إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
قبائل المرابطين والأشراف بين الحسب والنسب في ليبيا (1)
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قبائل المرابطين والأشراف بين الحسب والنسب في ليبيا (1)
من كتاب القبيلة والإسلام والدولة
قول المثل الليبي في المرابطين:
لا دير كيف ما يديروا، ولا تنهاهم على ما يديروا.
ومعناه: لا تفعل ما يفعلون، ولا تنهاهم عما يفعلون.
جذور الرباط لغوياً
لا دير كيف ما يديروا، ولا تنهاهم على ما يديروا.
ومعناه: لا تفعل ما يفعلون، ولا تنهاهم عما يفعلون.
جذور الرباط لغوياً
لقد تعدد وتنوع معنى وأصل كلمة "الرباط"، وفي ذلك اختلف المؤرخون فيما تعنيه كلمة "المرابطين" في علم الأنساب مع إجماعهم واتفاقهم على مرجعية التسمية في الكتاب والسنة وقدسيتها الإسلامية وما لها من وقار وإجلال في تاريخ المغرب الإسلامي.
وفي ذلك يقول الأستاذ حسن الكرمي صاحب "الهادي إلى لغة العرب":[1] إن كلمة رباط أو مرابطين مشتقة من ربطه وتعني شده أو أوثقه، ضد حله.[2] وربط الله على قلبه ألهمه الصبر وقواه. وربط الله عنه وجعه، أي منعه وأوقفه. ربط الرجلُ اشتد قلبه وكان رابط الجأش ثابتاً. وربط جأش الرجل كان رابطاً لا يتزعزع. ربُط الرجل كان ربيطاً. ورباطة الجأش ثبوت المقاتل في موضعه شجاعة. ورابط الرجل العمل واظب عليه ولزمه. ورابط الجيش على الحدود واتخذ له مواضع ولازمها. وارتبط الرجل بالحبل صار مربوطاً به؛ ومنه : ارتبط بوعد، أي ربط نفسه به. وارتبط الرجل فرساً أي اقتناه. ويقال في المثل: "أستكرمت فارتبط" أي إذا أصبت كريمة فاحتفظ بها.
والرابط هو الذي يربط؛ والرابط هو "الراهب" أي العابد أو الزاهد الذي نزه نفسه عن الدنيا. ويقال: رجل رابط الجأش، أي ساكن القلب عند الفزع لشجاعته. والرابطة هي العلاقة، مثل رابطة الصداقة. والرابطة الإسلامية هي العُصبة. والجمع روابط. والرابطة أيضاً هي الوصلة والعُلقة. والرباط هو الشيء الذي يربط به، وهو المربط، مثل رباط القرية ورباط الدابة. والجمع رُبُط وأربطة. والرباط هو الفؤاد، والخمسة من الخيل فما فوقها. والرباط بناء يُبنى للفقراء يأوون إليه، والجمع رباطات. والرباط حجر طويل يوضع فوق حجارة صغيرة ليربط بعضها ببعض ويشدها. والجمع أربطة ورُبُط. ويقال: قرض رباطه أي مات. والمربط مكان ربط الدواب، وهو الإسطبل. والمرابطة هي ملازمة في المكان، كمرابطة الجيش ثغر العدو أو في ثغره استعداداً.
وفي القرآن الكريم معنى المرابطون والرباط من الآية الكريمة التي تحث على الرباط لما فيه من أجر عظيم في قوله تعالى: يأيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون،[3] والآية الأخرى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل،[4] ... أي جماعات الخيل، دلالة على قوة العصر آنذاك. وفي الحديث النبوي الشريف: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها،[5] وكذلك: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه.[6]
وقيل المراد هنا مرابطة الغزو في نحو العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها من دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين. فالرباط تركيبة فسيفسائية من العلاقات والصلات لهؤلاء المجاهدين الذين اصبحوا كتلة واحدة متداخلة في بعضها البعض عرفت بالمرابطين وبصفاتها القرآنية كما هو في الآية الكريمة سالفة الذكر، ومكوناتها بالترتيب عبارة عن: الإيمان بالله تعالى ثم قضيتهم، والصبر على الشدائد، والتصابر والرباط في نفس الموضع بلا كلل أو ملل، والتقوى بخشية الله تعالى وذلك بالإكثار من العبادات المكتوبة والمندوبة بالذكر و التقرب إلى الله تعالى، وجزاء ذلك كله الفلاح والصلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.[7]
والمدقق في اشتقاقات كلمة ربط، ومنها رباط ومرابط، يجدها تلف وتدور حول جميع المعاني التي استدللنا بها من المعجم اللغوي آنفاً لما لها من صلة بهذه الفئة من سكان شمال أفريقيا عامة وليبيا خاصة الذين نسميهم المرابطين. ولعل هذه التسمية (المرابطين) هي غلطة لغوية من حيث الصرف ولكنها صارت علماً يتجوز في إعرابها فاستعملت كما شاعت بين الناس وميزتهم عن المرابطون الذين قامت لهم دولة سنة 1056-1147م (448-541هـ) في المغرب الكبير والأندلس،[8] وكانت قياداتها وجندها من البربر،[9] ونحن بدورنا سنستعمل كلمة المرابطين بغض النظر عن صرفها، (واكرر اعتذاري واحترامي للغيارى النحاة)، مستنداً إلى رأى أستاذنا بازامه في مقدمته عندما استبعد قوانين النحاة مع صحة الدلالة لتسمية المرابطين،[10] والعمل بمقول القول.
فالرباط كما هو في اللغة ترجمة عملية لواقع المرابطين لما فيه من اشتداد وتوثق بهذه الثغور والبلاد التي فتحت إسلامياً، وتحمل المشاق والأوجاع والتصابر، وهذا زاده الصبر والشجاعة والثبات، حيث يثبت الرجل ومن في معيته من أهل وأولاد وأصحاب وخيول ثبوتاً لا يتزعزع ولا يزحزحه عن موضعه، ويكون ذلك بالمواظبة والالتزام وبدون تراجع لأن مصير أمن الأمة معلق بهذا. والمرابطين كانوا أهلاً لذلك لتوفر صفات الثبات فيهم وسكون الأفئدة وعدم الخوف من ملاقاة العدو والزهد والعبادة والإخلاص لله تعالى في رباطهم وتحملهم لهذه المشاق لحماية حدود الدولة الإسلامية بدون مقابل.
وكذلك الالتحام في الله تعالي بين هؤلاء الأقوام وما نتج عنه من ترابط بالصداقة، وتعني أستلحاق فئات صغيرة ضعيفة بقبائل أكبر منها حجماً وسلطاناً لضرورة ارتبطت بمصالح متبادلة ومشتركة بينهم،[11] سواء كانت مراعي وكلأ، أو رجال، كعمالة لأغراض سلمية كالرعي والتعليم والقضاء ..الخ ، أو حربية للدفاع أو الغزو كما سنوضح بشيء من التفصيل لاحقاً.
وفي ذلك يقول الأستاذ حسن الكرمي صاحب "الهادي إلى لغة العرب":[1] إن كلمة رباط أو مرابطين مشتقة من ربطه وتعني شده أو أوثقه، ضد حله.[2] وربط الله على قلبه ألهمه الصبر وقواه. وربط الله عنه وجعه، أي منعه وأوقفه. ربط الرجلُ اشتد قلبه وكان رابط الجأش ثابتاً. وربط جأش الرجل كان رابطاً لا يتزعزع. ربُط الرجل كان ربيطاً. ورباطة الجأش ثبوت المقاتل في موضعه شجاعة. ورابط الرجل العمل واظب عليه ولزمه. ورابط الجيش على الحدود واتخذ له مواضع ولازمها. وارتبط الرجل بالحبل صار مربوطاً به؛ ومنه : ارتبط بوعد، أي ربط نفسه به. وارتبط الرجل فرساً أي اقتناه. ويقال في المثل: "أستكرمت فارتبط" أي إذا أصبت كريمة فاحتفظ بها.
والرابط هو الذي يربط؛ والرابط هو "الراهب" أي العابد أو الزاهد الذي نزه نفسه عن الدنيا. ويقال: رجل رابط الجأش، أي ساكن القلب عند الفزع لشجاعته. والرابطة هي العلاقة، مثل رابطة الصداقة. والرابطة الإسلامية هي العُصبة. والجمع روابط. والرابطة أيضاً هي الوصلة والعُلقة. والرباط هو الشيء الذي يربط به، وهو المربط، مثل رباط القرية ورباط الدابة. والجمع رُبُط وأربطة. والرباط هو الفؤاد، والخمسة من الخيل فما فوقها. والرباط بناء يُبنى للفقراء يأوون إليه، والجمع رباطات. والرباط حجر طويل يوضع فوق حجارة صغيرة ليربط بعضها ببعض ويشدها. والجمع أربطة ورُبُط. ويقال: قرض رباطه أي مات. والمربط مكان ربط الدواب، وهو الإسطبل. والمرابطة هي ملازمة في المكان، كمرابطة الجيش ثغر العدو أو في ثغره استعداداً.
وفي القرآن الكريم معنى المرابطون والرباط من الآية الكريمة التي تحث على الرباط لما فيه من أجر عظيم في قوله تعالى: يأيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون،[3] والآية الأخرى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل،[4] ... أي جماعات الخيل، دلالة على قوة العصر آنذاك. وفي الحديث النبوي الشريف: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها،[5] وكذلك: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه.[6]
وقيل المراد هنا مرابطة الغزو في نحو العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها من دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين. فالرباط تركيبة فسيفسائية من العلاقات والصلات لهؤلاء المجاهدين الذين اصبحوا كتلة واحدة متداخلة في بعضها البعض عرفت بالمرابطين وبصفاتها القرآنية كما هو في الآية الكريمة سالفة الذكر، ومكوناتها بالترتيب عبارة عن: الإيمان بالله تعالى ثم قضيتهم، والصبر على الشدائد، والتصابر والرباط في نفس الموضع بلا كلل أو ملل، والتقوى بخشية الله تعالى وذلك بالإكثار من العبادات المكتوبة والمندوبة بالذكر و التقرب إلى الله تعالى، وجزاء ذلك كله الفلاح والصلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.[7]
والمدقق في اشتقاقات كلمة ربط، ومنها رباط ومرابط، يجدها تلف وتدور حول جميع المعاني التي استدللنا بها من المعجم اللغوي آنفاً لما لها من صلة بهذه الفئة من سكان شمال أفريقيا عامة وليبيا خاصة الذين نسميهم المرابطين. ولعل هذه التسمية (المرابطين) هي غلطة لغوية من حيث الصرف ولكنها صارت علماً يتجوز في إعرابها فاستعملت كما شاعت بين الناس وميزتهم عن المرابطون الذين قامت لهم دولة سنة 1056-1147م (448-541هـ) في المغرب الكبير والأندلس،[8] وكانت قياداتها وجندها من البربر،[9] ونحن بدورنا سنستعمل كلمة المرابطين بغض النظر عن صرفها، (واكرر اعتذاري واحترامي للغيارى النحاة)، مستنداً إلى رأى أستاذنا بازامه في مقدمته عندما استبعد قوانين النحاة مع صحة الدلالة لتسمية المرابطين،[10] والعمل بمقول القول.
فالرباط كما هو في اللغة ترجمة عملية لواقع المرابطين لما فيه من اشتداد وتوثق بهذه الثغور والبلاد التي فتحت إسلامياً، وتحمل المشاق والأوجاع والتصابر، وهذا زاده الصبر والشجاعة والثبات، حيث يثبت الرجل ومن في معيته من أهل وأولاد وأصحاب وخيول ثبوتاً لا يتزعزع ولا يزحزحه عن موضعه، ويكون ذلك بالمواظبة والالتزام وبدون تراجع لأن مصير أمن الأمة معلق بهذا. والمرابطين كانوا أهلاً لذلك لتوفر صفات الثبات فيهم وسكون الأفئدة وعدم الخوف من ملاقاة العدو والزهد والعبادة والإخلاص لله تعالى في رباطهم وتحملهم لهذه المشاق لحماية حدود الدولة الإسلامية بدون مقابل.
وكذلك الالتحام في الله تعالي بين هؤلاء الأقوام وما نتج عنه من ترابط بالصداقة، وتعني أستلحاق فئات صغيرة ضعيفة بقبائل أكبر منها حجماً وسلطاناً لضرورة ارتبطت بمصالح متبادلة ومشتركة بينهم،[11] سواء كانت مراعي وكلأ، أو رجال، كعمالة لأغراض سلمية كالرعي والتعليم والقضاء ..الخ ، أو حربية للدفاع أو الغزو كما سنوضح بشيء من التفصيل لاحقاً.
جذور الرباط تاريخياً
بدايات الرباط ترجع إلى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضوان الله تعالى عنه عندما ركب المسلمون في عهده البحر،[12] ولكن لم يبن أسطول بحري ذو صفة قتالية إلا في عهد دولة بني أمية عندما تم بناء أول أسطول بحري عربي، وفُتح الشمال الأفريقي والأندلس وأصبحت دمشق العاصمة تحكم كل أراضيها الغربية مروراً بليبيا حتى المحيط الأطلنطي.[13] ولكن بسقوط الخلافة الأموية أهُمل الاستطلاع البحري لانهماك عمال الدولة العباسية في الشمال الأفريقي بعيداً عن البحر والانشغال بالفتن والثورات الداخلية، وخاصة مع القبائل البربرية التي كانت تثور من حين إلى أخر ضد جور الحكام، وتركيز خلفاء بني عباس على توطيد ملكهم في بغداد بمصادرة أي نوع من ألوان المعارضة بحد السيف.
وعاد أسطول الروم إلى الظهور مجدداً ليهدد إنجازات المسلمين في البحر الأبيض المتوسط بغاراتهم على السواحل الليبية طمعاً في استرداد السيادة البيزنطية على المنطقة ولكنهم لم ينجحوا على الأقل عسكرياً في احتلالها.[14] فعمد المجاهدون العباد النساك إلى بناء الرباطات، أو الرُُبط، لتحصين حدود دار الإسلام، فأسسوا المحارس على امتداد الساحل مشكلة خطوط أمامية للدفاع وبذلك سدوا كل الثغور التي كان بإمكان العدو استغلالها والتوغل إلى اليابسة ومهاجمة المدن والقرى الآمنة.[15]
يرجع تأسيس أول رباط إلى أمير أفريقية هرثمة بن أعين الهاشمي في طرابلس سنة 796م (180هـ) الذي نصب سفيان بن أبي المهاجر[16] والياً على طرابلس.[17] وأمر هرثمة سفيان بتسوير مدينة طرابلس من جهة البحر، ولم تكن مسورة من قبل،[18] وكذلك أمر ببناء القصر الكبير الذي يعُتقد أن السراية الحمراء (القلعة) بُنيت عليه فيما بعد.[19]
ومن ثم بنى رباط المنستير بتونس سنة 797م (181هـ)، ومن بعد ذلك انتشرت الرباطات على امتداد الساحل المغاربى كله،[20] ولعل اشهر هذه الرباطات مدينة الرباط (رباط الفتح) عاصمة المملكة المغربية. تقع على المحيط الأطلسي في الجزء الشمالي الغربي. بُنيت في القرن 12م (6هـ) بوصفها رباطاً،[21] كذلك رباط عاصمة جزيرة قوزو، ثاني اكبر الجزر المالطية. التي حاول الإنجليز تغيير اسمها إلى فيكتوريا ولكن بدون جدوى.[22] ولكن لم تنتشر رباطات الجهاد بكثرة إلا في عهد الاغالبة في القرن التاسع ميلادي (3 هـ) خوفاً من غارات النصارى الروم على سواحل الشمال الأفريقي مما كان حافزاً في جعلهم قادرين على مباغتة قواعد العدو الساحلية والاستيلاء عليها، ومن ثم استولى زيادة الله الأول على صقلية سنة 827م (212هـ).[23] ومن بعدها تمت لهم السيطرة على مساحات كبيرة من المتوسط بعد سيطرت البحرية الإسلامية على جنوب إيطاليا[24] وساردينيا وكورسيكا، ومن ثم مالطا سنة 868م (255هـ).[25]
وكانت هذه الرباطات على هيئة سلسلة وصل تمتد من طرابلس غرباً إلى مشارف الإسكندرية شرقاً،[26] وكذلك من ضفاف البحر المتوسط إلى ضفاف المحيط الأطلنطي مخترقةً الصحراء الكبرى لتقدم كافة الخدمات للقوافل المتاجرة في الصحراء وكذلك القبائل الرحل، ووصل تعدادها إلى ما يقارب الألف رباط في شمال أفريقيا لا يفصل بينها إلا مسافة بضع كيلومترات واستمرت على حالها مأهولة بالمجاهدين المرابطين والمتصوفة من الزهاد تؤدي واجبها الحربي حتى قدوم الأتراك العثمانيين إلى ليبيا،[27] ومن ثم انتقلوا إلى الزوايا، التي كانت وليدة هذه الرباطات، لتلبية حاجة المسلمين إلى مزيد من هذه المراكز الروحانية في المنطقة.[28]
والرباط عبارة عن صحن محاط بعدة غرف محصنة من جوانبها الخارجية وبه مسجد بصومعته التي تستعمل للآذان وحرس مراقبة الساحل ضد أي تسلل من القراصنة وغيرهم من الأعداء النصارى،[29] وكذلك توقد بها نار كعلامة مرشدة بالليل. وهذه الرباطات يستعملها عابر السبيل كمرشد مروري لمن أراد أن يسافر من منطقة رباط إلى أخرى على سبيل الهداية، وأيضاً يربى بالرباطات الحمام الزاجل الذي يستعمل للسعي بريدياً بين الشرق والغرب، ويقوم الرباط بتقديم شئ من الخدمات الطبية شبيهه بالمستوصفات والتعليم الأولي لأبناء المسلمين من المرابطين، وكل هذه الخدمات بلا مقابل. ولذلك لعبت هذه الرباطات دوراً كبيراً في استقطاب المزيد من المسلمين الرحل غير المرابطون للاستقرار بها بصورة دائمة مما أهلهم للانضمام إلى المجتمع المُرابط ومن خلالها اكتسبوا التسمية.[30]
وعندما سيطر الفاطميون على الشمال الأفريقي وضموه إلى خلافتهم طرأ تحول على وضع الرباطات من حيث كونها ثكنات تضم بين جوانبها نساكاً مرابطين للجهاد إلى نساك ليس لديهم عدو يقاتل. وهذا يعكس قوة وصلابة الدولة الإسلامية التي أخذت على عاتقها الترتيبات الأمنية تجاه علاقاتها الخارجية تحديداً مع الممالك المسيحية بأوروبا، فوجد هؤلاء المرابطون أنفسهم وذراريهم وذويهم متفرغين للذِكر ومراودة حلق الصوفية والاعتكاف للنهل من العلوم الإسلامية،[31] مما زاد في طلب على المزيد من المدارس والمعاهد العلمية لتخريج مزيد من المشايخ والطرق الصوفية التي بدأت تنتشر بين التجمعات السكانية حتى أصبحت الزاوية، التي حلت محل الرباط، ضرورة ملحة لأي تجمع سكاني مساواةً بالأسواق والمقابر وما شاكل ذلك من المرافق الاجتماعية.[32]
وهذه الرباطات منها ما كان على شاطئ البحر، وعُرفت بالرباطات البحرية، ومنها ما كان في كبد الفيافي، وعُرفت بالرباطات الصحراوية، التي أصبحت فيما بعد مراكز إشعاع ديني لنشر الدعوة والتبليغ بين القبائل الوثنية ببلاد السودان جنوب الصحراء، أو تأهيل الدعاة لنشر الإسلام هنالك واستضافة طلاب العلم من بين الفئات غير المسلمة الراغبة في دين الله تعالى. وبهذا تحولت هذه الحصون والمحارس من رباطات مهيئة على أحسن ما يكون للإقامة والاعتكاف إلى مصانع للطرق الصوفية ومدارس لتلقى العلم والفقه والعلوم المختلفة، ومعملاً لصنع الحبر والأوراق واستنساخ المصاحف والمجامع وكتب الفقه والتصوف واللغة والأدب والخ.[33] وغدت قلاع الرباط حصوناً للجهاد الأصغر[34] بعد التفرغ من الجهاد الأكبر تضم العلماء والزهاد الدراويش ومشايخ الصوفية وتلاميذهم ومريديهم الذين كانوا يوفرون لهم المأوى والطعام والعلاج إلى جانب تعلم القراءة والكتابة أو بالتفقه العميق حتى يصلون درجة المرجعية والمشيخة، وكذلك المزيد من الروحانيات في الذكر وقراءة الأوراد.
وبعد انهيار دولة "المرابطون"[35] سنة 1147م (540هـ) على يد "الموحدون" ورثت الزوايا تركة الرباطات، ولكن لم تتميز الزوايا عن الرباطات وتحل محلها إلا في القرن 17 ميلادي (9&10 هـ)،[36] حينما استوطنتها الطرق الصوفية وبها تنامي عدد الشيوخ والتلاميذ وكثر، وبدأت تتحقق طموحهم في تأسيس زوايا وطرق خاصة بمفاهيمهم الإسلامية بعيداً عن معارضيهم واستحواذاً على مريديهم لتكون لهم السيطرة الكاملة،[37] بحيث إذا مات شيخ الطريقة أو الزاوية يدفن بزاوية طريقته ويصبح مرقده مزاراً وملاذاً لتلاميذ طريقته وعامة المسلمين طلباً في البركة والدعاء لقضاء الحاجة والتعليم،[38] ويترتب على ذلك أيجاد نوع من المرافق والخدمات لتلبية حاجات هؤلاء الطلاب والزوار مما يؤدي في أخر المطاف إلى تكون تجمع سكاني متعدد الأعراق والانتماءات بطريقة أو أخرى ولكن في دائرة هذه الطريقة الصوفية أو تلك التي تستمد شرعيتها ومرجعيتها وزادها من الإسلام، وتنوع وتركيبة القائمين عليها وأتباعها عرقياً وقبلياً. وهذا التكتل البشري يتطلب بعض الخدمات التي برزت لحاجتها كمزيد من البيوت والدكاكين وغيرها من الخدمات مما كون مجتمعات شبه مستقرة أدت إلى قيام كيانات أكبر عليها كالمدن.[39]
وعاد أسطول الروم إلى الظهور مجدداً ليهدد إنجازات المسلمين في البحر الأبيض المتوسط بغاراتهم على السواحل الليبية طمعاً في استرداد السيادة البيزنطية على المنطقة ولكنهم لم ينجحوا على الأقل عسكرياً في احتلالها.[14] فعمد المجاهدون العباد النساك إلى بناء الرباطات، أو الرُُبط، لتحصين حدود دار الإسلام، فأسسوا المحارس على امتداد الساحل مشكلة خطوط أمامية للدفاع وبذلك سدوا كل الثغور التي كان بإمكان العدو استغلالها والتوغل إلى اليابسة ومهاجمة المدن والقرى الآمنة.[15]
يرجع تأسيس أول رباط إلى أمير أفريقية هرثمة بن أعين الهاشمي في طرابلس سنة 796م (180هـ) الذي نصب سفيان بن أبي المهاجر[16] والياً على طرابلس.[17] وأمر هرثمة سفيان بتسوير مدينة طرابلس من جهة البحر، ولم تكن مسورة من قبل،[18] وكذلك أمر ببناء القصر الكبير الذي يعُتقد أن السراية الحمراء (القلعة) بُنيت عليه فيما بعد.[19]
ومن ثم بنى رباط المنستير بتونس سنة 797م (181هـ)، ومن بعد ذلك انتشرت الرباطات على امتداد الساحل المغاربى كله،[20] ولعل اشهر هذه الرباطات مدينة الرباط (رباط الفتح) عاصمة المملكة المغربية. تقع على المحيط الأطلسي في الجزء الشمالي الغربي. بُنيت في القرن 12م (6هـ) بوصفها رباطاً،[21] كذلك رباط عاصمة جزيرة قوزو، ثاني اكبر الجزر المالطية. التي حاول الإنجليز تغيير اسمها إلى فيكتوريا ولكن بدون جدوى.[22] ولكن لم تنتشر رباطات الجهاد بكثرة إلا في عهد الاغالبة في القرن التاسع ميلادي (3 هـ) خوفاً من غارات النصارى الروم على سواحل الشمال الأفريقي مما كان حافزاً في جعلهم قادرين على مباغتة قواعد العدو الساحلية والاستيلاء عليها، ومن ثم استولى زيادة الله الأول على صقلية سنة 827م (212هـ).[23] ومن بعدها تمت لهم السيطرة على مساحات كبيرة من المتوسط بعد سيطرت البحرية الإسلامية على جنوب إيطاليا[24] وساردينيا وكورسيكا، ومن ثم مالطا سنة 868م (255هـ).[25]
وكانت هذه الرباطات على هيئة سلسلة وصل تمتد من طرابلس غرباً إلى مشارف الإسكندرية شرقاً،[26] وكذلك من ضفاف البحر المتوسط إلى ضفاف المحيط الأطلنطي مخترقةً الصحراء الكبرى لتقدم كافة الخدمات للقوافل المتاجرة في الصحراء وكذلك القبائل الرحل، ووصل تعدادها إلى ما يقارب الألف رباط في شمال أفريقيا لا يفصل بينها إلا مسافة بضع كيلومترات واستمرت على حالها مأهولة بالمجاهدين المرابطين والمتصوفة من الزهاد تؤدي واجبها الحربي حتى قدوم الأتراك العثمانيين إلى ليبيا،[27] ومن ثم انتقلوا إلى الزوايا، التي كانت وليدة هذه الرباطات، لتلبية حاجة المسلمين إلى مزيد من هذه المراكز الروحانية في المنطقة.[28]
والرباط عبارة عن صحن محاط بعدة غرف محصنة من جوانبها الخارجية وبه مسجد بصومعته التي تستعمل للآذان وحرس مراقبة الساحل ضد أي تسلل من القراصنة وغيرهم من الأعداء النصارى،[29] وكذلك توقد بها نار كعلامة مرشدة بالليل. وهذه الرباطات يستعملها عابر السبيل كمرشد مروري لمن أراد أن يسافر من منطقة رباط إلى أخرى على سبيل الهداية، وأيضاً يربى بالرباطات الحمام الزاجل الذي يستعمل للسعي بريدياً بين الشرق والغرب، ويقوم الرباط بتقديم شئ من الخدمات الطبية شبيهه بالمستوصفات والتعليم الأولي لأبناء المسلمين من المرابطين، وكل هذه الخدمات بلا مقابل. ولذلك لعبت هذه الرباطات دوراً كبيراً في استقطاب المزيد من المسلمين الرحل غير المرابطون للاستقرار بها بصورة دائمة مما أهلهم للانضمام إلى المجتمع المُرابط ومن خلالها اكتسبوا التسمية.[30]
وعندما سيطر الفاطميون على الشمال الأفريقي وضموه إلى خلافتهم طرأ تحول على وضع الرباطات من حيث كونها ثكنات تضم بين جوانبها نساكاً مرابطين للجهاد إلى نساك ليس لديهم عدو يقاتل. وهذا يعكس قوة وصلابة الدولة الإسلامية التي أخذت على عاتقها الترتيبات الأمنية تجاه علاقاتها الخارجية تحديداً مع الممالك المسيحية بأوروبا، فوجد هؤلاء المرابطون أنفسهم وذراريهم وذويهم متفرغين للذِكر ومراودة حلق الصوفية والاعتكاف للنهل من العلوم الإسلامية،[31] مما زاد في طلب على المزيد من المدارس والمعاهد العلمية لتخريج مزيد من المشايخ والطرق الصوفية التي بدأت تنتشر بين التجمعات السكانية حتى أصبحت الزاوية، التي حلت محل الرباط، ضرورة ملحة لأي تجمع سكاني مساواةً بالأسواق والمقابر وما شاكل ذلك من المرافق الاجتماعية.[32]
وهذه الرباطات منها ما كان على شاطئ البحر، وعُرفت بالرباطات البحرية، ومنها ما كان في كبد الفيافي، وعُرفت بالرباطات الصحراوية، التي أصبحت فيما بعد مراكز إشعاع ديني لنشر الدعوة والتبليغ بين القبائل الوثنية ببلاد السودان جنوب الصحراء، أو تأهيل الدعاة لنشر الإسلام هنالك واستضافة طلاب العلم من بين الفئات غير المسلمة الراغبة في دين الله تعالى. وبهذا تحولت هذه الحصون والمحارس من رباطات مهيئة على أحسن ما يكون للإقامة والاعتكاف إلى مصانع للطرق الصوفية ومدارس لتلقى العلم والفقه والعلوم المختلفة، ومعملاً لصنع الحبر والأوراق واستنساخ المصاحف والمجامع وكتب الفقه والتصوف واللغة والأدب والخ.[33] وغدت قلاع الرباط حصوناً للجهاد الأصغر[34] بعد التفرغ من الجهاد الأكبر تضم العلماء والزهاد الدراويش ومشايخ الصوفية وتلاميذهم ومريديهم الذين كانوا يوفرون لهم المأوى والطعام والعلاج إلى جانب تعلم القراءة والكتابة أو بالتفقه العميق حتى يصلون درجة المرجعية والمشيخة، وكذلك المزيد من الروحانيات في الذكر وقراءة الأوراد.
وبعد انهيار دولة "المرابطون"[35] سنة 1147م (540هـ) على يد "الموحدون" ورثت الزوايا تركة الرباطات، ولكن لم تتميز الزوايا عن الرباطات وتحل محلها إلا في القرن 17 ميلادي (9&10 هـ)،[36] حينما استوطنتها الطرق الصوفية وبها تنامي عدد الشيوخ والتلاميذ وكثر، وبدأت تتحقق طموحهم في تأسيس زوايا وطرق خاصة بمفاهيمهم الإسلامية بعيداً عن معارضيهم واستحواذاً على مريديهم لتكون لهم السيطرة الكاملة،[37] بحيث إذا مات شيخ الطريقة أو الزاوية يدفن بزاوية طريقته ويصبح مرقده مزاراً وملاذاً لتلاميذ طريقته وعامة المسلمين طلباً في البركة والدعاء لقضاء الحاجة والتعليم،[38] ويترتب على ذلك أيجاد نوع من المرافق والخدمات لتلبية حاجات هؤلاء الطلاب والزوار مما يؤدي في أخر المطاف إلى تكون تجمع سكاني متعدد الأعراق والانتماءات بطريقة أو أخرى ولكن في دائرة هذه الطريقة الصوفية أو تلك التي تستمد شرعيتها ومرجعيتها وزادها من الإسلام، وتنوع وتركيبة القائمين عليها وأتباعها عرقياً وقبلياً. وهذا التكتل البشري يتطلب بعض الخدمات التي برزت لحاجتها كمزيد من البيوت والدكاكين وغيرها من الخدمات مما كون مجتمعات شبه مستقرة أدت إلى قيام كيانات أكبر عليها كالمدن.[39]
جذور المرابطين تاريخياً
أشتهر المرابطين بالنخوة والإباء، وبأنهم من أكثر الناس مراساً لفنون الحرب والقتال لقرب عهدهم بالبداوة وتمسكهم بها، وكذلك بالتقوى والورع، كما يعرفون بالمرابطين "بركة أو فاتحة"،[40] لتفرغهم للأمور الدينية والأعمال الصالحة، وليس أدل على ذلك من ذودهم عن الحمى ضد غزوات الروم والقراصنة والمستعمرين المغيرين في الماضي البعيد والقريب.
وأجمع الباحثون في ليبيا على أن الجيل الأول منهم الذي شكل البنية التحتية للمرابطين، هم أغلبيتهم من ذرية عرب الفتح القادمين مع عبد الله بن أبي سرح وعقبة بن نافع ورويفع الأنصاري وزهير بن قيس البلوى،[41] وسبب تسميتهم بالمرابطين يعود إلى الرباط في الإسلام وهو نوع من القلاع والحصون التي يقطنها المجاهدون التي انتشرت في الشمال الأفريقي دفاعاً عن الثغور وتخوم دار الإسلام، وهذا من الأسباب التي أدت إلى عدم وجود النصارى بين سكان المغرب الإسلامي من الصحراء الليبية شرقاً إلى المغرب الأقصى.
قبائل المرابطين ترجع جذورها إلى أربعة أصول على هذا النحو:
وأجمع الباحثون في ليبيا على أن الجيل الأول منهم الذي شكل البنية التحتية للمرابطين، هم أغلبيتهم من ذرية عرب الفتح القادمين مع عبد الله بن أبي سرح وعقبة بن نافع ورويفع الأنصاري وزهير بن قيس البلوى،[41] وسبب تسميتهم بالمرابطين يعود إلى الرباط في الإسلام وهو نوع من القلاع والحصون التي يقطنها المجاهدون التي انتشرت في الشمال الأفريقي دفاعاً عن الثغور وتخوم دار الإسلام، وهذا من الأسباب التي أدت إلى عدم وجود النصارى بين سكان المغرب الإسلامي من الصحراء الليبية شرقاً إلى المغرب الأقصى.
قبائل المرابطين ترجع جذورها إلى أربعة أصول على هذا النحو:
1. قبائل عرب الفتح الإسلامي[42]
2. قبائل الهجرات العربية وجلها من بني سليم[43]
3. بعض قبائل البربر المستعربة[44]
4. الأشراف من أهل البيت[45]
2. قبائل الهجرات العربية وجلها من بني سليم[43]
3. بعض قبائل البربر المستعربة[44]
4. الأشراف من أهل البيت[45]
ويستطرد بعض المؤرخين في شرح أصول المرابطين إلى أن أول فوج كان من عرب جزيرة وهم الذين قدموا مع عمرو بن العاص وعددهم حينذاك حوالي عشرة آلاف[46] والذين ذابت عصبيتهم في رباط الإسلام وصاروا يعرفون بالمرابطين. ونظراً لأن العصور الماضية قد أنعدمت فيها القراءة والكتابة وكثر التنقل لمسافات بعيدة، وأيضاً لضعف الكثافة السكانية والتشرذم الجغرافي، لهذا تاه تسلسل نسب معظم قبائل ليبيا بما فيهم المرابطين بمرور الزمن. ويعود أصول بعض المرابطين تحديداً إلى بني لبيد (من بني سليم) وبني فزارة وبني ربيعة وغطفان وجشم وبني قرة وبني هلال والغساسنة والأوس والخزرج وغيرهم من قبائل العرب، الذين كانوا يصطحبون نساءهم وأولادهم معهم في الرباط. وانضم إلى المرابطين أيضاً بطون وأفخاذ من قبائل لواتة وزناتة وهوارة البربرية الذين استعربوا، وكان هذا الاستعراب نتاج عصر دولة المرابطون والموحدون التي كانت قيادتهما من علماء البربر المتدنيين جداً، وقد لعبوا دوراً كبيراً في جسر الهوة بين قبائل العرب والبربر وكذلك في عملية تعريب البربر،[47] وآخرون ممن نزحوا من بلاد الأندلس فراراً من محاكم التفتيش التي اضطهدت المسلمين بعد التنكيل بدولتهم في القرن الخامس عشر ميلادي.
يقول المؤرخ المصري الدكتور جمال الدين الشيال: ... المسلمون الأوائل كانوا يعتقدون أن الإقامة في الرباطات والحياة في الثغور نوع من الجهاد، ومن يموت أثناء مقامه بها فهو شهيد، ولهذا جذبت ]رباطات[ الإسكندرية إليها في العصور الإسلامية الأولى عدداً كبيراً من المسلمين، ومن العلماء بوجه خاص، ومن علماء المغرب والأندلس بوجه أخص.[48]
ومن الصعب الآن التمييز بين من هم من أصول عربية أو بربرية أو غيرهم نتيجة التداخل والتمازج الذي مر به مرابطين المنطقة دون سواهم من التكتلات القبلية، باستثناء الأشراف الذين استطاع قسم منهم أن يدونوا أنسابهم افضل مما فعل بقية المرابطين.
وللمرابطين - أو المرابطية كما يعرفون في طرابلس وفزان - بصمات على الأرض الليبية، فقبور الصالحين منهم أصبحت أضرحة أولياء، وحولها تكونت تكتلات سكانية أدت إلى استيطانهم بصفة دائمة مثل مدينة بنغازي نسبة إلى سيدي غازي المغربي.[49] وروى الرحالة المؤرخ التيجاني رحمه الله،[50] صاحب الرحلة المعروفة في القرن الرابع عشر ميلادي (8هـ)، أن سحنون بن سعيد الفقيه المالكي المعروف لما رجع من الحج، قيل له: من رأيت من الصالحين ؟ قال: رأيت بطرابلس رجالاً ما الفضيل بن عياض[51] بأفضل منهم.[52]
ومن أشهر هؤلاء الصالحين الشيخ عبد الله الدوكالي المدفون بقرية زعفران غرب مسلاتة، الذي نزح مع أهله وسكنوا ببلدة مسلاتة آنذاك قادمين من دوكالة بالمغرب الأقصى، وعاش أكثر من مائة وثلاثين عاماً.[53] تبحر الشيخ الدوكالي في العلوم الإسلامية حتى اصبح من أهل الشورى والفتوى، وقد تتلمذ على يده الكثير من طلبة العلم وفي طليعتهم الشيخ عبد السلام الأسمر الذي صاحبه سبعة سنين.[54] فعندما يذكر اسم مدينة زليطن تقرن معها زاوية وقبر السيد عبد السلام الأسمر الفيتوري الحسني الذي استضافته قبيلة البراهمة، وأعطته أرضاً أقام عليها زاويته الشهيرة، التي أصبحت في ما بعد معهداً إسلامياً مرموقاً فاق مستوى المؤسسات الدينية الطرابلسية.[55] وعندما توفي الشيخ عبد السلام دفن بأرض هذه القبيلة تبركاً به، عندما رفضه غيرهم، لا سيما علماء وفقهاء "السلطة" في طرابلس العاصمة.[56] والشيخ أحمد الزروق توفي ودفن بمدينة مصراتة سنة 1493م (899هـ)، والمعلوم أن أصوله من بربر المغرب وله قبر مقبب يزار.[57] أستوطن حوله بعض عربان قبيلة الحسون الذين نزحوا من منطقة سرت وعرفوا حينها بالغزو والسلب والنهب ولكن بعدها أعلنوا توبتهم عنده، وسمو منذئذ بخدام الزروق مع آخرين لسهرهم على خدمة زوار قبره.[58] وكذلك الشيخ علي المحجوب، وهو من الوافدين من الساقية الحمراء بالمغرب، وله زاوية تسمى زاوية المحجوب، ومرقده بمدينة مصراتة.[59] وهذه كلها من المزارات الشهيرة في ليبيا، وعُرف عنهم جميعاً الصلاح والتقوى والعلم، ولهؤلاء إلى جانب ذلك أضرحة ومزارات ومدارس ومعاهد لتعليم شتى أنواع العلوم الإسلامية.
وفي قلب مدينة بنغازي أحياء مسماة على أولياء صالحين مثل سيدي اخريبيش "مغربي الأصل-بنغازي المولد"، وسيدي حسين "الفاخري" وسيدي يونس "أحد أحفاد سيدي اخريبيش" وسيدي عبيد "أحد أحفاد سيدي عبد السلام الأسمر"،[60] وفي مدينة طرابلس زاوية الدهماني[61] وسيدي منيذر وسيدي عبد الله شعاب المتوفى سنة 857م (243هـ) الذي بنى مسجداً على الثغر قبالة البحر.[62]
يقول المؤرخ المصري الدكتور جمال الدين الشيال: ... المسلمون الأوائل كانوا يعتقدون أن الإقامة في الرباطات والحياة في الثغور نوع من الجهاد، ومن يموت أثناء مقامه بها فهو شهيد، ولهذا جذبت ]رباطات[ الإسكندرية إليها في العصور الإسلامية الأولى عدداً كبيراً من المسلمين، ومن العلماء بوجه خاص، ومن علماء المغرب والأندلس بوجه أخص.[48]
ومن الصعب الآن التمييز بين من هم من أصول عربية أو بربرية أو غيرهم نتيجة التداخل والتمازج الذي مر به مرابطين المنطقة دون سواهم من التكتلات القبلية، باستثناء الأشراف الذين استطاع قسم منهم أن يدونوا أنسابهم افضل مما فعل بقية المرابطين.
وللمرابطين - أو المرابطية كما يعرفون في طرابلس وفزان - بصمات على الأرض الليبية، فقبور الصالحين منهم أصبحت أضرحة أولياء، وحولها تكونت تكتلات سكانية أدت إلى استيطانهم بصفة دائمة مثل مدينة بنغازي نسبة إلى سيدي غازي المغربي.[49] وروى الرحالة المؤرخ التيجاني رحمه الله،[50] صاحب الرحلة المعروفة في القرن الرابع عشر ميلادي (8هـ)، أن سحنون بن سعيد الفقيه المالكي المعروف لما رجع من الحج، قيل له: من رأيت من الصالحين ؟ قال: رأيت بطرابلس رجالاً ما الفضيل بن عياض[51] بأفضل منهم.[52]
ومن أشهر هؤلاء الصالحين الشيخ عبد الله الدوكالي المدفون بقرية زعفران غرب مسلاتة، الذي نزح مع أهله وسكنوا ببلدة مسلاتة آنذاك قادمين من دوكالة بالمغرب الأقصى، وعاش أكثر من مائة وثلاثين عاماً.[53] تبحر الشيخ الدوكالي في العلوم الإسلامية حتى اصبح من أهل الشورى والفتوى، وقد تتلمذ على يده الكثير من طلبة العلم وفي طليعتهم الشيخ عبد السلام الأسمر الذي صاحبه سبعة سنين.[54] فعندما يذكر اسم مدينة زليطن تقرن معها زاوية وقبر السيد عبد السلام الأسمر الفيتوري الحسني الذي استضافته قبيلة البراهمة، وأعطته أرضاً أقام عليها زاويته الشهيرة، التي أصبحت في ما بعد معهداً إسلامياً مرموقاً فاق مستوى المؤسسات الدينية الطرابلسية.[55] وعندما توفي الشيخ عبد السلام دفن بأرض هذه القبيلة تبركاً به، عندما رفضه غيرهم، لا سيما علماء وفقهاء "السلطة" في طرابلس العاصمة.[56] والشيخ أحمد الزروق توفي ودفن بمدينة مصراتة سنة 1493م (899هـ)، والمعلوم أن أصوله من بربر المغرب وله قبر مقبب يزار.[57] أستوطن حوله بعض عربان قبيلة الحسون الذين نزحوا من منطقة سرت وعرفوا حينها بالغزو والسلب والنهب ولكن بعدها أعلنوا توبتهم عنده، وسمو منذئذ بخدام الزروق مع آخرين لسهرهم على خدمة زوار قبره.[58] وكذلك الشيخ علي المحجوب، وهو من الوافدين من الساقية الحمراء بالمغرب، وله زاوية تسمى زاوية المحجوب، ومرقده بمدينة مصراتة.[59] وهذه كلها من المزارات الشهيرة في ليبيا، وعُرف عنهم جميعاً الصلاح والتقوى والعلم، ولهؤلاء إلى جانب ذلك أضرحة ومزارات ومدارس ومعاهد لتعليم شتى أنواع العلوم الإسلامية.
وفي قلب مدينة بنغازي أحياء مسماة على أولياء صالحين مثل سيدي اخريبيش "مغربي الأصل-بنغازي المولد"، وسيدي حسين "الفاخري" وسيدي يونس "أحد أحفاد سيدي اخريبيش" وسيدي عبيد "أحد أحفاد سيدي عبد السلام الأسمر"،[60] وفي مدينة طرابلس زاوية الدهماني[61] وسيدي منيذر وسيدي عبد الله شعاب المتوفى سنة 857م (243هـ) الذي بنى مسجداً على الثغر قبالة البحر.[62]
روى الرحالة المؤرخ التيجاني رحمه الله
أن سحنون بن سعيد الفقيه المالكي المعروف لما رجع من الحج،
قيل له: من رأيت من الصالحين ؟
أن سحنون بن سعيد الفقيه المالكي المعروف لما رجع من الحج،
قيل له: من رأيت من الصالحين ؟
قال :
رأيت بطرابلس رجالاً ما الفضيل بن عياض
بأفضل منهم.[63]
رأيت بطرابلس رجالاً ما الفضيل بن عياض
بأفضل منهم.[63]
منقــــcopeـــول...
يوسف بوعيشه- عقيد
-
عدد المشاركات : 835
العمر : 43
رقم العضوية : 166
قوة التقييم : 6
تاريخ التسجيل : 25/04/2009
مواضيع مماثلة
» قبائل المرابطين والأشراف بين الحسب والنسب في ليبيا (2)
» زيارة وفد من قبائل شرق ليبيا إلى ايران
» عضو وفد قبائل التبو :الأراء كانت موحدة في لقاء قبائل برقة وفزان
» قبائل: مقتل العشرات في اشتباكات في جنوب شرق ليبيا
» تعرف علي خطورة تشكيل مجلس قبائل في ليبيا
» زيارة وفد من قبائل شرق ليبيا إلى ايران
» عضو وفد قبائل التبو :الأراء كانت موحدة في لقاء قبائل برقة وفزان
» قبائل: مقتل العشرات في اشتباكات في جنوب شرق ليبيا
» تعرف علي خطورة تشكيل مجلس قبائل في ليبيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» الإكوادور وجهة مثالية لقضاء العطلات وسط المناظر الطبيعية
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» سر ارتفاع دواسة الفرامل عن دواسة البنزين في السيارة
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» ما ميزات شبكات "Wi-Fi 8" المنتظرة؟
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» رد فعل صلاح بعد اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي
اليوم في 8:04 am من طرف STAR
» هل تعاني من الأرق؟ طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الكبة المشوية على الطريقة الأصلية
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:00 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR