مقالات مختارة : دلالات انتخاب المقريف رئيسا للمؤتمر الوطني

دلالات انتخاب المقريف رئيسا للمؤتمر الوطني
السنوسي بسيكري

الدكتور محمد المقريف بلا شك من أبرز أقطاب المعارضة الليبية، ومن أشرسهم في معارضة النظام السابق وأبغضهم له. خاض تجربة معارضة حافلة، وضعته يوما ما على رأس – ربما
- أكبر وأقوى تكتل سياسي عربي معارض في المنفى قبل ثلاث عقود مضت، ويستقبل في العديد من العواصم الغربية والعربية كزعيم ومرشح بديل لحكم القذافي وذلك في آواخر الثمانينات ومطلع التسعينيات
من القرن الماضي، ثم يتغير الحال ويخفت وهج المقريف بتراجع المعارضة الليبية لأسباب ليس المجال ملائم لعرضها، ثم تدور عجلة الزمان، وبشكل يصادم تقديرات كبار المحللين والمراقبين، ونشهد اليوم المقريف ينتخب رئيسا لأعلى سلطة في البلاد.
المقريف انتخب بشكل ديمقراطي، لكن السياسة (politics)، التي تمظهرت في توازنات وترجيحات حزبية ( لا ننفي عنها الوطنية) كانت حاضرة وبقوة، وساهمت في نقل المقريف من الترتيب الثاني في الجولة الأولى، وبفارق ليس بضئيل، إلى التريب الأولى في جولة الإعادة، وما بين الجولتين (ساعتين فقط) تكثفت الاتصالات وتصادمت الخيارات، واصطف كل حسب ترجيحاته التي يرى فيها المصلحة الوطنية، وفاز المقريف.
فما دلالات فوز المقريف؟
اعتقد أن انقطاع المقريف عن العمل السياسي والإداري فترة لن يؤثر كثيرا في الخبرة السياسة والتنظيمية التي اكتسبها طوال أربع عقود من نشاطه، سواء عمله في الجامعة، ثم ديوان المحاسبة، وبعدها رئيسا لجبهة الإنقاذ، وقد اشتهر الرجل بالحزم، إلى درجة اتهامه من قبل رفاق النضال السياسي بالتفرد وحتى الاستبداد. وسيكون الضامن لتحقيق توازن في إدارة الدكتور المقريف للمؤتمر هو مأسسته بشكل صحيح من خلال مأسسة رئاسة المؤتمر بتحديد صلاحيات الرئاسة وتوزيعها بين الرئيس ونوابه، وضبط كل ذلك بلائحة.
على المستوى السياسي يمكن القول أن المقريف سيستفرغ وسعه في تقديم نموذج وطني ديمقراطي في القيادة، لكن لن يفضي هذا بحال إلى تنازله عن مواقفه ضد النظام وتركته، وأتصور أن نفسه "الجذري" سيكون صعبا على أي حكومة تغفل نظرية "التخلية قبل التحلية"، أو "التطهير قبل التجسير"، مما يعني أنه لن يكون قريبا من توجهات تحالف القوى الوطنية، ولا متوافقا على طول الطريق مع أفكار زعيمه الدكتور محمود جبريل. وهذه مشكلة قد تتطور إلى أزمة إذا لم يتحقق توافق يأخذ في الاعتبار وجهات نظر الجميع، ورؤية توافقة داخل المؤتمر يلتزم بها الجميع.
إن صَدَق هذا التحليل، فإن مبررات ابتعاد الدكتور محمود جبريل عن تشكيل الحكومة وقيادة الجهاز التنفيذي للدولة ستصبح قوية، وسنرى رئيسا للحكومة ليس من التحالف. ولا أتصور أن التحالف سيخوض معركة سياسية، ويلجأ إلى حشد الأحلاف للدفع بمرشحه، لأنه ببساطة سيواجه قيادة تشريعية صارمة، وسيصبح من المقبول "شعبيا" الانسحاب في هذه المرحلة، إذا لن يعتبر الناخبون الذين صوتوا لجبريل انسحابه تخاذلا يتكرر للمرة الثانية، بل سيظهر وكأنه إجحاف ضده مما يعني مزيدا من التعاطف الشعبي وزيادة في رصيده في انتخابات البرلمان القادم وذلك في حال لم تقدم الحكومة المرتقبة ما يرضي تطلعات الليبيين. أما إذا نجحت قيادة المقريف للمؤتمر في خلق أجواء توافقية وتفعيل الدور التشريعي والرقابي والسياسي للمؤتمر بالقدر الذي يؤهله لتشكيل حكومة قوية ومتناغمة، ويمنحها الدعم دون سلبها صلاحياتها، ويقوِّم أداءها في حال انحرافها عن الرؤية المعتمدة، فإننا سنرى مشهدا سياسيا في انتخابات البرلمان القادم بعد نحو عام ونيف مختلفا تماما عما أسفرت عنه انتخابات المؤتمر الوطني.