إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
ليبيا.. معطيات في المرحلة الانتقالية، تحليل ورأي
صفحة 1 من اصل 1
ليبيا.. معطيات في المرحلة الانتقالية، تحليل ورأي
نشر في: 30-08-2011
ابراهيم قراده
مقدمة
ها وقد حرر ثوار ليبيا الاشاوس طرابلس، وهم الان يطهرون الوطن من بقايا ديكتاتورية القذافي المقيتة. ملحمة الستة اشهر ويزيد ستكون خالدة في وجدان الشعب الليبي البطل بما شهدته من تضحية وفداء واقدام من اجل تحرير الوطن واسترداده كريما عزيزا. وستكون نبراسا للشعوب المضطهدة ومعلما في درب الحرية والتحرر.
واليوم، وليبيا مقبلة على مرحلة حاسمة في تاريخها تعبر بها الى طور الاستقرار والسلام والوئام وازدهار التشييد والتعمير، نحو بناء دولة دستورية ديمقراطية يعمها العدل والشفافية وتظللها العدالة الاجتماعية والرفاه، وتسودها قيم حقوق الانسان والمواطنة والتعايش.
هذه المرحلة الحاسمة هي المرحلة الانتقالية التي بدأت مقدمتها بتحرير طرابلس واتمام تطهير الوطن. المرحلة الانتقالية حرجة ومؤثرة في صياغة مستقبل الوطن وشكل الدولة المنشودة. وما ستشهده من تفاعلات واحداث سيؤثر بالتأكيد على المستقبل، ولكنها متأثرة بفترة الانتفاضة والتحرير. وبالتالي، وكأي عملية سياسية تاريخية، فالمرحلة الانتقالية مرتبطة بما سبقها ومتصلة بما يعقبها، مما يتطلب الفحص القريب والدراسة الواعية والتحليل المتأني للوصول الى استنتاجات وخيارات وبدائل ترشد صناعة القرار الاستراتيجي والتكتيكي. وهذا يستدعي تفكيك حالة فترة التحرير الى عناصرها، لبيان تطورها ودورها وتأثيراتها المحتملة.
وكتوطئة تاريخية، فانتفاضة 17 فبراير بدأت سلمية لتتحول الى مواجهات عسكرية لردع ومقاومة استخدام القذافي للقوة المفرطة لإخماد الثورة والانتقام من الثوار ومناطقهم، مما استدعى التدخل الدولي والاقليمي لحماية المدنيين. فكان خيار عسكرة الانتفاضة الوسيلة الاوحد لإتمام جهد التحرير، تحت ادارة المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي والمجلس العسكري وتفرعاتهم الثورية والمحلية والادارية. ونتج عن حرب التحرير سقوط الاف الضحايا كشهداء وجرحى ومعاقين، وتشريد الاف الاسر في الملاجئ بالداخل والخارج، وتدمير الاف المساكن والمحال، وتقويض البنية التحتية المتهالكة اصلا في مناطق كثيرة. اضافة، الى توقف عجلة الاقتصاد شبه الكامل، وانعكاسه على مستوى معيشة الاهالي وقدرتهم على تلبية حاجياتهم الاساسية.
فترة التحرير شهدت وافرزت عدة ظواهر وعناصر في المعادلة السياسية والاجتماعية. ولان العملية السياسية، عملا وتحليلا ومتابعة، عملية مركبة ومتداخلة المستويات، فتجزئتها تفكيكا مطلوبة للاقتراب من فهمها، ليعاد تجمعيها في شبكة فكرية متناسقة نسبيا، وفق رؤية وتفضيلات وحسابات تتراوح حسب منهجية المتعاطي معها. وهكذا، فتفكيك المرحلة الى عناصرها وشواهدها سيكون في نقاط.
* الادارة السياسية للمرحلة
المجلس الوطني الانتقالي هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي والدولة الليبية، حسب اتفاق ووفاق مجمل الشعب الليبي، ليقود ويدير امور الوطن والدولة اثناء فترة التحرير والمرحلة الانتقالية نحو عقد مؤتمر وطني يشرف على صياغة واعتماد دستور دائم وانتخابات. وقد حظى المجلس باعتراف ودعم كتلة دولية مهمة. وهكذا، فالاتفاق والوفاق الوطني مشروط بالإدارة الرشيدة والانتقال السلس الى الدولة المستقرة. الفترة الماضية، اوضحت نجاح المجلس الوطني والانتقالي ومكتبه التنفيذي في ادارة صعوبات الفترة رغم دقة وصعوبة الظرف، إلا ان بعض الاصوات تصدح بالتململ وعدم الرضا: في درجة الحزم والانضباط، والمعايير في طريقة الاختيارات والتكليفات، وقلة الشفافية وخصوصا في الجوانب المالية والتكليفات. غير ان طبيعة الظروف المتغيرة والمتسارعة وصعوبة التسويات السياسية بين الاطراف تجعل مجمل اداء المجلس ومكتبه التنفيذي مرضي وايجابي، بدليل استمرار واصرار التوافق والوفاق الوطني عليهما.
الضغوط والمتطلبات ستزداد على المجلس الانتقالي اثناء الفترة الانتقالية، بحكم تحرر الوطن، وزيادة المهام وتعدد الاطراف وتعقد المواضيع، والتي من بينها اعادة دورة الحياة في حدودها المعقولة، وتنظيم الثوار وتسليم الاسلحة ومواكبة الحراك السياسي والاجتماعي، واحتضان المناطق المحررة حديثا في العملية الانتقالية، وتطوير التواصل والمتابعة مع المجالس المحلية والجهات الادارية، وتدشين عملية المصالحة الوطنية، والملاحقة القانونية لمجرمي الحرب، والتعاطي البناء مع الاعلام الحر…
مما يستوجب التفكير في آليات اكثر كفاءة وكفاية ومشاركة تستوعب التحديات والصعوبات والمنتظرات.
* المجالس المحلية
المناطق المحررة والثائرة شكلت مجالس محلية لإدارة الازمة والتصدي لواجب الاغاثة وللتواصل مع المجلس الوطني الانتقالي والتنسيق مع المجالس العسكرية. المجالس المحلية لم تشكل بالانتخاب بل بالتنادي من الفاعلين في الانتفاضة، والان مع اتساع العدد والرقعة والحجم، سيكون من اولويات المجالس المحلية ان تكون منفتحة وشفافة، حتى لا تتوالد المجالس المحلية في المنطقة الواحدة، مع ضرورة التشديد على وجود مجلس محلي لكل منطقة يراعي الجغرافيا والكثافة والمهام. وهنا، يجب التفريق بين مجالس محلية مشكلة في مناطق ثائرة ومحررة مبكرا، واخرى انبثقت عن مناطق محررة لاحقا، لان فرز المجالس في الاخيرة جاء بمبادرات من الخارج.
عموما يجب التفكير في آلية تستوعب الطاقات والآراء المتنوعة داخل المجالس المحلية عبر توسيعها وهيكلتها اداريا الى مهام ووظائف.
* المجالس العسكرية
تشكلت المجالس العسكرية من شباب الثورة الذين حملوا السلاح لتحرير مناطقهم والدفاع عنها وللمساهمة والمشاركة في تحرير المناطق الاخرى. لهذه المجالس العسكرية قيادات وكوادر مسلحة ساهمت بدمائها في الثورة، وهذه المساهمة ستترجم سياسيا في استحقاقات، يستوجب التفكير فيها: حصول الثوار على التقدير المناسب، ضم المجالس العسكرية في كيان مركزي كالجيش الوطني او الحرس الوطني، وتجميع وتنظيم تسليحها، واعادة تأهيل شباب الثورة في وظائف او تعليم او تدريب حرفي او اقراض للأعمال، تشجيع قيادات وكوادر المجالس العسكرية الراغبين في العمل السياسي او الاجتماعي بالانخراط في الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني.
تجربة المنطقة الشرقية، وخصوصا بعد اكمال التحرير تماما، تشير بأهمية عدم تحول المجالس العسكرية او انشطارها الى كتائب وسرايا، بتسميات مختلفة او محددة الطبع او الصفة، حتى لا تتطور إلى مليشيات.
* السرايا والكتائب
الحاقا للنقطة السابقة، فمن المعلوم ان العديد من التشكيلات القتالية تشكلت من الثوار خارج اطار الجيش الوطني، في اطار اتمام عملية التحرير. وقيادة هذه التشكيلات- افتراضا- تشترك في عضوية القيادة العسكرية، إلا انها مغلقة ولا تتبع إلا قادتها. بعض هذه التشكيلات مؤدلج، أي تجمعها رؤية سياسي معين. وهنا، موطن خطر مستقبلي، في حال عدم استجابتها بحل نفسها والذوبان في الجيش الوطني الذي سيعيد تشكيلها وتدريبها، ويجري- بالضرورة- نقليات تضمن الضبط والربط داخل مؤسسة الجيش الوطني المحترف. وايضا، مخاطرة محاولة بعضها فرض اجندتها او تحقيق مكاسب سياسية باستخدام القوة او التلويح بها. ويزداد الخطر في حال حصول هذه التشكيلات على تمويل وتسليح خارجي.
الايجابي، ان هذه التشكيلات المسلحة تعلن ان شرط وجودها وبقائها هو بقاء خطر الديكتاتور القذافي، وبانتفاء هذا الخطر فهي مدعوة وطنيا بحل نفسها وتسليم سلاحها، او الانضمام لمؤسسة الجيش الوطني، وفق برنامج وآلية تضعها المؤسسة السياسية بالتشارك مع الجيش، مع الاستفادة من تجارب الدول الاخرى.
* قيادات المرحلة ومراكز القوى
افرزت مرحلة التحرير قيادات وطنية ومناطقية جاءت نتيجة المبادرة والتنادي والتزكية اوحتى المغامرة والتسابق. وهذا الفرز تجسد على الواقع في شخصيات قيادية تصدت لمواجهة الاحداث، وإن لم يكن كلها بالضرورة من الاكفاء إلا ان سبق ثورتها وتضحياتها يعطيها الاسبقية في القيادة. إلا ان الشكاوي من تسلل انتهازيين ومغامرين تبرز من حين إلى اخرى، مع عدم اهمال جوانب المنافسة والكيد السياسي و”القيل والقال”. مما يجعل من الاهمية بمكان التوضيح بأن هذه المرحلة انتقالية، بموازاة ايجاد آلية قانونية وادارية لمتابعة وتقييم الاداء والمحاسبة، وتسحب الشكاوي من خانة التشكيك والتشهير والكيد إلى ساحة العطاء والمسئولية الوطنية والقانونية لأطراف الشكوى.
ظهر جليا الدور الضخم الذي لعبه الاعلام الفضائي والمال في خلق وتسويق شخصيات لتصبح مراكز قوى مؤثرة، وبعض تلك الشخصيات برز بصورة مفاجئة على ساحة العمل العام والسياسي لتصبح شخصيات عامة. ونظرا، لغياب او عدم توفر معلومات كافية عن التاريخ السياسي او المهني لبعض تلك الوجوه، في ظل التعتيم الاعلامي لنظام القذافي على الشخصيات الوطنية، والذي واكبه ارتباط المواطن اللصيق بالإعلام كمصدر للأخبار والمعلومات، اضحت الشهرة والانتشار مصدر مصدرا للقيمة.
الخلل مصدره ليس الاعلام، بل الخلط بين الاعلامي والسياسي، وبين الاعلامي والتكنوقراطي، والاعلامي والمناضل، وخصوصا عندما يتأثر صاحب القرار وحامل المسئولية في تحديد مواقفه من الشخصيات بحجم الظهور الاعلامي و ذربة اللسان، دون العودة لتاريخه ومحصلة قدراته. بل ان الامر وصل بالبعض للقول “ارحل الى قطر او دبي ثم انتحل صفة مناضل او محلل، فانت بطل وطني”.
وبالمثل، بالنسبة لرجال الاعمال، الذين قام اغلبهم بجهد وطني مشكور ومشهود في دعم جهد الثورة والاغاثة، إلا ان بعضهم القليل يحاول غسيل امواله المنهوبه.
الخبر الجيد ان الاثر الاعلامي المصطنع بدأ في التناقص، وان الوقت وحرية الاعلام كفيلة بالباقي. خلاصة، هذه النقطة ضرورة الاحتياط من اثر المال الفاسد والاعلام المضلل والنصب السياسي.
* الائتلافات والتنظيمات
تجمعت وتشكلت القوى المدنية المساهمة والمناصرة للثورة في ائتلافات عدة، اغلبها تسمى بائتلاف 17 فبراير. وكان لائتلاف 17 فبراير في بنغازي كسب السبق في ذلك. وهذه الائتلافات المتعددة تتفق في ان هدفها، كقوى مجتمع مدني، هو حماية الثورة ومنع سرقتها وانحرافها، إلا ان بعض منها او اجزاء منها تحولت لجماعات ضغط لها اجندتها السياسية الخاصة او انها تتبع رؤية او مجموعة معينة. ولا ضير في ذلك، إلا ان الضير هو استغلالها لمصالح وقتية او ضيقة او لتحقيق اهداف انية. ولان الثورة جاءت من اجل مجتمع مدني حر ومفتوح، فللأئتلافات حق التواجد والعمل طالما احترمت شروط العمل السلمي، وابتعدت عن التهييج الشعبي. توسع وتنوع المجتمع المدني ينفي صفة احتكار الصوابية والحق عن تجمع بعينه دون غيره.
* معارضة الخارج
قادت المعارضة الوطنية المهجرية حملة معارضة النظام طيلة الاربعة عقود، حافظت خلالها على شعلة النضال متوهجة، رغم خطورة معارضة النظام القذافي، ورغم محاولات النظام الثابتة لتصفية المعارضة والمعارضين وارهاب ذويهم. انقسمت المعارضة في السنوات الاخيرة إلى معارضة جذرية وجناح اصلاحي. وقد ساهما في حشد واطلاق ودعم ودوام انتفاضة 17 فبراير. والان بدأت معارضة الخارج في العودة للعمل من داخل الوطن وترتيب شئونها، أفراد ومجموعات، لينخرطوا في العمل الميداني والسياسي. شعرت اطراف من المعارضة بعض المرارة من اهمالها وتصدر اطراف محسوبة- في نظرها- على النظام المنهار لمهام قيادية داخل الثورة (وهو شعور موجود لدى معارضي وسجناء الرأي في الداخل وقطاع من الشعب).
هذا التوجه شرع في الخفوت- وخصوصا بعد مؤتمر روما- لوعي القيادات العليا للمرحلة الانتقالية بهذا الامر، لكن الامر يتطلب تطوير آلية للاستفادة ومنح المساحة لمعارضة الخارج، لتوفر كثير من كوادرها على تراكم خبرة في العمل والحشد السياسي.
* المنشقون
متابعة من الفقرة السابقة. معارضة النظام السياسية اغلقت بابها يوم 15 فبراير 2011، ليفتح باب الثورة على مصرعيه لكل ابناء الوطن للانضمام للثورة. بدأت المرحلة الاولى من عمليات انشقاق قيادات النظام منذ الايام الاولى للثورة حتى قبيل اصدار القرار الاممي بالتدخل لحماية المدنيين، ثم توالت عمليات الانشقاق مستمرة ومتراوحة حسب تطور الامور وظروف المنشقين. طبعا، التشكيك في ولاء ووطنية المنشقين، وخصوصا اوائلهم، بددته مشاركاتهم المهمة والحاجة الى خبراتهم التكنوقراطية ومخرجات ادائهم في الفترة، إلا ان حادثة اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، اضاءت هذا الموضوع واثره في الاستقرار المستقبلي.
طبعا، لا يمكن لاحد ان يمنح او يسحب الوطنية بحساب النوايا، إلا انه من المستحسن ان يكون هناك معيار وتوازن، وان تتم الاستعانة بالقدرات والكفاءات النظيفة منهم كمستشارين لا كسياسيين وشخصيات عامة، لان التجربة العراقية بينت خطورة اسلوب “اجتثاث البعث”.
* قيادات النظام
وهم قيادات وكوادر النظام وكتائبه، والذين لا يخفى على الجميع ارتباطهم بالنظام بدرجات خلال فترة الاثني والاربعين سنة جندهم النظام لخدمته، مع تورط بعضهم في جرائم النظام ارهابا وفسادا. وهؤلاء قد يكونوا عامل عدم استقرار- كما هو الحال في العراق- لما يحوزنه من اموال ونفوذ. وهذا يدعو الى تحديدهم في فئات حسب درجة جرائمهم وخطورتهم مع المعالجة ضمن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والاحتواء السياسي الذكي الذي يراعي معاناة الشعب ورأيه.
* المناطق او الجهات الغير ثائرة
هناك مناطق وجهات تأخرت في التحاقها بالثورة لأسباب اهمها الترابطات القبلية والسطوة الامنية والعسكرية الرهيبة لكتائب القذافي، الذي ارهبهم وبث فيهم الرعب والدعاية القاتمة من قبل: المنطقة الشرقية/ المنطقة الغربية، الصفوفية القبلية، مواجهة الناتو الصليبي، الترويع من الانتقام. هذه المناطق والجهات كلها مهمة إلا ان بعضها يحظى بأهمية لحجم السكان او الموقع الجغرافي. التعامل مع هذه المناطق يتطلب الواعي والاحتواء الوطني مع تشجيعها على فرز قيادات وطنية حكيمة، وكذلك استيعابها في العملية السياسية.
* القبلية
ليبيا مجتمع تقليدي محافظ، تلعب فيه القبلية والمناطقية دورا، ازداد بغياب منظمات المجتمع المدني والسياسي وباستغلال نظام القذافي لها طيلة فترة حكمه، مما جعل من القبيلة فاعل سياسي يسبق احيانا العامل الوطني. ورغم ان النسيج الاجتماعي الوطني متناغم في عمومه، إلا ان الانزلاق للتناحرات القبلية خطر حاذق بكل ما تحتويه الكلمة من عمق المعنى. فالواجب هو اعادة الصفة الاجتماعية للقبيلة وسحب المحتوى السياسي منها، وهذا يستوجب محاربة أي محاولة لإقحام القبيلة في اللعبة السياسية، لاحتمال استغلال بعض المريبين السياسيين لها.
* الصراع الطبقي
ابانت ثورة 17 فبراير عن نوع ما من الانقسام والاصطفاف الطبقي، حيث لوحظ نجاح نظام القذافي في استقطاب ذوي الدخل المحدود وسكان المناطق الشعبية واصحاب الوظائف البسيطة لخندقه. هذه الملاحظة قد لا ترقى إلى الظاهرة لوجود كل فئات الشعب في صف الثورة والثوار، ولكن الانتباه اليها مطلوب للحد من تطور الشرخ الطبقي.
* الاسلاميون والليبراليون
درج الكثير على تصنيف التيار السياسي الوطني للثورة الى فسطاطين رئيسيين: الاسلاميون والليبراليون ضمن الشعب الليبي المسلم. التياران بهما المعتدل والمتطرف، إلا ان الهواجس من التطرف الاسلامي اكبر نظرا للأفكار الحدية والمتشددة عند بعض التنظيمات، وللتخوف من عدم القبول بالخيار الديمقراطي الشعبي. وهذه الهواجس تكبر إلى مخاوف بسبب التأطر التنظيمي وانتشار السلاح والحيازة على التمويل بين حاملي هذه الافكار. طبعا، يوجد في التيار الاسلامي جناح واسع ومهم من الوسطيين والديمقراطيين، على رأسهم “جماعة الاخوان المسلمين” بما لها من رصيد وحجم وتأثير، يجعلها فاعلا مهما في العمل السياسي، وفي التخفيف من الاستقطاب المجتمعي. دور الاخوان المسلمين بارز ومهم، ولطمأنة الاطراف الاخرى في الساحة السياسية فالمنتظر من الاخوان المسلمين تقديم النموذج المطمئن للأخريين. وفي التجربة التركية مدرسة مهمة، وفي حنكة “اردوغان” و “غول” الكثير للاستفادة منه لدى نظائرهم في ليبيا.
اما الليبراليون او الديمقراطيون فتتوزعهم افكار شتى ومدارس عدة وينقصهم الانتظام والتمويل، ويسودهم العمل الفردي والنخبوي وعدم وضوح الرؤية الجماعية، وهم بذلك قوة مؤثرة ثقاقيا واعلاميا اكثر منها سياسيا. وهذا الفراغ والضعف القاعدي قد تملأه القوى المحافظة الاجتماعية والقبلية. مع اهمية عدم اهمال اصوات متطرفة في علمانيتها، بروزها ليس بسبب حجمها بل بضجيجها العالي. إلا ان امكانية تكتل الديمقراطيين والليبراليون واردة بتوفر عناصر ودواعي تكتلهم الاساسية.
كما ان من بالأهمية بمكان تحديد مهمة ودور اماكن العبادة والمساجد في العمل والدعاية السياسية.
* الدعم والتمويل والتسليح:
بسبب ظروف حرب التحرير والحاجة الى الامداد والمؤن والاغاثة، فتح باب التبرع والدعم على مصرعيه امام الافراد والمؤسسات والدول، وطنيون واجانب. والان في هذه الفترة الانتقالية وجب تنظيم هذا القطاع بما لا يعيق تدفق الدعم والتمويل المطلوب، وبما لا يقيد الحريات والحقوق، ولكن بما يضمن تحقيق المصلحة العليا في الاستقرار والسلم الاجتماعي واستقلال القرار السياسي.
ويعتبر باب التسليح وتمويل الكتائب والسرايا من الخارج أمر حساس يحتاج الى اهتمام عن كثب. وهذا يتطلب اقحام المؤسسة العسكرية والنظام المصرفي في عمليات التمويل لمعرفة المصدر والمأل، مع تقوية حرس الحدود والمنافذ.
* مراكز الاحتكاك
نتج عن حالة الثورة المسلحة، وبالأخص في مناطق اجدابيا ومصراتة وجبل نفوسه والزاوية وزوارة، احتكاكات ومواجهات مسلحة بين ثوار المناطق الثائرة وموالي كتائب القذافي في المناطق المجاورة لهم، وبل تم تحرير بعض المناطق بقوة ثوار المناطق الاخرى او بمشاركة منهم. هذه الاحتكاكات افرزت مرارات في نفوس البعض وايقضت حزازات قبلية مما يتوجب الالتفات اليها، حتى لا تتضخم وتستغل سلبيا من فلول نظام القذافي. كما انه يجب عدم اغفال بعض اثار الاحتكاكات التاريخية وخصوصا في المنطقة الغربية من الوطن.
* الامازيغية
الامازيغية احد مكونات الهوية الوطنية الرئيسية (الاسلام والعربية والامازيغية) والمتحدثون بالأمازيغية جزء اصيل وفعال في الشأن الليبي، ماضيا وحاضر ومستقبلا مع باقي إخوانهم وشركائهم في الوطن الواحد . ولقد عاني المكون الامازيغي والمتحدثون بالأمازيغية اقصى ضروب الاضطهاد الممهنج بغية تذويبهم وسلبهم خصوصياتهم الثقافية واللغوية. فكان المتحدثون بالأمازيغية معارضين اشداء لنظام القذافي، منخرطين في الجهد الوطني النضالي لإسقاط نظام القذافي اثناء مرحلتي المعارضة والثورة من اجل ليبيا تسع وتضم الجميع وتحترم الحقوق الفردية والجماعية وتكفل حق التعدد والتنوع في الوطن الواحد.
والان، مع اقتراب الحق الامازيغي الليبي من تلبية استحقاقاته، وجب رعاية هذا الحق ودرء انزلاقه في اتون التجاذبات الايديولوجية والاستقطابات الحدية. وهذا يتطلب الانطلاق من الفصل بين الشأن الحقوقي والامر السياسي، مع بيان ان الوحدة الوطنية المزدهرة تستوعب التنوع. (هناك مساهمة مهمة واساسية في الموضوع جديرة بالاطلاع وهي: “ورقة الشأن الامازيغي في ليبيا” والتوصيات المقررة من لجنة الإعداد للمؤتمر الوطني للمعارضة الليبية، والمعتمدة من المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية، لندن الموافق 25 و 26 يوليو 2005، والذي شارك فيه التجمع الجمهوري من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، التجمع الإسلامي الليبي، التجمع الوطني الديمقراطي الليبي، التحالف الوطني الليبي، الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، الحركة الليبية للتغيير والإصلاح، الحركة الوطنية الليبية، والمؤتمر الليبي للأمازيغية، ومجموعة مهمة من المستقلين.)
فالمسألة الامازيغية الليبية لن تنتظر التأجيل مما يستدعى معالجتها وطنيا ضمن توافق وطني واقرار دستوري وقانوني ومعالجة حقوقية وسياسية.
* غياب المنظومة الفكرية
ثورة 17 فبراير كانت ضد الطغيان والفساد والحرمان والتهميش، ومن اجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية والرفاه. وهي شعارات جميلة ولكنها عامة. وهذا يتطلب صياغات اكثر تفصيلا لمتطلبات واهداف وغايات الثورة للوصول الى وفاق عام حولها. لان غياب الصياغات والبرامج التفصيلية العامة للثورة تجعل من الاختلاف حول تفسيرها قد يتحول إلى خلافات بدون مرجعية لحلها. وهنا، يكون دور المثقفين والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين مهم عبر الكتابة والحوار والارتفاع بمستويات الحوار نوعيا.
* الشفافية
في باب الشفافية السياسية، تتصاعد بين فترة واخرى اصوات بغياب الشفافية في العمل السياسي وتأثره بالعلاقات الاسرية والقبلية والتدخلات الحزبية. اما جانب الشفافية المالية، فهناك احاديث عن غياب الدقة في الاجراءات المالية، وان ادارة “الشنطة” تنتشر كظاهرة، الى جانب عدم ترشيد الصرف في الفنادق والسفر.
قد تكون تلك الاصوات مبالغة، ولكن انعدام الشفافية يعطيها القوة، مما يستوجب التأكيد على مبدأ الشفافية بحزم، مع احالة أي خروقات للإجراءات القضائي، ليكون بلاغ وعبرة.
* العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية
من تعريف ومفهوم العدالة الانتقالية هي المعالجة القانونية والسياسية والاجتماعية ضد الانتهاكات الممنهجة والجسيمة والجماعية لحقوق الانسان، بما يعوض ماديا ومعنويا الضحايا، ويساهم في ارساء السلام الاهلي والسلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية والوئام المجتمعي وتحقيق الديمقراطية. والعدالة الانتقالية، كمفهوم دولي حديث نسبيا، جاء نتيجة تجارب وخبرات لويلات الحروب ومعاناة الارهاب الجماعي في مجتمعات تعيش حالة التحول نحو الاستقرار والبناء. فالعدالة الانتقالية هي موازنة حكيمة بين مقتضيات العدل والمستلزمات السياسية.
فالعدالة الانتقالية جزء من المصالحة الوطنية، التي يجب ان تقوم على اسس من حب الوطن والتسامح والتعايش والتفكير في المستقبل والاجيال. وهذا لا يعني التجاوز والغفران عن جرائم القتل والارهاب والفساد بل تضمينها في مجمل عملية المصالحة والبناء.
اهمية توضيح مفهوم ومصطلح العدالة الانتقالية كمفهوم كلي، مهم لضمان حسن الفهم والتفاعل، فالعدالة الانتقالية تتضمن المتابعة الجنائية للجناة من تحقيق ومحاكمة وعقاب، ولجان الحقيقة، وحقوق التعويض المادي والمعنوي، وضبط الاجهزة الامنية وتحديد صلاحيتها واساليبها، مع تخليد ذكرى الانتهاكات لمنع تكررها ولتكون عبرة.
جهد العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية يجب ان يحظى بالعناية الخاصة والعاجلة، لضمان استتاب الامن ولتطمئن القلوب المجروحة او الخائفة ولردع الجناة، لمنع ظواهر الانتقام والثأر واخذ القانون باليد والابتزاز والكيد. وفي تجارب الدول و”لجان الحقيقة والمصالحة” خبرات مفيدة”.
* سيناريو قبرص
قبيل الانتفاضة وفي بداياتها ظهرت على السطح احاديث ومخاوف من انقسام الوطن، إلا انها تراجعت في ارتداد كبير لمعطيات عمق الشعور بالوحدة واللحمة الوطنية والتعاضد المجتمعي بين مناطق ليبيا اثناء الانتفاضة. إلا هناك حالة قبرص الدولة الواحدة في القانون الدولي، ولكنها مقسمة إلى جزئيين(مع التنبه الى الفرق بين الحالة الليبية ةالقبرصية، ولكن كمثال)، وكذلك حال دول فاشلة كثيرة في العالم الثالث. في الحالة الليبية، وفي اسوء الاحتمالات المتوقعة قد تعيش ليبيا- لا قدر الله- فترة عدم استقرار وخصوصا في المنطقة الغربية، مما يقسم ليبيا واقعيا إلى جزء شرقي مستقر واخر غربي غير مستقر، بسبب نتائج حرب التحرير وتعقد اثارها وتداخل المكونات الاجتماعية والسياسية. هذه الاحتمال بعيد الورود حسب معطيات الحال الان، ولكنه يبقى احتمال ولو بعيد، يجب الاستعداد للتصدي له مبكرا قبل ان يتطور سلبيا، في ظل استقطابات داخلية وخارجية ضعيفة لحد الان.
* مصر
مصر جار مهمة لها مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية الشديدة (فقر، انفجار سكاني، طبقة فاسدة متنفذة، امكانيات اقتصادية وتنموية محدودة، عدم استقرار سياسي، مشكلة طائفية..) في ظل حصار واقعي، منظور وغير منظور (شرقا بالأراضي المحتلة وعازل البحر الاحمر المنيع، وجنوبا بصحراء طاردة، وشمالا بالمتوسط سد اوروبا الحصين). ولهذا لم يبقى امام مصر والمصريين إلا باب الهجرة الجماعية الكبيرة وتصدير الاختناقات نحو الغرب، أي ليبيا. على مستوى التفكير الاستراتيجي الدولي والاقليمي قد يكون هذا هو الحل الاسهل لمنع الانفجار المصري، ولكن ذلك سيكون على حساب ليبيا، وبالأخص شرقها، الاقل سكانا والاكثر ثراء بالبترول.
السيناريو القبرصي والهاجس المصري مرتبطان، والحل الانسب سياسيا واقتصاديا وثقافيا هو تعميق الارتباط المغاربي (تفعيل اتحاد المغرب الكبير)، الذي بإشكاليته لا يوجد لديه نهم توسعي.
* الجزائر
الموقف الجزائري الرسمي من الثورة الليبية غير مريح وغير مرضي عنه من قبل الثوار، ولكن ما اسباب الموقف الجزائري وما اثاره؟
في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية، يمكن اختيار الحلفاء والاصدقاء ولكن ليس الجيران. الجزائر جار اقليمي مهم ومؤثر، وموقفها الرسمي، جاء بناء على حسابات داخلية ومصالح خارجية. وباستبعاد حسابات الجزائر الداخلية، فمصالح الجزائر نظريا يجب ان تكون مع الطرف الاقوى والدائم في ليبيا، وهم الثوار وممثلهم المجلس الوطني الانتقالي.
ربما تتخوف الجزائر من اثر فرنسا وقطر في الثورة الليبية- وهذا يفسر موقف الطوارق المتحفظ. وربما الخوف من الدور المصري القادم. إلا انه من المهم التواصل مع الجزائر ومصالحتها وتطمئنها وعدم إثارتها واستفزاز كرامتها الدبلوماسية والسياسية عبر توطيد العلاقات والزيارات وتعزيز التعاون من اعلى المستويات. وإلا فتجربة البوليساريو الطويلة قد تنتقل الى بيتنا!
* قطر
لم تدعم دولة الثورة الليبية كما دعمتها قطر، ولم يمتن الشعب الليبي لشعب وقيادة كامتنانه لشعب قطر ودولته، ولكن قطر لا تقع في ليبيا.
الدعم والمساندة القطرية كانت فاعلة سياسيا وماليا واعلاميا وتسليحا، إلا ان اصوات تتسأل وتشتكي وتحذر من تحيز الدور القطري وانه لم يكن متزن، بتحبيذها وتفضيلها لأطراف وجهات ليبية دون اخرى. وان قطر قد تدعم اسقاط القذافي ولكن ليس بالضرورة عملية التغيير الديمقراطي. الدور القطري كان وسيظل مهم، وجزء من الاهمية التقدير والعرفان. والسياسة الخارجية الليبية بحاجة الى الانفتاح التوسع الافقي ضمن سيادة ليبيا ومصالحها.
* افريقيا
ليبيا دولة افريقية بجدارة، ولا يمكن إلا ان تكون افريقية كما هي متوسطية، إلا ان استغلال القذافي لافريقيا وتوريط مرتزقة و دول افريقية في الحرب الى جانبه له اثار سلبية في عقول وعواطف الشعب الليبي، مما يدعو للعمل دون اتساع جفوة التباعد بين ليبيا وعمقها الافريقي المهم، وخاصة الدول الجوار والدول التي بها استثمارات ليبية والدول المؤثرة في افريقيا كجنوب افريقيا ونيجيريا واثيوبيا والسنغال وغانا…
* الاعداد للمرحلة الدولة
المرحلة الانتقالية الفاصلة بين مرحلة الثورة المؤقتة إلى مرحلة دولة الدستور الديمقراطي والمؤسسات والقانون، ستشهد حوارات ساخنة ومجادلات جادة ومشاحنات مغرضة وعروض مغرضة حول محتويات الدستور، وشكل الدولة ونظام الحكم (ملكي، جمهوري، رئاسي،برلماني، او مختلط)، ومدي مركزية الدولة او درجة لامركزيتها، او فيدراليتها وارتباط الولايات والبلديات بالمركز، والنظام والاسلوب وطريقة الاقتراع (فردي او القائمة، النسبي او المختلط)، والتقسيمات السياسية والدوائر الانتخابية، وتشكيل الاحزاب وشروطها… تناول هذه المواضيع مهم ولكن له تداعيات في حل بقاء العسكرة وعدم رسوخ المجتمع المدني وضبابية اخلاقيات الحوار ومهنية الاعلام.
* الاعلام
حرية الاعلام تحتوي المسئولية، وذلك يشمل الابتعاد عن التشهير او الحث على الكراهية والعنف، ومن ذلك وجب تحديد خطوط المسئولية قانونيا، وتقييد النشر باسماء مستعارة في الامور التي لا تتعلق بتناول الاشخاص وحياتهم.
ما سبق هو عبارة عن تجمبع وترتيب لافكار واراء بهدف لفت النظر إليها، وهي ليست نهائية بل متغيرة وقبالة للنقد والتطوير حسب الظروف والاضافة النقدية.
ابراهيم قراده
ابراهيم قراده
مقدمة
ها وقد حرر ثوار ليبيا الاشاوس طرابلس، وهم الان يطهرون الوطن من بقايا ديكتاتورية القذافي المقيتة. ملحمة الستة اشهر ويزيد ستكون خالدة في وجدان الشعب الليبي البطل بما شهدته من تضحية وفداء واقدام من اجل تحرير الوطن واسترداده كريما عزيزا. وستكون نبراسا للشعوب المضطهدة ومعلما في درب الحرية والتحرر.
واليوم، وليبيا مقبلة على مرحلة حاسمة في تاريخها تعبر بها الى طور الاستقرار والسلام والوئام وازدهار التشييد والتعمير، نحو بناء دولة دستورية ديمقراطية يعمها العدل والشفافية وتظللها العدالة الاجتماعية والرفاه، وتسودها قيم حقوق الانسان والمواطنة والتعايش.
هذه المرحلة الحاسمة هي المرحلة الانتقالية التي بدأت مقدمتها بتحرير طرابلس واتمام تطهير الوطن. المرحلة الانتقالية حرجة ومؤثرة في صياغة مستقبل الوطن وشكل الدولة المنشودة. وما ستشهده من تفاعلات واحداث سيؤثر بالتأكيد على المستقبل، ولكنها متأثرة بفترة الانتفاضة والتحرير. وبالتالي، وكأي عملية سياسية تاريخية، فالمرحلة الانتقالية مرتبطة بما سبقها ومتصلة بما يعقبها، مما يتطلب الفحص القريب والدراسة الواعية والتحليل المتأني للوصول الى استنتاجات وخيارات وبدائل ترشد صناعة القرار الاستراتيجي والتكتيكي. وهذا يستدعي تفكيك حالة فترة التحرير الى عناصرها، لبيان تطورها ودورها وتأثيراتها المحتملة.
وكتوطئة تاريخية، فانتفاضة 17 فبراير بدأت سلمية لتتحول الى مواجهات عسكرية لردع ومقاومة استخدام القذافي للقوة المفرطة لإخماد الثورة والانتقام من الثوار ومناطقهم، مما استدعى التدخل الدولي والاقليمي لحماية المدنيين. فكان خيار عسكرة الانتفاضة الوسيلة الاوحد لإتمام جهد التحرير، تحت ادارة المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي والمجلس العسكري وتفرعاتهم الثورية والمحلية والادارية. ونتج عن حرب التحرير سقوط الاف الضحايا كشهداء وجرحى ومعاقين، وتشريد الاف الاسر في الملاجئ بالداخل والخارج، وتدمير الاف المساكن والمحال، وتقويض البنية التحتية المتهالكة اصلا في مناطق كثيرة. اضافة، الى توقف عجلة الاقتصاد شبه الكامل، وانعكاسه على مستوى معيشة الاهالي وقدرتهم على تلبية حاجياتهم الاساسية.
فترة التحرير شهدت وافرزت عدة ظواهر وعناصر في المعادلة السياسية والاجتماعية. ولان العملية السياسية، عملا وتحليلا ومتابعة، عملية مركبة ومتداخلة المستويات، فتجزئتها تفكيكا مطلوبة للاقتراب من فهمها، ليعاد تجمعيها في شبكة فكرية متناسقة نسبيا، وفق رؤية وتفضيلات وحسابات تتراوح حسب منهجية المتعاطي معها. وهكذا، فتفكيك المرحلة الى عناصرها وشواهدها سيكون في نقاط.
* الادارة السياسية للمرحلة
المجلس الوطني الانتقالي هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي والدولة الليبية، حسب اتفاق ووفاق مجمل الشعب الليبي، ليقود ويدير امور الوطن والدولة اثناء فترة التحرير والمرحلة الانتقالية نحو عقد مؤتمر وطني يشرف على صياغة واعتماد دستور دائم وانتخابات. وقد حظى المجلس باعتراف ودعم كتلة دولية مهمة. وهكذا، فالاتفاق والوفاق الوطني مشروط بالإدارة الرشيدة والانتقال السلس الى الدولة المستقرة. الفترة الماضية، اوضحت نجاح المجلس الوطني والانتقالي ومكتبه التنفيذي في ادارة صعوبات الفترة رغم دقة وصعوبة الظرف، إلا ان بعض الاصوات تصدح بالتململ وعدم الرضا: في درجة الحزم والانضباط، والمعايير في طريقة الاختيارات والتكليفات، وقلة الشفافية وخصوصا في الجوانب المالية والتكليفات. غير ان طبيعة الظروف المتغيرة والمتسارعة وصعوبة التسويات السياسية بين الاطراف تجعل مجمل اداء المجلس ومكتبه التنفيذي مرضي وايجابي، بدليل استمرار واصرار التوافق والوفاق الوطني عليهما.
الضغوط والمتطلبات ستزداد على المجلس الانتقالي اثناء الفترة الانتقالية، بحكم تحرر الوطن، وزيادة المهام وتعدد الاطراف وتعقد المواضيع، والتي من بينها اعادة دورة الحياة في حدودها المعقولة، وتنظيم الثوار وتسليم الاسلحة ومواكبة الحراك السياسي والاجتماعي، واحتضان المناطق المحررة حديثا في العملية الانتقالية، وتطوير التواصل والمتابعة مع المجالس المحلية والجهات الادارية، وتدشين عملية المصالحة الوطنية، والملاحقة القانونية لمجرمي الحرب، والتعاطي البناء مع الاعلام الحر…
مما يستوجب التفكير في آليات اكثر كفاءة وكفاية ومشاركة تستوعب التحديات والصعوبات والمنتظرات.
* المجالس المحلية
المناطق المحررة والثائرة شكلت مجالس محلية لإدارة الازمة والتصدي لواجب الاغاثة وللتواصل مع المجلس الوطني الانتقالي والتنسيق مع المجالس العسكرية. المجالس المحلية لم تشكل بالانتخاب بل بالتنادي من الفاعلين في الانتفاضة، والان مع اتساع العدد والرقعة والحجم، سيكون من اولويات المجالس المحلية ان تكون منفتحة وشفافة، حتى لا تتوالد المجالس المحلية في المنطقة الواحدة، مع ضرورة التشديد على وجود مجلس محلي لكل منطقة يراعي الجغرافيا والكثافة والمهام. وهنا، يجب التفريق بين مجالس محلية مشكلة في مناطق ثائرة ومحررة مبكرا، واخرى انبثقت عن مناطق محررة لاحقا، لان فرز المجالس في الاخيرة جاء بمبادرات من الخارج.
عموما يجب التفكير في آلية تستوعب الطاقات والآراء المتنوعة داخل المجالس المحلية عبر توسيعها وهيكلتها اداريا الى مهام ووظائف.
* المجالس العسكرية
تشكلت المجالس العسكرية من شباب الثورة الذين حملوا السلاح لتحرير مناطقهم والدفاع عنها وللمساهمة والمشاركة في تحرير المناطق الاخرى. لهذه المجالس العسكرية قيادات وكوادر مسلحة ساهمت بدمائها في الثورة، وهذه المساهمة ستترجم سياسيا في استحقاقات، يستوجب التفكير فيها: حصول الثوار على التقدير المناسب، ضم المجالس العسكرية في كيان مركزي كالجيش الوطني او الحرس الوطني، وتجميع وتنظيم تسليحها، واعادة تأهيل شباب الثورة في وظائف او تعليم او تدريب حرفي او اقراض للأعمال، تشجيع قيادات وكوادر المجالس العسكرية الراغبين في العمل السياسي او الاجتماعي بالانخراط في الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني.
تجربة المنطقة الشرقية، وخصوصا بعد اكمال التحرير تماما، تشير بأهمية عدم تحول المجالس العسكرية او انشطارها الى كتائب وسرايا، بتسميات مختلفة او محددة الطبع او الصفة، حتى لا تتطور إلى مليشيات.
* السرايا والكتائب
الحاقا للنقطة السابقة، فمن المعلوم ان العديد من التشكيلات القتالية تشكلت من الثوار خارج اطار الجيش الوطني، في اطار اتمام عملية التحرير. وقيادة هذه التشكيلات- افتراضا- تشترك في عضوية القيادة العسكرية، إلا انها مغلقة ولا تتبع إلا قادتها. بعض هذه التشكيلات مؤدلج، أي تجمعها رؤية سياسي معين. وهنا، موطن خطر مستقبلي، في حال عدم استجابتها بحل نفسها والذوبان في الجيش الوطني الذي سيعيد تشكيلها وتدريبها، ويجري- بالضرورة- نقليات تضمن الضبط والربط داخل مؤسسة الجيش الوطني المحترف. وايضا، مخاطرة محاولة بعضها فرض اجندتها او تحقيق مكاسب سياسية باستخدام القوة او التلويح بها. ويزداد الخطر في حال حصول هذه التشكيلات على تمويل وتسليح خارجي.
الايجابي، ان هذه التشكيلات المسلحة تعلن ان شرط وجودها وبقائها هو بقاء خطر الديكتاتور القذافي، وبانتفاء هذا الخطر فهي مدعوة وطنيا بحل نفسها وتسليم سلاحها، او الانضمام لمؤسسة الجيش الوطني، وفق برنامج وآلية تضعها المؤسسة السياسية بالتشارك مع الجيش، مع الاستفادة من تجارب الدول الاخرى.
* قيادات المرحلة ومراكز القوى
افرزت مرحلة التحرير قيادات وطنية ومناطقية جاءت نتيجة المبادرة والتنادي والتزكية اوحتى المغامرة والتسابق. وهذا الفرز تجسد على الواقع في شخصيات قيادية تصدت لمواجهة الاحداث، وإن لم يكن كلها بالضرورة من الاكفاء إلا ان سبق ثورتها وتضحياتها يعطيها الاسبقية في القيادة. إلا ان الشكاوي من تسلل انتهازيين ومغامرين تبرز من حين إلى اخرى، مع عدم اهمال جوانب المنافسة والكيد السياسي و”القيل والقال”. مما يجعل من الاهمية بمكان التوضيح بأن هذه المرحلة انتقالية، بموازاة ايجاد آلية قانونية وادارية لمتابعة وتقييم الاداء والمحاسبة، وتسحب الشكاوي من خانة التشكيك والتشهير والكيد إلى ساحة العطاء والمسئولية الوطنية والقانونية لأطراف الشكوى.
ظهر جليا الدور الضخم الذي لعبه الاعلام الفضائي والمال في خلق وتسويق شخصيات لتصبح مراكز قوى مؤثرة، وبعض تلك الشخصيات برز بصورة مفاجئة على ساحة العمل العام والسياسي لتصبح شخصيات عامة. ونظرا، لغياب او عدم توفر معلومات كافية عن التاريخ السياسي او المهني لبعض تلك الوجوه، في ظل التعتيم الاعلامي لنظام القذافي على الشخصيات الوطنية، والذي واكبه ارتباط المواطن اللصيق بالإعلام كمصدر للأخبار والمعلومات، اضحت الشهرة والانتشار مصدر مصدرا للقيمة.
الخلل مصدره ليس الاعلام، بل الخلط بين الاعلامي والسياسي، وبين الاعلامي والتكنوقراطي، والاعلامي والمناضل، وخصوصا عندما يتأثر صاحب القرار وحامل المسئولية في تحديد مواقفه من الشخصيات بحجم الظهور الاعلامي و ذربة اللسان، دون العودة لتاريخه ومحصلة قدراته. بل ان الامر وصل بالبعض للقول “ارحل الى قطر او دبي ثم انتحل صفة مناضل او محلل، فانت بطل وطني”.
وبالمثل، بالنسبة لرجال الاعمال، الذين قام اغلبهم بجهد وطني مشكور ومشهود في دعم جهد الثورة والاغاثة، إلا ان بعضهم القليل يحاول غسيل امواله المنهوبه.
الخبر الجيد ان الاثر الاعلامي المصطنع بدأ في التناقص، وان الوقت وحرية الاعلام كفيلة بالباقي. خلاصة، هذه النقطة ضرورة الاحتياط من اثر المال الفاسد والاعلام المضلل والنصب السياسي.
* الائتلافات والتنظيمات
تجمعت وتشكلت القوى المدنية المساهمة والمناصرة للثورة في ائتلافات عدة، اغلبها تسمى بائتلاف 17 فبراير. وكان لائتلاف 17 فبراير في بنغازي كسب السبق في ذلك. وهذه الائتلافات المتعددة تتفق في ان هدفها، كقوى مجتمع مدني، هو حماية الثورة ومنع سرقتها وانحرافها، إلا ان بعض منها او اجزاء منها تحولت لجماعات ضغط لها اجندتها السياسية الخاصة او انها تتبع رؤية او مجموعة معينة. ولا ضير في ذلك، إلا ان الضير هو استغلالها لمصالح وقتية او ضيقة او لتحقيق اهداف انية. ولان الثورة جاءت من اجل مجتمع مدني حر ومفتوح، فللأئتلافات حق التواجد والعمل طالما احترمت شروط العمل السلمي، وابتعدت عن التهييج الشعبي. توسع وتنوع المجتمع المدني ينفي صفة احتكار الصوابية والحق عن تجمع بعينه دون غيره.
* معارضة الخارج
قادت المعارضة الوطنية المهجرية حملة معارضة النظام طيلة الاربعة عقود، حافظت خلالها على شعلة النضال متوهجة، رغم خطورة معارضة النظام القذافي، ورغم محاولات النظام الثابتة لتصفية المعارضة والمعارضين وارهاب ذويهم. انقسمت المعارضة في السنوات الاخيرة إلى معارضة جذرية وجناح اصلاحي. وقد ساهما في حشد واطلاق ودعم ودوام انتفاضة 17 فبراير. والان بدأت معارضة الخارج في العودة للعمل من داخل الوطن وترتيب شئونها، أفراد ومجموعات، لينخرطوا في العمل الميداني والسياسي. شعرت اطراف من المعارضة بعض المرارة من اهمالها وتصدر اطراف محسوبة- في نظرها- على النظام المنهار لمهام قيادية داخل الثورة (وهو شعور موجود لدى معارضي وسجناء الرأي في الداخل وقطاع من الشعب).
هذا التوجه شرع في الخفوت- وخصوصا بعد مؤتمر روما- لوعي القيادات العليا للمرحلة الانتقالية بهذا الامر، لكن الامر يتطلب تطوير آلية للاستفادة ومنح المساحة لمعارضة الخارج، لتوفر كثير من كوادرها على تراكم خبرة في العمل والحشد السياسي.
* المنشقون
متابعة من الفقرة السابقة. معارضة النظام السياسية اغلقت بابها يوم 15 فبراير 2011، ليفتح باب الثورة على مصرعيه لكل ابناء الوطن للانضمام للثورة. بدأت المرحلة الاولى من عمليات انشقاق قيادات النظام منذ الايام الاولى للثورة حتى قبيل اصدار القرار الاممي بالتدخل لحماية المدنيين، ثم توالت عمليات الانشقاق مستمرة ومتراوحة حسب تطور الامور وظروف المنشقين. طبعا، التشكيك في ولاء ووطنية المنشقين، وخصوصا اوائلهم، بددته مشاركاتهم المهمة والحاجة الى خبراتهم التكنوقراطية ومخرجات ادائهم في الفترة، إلا ان حادثة اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، اضاءت هذا الموضوع واثره في الاستقرار المستقبلي.
طبعا، لا يمكن لاحد ان يمنح او يسحب الوطنية بحساب النوايا، إلا انه من المستحسن ان يكون هناك معيار وتوازن، وان تتم الاستعانة بالقدرات والكفاءات النظيفة منهم كمستشارين لا كسياسيين وشخصيات عامة، لان التجربة العراقية بينت خطورة اسلوب “اجتثاث البعث”.
* قيادات النظام
وهم قيادات وكوادر النظام وكتائبه، والذين لا يخفى على الجميع ارتباطهم بالنظام بدرجات خلال فترة الاثني والاربعين سنة جندهم النظام لخدمته، مع تورط بعضهم في جرائم النظام ارهابا وفسادا. وهؤلاء قد يكونوا عامل عدم استقرار- كما هو الحال في العراق- لما يحوزنه من اموال ونفوذ. وهذا يدعو الى تحديدهم في فئات حسب درجة جرائمهم وخطورتهم مع المعالجة ضمن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والاحتواء السياسي الذكي الذي يراعي معاناة الشعب ورأيه.
* المناطق او الجهات الغير ثائرة
هناك مناطق وجهات تأخرت في التحاقها بالثورة لأسباب اهمها الترابطات القبلية والسطوة الامنية والعسكرية الرهيبة لكتائب القذافي، الذي ارهبهم وبث فيهم الرعب والدعاية القاتمة من قبل: المنطقة الشرقية/ المنطقة الغربية، الصفوفية القبلية، مواجهة الناتو الصليبي، الترويع من الانتقام. هذه المناطق والجهات كلها مهمة إلا ان بعضها يحظى بأهمية لحجم السكان او الموقع الجغرافي. التعامل مع هذه المناطق يتطلب الواعي والاحتواء الوطني مع تشجيعها على فرز قيادات وطنية حكيمة، وكذلك استيعابها في العملية السياسية.
* القبلية
ليبيا مجتمع تقليدي محافظ، تلعب فيه القبلية والمناطقية دورا، ازداد بغياب منظمات المجتمع المدني والسياسي وباستغلال نظام القذافي لها طيلة فترة حكمه، مما جعل من القبيلة فاعل سياسي يسبق احيانا العامل الوطني. ورغم ان النسيج الاجتماعي الوطني متناغم في عمومه، إلا ان الانزلاق للتناحرات القبلية خطر حاذق بكل ما تحتويه الكلمة من عمق المعنى. فالواجب هو اعادة الصفة الاجتماعية للقبيلة وسحب المحتوى السياسي منها، وهذا يستوجب محاربة أي محاولة لإقحام القبيلة في اللعبة السياسية، لاحتمال استغلال بعض المريبين السياسيين لها.
* الصراع الطبقي
ابانت ثورة 17 فبراير عن نوع ما من الانقسام والاصطفاف الطبقي، حيث لوحظ نجاح نظام القذافي في استقطاب ذوي الدخل المحدود وسكان المناطق الشعبية واصحاب الوظائف البسيطة لخندقه. هذه الملاحظة قد لا ترقى إلى الظاهرة لوجود كل فئات الشعب في صف الثورة والثوار، ولكن الانتباه اليها مطلوب للحد من تطور الشرخ الطبقي.
* الاسلاميون والليبراليون
درج الكثير على تصنيف التيار السياسي الوطني للثورة الى فسطاطين رئيسيين: الاسلاميون والليبراليون ضمن الشعب الليبي المسلم. التياران بهما المعتدل والمتطرف، إلا ان الهواجس من التطرف الاسلامي اكبر نظرا للأفكار الحدية والمتشددة عند بعض التنظيمات، وللتخوف من عدم القبول بالخيار الديمقراطي الشعبي. وهذه الهواجس تكبر إلى مخاوف بسبب التأطر التنظيمي وانتشار السلاح والحيازة على التمويل بين حاملي هذه الافكار. طبعا، يوجد في التيار الاسلامي جناح واسع ومهم من الوسطيين والديمقراطيين، على رأسهم “جماعة الاخوان المسلمين” بما لها من رصيد وحجم وتأثير، يجعلها فاعلا مهما في العمل السياسي، وفي التخفيف من الاستقطاب المجتمعي. دور الاخوان المسلمين بارز ومهم، ولطمأنة الاطراف الاخرى في الساحة السياسية فالمنتظر من الاخوان المسلمين تقديم النموذج المطمئن للأخريين. وفي التجربة التركية مدرسة مهمة، وفي حنكة “اردوغان” و “غول” الكثير للاستفادة منه لدى نظائرهم في ليبيا.
اما الليبراليون او الديمقراطيون فتتوزعهم افكار شتى ومدارس عدة وينقصهم الانتظام والتمويل، ويسودهم العمل الفردي والنخبوي وعدم وضوح الرؤية الجماعية، وهم بذلك قوة مؤثرة ثقاقيا واعلاميا اكثر منها سياسيا. وهذا الفراغ والضعف القاعدي قد تملأه القوى المحافظة الاجتماعية والقبلية. مع اهمية عدم اهمال اصوات متطرفة في علمانيتها، بروزها ليس بسبب حجمها بل بضجيجها العالي. إلا ان امكانية تكتل الديمقراطيين والليبراليون واردة بتوفر عناصر ودواعي تكتلهم الاساسية.
كما ان من بالأهمية بمكان تحديد مهمة ودور اماكن العبادة والمساجد في العمل والدعاية السياسية.
* الدعم والتمويل والتسليح:
بسبب ظروف حرب التحرير والحاجة الى الامداد والمؤن والاغاثة، فتح باب التبرع والدعم على مصرعيه امام الافراد والمؤسسات والدول، وطنيون واجانب. والان في هذه الفترة الانتقالية وجب تنظيم هذا القطاع بما لا يعيق تدفق الدعم والتمويل المطلوب، وبما لا يقيد الحريات والحقوق، ولكن بما يضمن تحقيق المصلحة العليا في الاستقرار والسلم الاجتماعي واستقلال القرار السياسي.
ويعتبر باب التسليح وتمويل الكتائب والسرايا من الخارج أمر حساس يحتاج الى اهتمام عن كثب. وهذا يتطلب اقحام المؤسسة العسكرية والنظام المصرفي في عمليات التمويل لمعرفة المصدر والمأل، مع تقوية حرس الحدود والمنافذ.
* مراكز الاحتكاك
نتج عن حالة الثورة المسلحة، وبالأخص في مناطق اجدابيا ومصراتة وجبل نفوسه والزاوية وزوارة، احتكاكات ومواجهات مسلحة بين ثوار المناطق الثائرة وموالي كتائب القذافي في المناطق المجاورة لهم، وبل تم تحرير بعض المناطق بقوة ثوار المناطق الاخرى او بمشاركة منهم. هذه الاحتكاكات افرزت مرارات في نفوس البعض وايقضت حزازات قبلية مما يتوجب الالتفات اليها، حتى لا تتضخم وتستغل سلبيا من فلول نظام القذافي. كما انه يجب عدم اغفال بعض اثار الاحتكاكات التاريخية وخصوصا في المنطقة الغربية من الوطن.
* الامازيغية
الامازيغية احد مكونات الهوية الوطنية الرئيسية (الاسلام والعربية والامازيغية) والمتحدثون بالأمازيغية جزء اصيل وفعال في الشأن الليبي، ماضيا وحاضر ومستقبلا مع باقي إخوانهم وشركائهم في الوطن الواحد . ولقد عاني المكون الامازيغي والمتحدثون بالأمازيغية اقصى ضروب الاضطهاد الممهنج بغية تذويبهم وسلبهم خصوصياتهم الثقافية واللغوية. فكان المتحدثون بالأمازيغية معارضين اشداء لنظام القذافي، منخرطين في الجهد الوطني النضالي لإسقاط نظام القذافي اثناء مرحلتي المعارضة والثورة من اجل ليبيا تسع وتضم الجميع وتحترم الحقوق الفردية والجماعية وتكفل حق التعدد والتنوع في الوطن الواحد.
والان، مع اقتراب الحق الامازيغي الليبي من تلبية استحقاقاته، وجب رعاية هذا الحق ودرء انزلاقه في اتون التجاذبات الايديولوجية والاستقطابات الحدية. وهذا يتطلب الانطلاق من الفصل بين الشأن الحقوقي والامر السياسي، مع بيان ان الوحدة الوطنية المزدهرة تستوعب التنوع. (هناك مساهمة مهمة واساسية في الموضوع جديرة بالاطلاع وهي: “ورقة الشأن الامازيغي في ليبيا” والتوصيات المقررة من لجنة الإعداد للمؤتمر الوطني للمعارضة الليبية، والمعتمدة من المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية، لندن الموافق 25 و 26 يوليو 2005، والذي شارك فيه التجمع الجمهوري من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، التجمع الإسلامي الليبي، التجمع الوطني الديمقراطي الليبي، التحالف الوطني الليبي، الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، الحركة الليبية للتغيير والإصلاح، الحركة الوطنية الليبية، والمؤتمر الليبي للأمازيغية، ومجموعة مهمة من المستقلين.)
فالمسألة الامازيغية الليبية لن تنتظر التأجيل مما يستدعى معالجتها وطنيا ضمن توافق وطني واقرار دستوري وقانوني ومعالجة حقوقية وسياسية.
* غياب المنظومة الفكرية
ثورة 17 فبراير كانت ضد الطغيان والفساد والحرمان والتهميش، ومن اجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية والرفاه. وهي شعارات جميلة ولكنها عامة. وهذا يتطلب صياغات اكثر تفصيلا لمتطلبات واهداف وغايات الثورة للوصول الى وفاق عام حولها. لان غياب الصياغات والبرامج التفصيلية العامة للثورة تجعل من الاختلاف حول تفسيرها قد يتحول إلى خلافات بدون مرجعية لحلها. وهنا، يكون دور المثقفين والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين مهم عبر الكتابة والحوار والارتفاع بمستويات الحوار نوعيا.
* الشفافية
في باب الشفافية السياسية، تتصاعد بين فترة واخرى اصوات بغياب الشفافية في العمل السياسي وتأثره بالعلاقات الاسرية والقبلية والتدخلات الحزبية. اما جانب الشفافية المالية، فهناك احاديث عن غياب الدقة في الاجراءات المالية، وان ادارة “الشنطة” تنتشر كظاهرة، الى جانب عدم ترشيد الصرف في الفنادق والسفر.
قد تكون تلك الاصوات مبالغة، ولكن انعدام الشفافية يعطيها القوة، مما يستوجب التأكيد على مبدأ الشفافية بحزم، مع احالة أي خروقات للإجراءات القضائي، ليكون بلاغ وعبرة.
* العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية
من تعريف ومفهوم العدالة الانتقالية هي المعالجة القانونية والسياسية والاجتماعية ضد الانتهاكات الممنهجة والجسيمة والجماعية لحقوق الانسان، بما يعوض ماديا ومعنويا الضحايا، ويساهم في ارساء السلام الاهلي والسلم الاجتماعي والمصالحة الوطنية والوئام المجتمعي وتحقيق الديمقراطية. والعدالة الانتقالية، كمفهوم دولي حديث نسبيا، جاء نتيجة تجارب وخبرات لويلات الحروب ومعاناة الارهاب الجماعي في مجتمعات تعيش حالة التحول نحو الاستقرار والبناء. فالعدالة الانتقالية هي موازنة حكيمة بين مقتضيات العدل والمستلزمات السياسية.
فالعدالة الانتقالية جزء من المصالحة الوطنية، التي يجب ان تقوم على اسس من حب الوطن والتسامح والتعايش والتفكير في المستقبل والاجيال. وهذا لا يعني التجاوز والغفران عن جرائم القتل والارهاب والفساد بل تضمينها في مجمل عملية المصالحة والبناء.
اهمية توضيح مفهوم ومصطلح العدالة الانتقالية كمفهوم كلي، مهم لضمان حسن الفهم والتفاعل، فالعدالة الانتقالية تتضمن المتابعة الجنائية للجناة من تحقيق ومحاكمة وعقاب، ولجان الحقيقة، وحقوق التعويض المادي والمعنوي، وضبط الاجهزة الامنية وتحديد صلاحيتها واساليبها، مع تخليد ذكرى الانتهاكات لمنع تكررها ولتكون عبرة.
جهد العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية يجب ان يحظى بالعناية الخاصة والعاجلة، لضمان استتاب الامن ولتطمئن القلوب المجروحة او الخائفة ولردع الجناة، لمنع ظواهر الانتقام والثأر واخذ القانون باليد والابتزاز والكيد. وفي تجارب الدول و”لجان الحقيقة والمصالحة” خبرات مفيدة”.
* سيناريو قبرص
قبيل الانتفاضة وفي بداياتها ظهرت على السطح احاديث ومخاوف من انقسام الوطن، إلا انها تراجعت في ارتداد كبير لمعطيات عمق الشعور بالوحدة واللحمة الوطنية والتعاضد المجتمعي بين مناطق ليبيا اثناء الانتفاضة. إلا هناك حالة قبرص الدولة الواحدة في القانون الدولي، ولكنها مقسمة إلى جزئيين(مع التنبه الى الفرق بين الحالة الليبية ةالقبرصية، ولكن كمثال)، وكذلك حال دول فاشلة كثيرة في العالم الثالث. في الحالة الليبية، وفي اسوء الاحتمالات المتوقعة قد تعيش ليبيا- لا قدر الله- فترة عدم استقرار وخصوصا في المنطقة الغربية، مما يقسم ليبيا واقعيا إلى جزء شرقي مستقر واخر غربي غير مستقر، بسبب نتائج حرب التحرير وتعقد اثارها وتداخل المكونات الاجتماعية والسياسية. هذه الاحتمال بعيد الورود حسب معطيات الحال الان، ولكنه يبقى احتمال ولو بعيد، يجب الاستعداد للتصدي له مبكرا قبل ان يتطور سلبيا، في ظل استقطابات داخلية وخارجية ضعيفة لحد الان.
* مصر
مصر جار مهمة لها مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية الشديدة (فقر، انفجار سكاني، طبقة فاسدة متنفذة، امكانيات اقتصادية وتنموية محدودة، عدم استقرار سياسي، مشكلة طائفية..) في ظل حصار واقعي، منظور وغير منظور (شرقا بالأراضي المحتلة وعازل البحر الاحمر المنيع، وجنوبا بصحراء طاردة، وشمالا بالمتوسط سد اوروبا الحصين). ولهذا لم يبقى امام مصر والمصريين إلا باب الهجرة الجماعية الكبيرة وتصدير الاختناقات نحو الغرب، أي ليبيا. على مستوى التفكير الاستراتيجي الدولي والاقليمي قد يكون هذا هو الحل الاسهل لمنع الانفجار المصري، ولكن ذلك سيكون على حساب ليبيا، وبالأخص شرقها، الاقل سكانا والاكثر ثراء بالبترول.
السيناريو القبرصي والهاجس المصري مرتبطان، والحل الانسب سياسيا واقتصاديا وثقافيا هو تعميق الارتباط المغاربي (تفعيل اتحاد المغرب الكبير)، الذي بإشكاليته لا يوجد لديه نهم توسعي.
* الجزائر
الموقف الجزائري الرسمي من الثورة الليبية غير مريح وغير مرضي عنه من قبل الثوار، ولكن ما اسباب الموقف الجزائري وما اثاره؟
في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية، يمكن اختيار الحلفاء والاصدقاء ولكن ليس الجيران. الجزائر جار اقليمي مهم ومؤثر، وموقفها الرسمي، جاء بناء على حسابات داخلية ومصالح خارجية. وباستبعاد حسابات الجزائر الداخلية، فمصالح الجزائر نظريا يجب ان تكون مع الطرف الاقوى والدائم في ليبيا، وهم الثوار وممثلهم المجلس الوطني الانتقالي.
ربما تتخوف الجزائر من اثر فرنسا وقطر في الثورة الليبية- وهذا يفسر موقف الطوارق المتحفظ. وربما الخوف من الدور المصري القادم. إلا انه من المهم التواصل مع الجزائر ومصالحتها وتطمئنها وعدم إثارتها واستفزاز كرامتها الدبلوماسية والسياسية عبر توطيد العلاقات والزيارات وتعزيز التعاون من اعلى المستويات. وإلا فتجربة البوليساريو الطويلة قد تنتقل الى بيتنا!
* قطر
لم تدعم دولة الثورة الليبية كما دعمتها قطر، ولم يمتن الشعب الليبي لشعب وقيادة كامتنانه لشعب قطر ودولته، ولكن قطر لا تقع في ليبيا.
الدعم والمساندة القطرية كانت فاعلة سياسيا وماليا واعلاميا وتسليحا، إلا ان اصوات تتسأل وتشتكي وتحذر من تحيز الدور القطري وانه لم يكن متزن، بتحبيذها وتفضيلها لأطراف وجهات ليبية دون اخرى. وان قطر قد تدعم اسقاط القذافي ولكن ليس بالضرورة عملية التغيير الديمقراطي. الدور القطري كان وسيظل مهم، وجزء من الاهمية التقدير والعرفان. والسياسة الخارجية الليبية بحاجة الى الانفتاح التوسع الافقي ضمن سيادة ليبيا ومصالحها.
* افريقيا
ليبيا دولة افريقية بجدارة، ولا يمكن إلا ان تكون افريقية كما هي متوسطية، إلا ان استغلال القذافي لافريقيا وتوريط مرتزقة و دول افريقية في الحرب الى جانبه له اثار سلبية في عقول وعواطف الشعب الليبي، مما يدعو للعمل دون اتساع جفوة التباعد بين ليبيا وعمقها الافريقي المهم، وخاصة الدول الجوار والدول التي بها استثمارات ليبية والدول المؤثرة في افريقيا كجنوب افريقيا ونيجيريا واثيوبيا والسنغال وغانا…
* الاعداد للمرحلة الدولة
المرحلة الانتقالية الفاصلة بين مرحلة الثورة المؤقتة إلى مرحلة دولة الدستور الديمقراطي والمؤسسات والقانون، ستشهد حوارات ساخنة ومجادلات جادة ومشاحنات مغرضة وعروض مغرضة حول محتويات الدستور، وشكل الدولة ونظام الحكم (ملكي، جمهوري، رئاسي،برلماني، او مختلط)، ومدي مركزية الدولة او درجة لامركزيتها، او فيدراليتها وارتباط الولايات والبلديات بالمركز، والنظام والاسلوب وطريقة الاقتراع (فردي او القائمة، النسبي او المختلط)، والتقسيمات السياسية والدوائر الانتخابية، وتشكيل الاحزاب وشروطها… تناول هذه المواضيع مهم ولكن له تداعيات في حل بقاء العسكرة وعدم رسوخ المجتمع المدني وضبابية اخلاقيات الحوار ومهنية الاعلام.
* الاعلام
حرية الاعلام تحتوي المسئولية، وذلك يشمل الابتعاد عن التشهير او الحث على الكراهية والعنف، ومن ذلك وجب تحديد خطوط المسئولية قانونيا، وتقييد النشر باسماء مستعارة في الامور التي لا تتعلق بتناول الاشخاص وحياتهم.
ما سبق هو عبارة عن تجمبع وترتيب لافكار واراء بهدف لفت النظر إليها، وهي ليست نهائية بل متغيرة وقبالة للنقد والتطوير حسب الظروف والاضافة النقدية.
ابراهيم قراده
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
مواضيع مماثلة
» المجلس الانتقالي فى ليبيا يحدد اجراءات المرحلة الانتقالية
» أبو شاقور يطمئن أوروبا بشان المرحلة الانتقالية في ليبيا
» وفود دولية عديدة تزور ليبيا رغم المرحلة الانتقالية
» المرحلة الانتقالية... آخر ما تبقى من عنق زجاجة
» تحليل لـ(رويترز): رغم شيوع الفوضى.. ليبيا بعيدة عن التقسيم
» أبو شاقور يطمئن أوروبا بشان المرحلة الانتقالية في ليبيا
» وفود دولية عديدة تزور ليبيا رغم المرحلة الانتقالية
» المرحلة الانتقالية... آخر ما تبقى من عنق زجاجة
» تحليل لـ(رويترز): رغم شيوع الفوضى.. ليبيا بعيدة عن التقسيم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR