إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
بين الفيدرالية والوحدة الوطنية
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
بين الفيدرالية والوحدة الوطنية
صالح الصالح : بين الفيدرالية والوحدة الوطنية
24 مارس 2012
لست من دعاة الفيدرالية ولم أكن يوما من أنصار أي اتجاه سياسي معين فالأفكار تنمو و تزدهر مع نمو الإنسان و ما تقتنع به في مرحلة من المراحل العمرية ستجد نفسك غارقا من الضحك عليه في مرحلة عمرية أخرى ، وأعني هنا أنه باستثناء العقيدة الدينية فإن كل القناعات قابلة للنقاش وللتطور وللتغيير.
و من قناعاتي الخاصة التي أعتبرها من الثوابت ، أن المصلحة العامة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إطار عام يتوافق عليه الجميع أو الأغلبية على الأقل و هو أضعف الإيمان.
و الإطار العام في أغلب الحكومات المدنية هو القانون وبالتالي فإن أي توجه يقصد به المصلحة العامة لا بد أن يتم من خلال القانون والشرعية ، وهذا القول ينطبق على الفيدراليين و على غيرهم ، فالمجلس الوطني الانتقالي يتميز بشرعية الأمر الواقع التي فرضتها ظروف تكوينه و التوافق الذي تم عند إعلانه ، إلا أن ذلك لا يمنحه الحق في فرض ما يراه من إجراءات تحت غطاء المصلحة العامة ، فشرعيته محدودة واعترافات العالم بأسره لا تمنحه ذلك الحق فالمقبور أيضا كان معترفا به من دول العالم .
ما أعنيه أنك إذا لم تستمد شرعيتك من شعبك فإن اعتراف العالم بك لن يمنحك أي شرعية وعلى هذا الأساس يفترض أن يتصرف السادة أعضاء ورئيس المجلس الانتقالي و ينسحب الأمر على الحكومة الانتقالية التي تستمد شرعيتها من المجلس .
و دعاة الفيدرالية كان عليهم أن يستمدوا شرعيتهم من الشعب قبل التورط في الإعلان عن تشكيل مجلسهم ، فالظروف التي سمحت بشرعية الأمر الواقع قد انتفت و لن يقبل أحد بفرض الوصاية من أي جهة وتحت أي مسمى و مهما كانت النوايا.
لماذا الفيدرالية ؟ . . .
يفرض هذا السؤال نفسه بقوة على الساحة السياسية فالكثيرون يعتقدون أن الفيدرالية تعني التقسيم بعكس المرادف العربي اللغوي للكلمة التي تعني الاتحاد ، غير أن البيان الصادر بشأنها جعل من الجميع يفهم أن المقصود هو تقسيم الوطن.
بنظرة سريعة لما حدث بعد تحرير العاصمة نكتشف أن هناك لا مبالاة واضحة لدى المجلس الانتقالي اتضحت معالمها في تسليم قيادة الوطن لمن اعتقدنا أنهم تكنوقراط و حسب فهمي البسيط للكلمة أنها تعني شخصيات تملك المعرفة دون أن تكون لها توجهات ايدولوجية ، و قد ثبت أنهم يملكون الشهادات العليا و لا يملكون المعرفة ولا اقصد العلمية فانا لست بمعرض تقييم السادة الوزراء و وكلائهم الأفاضل ولكن اعني معرفة جغرافية الوطن الاجتماعية والإدارية .
و اتسمت تصرفات المجلس والحكومة الانتقاليين بسلبيات لا يسعنا المجال لسردها ، إلا أن أخطرها تمثل في الفراغ السياسي و الإداري بكافة المدن الليبية ، فبعد تشكيل الحكومة لم تراع الضرورة الملحة لملء الفراغ الإداري و ذلك بإعادة الحياة للإدارات التابعة لوزاراتها بحيث تكون أساس الإدارة المحلية و تدير شؤون التعليم والصحة والمرافق وغيرها بتلك المدن ولها صلاحيات تكفل حل مشاكل المواطنين اليومية ، بل تعمدت تجاهل الإدارات القائمة و تركت أمر إدارتها لمجالس محلية لا شرعية لها إلا شرعية الأمر الواقع و لا إمكانيات لديها و الأسوأ من ذلك أنها تذكر المواطنين باللجان الشعبية و سياسات المقبور الإدارية و تنامى الإحباط الناجم عن ضبابية المرحلة و عجز الحكومة عن مباشرة عملها بشكل طبيعي فهي تصرف الملايين على العلاج وعلى المسلحين والثوار دون أن تنجح في حل مشكلة الجرحى و في السيطرة على المسلحين و لا حتى في ضم الثوار تحت لواء واحد سواء كان الجيش الليبي أو الأمن الوطني.
كل ذلك الفراغ أدى إلى المنطق البسيط الذي مفاده أنه إذا كانت الحكومة عاجزة عن تسيير الدولة فلا مناص من أن تسير كل منطقة نفسها بشكل ذاتي وقيام مصراته بانتخاب مجلسها المحلي مؤشر على أن الحياة في مصراتة تطلبت وجود بديل عن الحكومة المركزية العاجزة حتى على تفعيل إداراتها بالمدينة وهذا الحل اقتصر على مدينة مصراتة لعدم قدرتها على ضم المناطق المجاورة لها لوجود مشاكل معلقة ناتجة عن فترة التحرير و إلا فإن تكتل أكبر كان سيبرز ويضم مصراتة وما حولها و ليس هذا انفصالا أو تقسيما بقدر ما هو محاولة للخروج من عنق الزجاجة الذي وضعنا فيه المجلس وحكومته ، وشرق البلاد المستقر تقريبا منذ أكثر من تسعة أشهر من الناحية الأمنية والإدارية دون أن يقطف ثمار ذلك الاستقرار، حيث المشروعات العامة متوقفة و النشاط التجاري شبه معدوم ، توجه نحو الفيدرالية كمحاولة لدفع عجلة الحياة إلى الأمام ، كنتيجة مباشرة لاهتمام المجلس والحكومة بقضايا أكبر من شعبها مثل دعم نضال الشعب السوري واعتماد اتفاقيات المقبور السابقة مع ايطاليا و إبرام الاتفاقيات مع فرنسا ، و حتى قبل إعلان الفيدرالية بقليل قامت بعض مدن الشرق بدفن شهدائها الذين اكتشفت جثامينهم مؤخرا وسط تجاهل تام من المجلس الذي لم يكلف نفسه بإيفاد مندوب عنه ولا الحكومة التي تضم وزيرا للشهداء والجرحى أرسلت ولو باقة ورد في بادرة عرفان لأولئك الذين قدموا حياتهم فداء للوطن في وقت كان أغلب من في الحكومة والمجلس مترددين في الانضمام لثورة الشعب الليبي .
من هم الفيدراليون ؟. . .
تيارات متعددة كانت خلف التوجه نحو الفيدرالية و على الرغم من أن توجهات تلك التيارات متناقضة بشكل واضح إلا أن ما جمعها هو تقاطع المصالح و ليس توافقها.
التيار الأول هو فئة المثقفين و المشتغلين بالسياسة، الذين فشلوا بشكل أو بأخر في الالتحاق بركب الثورة ليس لكونهم أعداء للثورة أو ليسوا من مناصريها ولكن لأن العربة امتلأت منذ الأيام الأولى و لم يعد هناك مكانا لأي راكب إضافي و دون مراعاة لقدرات أولئك الأشخاص وكفاءتهم فحقيقة الأمر أن المجلس الوطني والمكتب التنفيذي منذ تشكيلهما أصبحا ناديا للنخبة وسدت الأبواب أمام الجميع و لعل تهميش ائتلاف السابع عشر من فبراير و ما حدث من اتهامات متبادلة في بداية الثورة خير دليل على ذلك .
و لعل ما عمق جراح تلك الفئة هو تشكيل الحكومة الانتقالية ففي الوقت الذي صمت فيه شرق البلاد بالكامل عن المطالبة بأي حقائب وزارية و لم يحاولوا الدخول في ما دخل فيه غيرهم من مساومات ، على اعتبار أن الحكومة ستشكل من الكفاءات دون المحاصصة ،فوجئ الجميع بأن السيد رئيس الحكومة لم يكتف بتعيين أربعة وعشرين وزيرا بل زادهم ما يقارب الخمسين وكيلا في ذات القرار الخاص بالتشكيل الوزاري ، ومهما كان منطق العقل الذي تعتمده ومهما كان زادك من الصبر و ضبط النفس ومهما بحثت عن المبررات ، إلا أنه لا مفر من شعورك بالتهميش فكيف يمكنك أن تقنع سكان مناطق شاسعة بعدم وجود كفاءات بها لدرجة أنهم لم يتم اختيار شخص واحد منهم في قرار ضم أكثر من سبعين شخصا توجد تحفظات على أكثر من نصفهم والأسوأ من ذلك أن تقوم بمكافأة من رفعوا أصواتهم وساوموا على الحقائب الوزارية في حكومة ثبت أنها خليط مريع من الطيور المهاجرة وحملة الشهادات العليا ممن يعيشون في عالم افتراضي منفصل تماما عن واقعنا الذي نعيشه.
التيار الثاني وهم يمثلون أغلبية سكان شرق ليبيا وهذا التيار لم ينضم للمطالبة بالفيدرالية إلا عدد محدود منهم وهذا التيار يتكون من عامة الناس الذين فقدوا أبنائهم و دعموا النضال ضد المقبور ونظامه منذ الأيام الأولى و وبعد تحرير العاصمة أنكر عليهم الجميع دورهم في الثورة فقد تحملوا عبء حرب التحرير المادي والنفسي و أصابهم الإحباط ليس فقط لتهميشهم ولكن لأنهم أصبحوا يشاهدون من وقف ضد الثورة و من حاول القضاء عليها و من كان مع النظام السابق حتى يوم تحرير العاصمة قد غير جلده و أصبح من الثوار و باشر مهامه في إصدار تعليماته من العاصمة لباقي المدن .
التيار الثالث يضم بعض المستفيدين و لا أقول الموالين للنظام السابق و هم يحاولون استعادة مواقع خسروها لعلمهم أن لا مجال للتصعيد و الغوغائية السابقة و استغلال ترهات ملها الشعب للوصول للمناصب القيادية .
التصدي للفيدرالية . . .
من الطبيعي أن الإعلان الذي صدر عن مجموعة نصبت نفسها وكيلا عن شرق البلاد لتعلن الفيدرالية استفز الجميع في شرق البلاد وغربها و جنوبها ، فلم يكن أحد أن يتوقع أن تقوم فئة ما، مهما كان ثقلها السياسي أو الاجتماعي بعمل أخرق أساء للفكرة أكثر مما دعمها و دعا للانفصال و ليس للاتحاد و بطريقة فيها دكتاتورية تتحدي الجميع دون مراعاة لمناخ الحريات الذي يحلم الجميع بتحقيقه ولا لثقافة الحوار التي بدأت تنمو ببطء وتحتاج لمن يرعاها لا أن يجتثها بمثل هذا التصرف.
غير أن ردة الفعل التي صاحبت الإعلان والحشد الإعلامي و الصخب الذي صاحب الموضوع كان مبالغا فيه بشكل يدعو للتساؤل عما إذا كانت وحدة ليبيا هشة لدرجة أن تصرف بدائي يفتقر للسياسة والفطنة والموضوعية يمكن أن يقضي علي وحدة وطن يعيش فترة من أزهى فترات اللحمة الوطنية حيث اختلطت دماء الليبيين في جميع أرجاء الوطن في معركة التحرير و وقف الليبيون بشكل متراص سياسيا واجتماعيا و اقتصاديا خلال الأزمة التي عصفت بالبلاد و انتهت بنجاح الشعب في تحقيق حريته.
و في الوقت الذي أتسع فيه صدر المجلس و رئيسه ، لميليشيات مسلحة سيطرت على العاصمة وكافة معابر الدولة الحدودية وتقبلوا بهدوء شديد تصريحات ناكر ، ناهيك عن استفزازات التيارات السلفية التي فرضت هدم الأضرحة الليبية ونبش القبور لتتجاوز ذلك و تمارس هدم مقابر الأجانب ، وتجاهل ما حدث من اختراق أمني بمنطقة الكفرة و كأنها خارج ليبيا .
وسط كل ذلك من سعة صدرو ضبط للنفس نجد أن المجلس عبر رئيسه، ينتفض عقب الإعلان عن الفيدرالية و يتوعد باستخدام القوة و يقوم باتهام البعض بالعمالة وتخوين المطالبين بها و تكشر الداخلية عن أنيابها و تعلن عن وجود قوائم من أزلام النظام سيتم القبض عليهم ليس لأن أيديهم ملطخة بدماء الليبيين أو سرقة أموالهم ولكن لأنهم فيدراليون في مشهد ذكرني بالأيام الأولى لثورة السابع عشر من فبراير ، حيث قام المقبور بالسباب والتهديد و حكومته بتلفيق التهم للشرفاء ، و قامت منظمات المجتمع المدني بتنظيم مظاهرات مضادة منتهجة سياسة ( ردوا عليهم .. وروهم ..) و غابت لغة العقل والحوار وسط الضجيج الذي أخشى أن يكرس الانقسام بدلا من الوحدة الوطنية .
لقد قام دعاة الفيدرالية بسلسلة من الأخطاء سواء بالإعلان عنها أو بالطريقة التي صدر بها الإعلان أو توقيت الإعلان غير أنها في مجملها لا تمثل شيئا أمام المجلس الانتقالي و سلسلة الأخطاء التي يقوم بها منذ تأسيسه و بجانب حكومته التي تخرج من أزمة لتدخل إلى أخرى؟!. فهل توقف المجلس الانتقالي للحظة واحدة ليقيم أدائه و هل حاولت الحكومة أن تحسن من وضعها الكئيب؟.
كنت أتمنى أن لا يقابل الخطأ بالخطأ و أن يعامل من حاول فرض رأيه بفتح باب التحاور معه و لكن ما حدث لم يتجاوز ثقافة المقبور ، فالوضع الآن يتطلب الحوار دون استعراض مظاهر القوة ، إن تنمية و ترسيخ ثقافة الحوار و احترام الرأي الأخر يبقى هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية .
24 مارس 2012
لست من دعاة الفيدرالية ولم أكن يوما من أنصار أي اتجاه سياسي معين فالأفكار تنمو و تزدهر مع نمو الإنسان و ما تقتنع به في مرحلة من المراحل العمرية ستجد نفسك غارقا من الضحك عليه في مرحلة عمرية أخرى ، وأعني هنا أنه باستثناء العقيدة الدينية فإن كل القناعات قابلة للنقاش وللتطور وللتغيير.
و من قناعاتي الخاصة التي أعتبرها من الثوابت ، أن المصلحة العامة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إطار عام يتوافق عليه الجميع أو الأغلبية على الأقل و هو أضعف الإيمان.
و الإطار العام في أغلب الحكومات المدنية هو القانون وبالتالي فإن أي توجه يقصد به المصلحة العامة لا بد أن يتم من خلال القانون والشرعية ، وهذا القول ينطبق على الفيدراليين و على غيرهم ، فالمجلس الوطني الانتقالي يتميز بشرعية الأمر الواقع التي فرضتها ظروف تكوينه و التوافق الذي تم عند إعلانه ، إلا أن ذلك لا يمنحه الحق في فرض ما يراه من إجراءات تحت غطاء المصلحة العامة ، فشرعيته محدودة واعترافات العالم بأسره لا تمنحه ذلك الحق فالمقبور أيضا كان معترفا به من دول العالم .
ما أعنيه أنك إذا لم تستمد شرعيتك من شعبك فإن اعتراف العالم بك لن يمنحك أي شرعية وعلى هذا الأساس يفترض أن يتصرف السادة أعضاء ورئيس المجلس الانتقالي و ينسحب الأمر على الحكومة الانتقالية التي تستمد شرعيتها من المجلس .
و دعاة الفيدرالية كان عليهم أن يستمدوا شرعيتهم من الشعب قبل التورط في الإعلان عن تشكيل مجلسهم ، فالظروف التي سمحت بشرعية الأمر الواقع قد انتفت و لن يقبل أحد بفرض الوصاية من أي جهة وتحت أي مسمى و مهما كانت النوايا.
لماذا الفيدرالية ؟ . . .
يفرض هذا السؤال نفسه بقوة على الساحة السياسية فالكثيرون يعتقدون أن الفيدرالية تعني التقسيم بعكس المرادف العربي اللغوي للكلمة التي تعني الاتحاد ، غير أن البيان الصادر بشأنها جعل من الجميع يفهم أن المقصود هو تقسيم الوطن.
بنظرة سريعة لما حدث بعد تحرير العاصمة نكتشف أن هناك لا مبالاة واضحة لدى المجلس الانتقالي اتضحت معالمها في تسليم قيادة الوطن لمن اعتقدنا أنهم تكنوقراط و حسب فهمي البسيط للكلمة أنها تعني شخصيات تملك المعرفة دون أن تكون لها توجهات ايدولوجية ، و قد ثبت أنهم يملكون الشهادات العليا و لا يملكون المعرفة ولا اقصد العلمية فانا لست بمعرض تقييم السادة الوزراء و وكلائهم الأفاضل ولكن اعني معرفة جغرافية الوطن الاجتماعية والإدارية .
و اتسمت تصرفات المجلس والحكومة الانتقاليين بسلبيات لا يسعنا المجال لسردها ، إلا أن أخطرها تمثل في الفراغ السياسي و الإداري بكافة المدن الليبية ، فبعد تشكيل الحكومة لم تراع الضرورة الملحة لملء الفراغ الإداري و ذلك بإعادة الحياة للإدارات التابعة لوزاراتها بحيث تكون أساس الإدارة المحلية و تدير شؤون التعليم والصحة والمرافق وغيرها بتلك المدن ولها صلاحيات تكفل حل مشاكل المواطنين اليومية ، بل تعمدت تجاهل الإدارات القائمة و تركت أمر إدارتها لمجالس محلية لا شرعية لها إلا شرعية الأمر الواقع و لا إمكانيات لديها و الأسوأ من ذلك أنها تذكر المواطنين باللجان الشعبية و سياسات المقبور الإدارية و تنامى الإحباط الناجم عن ضبابية المرحلة و عجز الحكومة عن مباشرة عملها بشكل طبيعي فهي تصرف الملايين على العلاج وعلى المسلحين والثوار دون أن تنجح في حل مشكلة الجرحى و في السيطرة على المسلحين و لا حتى في ضم الثوار تحت لواء واحد سواء كان الجيش الليبي أو الأمن الوطني.
كل ذلك الفراغ أدى إلى المنطق البسيط الذي مفاده أنه إذا كانت الحكومة عاجزة عن تسيير الدولة فلا مناص من أن تسير كل منطقة نفسها بشكل ذاتي وقيام مصراته بانتخاب مجلسها المحلي مؤشر على أن الحياة في مصراتة تطلبت وجود بديل عن الحكومة المركزية العاجزة حتى على تفعيل إداراتها بالمدينة وهذا الحل اقتصر على مدينة مصراتة لعدم قدرتها على ضم المناطق المجاورة لها لوجود مشاكل معلقة ناتجة عن فترة التحرير و إلا فإن تكتل أكبر كان سيبرز ويضم مصراتة وما حولها و ليس هذا انفصالا أو تقسيما بقدر ما هو محاولة للخروج من عنق الزجاجة الذي وضعنا فيه المجلس وحكومته ، وشرق البلاد المستقر تقريبا منذ أكثر من تسعة أشهر من الناحية الأمنية والإدارية دون أن يقطف ثمار ذلك الاستقرار، حيث المشروعات العامة متوقفة و النشاط التجاري شبه معدوم ، توجه نحو الفيدرالية كمحاولة لدفع عجلة الحياة إلى الأمام ، كنتيجة مباشرة لاهتمام المجلس والحكومة بقضايا أكبر من شعبها مثل دعم نضال الشعب السوري واعتماد اتفاقيات المقبور السابقة مع ايطاليا و إبرام الاتفاقيات مع فرنسا ، و حتى قبل إعلان الفيدرالية بقليل قامت بعض مدن الشرق بدفن شهدائها الذين اكتشفت جثامينهم مؤخرا وسط تجاهل تام من المجلس الذي لم يكلف نفسه بإيفاد مندوب عنه ولا الحكومة التي تضم وزيرا للشهداء والجرحى أرسلت ولو باقة ورد في بادرة عرفان لأولئك الذين قدموا حياتهم فداء للوطن في وقت كان أغلب من في الحكومة والمجلس مترددين في الانضمام لثورة الشعب الليبي .
من هم الفيدراليون ؟. . .
تيارات متعددة كانت خلف التوجه نحو الفيدرالية و على الرغم من أن توجهات تلك التيارات متناقضة بشكل واضح إلا أن ما جمعها هو تقاطع المصالح و ليس توافقها.
التيار الأول هو فئة المثقفين و المشتغلين بالسياسة، الذين فشلوا بشكل أو بأخر في الالتحاق بركب الثورة ليس لكونهم أعداء للثورة أو ليسوا من مناصريها ولكن لأن العربة امتلأت منذ الأيام الأولى و لم يعد هناك مكانا لأي راكب إضافي و دون مراعاة لقدرات أولئك الأشخاص وكفاءتهم فحقيقة الأمر أن المجلس الوطني والمكتب التنفيذي منذ تشكيلهما أصبحا ناديا للنخبة وسدت الأبواب أمام الجميع و لعل تهميش ائتلاف السابع عشر من فبراير و ما حدث من اتهامات متبادلة في بداية الثورة خير دليل على ذلك .
و لعل ما عمق جراح تلك الفئة هو تشكيل الحكومة الانتقالية ففي الوقت الذي صمت فيه شرق البلاد بالكامل عن المطالبة بأي حقائب وزارية و لم يحاولوا الدخول في ما دخل فيه غيرهم من مساومات ، على اعتبار أن الحكومة ستشكل من الكفاءات دون المحاصصة ،فوجئ الجميع بأن السيد رئيس الحكومة لم يكتف بتعيين أربعة وعشرين وزيرا بل زادهم ما يقارب الخمسين وكيلا في ذات القرار الخاص بالتشكيل الوزاري ، ومهما كان منطق العقل الذي تعتمده ومهما كان زادك من الصبر و ضبط النفس ومهما بحثت عن المبررات ، إلا أنه لا مفر من شعورك بالتهميش فكيف يمكنك أن تقنع سكان مناطق شاسعة بعدم وجود كفاءات بها لدرجة أنهم لم يتم اختيار شخص واحد منهم في قرار ضم أكثر من سبعين شخصا توجد تحفظات على أكثر من نصفهم والأسوأ من ذلك أن تقوم بمكافأة من رفعوا أصواتهم وساوموا على الحقائب الوزارية في حكومة ثبت أنها خليط مريع من الطيور المهاجرة وحملة الشهادات العليا ممن يعيشون في عالم افتراضي منفصل تماما عن واقعنا الذي نعيشه.
التيار الثاني وهم يمثلون أغلبية سكان شرق ليبيا وهذا التيار لم ينضم للمطالبة بالفيدرالية إلا عدد محدود منهم وهذا التيار يتكون من عامة الناس الذين فقدوا أبنائهم و دعموا النضال ضد المقبور ونظامه منذ الأيام الأولى و وبعد تحرير العاصمة أنكر عليهم الجميع دورهم في الثورة فقد تحملوا عبء حرب التحرير المادي والنفسي و أصابهم الإحباط ليس فقط لتهميشهم ولكن لأنهم أصبحوا يشاهدون من وقف ضد الثورة و من حاول القضاء عليها و من كان مع النظام السابق حتى يوم تحرير العاصمة قد غير جلده و أصبح من الثوار و باشر مهامه في إصدار تعليماته من العاصمة لباقي المدن .
التيار الثالث يضم بعض المستفيدين و لا أقول الموالين للنظام السابق و هم يحاولون استعادة مواقع خسروها لعلمهم أن لا مجال للتصعيد و الغوغائية السابقة و استغلال ترهات ملها الشعب للوصول للمناصب القيادية .
التصدي للفيدرالية . . .
من الطبيعي أن الإعلان الذي صدر عن مجموعة نصبت نفسها وكيلا عن شرق البلاد لتعلن الفيدرالية استفز الجميع في شرق البلاد وغربها و جنوبها ، فلم يكن أحد أن يتوقع أن تقوم فئة ما، مهما كان ثقلها السياسي أو الاجتماعي بعمل أخرق أساء للفكرة أكثر مما دعمها و دعا للانفصال و ليس للاتحاد و بطريقة فيها دكتاتورية تتحدي الجميع دون مراعاة لمناخ الحريات الذي يحلم الجميع بتحقيقه ولا لثقافة الحوار التي بدأت تنمو ببطء وتحتاج لمن يرعاها لا أن يجتثها بمثل هذا التصرف.
غير أن ردة الفعل التي صاحبت الإعلان والحشد الإعلامي و الصخب الذي صاحب الموضوع كان مبالغا فيه بشكل يدعو للتساؤل عما إذا كانت وحدة ليبيا هشة لدرجة أن تصرف بدائي يفتقر للسياسة والفطنة والموضوعية يمكن أن يقضي علي وحدة وطن يعيش فترة من أزهى فترات اللحمة الوطنية حيث اختلطت دماء الليبيين في جميع أرجاء الوطن في معركة التحرير و وقف الليبيون بشكل متراص سياسيا واجتماعيا و اقتصاديا خلال الأزمة التي عصفت بالبلاد و انتهت بنجاح الشعب في تحقيق حريته.
و في الوقت الذي أتسع فيه صدر المجلس و رئيسه ، لميليشيات مسلحة سيطرت على العاصمة وكافة معابر الدولة الحدودية وتقبلوا بهدوء شديد تصريحات ناكر ، ناهيك عن استفزازات التيارات السلفية التي فرضت هدم الأضرحة الليبية ونبش القبور لتتجاوز ذلك و تمارس هدم مقابر الأجانب ، وتجاهل ما حدث من اختراق أمني بمنطقة الكفرة و كأنها خارج ليبيا .
وسط كل ذلك من سعة صدرو ضبط للنفس نجد أن المجلس عبر رئيسه، ينتفض عقب الإعلان عن الفيدرالية و يتوعد باستخدام القوة و يقوم باتهام البعض بالعمالة وتخوين المطالبين بها و تكشر الداخلية عن أنيابها و تعلن عن وجود قوائم من أزلام النظام سيتم القبض عليهم ليس لأن أيديهم ملطخة بدماء الليبيين أو سرقة أموالهم ولكن لأنهم فيدراليون في مشهد ذكرني بالأيام الأولى لثورة السابع عشر من فبراير ، حيث قام المقبور بالسباب والتهديد و حكومته بتلفيق التهم للشرفاء ، و قامت منظمات المجتمع المدني بتنظيم مظاهرات مضادة منتهجة سياسة ( ردوا عليهم .. وروهم ..) و غابت لغة العقل والحوار وسط الضجيج الذي أخشى أن يكرس الانقسام بدلا من الوحدة الوطنية .
لقد قام دعاة الفيدرالية بسلسلة من الأخطاء سواء بالإعلان عنها أو بالطريقة التي صدر بها الإعلان أو توقيت الإعلان غير أنها في مجملها لا تمثل شيئا أمام المجلس الانتقالي و سلسلة الأخطاء التي يقوم بها منذ تأسيسه و بجانب حكومته التي تخرج من أزمة لتدخل إلى أخرى؟!. فهل توقف المجلس الانتقالي للحظة واحدة ليقيم أدائه و هل حاولت الحكومة أن تحسن من وضعها الكئيب؟.
كنت أتمنى أن لا يقابل الخطأ بالخطأ و أن يعامل من حاول فرض رأيه بفتح باب التحاور معه و لكن ما حدث لم يتجاوز ثقافة المقبور ، فالوضع الآن يتطلب الحوار دون استعراض مظاهر القوة ، إن تنمية و ترسيخ ثقافة الحوار و احترام الرأي الأخر يبقى هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية .
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
homeland- مشير
-
عدد المشاركات : 6396
العمر : 46
رقم العضوية : 6733
قوة التقييم : 37
تاريخ التسجيل : 22/09/2011
عبدالله النيهوم- مشرف منتدي ألبوم الصور
-
عدد المشاركات : 5352
العمر : 44
رقم العضوية : 9184
قوة التقييم : 27
تاريخ التسجيل : 30/12/2011
مواضيع مماثلة
» المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات : تحالف القوى الوطنية يتح
» التعادل الصقور " أ " وأهلي بنغازي ، والوحدة يفوز على الأخضر
» عصافير ضد الفيدرالية
» مؤسسات المجتمع المدني تحشد لدعم الشريعة والوحدة
» عاجل:تحالف القوي الوطنية وحزب الجبهة الوطنية يتصدران حديث ال
» التعادل الصقور " أ " وأهلي بنغازي ، والوحدة يفوز على الأخضر
» عصافير ضد الفيدرالية
» مؤسسات المجتمع المدني تحشد لدعم الشريعة والوحدة
» عاجل:تحالف القوي الوطنية وحزب الجبهة الوطنية يتصدران حديث ال
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR