قصقصة ( لليبيين نشرتهم الخاصة )

في ليبيا فقط بإمكان المرء أن يحدثك عن أخبار السياسة والرياضة والطقس أيضا، وعن كل ما يجري في البلاد بما في ذلك الاجتماعات السرية دون الرجوع إلى مصدر، ودون الحاجة لأن يستقطع جزء من وقته للجلوس أمام التليفزيون، ودن أن يضيع وقته في تصفح الجرائد أيضا، فالأمر ليس معقداً كما قد يتخيل البعض. ففي ليبيا يحتاج المواطن العادي لأن يدخل في الزحام، أو أن يقف في طابور – وهذا في أحسن الأحوال - كي يحضر أكثر الأشياء توفرا وهو رغيف الخبز. فلا يحتاج المرء سوى أن يرقص حاجبيه لمن يقف بجواره، وأن يبدأ في التهكم على كل ما هو موجود، بما في ذلك طابور انتظار الخبر غير المنتظم والذي قد يكون سببا في عدم انتظامه، وذلك كوسيلة لأن يستفز من بجانبه كي يشاركه الحديث، أو أن يبدأ بالسؤال عن الطقس إن لم يكن ممن يجيدون التهكم، فيأخذ الموضوع منحى آخر في الغالب، وتطرح جميع الملفات للنقاش، ويدلي كل الحضور بآرائهم في وقت واحد، وتحل مشاكل كل المواضيع العالقة، فيرجع المواطن بحوزته أرغفة الخبر وموجز لأهم الأنباء، وحل جذري لكل المواضيع المعقدة.
لقد انتهج الليبيين هذه الطريقة في تناقل الإخبار في العهد السابق وقد أدت دورها على نحو مرض، حيث لم تكن لديهم سوى قناة واحدة، يعرفها المواطن الليبي - الذي عرف بتهكمه - بقناة " القنفود "، تهتم فقط بخطابات القذافي وزياراته وتنقلاته بالداخل والخارج، ولا تتطرق للشأن الذي يهم المواطن من قريب أو من بعيد. لقد اغتيل عديد الأبرياء من الليبيين وغير الليبيين بالداخل والخارج من قبل عصابات القذافي دون أن يتطرق التلفزيون الليبي آنذاك إلى تلك الاغتيالات.
ومع ثورة فبراير انطلقت ثورة إعلامية ملازمة وإن لم تكن المرجوة، وأصبح لليبيين عديد القنوات الرسمية وغير الرسمية، والقطرية أيضا، الإخبارية منها والثقافية، وأخرى للغزل والحب المباشر عبر الدردشة، ولكن المواطن مازال يعاني المشكلة نفسها، ولازال يعتمد الطريقة التي اعتادها في تناقل الأنباء، ويحصد الأخبار التي تهمه من خلال "القصقصة" فقط.
لقد حاول المجلس الانتقالي حل هذه المعضلة فأطلق قناته الخاصة به تحت مسمى " ليبيا الوطنية"، لتكون بمثابة الناطق الرسمي باسم المجلس، ولتعرف المواطن بما يحدث أو يحاك في غياهب المجلس، ولتخلص المواطن من تلك العادة السيئة أيضا، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، واكتفت فقط بتلميع صورة الانتقالي وحكومته على حد سواء، وإحياء فن المالوف من وقت لآخر، لتكون مجرد قنفود من نوع آخر.
فلا شيء يميز إعلام المجلس الانتقالي عن إعلام القذافي، ولا أعتقد أن ثمة فرق وحيد بين قناة الجماهيرية وقناة ليبيا الوطنية غير الشعارات والمسميات، فكلاهما تبدآن برامجهما بالقرآن الكريم وكلاهما يلمعان النظام ولا يتطرقان إلى ما يهم المواطن .. فعلى درب المجلس طوالي.