قريتي البائسة ...متى ستفرح

من طرف **زهرة اللوتس** 2012-05-19, 11:00 pm

قريتي البائسة ...متى ستفرح
د نزار كريكش
يحكى في الأدب الإيطالي عن قرية اعتاد أهلها نظاماً غريباً ألفوه فيما بينهم ، مرت عليه السنون حتى صار أمراً طبيعياً لايرون فيه طرفة ، ولم يشعروا معه بالعجب والاستغراب....
فإنهم في كل ليلة من نهاية الأسبوع يترك كل منهم داره الصغيرة مشرعة الباب ، ويتركون النور قيها مضاءً ، حتى يعرف كل جارٍ أن جاره قد سمح له -بهذه العلامة- بالدخول إلى داره والسرقة ( والتي لم تك سرقة في عرفهم ) فيدخل كل جار ليأخذ ماتيسر من طعام وكساء من جاره الآخر ، وهكذا كان التوازن والرضا والمساواة تقريباً بين آهالي القرية .
مضت السنون وهم على تلك الحال ، يسرق بعضهم بعضا ، وهم في ود ورضا ......
جاء آحد الغرباء إلى القرية وأراد أن يشتري داراً في القرية ، وتحصّل على تلك الدار ، وهنأه أهل القرية في الصباح ، وجاءوا ليسرقوه في المساء ، ولكنهم كلما اقتربوا من الدار وجدوا الرجل قابعا فيها يجلس على كرسي ويقرأ.
تركه أهل القرية ليلة أو ليلتين ، ثم بعثوا له وجهاءهم ليخبروه عن قوانين القرية وضرورة أن يدخل معهم في أخذ مال بعضهم البعض . رفض الرجل الآمر وقال أنا لا أفعل ماتفعلون ولكنّي سأترك لكم الدار في المساء وأذهب إلى الشاطئ كي أقرأ على ضوء القمر !!
وبعد فترة من الزمن أصبحت مجموعة من أهل القرية يسرقون ولايسرق منهم ، وهكذا استغنى البعض وصاروا مع الزمن يسرقون ولا يُسرقون ، ومضت الشهور وهم على هذا الحال ، إلى أن استأجر الأغنياء من يسرق لهم وصاروا يذهبون إلى الشط يقرؤون مع ذاك الرجل الشريف ، و صار المشهد ينبي عن مجموعة من اللصوص بينهم رجل شريف واحد ...
لنتخيل الآن ..... بعد سنين ، وتوالي الأجيال شعر ، جيل من تلك الأجيال بخطأ ماهم فيه ، وأرادوا أن يثوروا على هذا الوضع ، واقتنع أهل القرية بخطأ هذا النظام ، ولكن مالعمل كيف سنعيش بدون سرقة ، بدا الأمر غريباً ، وصار المعروف منكراً ، ورغم الرغبة الصادقة في التغيير إلا أن تعقد الوضع وتجذّر الفساد جعل المهمة صعبة جداً ، مالعمل ؟
إن الأمر ممكن لكنه صعب ، إن الطريق واضح و لكن لم نعتده ، إن الأمل موجود لكن الركون إلى العادة غلّاب ، والأدهى من ذلك سيتضرر الأغنياء ولن يعودوا أغنياء ، لن يتمتعوا بضوء القمر ، ولن يجدوا من يخدمهم ويسرق لهم ... إنه واقع جديد ، و لاشئ في قريتنا قريب من المنطق وقانون القرية باطل ، وكل الملفات التي بين أيدينا بنيت على هذا الباطل ....
التاريخ : 19/5/2012