصرفوا.
الثانية : أن يعطي كل واحد طعاماً ويصلحه بنفسه، ولكن مما يؤكل عادة، إما مُدُّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، وفي عهدنا ليس يكال الطعام، ولكنه يوزن، فيقال: تقدير ذلك كيلو من الأرز لكل واحد، وينبغي أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم ونحوه، ليتم الإطعام، وهل هذا العدد مقصود، أو المقصود طعام هذا العدد؟ المقصود إطعام هذا العدد، لا طعامه، بمعنى لو أن إنساناً تصدق بما يكفي ستين مسكيناً على مسكين واحد لا يجزئ.
ولو أطعم ثلاثين مرتين لا يكفي؛ لأن العدد منصوص عليه، فلا بد من اتباعه، اللهم إلا ألا يجد إلا ثلاثين مسكيناً فهنا نقول: لا بأس للضرورة.
فلو قال قائل: ما الحكمة في أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً؟ نقول: هذا السؤال غير وارد؛ لأن هذا لا مجال للعقل فيه، وإلا لقلنا: كيف صارت الصلوات خمساً؟! وإنما وظيفة المؤمن التسليم، وأن يقول: سمعنا وأطعنا.
فإن قال قائل: وهل إطعام الستين مسكيناً مربوط بصيام الشهرين المتتابعين، بمعنى أنه جعل عن صيام كل يوم إطعام مسكين؟ الظاهر: لا، بدليل أنه لو صام شهرين متتابعين ثمانية وخمسين يوماً أجزأ؛ لأن الله تعالى قال: صيام شهرين، فإذا كان الشهر الأول ناقصاً، والثاني ناقصاً فصام ثمانية وخمسين يوماً لأجزأ.
وَلاَ تَلْزَمُ الرَّقَبَةُ إِلاَّ لِمَنْ مَلَكَها، أَوْ أَمْكَنَهُ ذلِكَ بِثَمَنِ مِثْلِهَا، فَاضِلاً عَنْ كِفَايَتِهِ دَائِماً، وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ، وَعَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَمَرْكُوبٍ،........................
قوله: «ولا تلزم الرقبة إلا لمن ملكها» يعني كانت عنده حاضرة تحت ملكه.
قوله: «أو أمكنه ذلك» أي: أمكنه ملكها، فليس عنده رقيق، لكن عنده دراهم يمكنه أن يشتري بها رقبة، لكن اشترط المؤلف فقال:
«بثمن مثلها» فلو لم يجد رقبة إلا بأكثر من ثمن مثلها لم تلزمه.
فمثلاً رجل عنده مائة مليون ريال، وعليه كفارة ظهار، ووجد رقبة فقالوا له: بعشرة آلاف ريال، وثمن مثلها تسعة آلاف وتسعمائة ريال فلا تلزمه؛ لأنها أكثر من ثمن مثلها، لكن لو اشتراها بعشرة آلاف ريال، وكفّر بها تجزئه، فالكلام على اللزوم.
لكن الصحيح أن ظاهر قوله: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}} أنه متى صار واجداً على وجه لا يضره، ولا تجحف بماله فإنه يجب عليه أن يعتق؛ لأنه ما اشترط إلا عدم الوجود، فلو فرض أن هذه تساوي خمسة آلاف ريال وقيل: بعشرة، وهو واجد، فظاهر الآية وجوبها عليه.
قوله: «فاضلاً عن كفايته دائماً» أما إن كانت الدراهم التي عنده يحتاجها لكفايته، حتى لو كان لزواجه ـ مثلاً ـ فإنه لا تلزمه الرقبة، ولكن المؤلف يقول: «دائماً» فهل يمكن انضباط ذلك؟ ما يمكن؛ لأننا لا ندري، فيمكن أن يطول عمره ويحتاج لدراهم كثيرة، ويمكن أن يقصر عمره، ويكون هذا الذي عنده زائداً، فهذا لو كان عنده مالٌ كثير ما يستطيع أن يقول: هذا يكفيني دائماً، ولو كان عنده مال قليل لا يستطيع أن يقول: هذا لا يكفيني دائماً؛ والسبب في ذلك أن الأعمار بيد الله عزّ وجل، ولأن الأوقات تختلف، فيمكن أن يقدر الإنسان أن نفقته لهذا العام خمسون ألف ريال، ثم تختلف الأسعار وترتفع فما تكفيه الخمسون ألفاً، ويمكن أن يقدر أن نفقته خمسون ألف ريال وترخص الأسعار ويكفيه عشرون ألف ريال، فهذا أمر لا يمكن انضباطه، وما لا يمكن انضباطه فإن إلزام الناس به عسير، إذاً يمكن أن نؤول كلمة «دائماً» بأن نقول: معناها أن عنده مثلاً صنعة، أو ملك يغل عليه كل سنة عشرة آلاف ريال تكفيه، فهذا نقول: عنده ما يكفيه دائماً، أما أن نقول: إن المراد المؤونة دائماً النقود، فالنقود لا يمكن انضباطها أبداً، فنقول: ما دام عندك مال يمكن أن تشتري به رقبة فاشترِ، فإذا قال: الذي عندي لا يكاد يكفيني خمسين سنة، نقول: وما أدراك أنك ستبقى خمسين سنة؟! والفقهاء ـ رحمهم الله ـ إنما أرادوا مَنْ له دخل مستمر يكفيه.
قوله: «وكفاية من يمونه» أي: يقوم بنفقته، كالزوجة، والأولاد، والأقارب الذين تلزمه نفقتهم، فيقدم مؤونة هؤلاء على العتق الواجب عليه، بل ولم يجب عليه في الواقع.
قوله: «وعما يحتاجه من مسكن» لو كان هذا الرجل عنده مسكن يحتاجه، وقال: لو بعت هذا المسكن، واستأجرت أمكنني أن أعتق رقبة، فلا يجب عليه أن يبيعه؛ لأنه يحتاجه.
وإن كان لديه مسكن يكفيه نصفه وجب عليه أن يبيع النصف الآخر ليعتق الرقبة. فإذا قال: إذا بعت نصفه صار مشقصاً علي، وربما يؤذيني الذي يشتريه، قلنا: هناك طريقة وهي أن يبيعه كله ويشتري مسكناً يناسبه.
قوله: «وخادم» مرادهم الخادم المملوك؛ لأن الخادم الحر ليس بملكك، والخادم يكون عند الإنسان على وجه الترفه والتنعم، وعلى وجه الحاجة، فإذا كان شيخاً كبيراً يحتاج من يساعده إذا قام للمرحاض، أو قام يصلي، أو يلبس ثيابه، وما أشبه ذلك، فهذه حاجة، أما إذا كان عنده خادم لا يحتاجه، إلا أن يقول: قدم لي حذائي، أو افرش لي فراشي، فهذا لا يحتاج إليه، نقول: بعه واشترِ رقبة، أما إذا كان يحتاج إليه، فهل نقول: أعتقه أو بعه واشترِ رقبة؟ الجواب: لا؛ لأن هذا تتعلق به حاجته، وتعلق حاجته به سابق على ظهاره، فتقدم الحاجة السابقة، لكن قال في الروض[(124)]: «صَالِحَيْنِ لمثله إذا كان مثله يخدم» فقيَّدها بقيدين:
الأول: أنهما صالحان لمثله، فلو كان المسكن كبيراً أكثر من مثله، فإنه يبيعه ويشتري ما يكون صالحاً لمثله، ويشتري بالباقي رقبة.
الثاني : أن يكون مثله يخدم.
قوله: «ومركوب» إذا كان غنياً، فمعلوم أنَّ مركوبه سيكون فخماً، وإذا كان وسطاً فمركوبه وسط، وإذا كان فقيراً فمركوبه مركوب فقير، فهذا رجل وسط لكن عنده سيارة فخمة، لا يركبها إلا الملوك وأبناؤهم، وقال: عليَّ عتق رقبة، والسيارة التي معي فخمة أستطيع أن أبيعها وأشتري سيارة تكفيني، وأشتري رقبة بما زاد عن الثمن، فيلزمه أن يبيعها، حتى لو قيل: يلزمه أن يبيعها مطلقاً لكان له وجه؛ لأنها بالنسبة إليه إسراف وتجاوز للحد؛ لأنه يجب أن يعرف الإنسان منزلته وقدره في قومه.
وَعَرَضِ بِذْلَةٍ وَثِيَابِ تَجَمُّلٍ، وَمَالٍ يَقُومُ كَسْبُهُ بِمَؤنَتِهِ، وَكُتُبِ عِلْمٍ وَوَفَاءِ دَيْنٍ، وَلاَ يُجْزِئُ فِي الكَفَّارَاتِ كُلِّهَا إِلاَّ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ،................
قوله: «وعَرَضِ بذْلَةٍ» يعني العرض الذي يبتذل، وهي الأشياء التي تتكرر الحاجة إليها، مثل ثياب العادة، والأواني، وما أشبهها.
قوله: «وثياب تجمُّل» أي: يتجمل بها مثله، فثياب التجمل لا نقول للإنسان: بعْها، واشترِ عبداً تعتقه.
قوله: «ومالٍ يقوم كسبه بمؤنته» أيضاً لا بد أن يكون فاضلاً عن مالٍ يقوم كسبه بمَؤُونته، كرجل عنده مائة ألف لو اشترى عبداً بأربعين ألفاً أمكنه ذلك، لكن مائة الألف كسبها لا يكاد يكفيه وعائلته، فلو أنه اشترى منها عبداً نقص الربح، فتنقص الكفاية والمؤونة، فهل نقول: يلزمك أن تشتري عبداً بأربعين ألفاً، ولو نقصت كفايتك؟ الجواب: لا؛ لأن ذلك إضرار به.
قوله: «وكتب علم» لكن بشرط أن يحتاج إليها، مثل إنسان يحتاج إلى كتب علم في الفقه، في الحديث، في التفسير، في التوحيد، في النحو، المهم أنه يحتاج إليه، أما ما لا يحتاج إليه كما لو كان عنده كتب علم من نوع لا يتعلمه، مثلاً عنده كتب علم حساب، ولا عنده نية أن يتعلمه، أو عنده كتب علم جولوجيا، لكن ما عنده نية أن يتعلم هذا العلم، فهذه يبيعها، كذلك عنده نسختان من كتاب واحد يستغني بإحداهما عن الأخرى يبيعها؛ لأنه ليس في حاجة إليها.
كذلك إذا كان عنده كتب يندر أن يحتاج إليها، وكانت قيمتها يحصل بها إعتاق رقبة وجب عليه بيعها، لا سيما إذا كان في مدينة فيها مكتبة عامة، يستطيع إذا عرضت له هذه المسألة بعد سنة أن يذهب إلى المكتبة ويحررها.
قوله: «ووفاء دين» هذا من أهم الأشياء، فهذا إنسان عنده مائة ألف، لكن عليه ثمانون ألفاً، فيسدد الدَّين أولاً، لأن قضاء الدي واجب، وهو حق للعباد، وأما الكفارة فهي فيما بينك وبين ربك، فإذا بقي شيء بعد الدين ولا يحتاجه لما ذُكِرَ قبل اشترى به رقبة، وإلا فلا، والدين من أهم الأشياء، حتى إن الإنسان يجوز أن يعطى من الزكاة لوفاء دينه.
قوله: «ولا يجزئ في الكفارات كلها إلا رقبة مؤمنة» قد يقول قائل: إن ظاهر كلام المؤلف أن كل الكفارات فيها رقبة، وليس كذلك، وإنما مراده الكفارات التي تحرر فيها الرقبة، فلا يجزئ فيها إلا رقبة مؤمنة، ونحصيها: كفارة الظهار، وكفارة القتل، وكفارة اليمين، وكفارة الوطء في رمضان.
وقوله: «إلا رقبة مؤمنة» هذا من باب إطلاق الجزء على الكل، ولا يمكن إطلاق الجزء على الكل إلا إذا كان هذا الجزء شرطاً في وجوده، وهذه قاعدة مهمة، يعني ما يمكن أن تقول: أصبع؛ لأنه قد يزول أصبع والحياة باقية، وأما الرقبة فلو زالت يموت، ولهذا إذا عبر الله تعالى عن الصلاة بالركوع والسجود فهي واجبات فيها.
وقوله: «مؤمنة» هذا هو الشرط الأول، والمراد بالإيمان هنا مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق، وبينهما فرق، فالإيمان المطلق هو الكامل كالذي في قوله تعالى: {{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *}} [الأنفال] ، وأما مطلق الإيمان فإنه يشمل من آمن وإن لم يكن على هذا الوصف، فيشمل الفاسق، فالمراد مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق.
ولننظر في الدليل على أنه لا بد من الإيمان في جميع الكفارات، كفارة القتل الإيمان فيها صريح منصوص عليه: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] ، وفي كفارة اليمين قال: {{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}} [المائدة: 89] ، وفي كفارة الظهار قال: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] ، هذا الذي في القرآن، وكفارة الوطء في رمضان ثبتت في السنة، قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ للرجل: «هل تجد رقبة» ؟ قال: لا[(125)]، ولم يقل: مؤمنة، فإذا كانت ثلاثة نصوص ليس فيها التقييد بالإيمان، ونص واحد فيه التقييد بالإيمان، وهذا النص الواحد يختلف عن البقية بأنه أعظم منها من وجه، وإن كان أخف منها من وجه آخر، فالتي فيها التقييد بالإيمان هي كفارة القتل، وهي أعظم من الموجَبات الأخرى؛ فهي أعظم من الظهار، ومن الجماع في نهار رمضان، ومن الحنث في اليمين، وأخف منها من وجه؛ لأنها خطأ وهذه عمد، وعلى كل حال المؤلف ـ رحمه الله ـ يشترط الإيمان في كل الكفارات.
ودليله: أن الله شرط الإيمان في كفارة القتل، فَقِيسَ الباقي عليها؛ لأن الموجَبَ واحد وهو عتق الرقبة، ولأنه ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن معاوية بن الحكم ـ رضي الله عنه ـ قال: يا رسول الله إن لي جارية غضبت عليها يوماً فصككتها، وإني أريد أن أعتقها، فقال لها: «أين الله» ؟ قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» [(126)]، ولم يستفصل الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما هذه الرقبة التي عليه، فإذا كان لا يمكن إعتاق الكافر في غير الكفارة، ففي الكفارة من باب أولى، فدل هذا على أن الإيمان شرط في جميع الرقاب الواجبة، ثم نقول ـ أيضاً ـ من جهة النظر: إنه إذا أعتق الرقبة وهي كافرة، فإننا لا نأمن أن يلحق بالكفار؛ لأنه كافر، وتحرر، ولا لأحد عليه قول، وإذا كان مملوكاً فلا يقدر أن يذهب عن سيده فإذا كان يخشى من هذه المفسدة فإنه لا يُعتق الكافر، بل يبقى، وهذا القول رجحانه قوي.
أما الذين قالوا: إن الله تعالى أطلق في موضعين، وقيد في الثالث، والرسول عليه الصلاة والسلام أطلق في الموضع الرابع فقالوا: نطلق ما أطلقه الله، ونقيد ما قيده الله {} [مريم: 64] والأسباب مختلفة، فليس الحنث في اليمين ولا الظهار من الزوجة كالقتل، فالقتل أعظم؛ فلهذا اشترط الله في كفارته أن تكون الرقبة مؤمنة، وإذا كان القتل أشد فلا يمكن أن نقيس الأخف على الأشد، فكلامهم جيد لولا ما يعارضه، ومن ثم اختلف العلماء في غير كفارة القتل هل يشترط الإيمان أو لا يشترط؟ والراجح الاشتراط؛ لقوة دليله وتعليله، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة.
سَلِيمَةٌ مِنْ عَيْبٍ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَراً بَيِّناً، كَالعَمَى وَالشَّلَلِ لِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، أَوْ أَقْطَعِهِمَا، أَوْ أَقْطَعِ الإِصْبعِ الْوُسْطَى، أَوِ السَّبَّابَةِ، أَوِ الإِبْهَامِ، أَو الأَنْمُلَةِ مِنَ الإِبْهَامِ، أَوْ أَقْطَعِ الخِنْصَرِ وَالبِنْصَرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ يُجْزِئُ مَرِيضٌ مَيْؤُوسٌ مِنْهُ وَنَحْوُهُ، ..............................
الشرط الثاني : قوله: «سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً» وهذا الشرط لم يذكره الله ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والدليل على اشتراطه قالوا: لأنه إذا أعتق من كان فيه عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً صار هذا العتيق كلاًّ على الناس، بخلاف ما إذا بقي عند سيده، فإن سيده مأمور أن ينفق عليه، فكأنهم استنتجوا من المعنى اشتراط أن يكون المعتق سليماً من الآفات والعيوب الضارة بالعمل ضرراً بيناً، والعيوب على حسب ما قال المؤلف تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: لا يضر بالعمل أبداً.
الثاني: يضر بالعمل لكن ضرراً خفيفاً.
الثالث: يضر بالعمل ضرراً بيناً.
فأما القسمان الأولان، الضرر الذي لا يضر بالعمل إطلاقاً، أو يضر به ضرراً خفيفاً فإنهما لا يمنعان من إجزاء الرقبة، وأما ما يضر بالعمل ضرراً بيناً فإنه لا تجزئ فيه الرقبة.
مثاله: قوله: «كالعمى» التمثيل بالعمى فيه نظر؛ لأنه ليس كل عمى يمنع من العمل، فكم من أناسٍ عمي وعندهم أعمال يتعيشون بها، فلهذا يجب أن يقيد بالعمى الذي يمنعه من العمل؛ لأن المقصود من العت
والظهار أن يشبه الرجل زوجته بأمه، فيقول: أنت علي كظهر أمي، وهذه الكلمة ظهار بالإجماع، ولو نوى بها الطلاق فإنها تكون ظهاراً، وكانوا في الجاهلية يجعلون الظهار طلاقاً بائناً، ولهذا لو قال إنسان: أنا أريد بالظهار الطلاق، قلنا له: لا نقبل هذه النية؛ لأننا لو قبلنا نيته لرددنا الحكم في الإسلام إلى الحكم في الجاهلية، ولأن لفظه صريح في الظهار، والصريح لا تقبل نية خلافه، كما مر علينا في صريح الطلاق أنه لو قال: أنت طالق، ثم قال: ما أردت الطلاق، فإنه لا يقبل منه، ولو قال: أنت طالق طلقة واحدة وقال: أردت ثلاثاً ما يقبل؛ لأنه لفظ صريح، ولو قال: أنت طالق ثلاثاً وقال: أردت واحدة ما يقبل، كذلك إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، وقال: أردت الطلاق، فإنه لا يقبل؛ لعلتين:
أولاً : أنه مخالف لصريح اللفظ، وما خالف الصريح فغير مقبول.
ثانياً : أننا لو قبلنا ذلك لرددنا حكم الظهار من الإسلام إلى الجاهلية، وهذا أمر لا يجوز؛ لأن الإسلام أبطله.
فإذا قال: أنت علي كأمي، أي: في المودة والاحترام والتبجيل فليس ظهاراً؛ لأنه ما حرمها، وإذا قال: أنت أمي، فحسب نيته، فإذا أراد التحريم فهو ظهار، وإذا أراد الكرامة فليس بظهار؛ فإذا قال: يا أمي تعالي، أصلحي الغداء فليس بظهار، لكن ذكر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته باسم محارمه، فلا يقول: يا أختي، يا أمي، يا بنتي، وما أشبه ذلك، وقولهم ليس بصواب؛ لأن المعنى معلوم أنه أراد الكرامة، فهذا ليس فيه شيء، بل هذا من العبارات التي توجب المودة والمحبة والألفة.
مسألة: لو شبهها بغير أمه، فهل هو ظهار؟ لو قال: أنت عليّ كظهر أختي، أيكون ظهاراً؟ من أخذ بظاهر اللفظ قال: ليس بظهار؛ لأن ظهر غير الأم لا يساوي ظهر الأم؛ إذ إن استحلال الأم أعظم من استحلال الأخت، فيكون تشبيه الزوجة التي هي أحل شيء بالأم التي هي أحرم شيء أقبح مما إذا شبهها بالأخت، فلا يقاس عليه، لكن جمهور أهل العلم على خلاف هذا القول، وأن الظهار لا يختص بالأم، بل يشملها ويشمل غيرها.
وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَمَنْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ، أَوْ بَعْضَها بِبَعْضِ، أَوْ بِكُلِّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَداً بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ مِنْ ظَهْرٍ، أَوْ بَطْنٍ، ...........................
قوله: «وهو محرَّم» يعني أن الظهار محرَّم، والدليل قوله تعالى: {{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}} [المجادلة: 2] فكذبهم الله تعالى شرعاً وقدراً، قدراً في قوله: {{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}} وشرعاً في قوله: {{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}} والمنكر حرام، والزور حرام.
فإذا قال قائل: ما وجه وصفه بالمنكر والزور؟
قلنا: هذه الصيغة «أنت علي كظهر أمي» تضمنت خبراً وإنشاءً، فالخبر أن زوجته كظهر أمه وهذا زور وكذب، والإنشاء هو إنشاء تحريمها، وهو حرام، فيكون منكراً، فصار منكراً باعتباره إنشاء للظهار، وزوراً باعتباره كذباً.
أما تعريفه فقال المؤلف:
«فمن شبه زوجته أو بعضها ببعض أو بكل من تحرم عليه أبداً، بنسب، أو رضاع من ظهر أو بطن» فقوله: «فمن شبه» عامة تشمل البالغ والصغير، وأما المجنون فما تشمله؛ لأن المجنون لا قصد له، فيصح الظهار من الزوج الصغير.
وعلم من قوله: «شبه زوجته» أنه لا بد أن يكون قد عقد عليها عقداً صحيحاً، فإن ظاهر من امرأة ثم تزوجها بعد فإنه لا يكون ظهاراً؛ لأنه حين ظاهر منها لم تكن زوجته، وهذا الذي يفيده كلام المؤلف هو الحق، أن الظهار لا يصح إلا من الزوجة، والمشهور من المذهب أن الظهار يصح من الأجنبية التي ما تزوجها، فإذا قال لامرأة ما تزوجها: أنت علي كظهر أمي، فإذا تزوجها نقول: لا تجامعها ولا تقربها حتى تكفر كفارة الظهار، والصحيح أنه لا يصح، والدليل قول الله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [المجادلة: 3] ولا تكون المرأة من نسائهم إلا بعقد، فهو كقوله: {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [البقرة: 226] .
وقوله: «أو بعضها» أي: شبه بعضها، بأن قال: يدك علي كظهر أمي، نقول: هذا مظاهر؛ لأن التحريم لا يتبعض، فلا يوجد امرأة يدها حلال وجسمها حرام، ولا العكس، ولهذا سبق لنا أنه لو طلق عضواً من أعضائها طلقت؛ لأن الطلاق لا يتبعض.
وقوله: «ببعض أو بكل من تحرم عليه» فالمشبه بها لا فرق بين الكل والبعض، فلو قال: أنت علي كيد أمي صح الظهار، مثل: أنت علي كظهر أمي، فالظهر جزء من الأم، إذاً إذا شبه الزوجة كلها أو بعضها بمن تحرم عليه كلها أو بعضها صح الظهار؛ لأن الظهار لا يمكن أن تبعض؛ إذ لا يمكن أن تكون يد امرأة حلال له وبقية بدنها حرام، فلما لم يكن متبعضاً صار البعض كالكل.
وقوله: «بمن تحرم عليه أبداً» أفاد المؤلف: أنه لا بد أن يكون المشبه بها ممن تحرم عليه أبداً، يعني تحريماً مؤبداً، احترازاً من التي تحرم عليه إلى أمد كأخت زوجته، فلو قال لزوجته: أنت حرام علي كظهر أختك، فأختها حرام عليه ما دامت الزوجة معه، لكن لو بانت الزوجة منه لحلَّت له أختها، فهذا لا يكون ظهاراً.
وقوله: «ببعض أو بكل من تحرم عليه» لو شبهها بأجنبية لم يعقد عليها، قال: أنت علي كفلانة، فلا يكون مظاهراً؛ لأنها لا تحرم عليه.
ولو شبهها بظهر أبيه، قال: أنت علي كظهر أبي فغير ظهار؛ لأن المؤلف يقول: «بمن تحرم عليه» .
إذاً لو شبهها بأي رجل من الرجال فليس بظهار، ولو شبهها بامرأة أجنبية فليس بظهار، ولو شبهها بمن تحرم عليه إلى أمد فليس بظهار.
وقوله: «بنسب أو رضاع» النسب معروف، والمحرمات بالنسب عدَّدَهن الله في القرآن، فقال تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ}} [النساء: 23] فهن سبع: الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، والأخت، والعمَّة وإن علت، والخالة وإن علت، وبنت الأخ وإن نزلت، وبنت الأخت وإن نزلت، هؤلاء سبع.
ونظير هؤلاء السبع من الرضاع حرام؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» [(118)]، وهذا تبيين للقرآن، فالقرآن يقول: {{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}} [النساء: 23] فجاءت السنة لتبيين هذا، فنقول: الأم من الرضاع وإن علت، والبنت من الرضاع وإن نزلت، والأخت من الرضاع، والعمة من الرضاع وإن علت، والخالة من الرضاع وإن علت، وبنت الأخ من الرضاع وإن نزلت، وبنت الأخت من الرضاع وإن نزلت.
فلو قال الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي من الرضاع صار مظاهراً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، وإن كان بلا شك أن بشاعة ظهر الأم من النسب أعظم من بشاعة ظهر الأم من الرضاع، وبنت الأخت من الرضاع ليست مثل بنت الأخت من النسب، لكن مع ذلك ما دام النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فالحكم واحد.
بقي صنف ثالث من المحرمات على التأبيد ما ذكره المؤلف، وهو المحرمات بالصهر، فظاهر كلام المؤلف أنه لو شبه زوجته بأمها، فقال: أنت علي كظهر أمك، فظاهر كلامه أنه ليس بظهار؛ لأنه قال: «بنسب أو رضاع» ولكن سيأتي في كلام المؤلف أن المحرمات بالصهر كالمحرمات بالرضاع.
إذاً القاعدة: من شبه زوجته أو بعضها ببعض أو بكل من تحرم عليه تحريماً مؤبداً بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهو مظاهر.
وقوله: «من ظهر» هذا بيان لقوله: «ببعض من تحرم عليه» فيقول: أنت عليَّ كظهر أمي.
وقوله: «أو بطن» كأن يقول: أنت علي كبطن أمي.
أَوْ عُضْوٍ آخَرَ لاَ يَنْفَصِلُ، بِقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ، أَوْ مَعِي، أَوْ مِنِّي كَظَهْرِ أَمِّي، أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ وَجْهِ حَمَاتِي وَنَحْوِهِ، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَعَلَيْهَا كَفَّارَتُهُ. وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ.
قوله: «أو عضو آخر لا ينفصل» مثل اليد والرجل والأصبع، فلو قال: أنت علي كشعر رأس أمي، فليس مظاهراً؛ لأن الشعر في حكم المنفصل، وإذا انفصل عنها فليس له حكم.
قوله: «بقوله لها: أنت عليَّ أو معي أو مني كظهر أمي، أو كيد أختي، أو وجه حماتي ونحوه» .
التحريم بالمصاهرة كالتحريم بالرضاع والنسب، فيكون التشبيه بالمُحرَّمة بالمصاهرة، كالتشبيه بالمُحرَّمة من النسب والرضاع، والمحرمات بالصهر على الزوج أم زوجته وإن علت، وبنتها وإن نزلت، لكن بشرط أن يكون قد دخل بأمها؛ لقوله تعالى: {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} [النساء: 23] ، فإذا قال لزوجته: أنت عليَّ كبنتك من فلان، فهو مظاهر؛ لأنه شبهها بمن تحرم عليه بالصهر، وإذا قال: أنت عليّ كظهر ابنتك مني فهو مظاهر؛ لأنه شبهها بمن تحرم عليه بالنسب.
وقوله: «حماتي» الحماة أم الزوجة، أو قريباتها، لكن هنا يقصد أمها؛ لأن باقي القريبات تحرم عليه إلى أمد، فإذا قال: أنت علي كظهر أمك أو بطنها، أو يدها، أو رجلها أو أنفها أو شفتها، أو ما أشبه ذلك فهو مظاهر.
قوله: «أو أنت علي حرام» إذا قال: أنت عليّ حرام، فهو مظاهر، وقد سبق لنا في هذه المسألة تفصيل، فالمذهب أنه ظهار في كل حال، ولو نوى الطلاق أو اليمين.
والصواب أن في ذلك تفصيلاً:
أولاً: إذا قال: أنت عليَّ حرام فالأصل أنه يمين، وإذا كان الأصل أنه يمين صار حكمه حكم اليمين، فيكفر كفارة يمين وتحل له، والدليل على هذا قول الله تبارك وتعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}} [التحريم: 1، 2] ، والزوجة مما أحل الله له، فإذا حرمها فهو يمين، وما ذهب إليه المؤلف وغيره من الفقهاء قول مرجوح بلا شك، ولهذا صح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن من حرم زوجته فإنه يمين يكفرها[(119)].
ثانياً: إذا قصد الإنشاء، فإن نوى اليمين فهو يمين، وإن نوى الطلاق صار طلاقاً؛ لأن هذه الكلمة يصح أن يراد بها الطلاق، فإن الطلاق يحرم الزوجة، فيصح أن ينوي بها الطلاق لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [(120)]، وهذا نوى معنى ينطبق عليه هذا اللفظ، وإن نوى الظهار فهو ظهار؛ لأنه يحتمل كل هذه المعاني.
ثالثاً : أن يقول: أنت علي حرام مخبراً بتحريمها، يعني أنت عليَّ حرام بدل أن تكوني حلالاً، فهنا نقول له: كذبت، إلا أن تكون في حال يحرم عليه جماعها كالحائض والنفساء، والمحرمة بحج أو عمرة، ويريد بذلك الجماع فنقول: صدقت، وهذا القسم ليس فيه كفارة؛ لأنه إما كاذب وإما صادق فلا حنث فيه، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
قوله: «أو كالميتة» إن قال: أنت كالميتة، وقال: أنا أريد ميتة السمك، وميتة السمك حلال، لكنه خلاف الظاهر؛ لأنه عند الإطلاق إذا قيل ميتة فإنما يراد بذلك الميتة المحرمة، فيُدَيَّن، وقد سبق لنا أننا إذا قلنا: يدين، فإننا ننظر إلى حال الزوج، إن كان رجلاً صادقاً يخاف الله ـ عزّ وجل ـ فإنه لا يجوز للمرأة أن تحاكمه، وإن كان أمره بالعكس فإنه يجب عليها أن تحاكمه.
ثم إن قد يكون هناك قرينة تمنع دعواه أنه أراد ميتة السمك، وذلك فيما إذا كان في مغاضبة بينه وبين الزوجة، فقال: أنت عليَّ مثل الميتة، ثم قال: أردت ميتة السمك فهنا القرينة تكذبه.
قوله: «والدم» قال: أنت عليّ كالدم، والدم حرام، لكن يوجد دم حلال، وهو الكبد والطحال، فإذا قال: أنا نويت الحلال دُيِّنَ؛ لأن هذا خلاف الظاهر، وما كان خلاف الظاهر فإنه لا يقبل منه حكماً.
قوله: «فهو مظاهر» لكن سبق لنا في كلام المؤلف أنه إذا نوى بقوله: كالدم، والميتة، والخنزير الطلاق فهو طلاق، وإن نوى اليمين فهو يمين، وكلام المؤلف هنا لا يعارض كلامه فيما سبق، فيحمل كلامه هنا على ما إذا نوى الظهار، أو لم ينوِ شيئاً، أما إذا نوى اليمين فهو يمين، وإذا نوى الطلاق فهو طلاق.
قوله: «وإن قالته لزوجها فليس بظهار» أي: قالت المرأة لزوجها: أنت عليَّ كظهر أبي فهل تكون مظاهرة؟ لا؛ لأن الله قال: {{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [المجادلة: 2] ، وقال: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}} [المجادلة: 3] ولم يقل: يظاهرون من أزواجهن، فجعل الظهار للرجل، فكما أنها لا تطلق نفسها، فلا تظاهر من زوجها.
قوله: «وعليها كفارته» أي: عليها كفارة الظهار، وهذه من المسائل الغريبة أن يقال: ليس بظهار وعليها كفارته! فهذا شيء من عجائب العلم أن يُنفى الشيء، وتترتب آثاره؛ لأن الواجب إذا قلنا: ليس بظهار، أن لا يلزمها كفارة ظهار، وهل يمكن أن يوجد الأثر دون المؤثر؟! فكيف نوجب على المرأة كفارة الظهار ونحن نقول: إنه ليس بظهار؟! فهذا تناقض.
مثال ذلك: قالت لزوجها: أنت علي كظهر أبي، فجاء زوجها في الليل، وطلب منها أن يجامعها، نقول: نعم، تمكنه من الجماع؛ لأنه ليس بظهار، ولكن يجب عليها أن تعتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً.
والقول الثاني في المسألة: أنها ليس عليها كفارة ظهار، وهو الصواب بلا شك، وأن عليها كفارة يمين فقط، فما دمنا حكمنا بأنه ليس بظهار، فكيف نلزمها بحكمه؟! لأن الكفارة فرع عن ثبوت الظهار، فإذا لم يثبت الظهار فكيف نقول بالكفارة؟!
فالصواب: أن عليها كفارة يمين فقط؛ لأنه لا يعدو أن تكون قد حرَّمته ـ أي الزوج ـ فيكون داخلاً في قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}} [التحريم: 1] ، فإذا قالت لزوجها: أنت علي كظهر أبي، ثم مكنته من جماعها، لزمها كفارة يمين، عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، على التخيير، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام.
قوله: «ويصح من كل زوجة» يعني يصح أن يظاهر الرجل من كل زوجة، سواء دخل بها أم لم يدخل، وسواء كانت صغيرة أم كبيرة، وسواء كانت يمكن وطؤها أو لا يمكن.
وقوله: «ويصح من كل زوجة» علم منه أنه لا يصح من غير الزوجة، وسبق لنا أن المذهب يصح من الأجنبية، فإذا تزوجها لم يقربها حتى يكفر، وأن الصواب أنه في غير الزوجة لا يصح، ولكن إن عقد عليها لا يجامعها حتى يكفر كفارة يمين، كما لو قال: والله لا أجامع هذه المرأة ثم تزوجها، فإنها تحل له ولكن يكفر كفارة يمين.
* * *
فَصْلٌ
وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُعَجَّلاً، وَمُعَلَّقاً بِشَرْطٍ، فَإِذَا وُجِدَ صَارَ مُظَاهِراً، وَمُطْلَقاً، وَمُؤقَّتاً،.........
قوله: «ويصح الظهار معجلاً» يعني مُنجزاً، مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي.
قوله: «ومعلقاً بشرط» مثل أن يقول: إن فعلت كذا فأنت عليَّ كظهر أمي، أو إذا دخل شهر ربيع فأنت عليَّ كظهر أمي.
قوله: «فإذا وجد» الضمير يعود على الشرط.
قوله: «صار مظاهراً» لأن القاعدة أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط.
قوله: «ومطلقاً» يعني يصح غير موقت بوقت، بأن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي.
قوله: «ومؤقتاً» أي: يصح بأن يقول: أنت علي كظهر أمي شهرين، أو أنت علي كظهر أمي شهراً، وما أشبه ذلك، ودليل ذلك أن سلمة بن صخر ـ رضي الله عنه ـ ظاهر من زوجته شهر رمضان[(121)]، فهذا موقت بشهر رمضان، فيصح، وهذا ربما يجري من الإنسان، بأن يغضب على زوجته لإساءتها عشرته، فيقول: أنت علي كظهر أمي كل هذا الأسبوع، أو كل هذا الشهر، أو ما أشبه ذلك.
وقوله: «يصح» يعني ينعقد، وليس معنى ذلك أن ذلك يحل، فإذا مضى الوقت وجامعها بعد مضي الوقت لا تجب عليه الكفارة؛ لأنه انتهت المدة فزال حكم الظهار.
فَإِنْ وَطِئَ فِيهِ كَفَّرَ، وَإِنْ فَرَغَ الوَقْتُ زَالَ الظِّهَارُ، وَيَحْرُمُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَطْءٌ وَدَوَاعِيهِ مِمَّنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، ..........................
قوله: «فإن وطئ فيه كفَّر» لأنه وطئ في الوقت الذي هي عليه كظهر أمه.
قوله: «وإن فرغ الوقت» ووطئ بعد الفراغ.
قوله: «زال الظهار» أي: انتهى؛ لأن وقته انتهى.
قوله: «ويحرم قبل أن يكفِّر وطء ودواعيه ممن ظاهر منها» ظاهر قول المؤلف: «قبل أن يكفِّر» أنه لا فرق بين أن تكون الكفارة عتقاً، أو صوماً، أو إطعاماً، ولننظر في الآيات:
قال الله تعالى: {{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] هذا واضح أنه يجب إخراج الكفارة قبل المسيس، {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 4] فلو صام شهرين إلا يوماً واحداً، وفي آخر يوم جامع زوجته، نقول: أعد؛ لأن الله اشترط صيام شهرين متتابعين من قبل المسيس، فإن قال: لا أستطيع أن أبقى شهرين متتابعين صائماً، نقول: انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، {{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}} [المجادلة: 4] وليس فيها {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}}.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين الأنواع الثلاثة، وأنه لا يجوز أن يجامع حتى يكفِّر، أما في مسألة العتق والصيام فظاهر، وأما في مسألة الإطعام فمشكل؛ لأن الله ـ عزّ وجل ـ قيد النوعين الأولين {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} وسكت عن الثالث، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ما سكت الله عنه فهو عفو» [(122)]، ولا يمكن أن يحمل هذا المطلق على المقيد؛ وإن كان السبب واحداً وهو الظهار؛ لأن الحكم مختلف، وإذا اختلف الحكم فإنه لا يحمل المطلق على المقيد؛ ولذلك لم نحمل مطلق قوله تعالى في التيمم: {{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] على مقيده في آية الوضوء في قوله: {{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} [المائدة: 6] مع أن السبب واحد؛ وذلك لاختلاف الحكم، وهنا الحكم مختلف؛ ولذلك في مسألة الصيام أعاد الله تعالى {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] ولم يُحِل على التقييد في مسألة الرقبة، فلما قَيّد في الأول، وأتبعه قيداً في الثاني، وسكت عن الثالث عُلم أنه غير مراد، وأنه لا يشترط فيما إذا كان الإنسان غير قادر على الرقبة، ولا على الصيام، لا يشترط أن يقدم الكفارة؛ لأن الله ما اشترط ذلك، ولأَنَّهُ يجوز أن الله تعالى يسَّر في ذات الإطعام ويسَّر في كونه ليس بشرط في حلِّ الزوجة، فيكون الشارع راعى التيسير والتسهيل، ونظير ذلك مسح الرأس مثلاً، فهو مرة واحدة؛ لأنه لما يُسِّر في أصله يُسِّر في وصفه. وهذا توجيه قوي جداً، وهو أحد القولين في هذه المسألة، أنه إذا كان الواجب في الكفارة الإطعام فإنه يجوز أن يجامع قبل أن يكفِّر.
وقال الآخرون: لا يجوز أن يجامع حتى يكفِّر بالإطعام أيضاً، واستدلوا لذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام قال للمظاهر: «لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به» [(123)]، والله تعالى أمره بالثلاث، فظاهر الحديث العموم، وأنه لا يقربها حتى يكفّر بالإطعام.
وقالوا أيضاً: إذا كان الله ـ تعالى ـ منع المظاهر من جماع الزوجة، حتى يمضي شهران، فمنعه إياها حتى يمضي ساعة أو ساعتان أو وأقل ـ إذ يمكن أن يطعم في أقل من ساعة ـ فمنعه هنا من باب أولى، كما أن الرقبة ـ أيضاً ـ قد لا يجدها في خلال شهر أو شهرين أو ثلاثة، مع كونه غنياً قالوا: فإذا كان هذا في المدة الطويلة، فالمدة القصيرة من باب أولى، وهذا القول وإن كان ضعيفاً من حيث النظر، لكنه قوي من حيث الاحتياط، فالأحوط أن لا يقربها حتى يكفّر بالإطعام، كما لا يقربها حتى يكفّر بالصيام والعتق.
وقوله: «ودواعيه» دواعي الوطء كل ما يكون سبباً في الجماع كالتقبيل، والنظر إليها بشهوة، وتكراره، والضم، يقول المؤلف: إنها حرام؛ سداً للذرائع، وقياساً على المحرم فلا يجوز له أن يجامع ولا أن يباشر.
وقال بعض أهل العلم: إن دواعي الجماع لا تحرم؛ لأن الله تعالى قال: {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}}، وعلى هذا فيجوز له أن يقبلها، ويضمها، ويخلو بها، ويكرر نظره إليها، إلا إذا كان لا يأمن على نفسه، فحينئذٍ تكون له فتوى خاصة بالمنع، وإلا فالأصل الجواز، وهذا القول أصح؛ وذلك لأن الله تعالى حرم التماس وهو الجماع، فأباح ما سواه بالمفهوم، لكن لو كان الرجل يعلم من نفسه ـ لقوة شهوته ـ أنه لو فعل هذه المقدمات لجامع فحينئذٍ نمنعه، ونظيره الصائم يحرم أن يجامع، ويجوز أن يباشر، والحائض يحرم وطؤها وتجوز مباشرتها، فالمهم أنه ليس هناك دليل أنه متى حرم الجماع في عبادة حرم دواعيه.
وَلاَ تَثْبُتُ الكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ إِلاَّ بِالوَطْءِ وَهُوَ العَوْدُ، وَيَلْزَمُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَهُ عِنْدَ العَزْمِ عَلَيْهِ، وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَكْرِيرِهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلِظِهَارِهِ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَاتٍ فَكَفَّارَاتٌ.
قوله: «ولا تثبت الكفارة في الذمة إلا بالوطء» لأنه شرط وجوبها، وأما الظهار فسبب، والسبب إذا كان مشروطاً لا يثبت إلا بوجود الشرط، كالزكاة، سبب وجوبها ملك النصاب، وشرط الوجوب تمام الحول، فلو تلف المال قبل تمام الحول فليس فيه زكاة، كذلك هذه المرأة لو ظاهر منها ثم طلقها فهل تجب عليه الكفارة؟ ما تجب عليه الكفارة؛ لأنه ما وجد شرط الوجوب وهو الجماع، ولهذا قال المؤلف: «ولا تثبت الكفارة في الذمة إلا بالوطء» فلو مات الرجل قبل أن يطأ، أو ماتت المرأة قبل أن يطأها، أو فارقها قبل أن يطأها، لم تجب الكفارة.
فإن قال قائل: أليس قد وجد السبب وهو الظهار؟ قلنا: بلى، لكن هذا السبب مشروط، يشترط لوجوبه الوطء، ولكن لا يجوز الوطء إلا بعد إخراجها، فالإخراج شرط لحل الوطء، وليس شرطاً لثبوتها في الذمة، ولهذا قال المؤلف: «ولا تثبت في الذمة إلا بالوطء» .
قوله: «وهو العود» أي: المذكور في قوله تعالى: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}} [المجادلة: 3] وهو الوطء، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم اختلافاً كثيراً، فما ذهب إليه المؤلف هو القول الأول.
القول الثاني: أن معنى قوله: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}}، أي: ثم يقولون ذلك مرة ثانية، وتكون «ما» مصدرية، أي: ثم يعودون لقولهم، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، ولم يقله مرة ثانية فلا كفارة عليه؛ لأن الله قال: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}}، والذي قالوه صيغة الظهار وهذا رأي الظاهرية، أن العود هو أن يعيد اللفظ مرة ثانية.
وهذا القول ليس بصحيح؛ لأنه يقتضي أن يكون لفظ الظهار الأول لا حكم له إطلاقاً، ثم إنه لو كان المراد ما ذكروا لقال: ثم يُعيدون ما قالوا؛ لأنه إذا جعلنا المراد بالعود أن يقول الظهار مرة ثانية صار معناه الإعادة، فيكون التعبير الفصيح: ثم يُعيدون ما قالوا، والآية ليست كذلك.
القول الثالث: أن معنى الآية أن يعودوا للزوجة، وذلك بأن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلق فيها، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، ثم سكت مدة يمكنه أن يقول فيها: أنت طالق، ولم يطلق صار عائداً لما قال، فصورة العود على رأي هؤلاء أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يسكت، فإذا سكت بعد هذه الكلمة مدة يمكنه أن يقول فيها: أنت طالق، فحينئذٍ تجب عليه الكفارة؛ لأن إمساكها بعد الظهار دليل على أنه رجع فيما قال؛ إذ إن مقتضى قوله: أنت عليّ كظهر أمي أن تكون حراماً عليه، لا تحل له، فإذا أمسك زمناً يمكنه أن يطلق فيه ولم يفعل علم أنه قد ارتضى هذه الزوجة، وأنه قد عاد.
وهذا ـ أيضاً ـ ليس بصحيح؛ وذلك لأن عدم طلاقها في هذه الحال لا يدل على العود، وهذا يقتضي أن يكون لفظ الظهار طلاقاً؛ لأن هذه البرهة ـ الزمن القصير ـ معناه أنه كالطلاق تماماً.
القول الرابع: أن العود هو العزم على الوطء، يعني يعزم على أن يطأ زوجته، فقوله تعالى: {{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}} أي: يعزمون على استحلال المرأة، بشرط أن يطأها؛ أما إذا عزم على استحلالها ولكن ما وطئ ثم طلق مثلاً؛ فإنه ليس عليه كفارة؛ لأنها ما تجب إلا بالوطء.
وهذا القول هو الصحيح، وعلى هذا فإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ثم عزم على استحلالها، نقول: هذا عود إلى الحل بعد التحريم، لكن لا تجب الكفارة إلا بالوطء، أما المذهب فكما قال المؤلف: إن العود هو نفس الوطء؛ لكن ظاهر الآية الكريمة خلاف ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} فكيف نفسر العود بالمسيس، فإذا قلنا: إن العود هو الوطء صار معنى الآية: ثم يمسوهن فتحرير رقبة من قبل أن يتماسَّا، وهذا لا يستقيم، ولكن العود هو العزم على الوطء، واستحلالها استحلالاً لا يكون للأم، إلا أن الكفارة لا تثبت في الذمة إلا بالوطء.
قوله: «ويلزم إخراجها» أي: إخراج الكفارة.
قوله: «قبله» أي: قبل الوطء.
قوله: «عند العزم عليه» أي: إذا عزم على الوطء، قلنا: لا يمكنك أن تطأ حتى تكفِّر بالعتق، فإن لم يجد فالصيام، فإن لم يستطع بالصيام فالإطعام.
فإن قال قائل: ما الحكمة في أن هذه الكفارة من بين سائر الكفارات لا بد أن تخرج قبل الحنث؟
فالجواب: لأن الظهار منكر من القول وزور، فهو عظيم وقبيح، فشُدِّد على الإنسان فيه، ولأنه لو جامع قبل أن يكفر لأوشك أن يتهاون ويتوانى في الإخراج، فحرم من هذه الزوجة حتى يكفر.
قوله: «وتلزمه كفارة واحدة بتكريره قبل التكفير من واحدة» إذا تكرر الظهار، فهل تتكرر الكفارة أو لا؟ يعني إذا قال: أنت علي كظهر أمي، ثم عاد فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم قال: أنت علي كظهر أمي، فهل تتعدد الكفارة، أم يلزمه كفارة واحدة؟ فيه تفصيل، إن كفَّر عن الأول ثم أعاد الظهار فإن الكفارة تتعدد؛ لأن هذا الظهار غير الأول، ولأنه صادفه وذمته قد برئت من الظهار الأول، فيلزمه أن يعيد الكفارة.
وأما إذا لم يكفِّر عن الأول فتجزئه كفارة واحدة؛ لأن المظاهَر منها واحدة، فالمحل واحد، كما لو حلف أيماناً على شيء واحد، مثل أن يقول: والله لا أدخل دار فلان، ثم قال مرة ثانية: والله لا أدخل دار فلان، ثم قال: والله لا أدخل دار فلان، ثم دخله فيجب عليه كفارة واحدة؛ لأن المحلوف عليه واحد، فكذلك هنا المظاهَر منها واحدة، فلا يلزمه إلا كفارة واحدة.
قوله: «ولظهاره من نسائه بكلمة واحدة» مثل أن يقول لزوجاته الأربع: أنتن علي كظهر أمي، فكذلك عليه كفارة واحدة؛ لأن الظهار واحد، وبهذا نعرف أنه إذا كان الظهار واحداً أو المظاهَر منها واحدة فكفارته واحدة.
قوله: «وإن ظاهر منهن» أي: من زوجاته.
قوله: «بكلمات فكفارات» يعني على عددهن، بأن قال للأولى: أنت علي كظهر أمي، وللثانية: أنت علي كظهر أمي، وللثالثة: أنت علي كظهر أمي، وللرابعة: أنت على كظهر أمي، فيلزمه أربع كفارات؛ لتعدد الظهار والمظاهَر منها، ولو لم يكفر عن الأولى يلزمه أربع كفارات؛ وذلك لأن المحل متعدد، والصيغ ـ أيضاً ـ متعددة.
وقال بعض الأصحاب: إنه يلزمه كفارة واحدة، بناء على أن الكفارات تتداخل، وأن الأيمان إذا تكررت وموجبها واحد لزمه كفارة واحدة، وهذا هو المذهب في الأيمان.
فالمذهب إذا تعددت الأيمان فعليه كفارة واحدة، فعلى المذهب لو قال: هذا عليّ حرام، وقال: والله لا أدخل بيت فلان، وقال: والله لألبسنَّ هذا الثوب، وقال: لله علي نذر أن ألبس العمامة، فهذه أربعة أيمان مختلفة حسب الصيغة، فإذا حنث في كل هذه الأيمان ولم يكفِّر يلزمه على المذهب كفارة واحدة؛ لأنهم يقولون: إذا كان الموجَبُ واحداً فلا عبرة بتعدد السبب، وقاسوا ذلك على رجل أكل لحم إبل، وَبالَ، وتغوَّطَ، وخرجت منه ريح ونام، فهذه خمسة موجبات للوضوء، فيلزمه وضوء واحد، فيقولون: ما دام الموجَب بهذه الأشياء واحداً فلا عبرة بتعدد السبب.
وبناء على هذه القاعدة ـ على المذهب ـ يكون من ظاهر من زوجاته بكلمات ولم يكفّر تلزمه كفارة واحدة، ولكنهم في هذه المسألة خالفوا القاعدة وقالوا: إنه إذا ظاهر من نسائه بكلمات لزمه بعددهن لكل واحدة كفارة.
فالخلاصة: أنه إذا ظاهر من واحدة وكرر الظهار ففيه تفصيل؛ إن كفر تعددت الكفارة، وإن لم يكفِّر فواحدة، وإذا ظاهر من زوجاته إن كان بكلمة واحدة فكفارة واحدة، وإن كان بكلمات فكفارات.
* * *
فَصْلٌ
وكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً،......................
قوله: «وكفارته» أي: كفارة الظهار.
قوله: «عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً» هذا الكلام يدل على أن الكفارة على الترتيب لا على التخيير.
أولاً: عتق رقبة، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في الشروط.
ثانياً: إن لم يجد ما يعتق به رقبة، أو لم يجد رقبة وعنده الثمن فعليه الصيام لقوله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}} فيشمل من لم يجد الرقبة، كرجل يوجد عنده ملايين، لكن ما يجد رقبة يعتقها، أو وجد رقبة لكن ليس عنده مال يشتري به هذه الرقبة، فإنه ينتقل من ذلك إلى صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع لمرض، فإن كان المرض يرجى زواله فإنه يؤجل، كرمضان تماماً.
ثالثاً: إذا كان المرض لا يرجى زواله، كشيخ كبير فهنا ينتقل إلى الإطعام فيطعم ستين مسكيناً، وكأنه ـ والله أعلم ـ عن كل يوم مسكين؛ لأن الغالب أن الشهرين يتمَّان، أو يقال: إن هذا هو غاية التمام في الشهور، ولما جاء البدل وهو الإطعام صار ستين مسكيناً، والدليل قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *} {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً}} [المجادلة: 3، 4] ؛ إذاً النص على هذه الخصال في القرآن الكريم، وترتيبها ـ أيضاً ـ في القرآن الكريم، ولا نزاع في ذلك.
وقوله: «مسكيناً» يشمل الفقير.
ومتى يعتبر الوجود، والعكس، أو الاستطاعة؟
يعتبر عند وجوب الكفارة، فعلى هذا القول إذا لم يجد رقبة، فشرع في الصوم، ثم وجدها في أثناء الصوم هل يلزمه الانتقال؟ لا يلزمه، وكذلك لو فرض أنه كان عند زمن الوجوب لا يستطيع الصوم، فأطعم ستين مسكيناً، أو لم يطعم فإنه في هذه الحال لو قَدِرَ بعد ذلك على الصوم لا يلزمه الانتقال؛ لأن العبرة في القدرة، أو عدم القدرة هو وقت الوجوب.
وقوله: «أطعم ستين مسكيناً» هل إطعام الستين مسكيناً تمليك أو إطعام؟ نقول: في القرآن الكريم أنه إطعام، ولم يقل: أعطوا، بل قال: أطعموا، وحينئذٍ نعلم أنه ليس بتمليك، وبناء على ذلك نقول: إطعام ستين مسكيناً له صورتان:
الأولى : أن يصنع طعاماً، غداء أو عشاء، ويدعو المساكين إليه فيأكلوا وينصرفوا.
الثانية : أن يعطي كل واحد طعاماً ويصلحه بنفسه، ولكن مما يؤكل عادة، إما مُدُّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، وفي عهدنا ليس يكال الطعام، ولكنه يوزن، فيقال: تقدير ذلك كيلو من الأرز لكل واحد، وينبغي أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم ونحوه، ليتم الإطعام، وهل هذا العدد مقصود، أو المقصود طعام هذا العدد؟ المقصود إطعام هذا العدد، لا طعامه، بمعنى لو أن إنساناً تصدق بما يكفي ستين مسكيناً على مسكين واحد لا يجزئ.
ولو أطعم ثلاثين مرتين لا يكفي؛ لأن العدد منصوص عليه، فلا بد من اتباعه، اللهم إلا ألا يجد إلا ثلاثين مسكيناً فهنا نقول: لا بأس للضرورة.
فلو قال قائل: ما الحكمة في أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً؟ نقول: هذا السؤال غير وارد؛ لأن هذا لا مجال للعقل فيه، وإلا لقلنا: كيف صارت الصلوات خمساً؟! وإنما وظيفة المؤمن التسليم، وأن يقول: سمعنا وأطعنا.
فإن قال قائل: وهل إطعام الستين مسكيناً مربوط بصيام الشهرين المتتابعين، بمعنى أنه جعل عن صيام كل يوم إطعام مسكين؟ الظاهر: لا، بدليل أنه لو صام شهرين متتابعين ثمانية وخمسين يوماً أجزأ؛ لأن الله تعالى قال: صيام شهرين، فإذا كان الشهر الأول ناقصاً، والثاني ناقصاً فصام ثمانية وخمسين يوماً لأجزأ.
وَلاَ تَلْزَمُ الرَّقَبَةُ إِلاَّ لِمَنْ مَلَكَها، أَوْ أَمْكَنَهُ ذلِكَ بِثَمَنِ مِثْلِهَا، فَاضِلاً عَنْ كِفَايَتِهِ دَائِماً، وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ، وَعَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَمَرْكُوبٍ،........................
قوله: «ولا تلزم الرقبة إلا لمن ملكها» يعني كانت عنده حاضرة تحت ملكه.
قوله: «أو أمكنه ذلك» أي: أمكنه ملكها، فليس عنده رقيق، لكن عنده دراهم يمكنه أن يشتري بها رقبة، لكن اشترط المؤلف فقال:
«بثمن مثلها» فلو لم يجد رقبة إلا بأكثر من ثمن مثلها لم تلزمه.
فمثلاً رجل عنده مائة مليون ريال، وعليه كفارة ظهار، ووجد رقبة فقالوا له: بعشرة آلاف ريال، وثمن مثلها تسعة آلاف وتسعمائة ريال فلا تلزمه؛ لأنها أكثر من ثمن مثلها، لكن لو اشتراها بعشرة آلاف ريال، وكفّر بها تجزئه، فالكلام على اللزوم.
لكن الصحيح أن ظاهر قوله: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}} أنه متى صار واجداً على وجه لا يضره، ولا تجحف بماله فإنه يجب عليه أن يعتق؛ لأنه ما اشترط إلا عدم الوجود، فلو فرض أن هذه تساوي خمسة آلاف ريال وقيل: بعشرة، وهو واجد، فظاهر الآية وجوبها عليه.
قوله: «فاضلاً عن كفايته دائماً» أما إن كانت الدراهم التي عنده يحتاجها لكفايته، حتى لو كان لزواجه ـ مثلاً ـ فإنه لا تلزمه الرقبة، ولكن المؤلف يقول: «دائماً» فهل يمكن انضباط ذلك؟ ما يمكن؛ لأننا لا ندري، فيمكن أن يطول عمره ويحتاج لدراهم كثيرة، ويمكن أن يقصر عمره، ويكون هذا الذي عنده زائداً، فهذا لو كان عنده مالٌ كثير ما يستطيع أن يقول: هذا يكفيني دائماً، ولو كان عنده مال قليل لا يستطيع أن يقول: هذا لا يكفيني دائماً؛ والسبب في ذلك أن الأعمار بيد الله عزّ وجل، ولأن الأوقات تختلف، فيمكن أن يقدر الإنسان أن نفقته لهذا العام خمسون ألف ريال، ثم تختلف الأسعار وترتفع فما تكفيه الخمسون ألفاً، ويمكن أن يقدر أن نفقته خمسون ألف ريال وترخص الأسعار ويكفيه عشرون ألف ريال، فهذا أمر لا يمكن انضباطه، وما لا يمكن انضباطه فإن إلزام الناس به عسير، إذاً يمكن أن نؤول كلمة «دائماً» بأن نقول: معناها أن عنده مثلاً صنعة، أو ملك يغل عليه كل سنة عشرة آلاف ريال تكفيه، فهذا نقول: عنده ما يكفيه دائماً، أما أن نقول: إن المراد المؤونة دائماً النقود، فالنقود لا يمكن انضباطها أبداً، فنقول: ما دام عندك مال يمكن أن تشتري به رقبة فاشترِ، فإذا قال: الذي عندي لا يكاد يكفيني خمسين سنة، نقول: وما أدراك أنك ستبقى خمسين سنة؟! والفقهاء ـ رحمهم الله ـ إنما أرادوا مَنْ له دخل مستمر يكفيه.
قوله: «وكفاية من يمونه» أي: يقوم بنفقته، كالزوجة، والأولاد، والأقارب الذين تلزمه نفقتهم، فيقدم مؤونة هؤلاء على العتق الواجب عليه، بل ولم يجب عليه في الواقع.
قوله: «وعما يحتاجه من مسكن» لو كان هذا الرجل عنده مسكن يحتاجه، وقال: لو بعت هذا المسكن، واستأجرت أمكنني أن أعتق رقبة، فلا يجب عليه أن يبيعه؛ لأنه يحتاجه.
وإن كان لديه مسكن يكفيه نصفه وجب عليه أن يبيع النصف الآخر ليعتق الرقبة. فإذا قال: إذا بعت نصفه صار مشقصاً علي، وربما يؤذيني الذي يشتريه، قلنا: هناك طريقة وهي أن يبيعه كله ويشتري مسكناً يناسبه.
قوله: «وخادم» مرادهم الخادم المملوك؛ لأن الخادم الحر ليس بملكك، والخادم يكون عند الإنسان على وجه الترفه والتنعم، وعلى وجه الحاجة، فإذا كان شيخاً كبيراً يحتاج من يساعده إذا قام للمرحاض، أو قام يصلي، أو يلبس ثيابه، وما أشبه ذلك، فهذه حاجة، أما إذا كان عنده خادم لا يحتاجه، إلا أن يقول: قدم لي حذائي، أو افرش لي فراشي، فهذا لا يحتاج إليه، نقول: بعه واشترِ رقبة، أما إذا كان يحتاج إليه، فهل نقول: أعتقه أو بعه واشترِ رقبة؟ الجواب: لا؛ لأن هذا تتعلق به حاجته، وتعلق حاجته به سابق على ظهاره، فتقدم الحاجة السابقة، لكن قال في الروض[(124)]: «صَالِحَيْنِ لمثله إذا كان مثله يخدم» فقيَّدها بقيدين:
الأول: أنهما صالحان لمثله، فلو كان المسكن كبيراً أكثر من مثله، فإنه يبيعه ويشتري ما يكون صالحاً لمثله، ويشتري بالباقي رقبة.
الثاني : أن يكون مثله يخدم.
قوله: «ومركوب» إذا كان غنياً، فمعلوم أنَّ مركوبه سيكون فخماً، وإذا كان وسطاً فمركوبه وسط، وإذا كان فقيراً فمركوبه مركوب فقير، فهذا رجل وسط لكن عنده سيارة فخمة، لا يركبها إلا الملوك وأبناؤهم، وقال: عليَّ عتق رقبة، والسيارة التي معي فخمة أستطيع أن أبيعها وأشتري سيارة تكفيني، وأشتري رقبة بما زاد عن الثمن، فيلزمه أن يبيعها، حتى لو قيل: يلزمه أن يبيعها مطلقاً لكان له وجه؛ لأنها بالنسبة إليه إسراف وتجاوز للحد؛ لأنه يجب أن يعرف الإنسان منزلته وقدره في قومه.
وَعَرَضِ بِذْلَةٍ وَثِيَابِ تَجَمُّلٍ، وَمَالٍ يَقُومُ كَسْبُهُ بِمَؤنَتِهِ، وَكُتُبِ عِلْمٍ وَوَفَاءِ دَيْنٍ، وَلاَ يُجْزِئُ فِي الكَفَّارَاتِ كُلِّهَا إِلاَّ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ،................
قوله: «وعَرَضِ بذْلَةٍ» يعني العرض الذي يبتذل، وهي الأشياء التي تتكرر الحاجة إليها، مثل ثياب العادة، والأواني، وما أشبهها.
قوله: «وثياب تجمُّل» أي: يتجمل بها مثله، فثياب التجمل لا نقول للإنسان: بعْها، واشترِ عبداً تعتقه.
قوله: «ومالٍ يقوم كسبه بمؤنته» أيضاً لا بد أن يكون فاضلاً عن مالٍ يقوم كسبه بمَؤُونته، كرجل عنده مائة ألف لو اشترى عبداً بأربعين ألفاً أمكنه ذلك، لكن مائة الألف كسبها لا يكاد يكفيه وعائلته، فلو أنه اشترى منها عبداً نقص الربح، فتنقص الكفاية والمؤونة، فهل نقول: يلزمك أن تشتري عبداً بأربعين ألفاً، ولو نقصت كفايتك؟ الجواب: لا؛ لأن ذلك إضرار به.
قوله: «وكتب علم» لكن بشرط أن يحتاج إليها، مثل إنسان يحتاج إلى كتب علم في الفقه، في الحديث، في التفسير، في التوحيد، في النحو، المهم أنه يحتاج إليه، أما ما لا يحتاج إليه كما لو كان عنده كتب علم من نوع لا يتعلمه، مثلاً عنده كتب علم حساب، ولا عنده نية أن يتعلمه، أو عنده كتب علم جولوجيا، لكن ما عنده نية أن يتعلم هذا العلم، فهذه يبيعها، كذلك عنده نسختان من كتاب واحد يستغني بإحداهما عن الأخرى يبيعها؛ لأنه ليس في حاجة إليها.
كذلك إذا كان عنده كتب يندر أن يحتاج إليها، وكانت قيمتها يحصل بها إعتاق رقبة وجب عليه بيعها، لا سيما إذا كان في مدينة فيها مكتبة عامة، يستطيع إذا عرضت له هذه المسألة بعد سنة أن يذهب إلى المكتبة ويحررها.
قوله: «ووفاء دين» هذا من أهم الأشياء، فهذا إنسان عنده مائة ألف، لكن عليه ثمانون ألفاً، فيسدد الدَّين أولاً، لأن قضاء الدي واجب، وهو حق للعباد، وأما الكفارة فهي فيما بينك وبين ربك، فإذا بقي شيء بعد الدين ولا يحتاجه لما ذُكِرَ قبل اشترى به رقبة، وإلا فلا، والدين من أهم الأشياء، حتى إن الإنسان يجوز أن يعطى من الزكاة لوفاء دينه.
قوله: «ولا يجزئ في الكفارات كلها إلا رقبة مؤمنة» قد يقول قائل: إن ظاهر كلام المؤلف أن كل الكفارات فيها رقبة، وليس كذلك، وإنما مراده الكفارات التي تحرر فيها الرقبة، فلا يجزئ فيها إلا رقبة مؤمنة، ونحصيها: كفارة الظهار، وكفارة القتل، وكفارة اليمين، وكفارة الوطء في رمضان.
وقوله: «إلا رقبة مؤمنة» هذا من باب إطلاق الجزء على الكل، ولا يمكن إطلاق الجزء على الكل إلا إذا كان هذا الجزء شرطاً في وجوده، وهذه قاعدة مهمة، يعني ما يمكن أن تقول: أصبع؛ لأنه قد يزول أصبع والحياة باقية، وأما الرقبة فلو زالت يموت، ولهذا إذا عبر الله تعالى عن الصلاة بالركوع والسجود فهي واجبات فيها.
وقوله: «مؤمنة» هذا هو الشرط الأول، والمراد بالإيمان هنا مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق، وبينهما فرق، فالإيمان المطلق هو الكامل كالذي في قوله تعالى: {{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *}} [الأنفال] ، وأما مطلق الإيمان فإنه يشمل من آمن وإن لم يكن على هذا الوصف، فيشمل الفاسق، فالمراد مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق.
ولننظر في الدليل على أنه لا بد من الإيمان في جميع الكفارات، كفارة القتل الإيمان فيها صريح منصوص عليه: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] ، وفي كفارة اليمين قال: {{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}} [المائدة: 89] ، وفي كفارة الظهار قال: {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] ، هذا الذي في القرآن، وكفارة الوطء في رمضان ثبتت في السنة، قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ للرجل: «هل تجد رقبة» ؟ قال: لا[(125)]، ولم يقل: مؤمنة، فإذا كانت ثلاثة نصوص ليس فيها التقييد بالإيمان، ونص واحد فيه التقييد بالإيمان، وهذا النص الواحد يختلف عن البقية بأنه أعظم منها من وجه، وإن كان أخف منها من وجه آخر، فالتي فيها التقييد بالإيمان هي كفارة القتل، وهي أعظم من الموجَبات الأخرى؛ فهي أعظم من الظهار، ومن الجماع في نهار رمضان، ومن الحنث في اليمين، وأخف منها من وجه؛ لأنها خطأ وهذه عمد، وعلى كل حال المؤلف ـ رحمه الله ـ يشترط الإيمان في كل الكفارات.
ودليله: أن الله شرط الإيمان في كفارة القتل، فَقِيسَ الباقي عليها؛ لأن الموجَبَ واحد وهو عتق الرقبة، ولأنه ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن معاوية بن الحكم ـ رضي الله عنه ـ قال: يا رسول الله إن لي جارية غضبت عليها يوماً فصككتها، وإني أريد أن أعتقها، فقال لها: «أين الله» ؟ قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» [(126)]، ولم يستفصل الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما هذه الرقبة التي عليه، فإذا كان لا يمكن إعتاق الكافر في غير الكفارة، ففي الكفارة من باب أولى، فدل هذا على أن الإيمان شرط في جميع الرقاب الواجبة، ثم نقول ـ أيضاً ـ من جهة النظر: إنه إذا أعتق الرقبة وهي كافرة، فإننا لا نأمن أن يلحق بالكفار؛ لأنه كافر، وتحرر، ولا لأحد عليه قول، وإذا كان مملوكاً فلا يقدر أن يذهب عن سيده فإذا كان يخشى من هذه المفسدة فإنه لا يُعتق الكافر، بل يبقى، وهذا القول رجحانه قوي.
أما الذين قالوا: إن الله تعالى أطلق في موضعين، وقيد في الثالث، والرسول عليه الصلاة والسلام أطلق في الموضع الرابع فقالوا: نطلق ما أطلقه الله، ونقيد ما قيده الله {} [مريم: 64] والأسباب مختلفة، فليس الحنث في اليمين ولا الظهار من الزوجة كالقتل، فالقتل أعظم؛ فلهذا اشترط الله في كفارته أن تكون الرقبة مؤمنة، وإذا كان القتل أشد فلا يمكن أن نقيس الأخف على الأشد، فكلامهم جيد لولا ما يعارضه، ومن ثم اختلف العلماء في غير كفارة القتل هل يشترط الإيمان أو لا يشترط؟ والراجح الاشتراط؛ لقوة دليله وتعليله، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة.
سَلِيمَةٌ مِنْ عَيْبٍ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَراً بَيِّناً، كَالعَمَى وَالشَّلَلِ لِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، أَوْ أَقْطَعِهِمَا، أَوْ أَقْطَعِ الإِصْبعِ الْوُسْطَى، أَوِ السَّبَّابَةِ، أَوِ الإِبْهَامِ، أَو الأَنْمُلَةِ مِنَ الإِبْهَامِ، أَوْ أَقْطَعِ الخِنْصَرِ وَالبِنْصَرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ يُجْزِئُ مَرِيضٌ مَيْؤُوسٌ مِنْهُ وَنَحْوُهُ، ..............................
الشرط الثاني : قوله: «سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً» وهذا الشرط لم يذكره الله ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والدليل على اشتراطه قالوا: لأنه إذا أعتق من كان فيه عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً صار هذا العتيق كلاًّ على الناس، بخلاف ما إذا بقي عند سيده، فإن سيده مأمور أن ينفق عليه، فكأنهم استنتجوا من المعنى اشتراط أن يكون المعتق سليماً من الآفات والعيوب الضارة بالعمل ضرراً بيناً، والعيوب على حسب ما قال المؤلف تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: لا يضر بالعمل أبداً.
الثاني: يضر بالعمل لكن ضرراً خفيفاً.
الثالث: يضر بالعمل ضرراً بيناً.
فأما القسمان الأولان، الضرر الذي لا يضر بالعمل إطلاقاً، أو يضر به ضرراً خفيفاً فإنهما لا يمنعان من إجزاء الرقبة، وأما ما يضر بالعمل ضرراً بيناً فإنه لا تجزئ فيه الرقبة.
مثاله: قوله: «كالعمى» التمثيل بالعمى فيه نظر؛ لأنه ليس كل عمى يمنع من العمل، فكم من أناسٍ عمي وعندهم أعمال يتعيشون بها، فلهذا يجب أن يقيد بالعمى الذي يمنعه من العمل؛ لأن المقصود من العت
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
العاشق الصغير- مشرف منتدي الشعر الشعبي
-
عدد المشاركات : 13630
العمر : 35
رقم العضوية : 6241
قوة التقييم : 75
تاريخ التسجيل : 03/09/2011
رد: الظهار تعريفه وحكمه
بارك الله فيــــــــــــــك اخى العاشق الصغير
فرج احميد- مستشار
-
عدد المشاركات : 17243
العمر : 62
رقم العضوية : 118
قوة التقييم : 348
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: الظهار تعريفه وحكمه
جــــــــــزاك الله خيرا اخي العاشق
عبدالسلام عبدربه عمر- مشرف منتدي الألعاب والتسالي
-
عدد المشاركات : 4508
العمر : 40
رقم العضوية : 80
قوة التقييم : 10
تاريخ التسجيل : 23/03/2009
رد: الظهار تعريفه وحكمه
شكرا وبارك الله فيك
المرتجع حنتوش- مشرف قسم المنتدي العام
-
عدد المشاركات : 21264
العمر : 32
رقم العضوية : 121
قوة التقييم : 41
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: الظهار تعريفه وحكمه
بارك الله فيك وجزآك الله خيرآ
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» عيد الأم ! نبذة تاريخية ، وحكمه عند أهل العلم
» عيد الأم نبذة تاريخية ، وحكمه عند أهل العلم ...
» علم التجويد ..تعريفه ..فائدته ..حكمه
» الكذب عند الأطفال تعريفه - اسبابه - طرق علاجه
» الحسد : تعريفه ، حكمه ، آثاره ، أسبابه ، علاجه
» عيد الأم نبذة تاريخية ، وحكمه عند أهل العلم ...
» علم التجويد ..تعريفه ..فائدته ..حكمه
» الكذب عند الأطفال تعريفه - اسبابه - طرق علاجه
» الحسد : تعريفه ، حكمه ، آثاره ، أسبابه ، علاجه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» الإكوادور وجهة مثالية لقضاء العطلات وسط المناظر الطبيعية
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» سر ارتفاع دواسة الفرامل عن دواسة البنزين في السيارة
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» ما ميزات شبكات "Wi-Fi 8" المنتظرة؟
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» رد فعل صلاح بعد اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي
اليوم في 8:04 am من طرف STAR
» هل تعاني من الأرق؟ طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الكبة المشوية على الطريقة الأصلية
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:00 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR