الإنتماء الوطني

لأول مرة ينتابنا
إحساس طالما بحثنا عنه في داخلنا لكنه كان يلزمه بحث عميق وسنين عدة وحرب وثورة
ليبرز ونراه أمام أعيننا ونلمس طرواته ونتذوق حلاوة طعمه .
كان موجود .. كان
يصرخ .. كان ينظر للتراب الذي نمشي عليه .. كان ينظر ويبحث عن راية مفقودة .. كان
يختنق .. كان يحتضر .. وكنا نتوهم وندور في حلقة مفرغة .. نبحث حولنا بلا جدوى وهو
يسكننا لكنه كان سجين كغيره من السجناء .. كان أسير يسعى لفك قيده .. ينتظر شعاع
شمس أو بصيص ضوء ينبثق من خلاله ..
لأول مرة نحس هذا
الإحساس الجميل .. نحس أننا نرغب في الموت لأجله فقط ولأجل أننا عرفنا طريقه ونحن
في مسيرة سير إليه قد تطول وقد تقصر ولكنها لن تنتهي إلا وقد عثرنا عليه .
وها قد وجدناه ..
فكيف لنا بعد هذا الكفاح أن نتركه يضيع من بين أيدينا .. كيف لنا أن نفرط فيه .
ما أجمل أن تحس بأن
لك وطن .. وطن كنت تعيش فيه زمن .. تعيش فيه عمراً غريباً منفياً محاصراً مكبوتاً
مسلوباً مسروقاً منهوباً .. مظلـــــوماً .. وتحس أنك أخيراً اكتسبت الوطنية التي
كنت تسمع بها ولم تشعر بها يوماً في وطنك .. أو بالأحرى لم تلقى هذه الوطنية المترسبة
فيك صداها حولك .
تحس أنك مواطن تحب
ترابك وتعشق كل ذرة منه وأن لك راية لا تساويها راية في الوجود وأن لك نشيد وطني
لا تضاهيه أناشيد العالم بكلماته وألحانه .. وحين تسمعه تصغي بكل جوارحك إليه ..
وتعيش في نشوى واستمتاع بحب الوطن بمصداقية بحتة .
إنه الإنتماء الوطني
.. الذي كان يعشش فينا زمن حتى كاد أن يُنتسى ويقضي عليه الظالمون الملونون لكل
الصور الجميلة في حياتنا .
أحب وطني ليبيا
واعشقها وأموت من أجلها وروحي وعمري فداء لعينيها السوداوين .


بقلمي