إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
استعاذ الرحم..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
استعاذ الرحم..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
بسم الله الرحمن الرحيم
استعاذ الرحم..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه تبارك وتعالي قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة.
قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك؟
قالت: بلي يا ربي.
قال: فهو لك)).
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( فاقرأوا إن شئتم : : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد22،23) .
في هذا الحديث مسائل أولها: قوله صلي الله عليه وسلم : (( لما خلق الله الخلق)).
قال أهل الحديث: المقصود من الخلق خلق السماوات والأرض.
وقال ابن حجر: قد يكون لما خلق الله الخلق يعني لما كتب تقدير الخلق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض.
أقول: هذا خطأ وبعيد، وهو يخالف ظاهر الحديث، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم أخبرنا جهارا أنه تعالي قد خلق الخلق أي انتهي من ذلك سبحانه وتعالي.
والمقادير كما تعلمون، وهو معتقد أهل السنة والجماعة، كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما في الحديث: (( إن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة))، فهو في كتاب عنده على العرش سبحانه وتعالي.
وفي الكتاب نفسه: (( إن رحمتي وسعت كل شيء))، وفي الكتاب: (( إن رحمتي سبقت غضبي)).
فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم.
وقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام كما هو مبين في القرآن.
(( حتى إذا فرغ من خلقه))، يعني انتهي سبحانه وتعالي من خلق الخلق وتكوين السماوات والأرض.
(( قالت الرحم)) : أي الرحم الموصولة.
وبعضهم يقول: رحم المرأة لأنه مكان الحمل.
والذي يظهر: أنها العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض.
قال تعالي: ) وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ )(النساء: الآية1).
فقالت : (( هذا مقام العائذ بك من القطيعة)). فتكلمت الرحم.
فهل تكلمت بلسان المقال أم الحال؟
المعتزلة يقولون في مثل هذا: تكلمت بلسان الحال، كقولة سبحانه وتعالي عن السماوات والأرض: ) قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت: الآية11)لا بصوت وإنما بلسان حالها.
وأهل السنة يقولون : لا.. بل نحمله على الظاهر وأنها تكلمت حقيقة، لأن الله أخبرنا أنها تكلمت.
فلماذا نصرف ذلك عن ظاهره؟
وفي رواية مسلم: أنها أخذت بقائمة العرش.
وفي رواية أخري صحيحة: أنها تعلقت بعرش الله كالشاكية تعوذ إلى الله من الذي يقطعها.
لأن المستجير يتعلق بمن به ويلتجيء إليه، ولذلك قالت: (( هذا مقام العائذ بك))، يعني: قمت يا ربي مقاماً أعوذ بك من القاطع وأستعيذ بك من القطيعة ، فأنقذني وأنجدني.
ولا يكون الالتجاء والعوذ إلا إلى الله سبحانه وتعالي، فقوله تعالي: ) فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)(النحل: الآية98).
وهو يعيذ سبحانه وتعالي ويحير عليه.
ولذلك لما سحر عليه الصلاة والسلام أنزل الله عز وجل قوله:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق:1) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس:1).
فالاستعاذة تكون بالله، وإنما أشرك من أشرك من العرب لأنهم كانوا يستعيذون بغير الله.
فكانوا مثلاً يستعيذون بسيد الوادي من الجن.
قال تعالي: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجـن:6) .
فالعوذ إنما يكون بالله، ولا يملك أن يعيذ إلا الله، لأنه صاحب المنعة.
ولذلك لأم سبحانه وتعالي من أتخذ إلها غيره فقال: )وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) (الفرقان:3) .
وفي كتب الأدب أن أحد الشعراء من الأندلس دخل على سلطان من سلاطين الدنيا فقال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
فسكت السلطان المجرم، وأقره عليه الناس وما أنكروا.
فأخبره الله من هو الواحد القهار، ومن هو الذي بيده مقاليد كل شيء.
فابتلي الله هذا الشاعر بمرض عضال أعيي به الأطباء، حتى أنه كان ينبح كما ينبح الكلب علي فراشه، ويتقلب ظهراً لبطن ليلاً ونهاراً.
لأن الله أراد أن يذيقه معني هذا البيت.
وفي الأخير انتبه الشاعر من سكاره، وأخذ يقول وهو في مرض الموت وقد أصبح جلداً على عظمك:
أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقي
لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق
قالوا للإمام احمد: ما هو التوكل؟
قال: التوكل كما فعل إبراهيم لما أصبح قريباً من النار قال: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173).
ويذكرون في ترجمة إبراهيم عليه السلام أنه لما وضع في المنجنيق فأصبح بدل القذيفة...
فتولي عنه الأصدقاء والأحباء والقرابة، فأصبح التوحيد في باطنه وفي قلبه مثل الجبال لأنه سيد الموحدين مع رسولنا صلي الله عليه وسلم .
فقال جبريل له وهو في الهواء: يا إبراهيم ألك إلى حاجة؟
وجبريل عليه السلام بإذن الله باستطاعته أم ينقذه.
فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم.
فما أصبح قريباً من النار قال: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173) النبي صلي الله عليه وسلم فلما أصابه سوء.
وفي صحيح البخاري موقوفاً على ابن عباس قال رضي الله عنهما: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173). قالها إبراهيم لما ألقي في النار، ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) وقالها محمد صلي الله عليه وسلم لما قيل له: ) إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173). الجواب: )فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174) .
وتقدم كثيراً قصة خالد بن الوليد لما أتي إلى معركة اليرموك وكان جيشه يقارب ثلاثين ألفاً وجيش الروم مائتان وثمانون ألفاً.
فلما التقي الجيشان واصطف الجمعان وتبارز الفريقان قال أحد المسلمين لخالد: ما أكثر الروم وما أقلنا!
قال خالد: لا والله، بل ما أكثرنا وما أقل الروم، لأن الله معنا سبحانه وتعالي.
قال مسلم آخر: أظن يا خالد أنا نفر اليوم إلى جبل أجا وسلمى.
قال: لا والله لا نفر إلى جبل أجا وسلمى، ولكن نفر إلى الله : ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173).
وبدأت المعركة فانتصر خالد، لأن الله حسيبه وهو كافيه سبحانه وتعالي.
قال : (( قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة))، أي: أعوذ بك يا رب ممن يقطعني في الحياة لأن قاطع الرحم استحق اللعنة من الله، ففي الكتاب الحكيم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه)(محمد: 22/23). فهو ملعون.
يقول جعفر الصادق لابنه: يا بني لا ترافق ثلاثة:
1- لا ترافق الفاجر فيعديك بفجوره.
2- ولا ترافق قاطع الرحم، فإنه ملعون في السماء ملعون في الأرض.
3- ولا ترافق البخيل، فإنه يبيعك وأجيرك من القاطع.
قال الله: (( نعم))، يعني أعيذك وأجيرك من القاطع.
ثم قال سبحانه : (( إما ترضين أن اصل من وصلك وأقطع من قطعك))؟
قالت: (( بلي)).
والجواب ببلي لأن العرض كان بأداة الاستفهام.
ولذلك لما قال سبحانه وتعالي: ) أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى )(لأعراف: الآية172).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو قالوا: نعم، لكفروا ، لأنه لا يجاب عند الاستفهام بنعم، لأن معناها يكون حينئذٍ التقرير بالمذكور ، فكأنهم يقولون والعياذ بالله: نعم لست بربنا!
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (( أقرأوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه)(محمد: 22/23).
يقول سبحانه: إذا فعلتم ما فعلتم وكفرتم بالله فما بقي عليكم إلا أن تقطعوا أرحامكم ، هذا مجمل معني الآية.
وهذا كما تقول للإنسان إذا أذنب واخطأ: ما بقي عليك إلا أن تترك الصلاة، أو إذا شئت اترك الصلاة.
وأنت لا تقره على ذلك لكنك تتهدده وتنذره.
فالله يقول: إذا توليتم عن الإيمان فلن يبق إلا أن تقطعوا أرحامكم ، فهو أهون ذنباً من ترك الإيمان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)).
قوله: (شجنه) ضبطت ( شجنة) و ( شجنة).
والشجنة: القطعة من الشيء.
والشجون: المنحيات في الوديان.
والشجون كذلك: العروق في الجسم.
والشجون: هي الأحاديث التي يأخذ بعضها ببعض. تقول العرب: الحديث ذو شجون، أي الحديث يأخذ بعضه ببعض ، تقول العرب: الحديث ذو شجون، أي الحديث يأخذ بعضه ببعض، والحديث مشوق لا ينتهي الإنسان من حديث إلا ويبدأ في حديث آخر، كما يقول ابن الرومي:
وحديثهما السحــر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز
ويقولون : الشجن الأسى واللوعة ، أنا ذو شجن أي أنا ذو أسى ولوعة.
وأشجاني كذا: أي ذكرني وأطربني.
تذكرت والذكرى تهيج على الفتي ومن عادة المحزون أن يتذكرا
والشجنة هنا القطيعة من الشيء ، يعني من الرحمن.
قيل : فيض من فيوضاته سبحانه وتعالي.
وقيل: خلق من خلقه، فتكون إضافتها من باب التشريف أي أن الله خلقها سبحانه وتعالي.
أو اشتقت لها اسماً من اسمه تبارك وتعالي( الرحمن) ، وهذا الاشتياق للتشريف.
وبعض أهل العلم من أهل السنة يقولون: إن اسم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم مشتق من اسم الله، لأن الله هو المحمود سبحانه وتعالي وهو صاحب الحمد، حتى يقول حسان:
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
قال الله: (0 من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته،))، وهذا كالحديث السابق.
وليعلم أن صلة الرحم المرغب فيها كثيراً هي أن تصل أرحامك الذين يقطعونك وتحرص على ذلك، فهذا أعلى درجات صلة الرحم، لأنه صلي الله عليه وسلم كان يقول: (( ليس الواصل بالمكافىء ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)).
أي أن الذي يستحق اسمم الوصل هو من يصل من يقطعه من أرحامه.
ولذلك مر علينا كثيراً قصة الرجل يصل أرحامه ويودهم وهم لا يصلونه ولا يودونه ، فاشتكي إلى الرسول صلي الله عليه وسلم فقال له صلي الله عليه وسلم : (( لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) والمل هو: الرماد الحار.
وهذا كما قال الشاعر:
وإن الــذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا هتكوا عرضى وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقــد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفــــدا
أسال الله لي ولكم أن يجعلنا ممن يصل أرحامه ليصله الله في الدنيا والآخرة.
والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
استعاذ الرحم..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه تبارك وتعالي قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة.
قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك؟
قالت: بلي يا ربي.
قال: فهو لك)).
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( فاقرأوا إن شئتم : : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد22،23) .
في هذا الحديث مسائل أولها: قوله صلي الله عليه وسلم : (( لما خلق الله الخلق)).
قال أهل الحديث: المقصود من الخلق خلق السماوات والأرض.
وقال ابن حجر: قد يكون لما خلق الله الخلق يعني لما كتب تقدير الخلق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض.
أقول: هذا خطأ وبعيد، وهو يخالف ظاهر الحديث، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم أخبرنا جهارا أنه تعالي قد خلق الخلق أي انتهي من ذلك سبحانه وتعالي.
والمقادير كما تعلمون، وهو معتقد أهل السنة والجماعة، كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما في الحديث: (( إن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة))، فهو في كتاب عنده على العرش سبحانه وتعالي.
وفي الكتاب نفسه: (( إن رحمتي وسعت كل شيء))، وفي الكتاب: (( إن رحمتي سبقت غضبي)).
فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم.
وقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام كما هو مبين في القرآن.
(( حتى إذا فرغ من خلقه))، يعني انتهي سبحانه وتعالي من خلق الخلق وتكوين السماوات والأرض.
(( قالت الرحم)) : أي الرحم الموصولة.
وبعضهم يقول: رحم المرأة لأنه مكان الحمل.
والذي يظهر: أنها العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض.
قال تعالي: ) وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ )(النساء: الآية1).
فقالت : (( هذا مقام العائذ بك من القطيعة)). فتكلمت الرحم.
فهل تكلمت بلسان المقال أم الحال؟
المعتزلة يقولون في مثل هذا: تكلمت بلسان الحال، كقولة سبحانه وتعالي عن السماوات والأرض: ) قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت: الآية11)لا بصوت وإنما بلسان حالها.
وأهل السنة يقولون : لا.. بل نحمله على الظاهر وأنها تكلمت حقيقة، لأن الله أخبرنا أنها تكلمت.
فلماذا نصرف ذلك عن ظاهره؟
وفي رواية مسلم: أنها أخذت بقائمة العرش.
وفي رواية أخري صحيحة: أنها تعلقت بعرش الله كالشاكية تعوذ إلى الله من الذي يقطعها.
لأن المستجير يتعلق بمن به ويلتجيء إليه، ولذلك قالت: (( هذا مقام العائذ بك))، يعني: قمت يا ربي مقاماً أعوذ بك من القاطع وأستعيذ بك من القطيعة ، فأنقذني وأنجدني.
ولا يكون الالتجاء والعوذ إلا إلى الله سبحانه وتعالي، فقوله تعالي: ) فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)(النحل: الآية98).
وهو يعيذ سبحانه وتعالي ويحير عليه.
ولذلك لما سحر عليه الصلاة والسلام أنزل الله عز وجل قوله:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق:1) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس:1).
فالاستعاذة تكون بالله، وإنما أشرك من أشرك من العرب لأنهم كانوا يستعيذون بغير الله.
فكانوا مثلاً يستعيذون بسيد الوادي من الجن.
قال تعالي: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجـن:6) .
فالعوذ إنما يكون بالله، ولا يملك أن يعيذ إلا الله، لأنه صاحب المنعة.
ولذلك لأم سبحانه وتعالي من أتخذ إلها غيره فقال: )وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) (الفرقان:3) .
وفي كتب الأدب أن أحد الشعراء من الأندلس دخل على سلطان من سلاطين الدنيا فقال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
فسكت السلطان المجرم، وأقره عليه الناس وما أنكروا.
فأخبره الله من هو الواحد القهار، ومن هو الذي بيده مقاليد كل شيء.
فابتلي الله هذا الشاعر بمرض عضال أعيي به الأطباء، حتى أنه كان ينبح كما ينبح الكلب علي فراشه، ويتقلب ظهراً لبطن ليلاً ونهاراً.
لأن الله أراد أن يذيقه معني هذا البيت.
وفي الأخير انتبه الشاعر من سكاره، وأخذ يقول وهو في مرض الموت وقد أصبح جلداً على عظمك:
أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقي
لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق
قالوا للإمام احمد: ما هو التوكل؟
قال: التوكل كما فعل إبراهيم لما أصبح قريباً من النار قال: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173).
ويذكرون في ترجمة إبراهيم عليه السلام أنه لما وضع في المنجنيق فأصبح بدل القذيفة...
فتولي عنه الأصدقاء والأحباء والقرابة، فأصبح التوحيد في باطنه وفي قلبه مثل الجبال لأنه سيد الموحدين مع رسولنا صلي الله عليه وسلم .
فقال جبريل له وهو في الهواء: يا إبراهيم ألك إلى حاجة؟
وجبريل عليه السلام بإذن الله باستطاعته أم ينقذه.
فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم.
فما أصبح قريباً من النار قال: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173) النبي صلي الله عليه وسلم فلما أصابه سوء.
وفي صحيح البخاري موقوفاً على ابن عباس قال رضي الله عنهما: ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173). قالها إبراهيم لما ألقي في النار، ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) وقالها محمد صلي الله عليه وسلم لما قيل له: ) إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173). الجواب: )فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174) .
وتقدم كثيراً قصة خالد بن الوليد لما أتي إلى معركة اليرموك وكان جيشه يقارب ثلاثين ألفاً وجيش الروم مائتان وثمانون ألفاً.
فلما التقي الجيشان واصطف الجمعان وتبارز الفريقان قال أحد المسلمين لخالد: ما أكثر الروم وما أقلنا!
قال خالد: لا والله، بل ما أكثرنا وما أقل الروم، لأن الله معنا سبحانه وتعالي.
قال مسلم آخر: أظن يا خالد أنا نفر اليوم إلى جبل أجا وسلمى.
قال: لا والله لا نفر إلى جبل أجا وسلمى، ولكن نفر إلى الله : ) حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران: الآية173).
وبدأت المعركة فانتصر خالد، لأن الله حسيبه وهو كافيه سبحانه وتعالي.
قال : (( قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة))، أي: أعوذ بك يا رب ممن يقطعني في الحياة لأن قاطع الرحم استحق اللعنة من الله، ففي الكتاب الحكيم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه)(محمد: 22/23). فهو ملعون.
يقول جعفر الصادق لابنه: يا بني لا ترافق ثلاثة:
1- لا ترافق الفاجر فيعديك بفجوره.
2- ولا ترافق قاطع الرحم، فإنه ملعون في السماء ملعون في الأرض.
3- ولا ترافق البخيل، فإنه يبيعك وأجيرك من القاطع.
قال الله: (( نعم))، يعني أعيذك وأجيرك من القاطع.
ثم قال سبحانه : (( إما ترضين أن اصل من وصلك وأقطع من قطعك))؟
قالت: (( بلي)).
والجواب ببلي لأن العرض كان بأداة الاستفهام.
ولذلك لما قال سبحانه وتعالي: ) أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى )(لأعراف: الآية172).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو قالوا: نعم، لكفروا ، لأنه لا يجاب عند الاستفهام بنعم، لأن معناها يكون حينئذٍ التقرير بالمذكور ، فكأنهم يقولون والعياذ بالله: نعم لست بربنا!
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (( أقرأوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه)(محمد: 22/23).
يقول سبحانه: إذا فعلتم ما فعلتم وكفرتم بالله فما بقي عليكم إلا أن تقطعوا أرحامكم ، هذا مجمل معني الآية.
وهذا كما تقول للإنسان إذا أذنب واخطأ: ما بقي عليك إلا أن تترك الصلاة، أو إذا شئت اترك الصلاة.
وأنت لا تقره على ذلك لكنك تتهدده وتنذره.
فالله يقول: إذا توليتم عن الإيمان فلن يبق إلا أن تقطعوا أرحامكم ، فهو أهون ذنباً من ترك الإيمان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)).
قوله: (شجنه) ضبطت ( شجنة) و ( شجنة).
والشجنة: القطعة من الشيء.
والشجون: المنحيات في الوديان.
والشجون كذلك: العروق في الجسم.
والشجون: هي الأحاديث التي يأخذ بعضها ببعض. تقول العرب: الحديث ذو شجون، أي الحديث يأخذ بعضه ببعض ، تقول العرب: الحديث ذو شجون، أي الحديث يأخذ بعضه ببعض، والحديث مشوق لا ينتهي الإنسان من حديث إلا ويبدأ في حديث آخر، كما يقول ابن الرومي:
وحديثهما السحــر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز
ويقولون : الشجن الأسى واللوعة ، أنا ذو شجن أي أنا ذو أسى ولوعة.
وأشجاني كذا: أي ذكرني وأطربني.
تذكرت والذكرى تهيج على الفتي ومن عادة المحزون أن يتذكرا
والشجنة هنا القطيعة من الشيء ، يعني من الرحمن.
قيل : فيض من فيوضاته سبحانه وتعالي.
وقيل: خلق من خلقه، فتكون إضافتها من باب التشريف أي أن الله خلقها سبحانه وتعالي.
أو اشتقت لها اسماً من اسمه تبارك وتعالي( الرحمن) ، وهذا الاشتياق للتشريف.
وبعض أهل العلم من أهل السنة يقولون: إن اسم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم مشتق من اسم الله، لأن الله هو المحمود سبحانه وتعالي وهو صاحب الحمد، حتى يقول حسان:
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
قال الله: (0 من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته،))، وهذا كالحديث السابق.
وليعلم أن صلة الرحم المرغب فيها كثيراً هي أن تصل أرحامك الذين يقطعونك وتحرص على ذلك، فهذا أعلى درجات صلة الرحم، لأنه صلي الله عليه وسلم كان يقول: (( ليس الواصل بالمكافىء ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)).
أي أن الذي يستحق اسمم الوصل هو من يصل من يقطعه من أرحامه.
ولذلك مر علينا كثيراً قصة الرجل يصل أرحامه ويودهم وهم لا يصلونه ولا يودونه ، فاشتكي إلى الرسول صلي الله عليه وسلم فقال له صلي الله عليه وسلم : (( لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) والمل هو: الرماد الحار.
وهذا كما قال الشاعر:
وإن الــذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا هتكوا عرضى وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقــد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفــــدا
أسال الله لي ولكم أن يجعلنا ممن يصل أرحامه ليصله الله في الدنيا والآخرة.
والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الهيلع- لواء
-
عدد المشاركات : 1811
العمر : 49
قوة التقييم : 9
تاريخ التسجيل : 09/07/2009
رد: استعاذ الرحم..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
مشكور اخى العزيز على الطرح الجيد وجعله الله فى ميزان حسناتك
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: استعاذ الرحم..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
شكراً بوفرقه على المرور الطيب ولك فيه اجر أن شاء الله
الهيلع- لواء
-
عدد المشاركات : 1811
العمر : 49
قوة التقييم : 9
تاريخ التسجيل : 09/07/2009
رد: استعاذ الرحم..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
بارك الله فيك اخى الكريم على هذا الموضوع الرائع وجعلة الله فى ميزان حسناتك يا غالى
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» أحوال البيوت..لفضيلة الشيخ الدكتورعائض القرني
» فكر واشكر لفضيلة الشيخ عائض القرني
» يــا الله ..لفضيلة الشيخ لعائض القرني
» كيف تواجه النقد الاثم ..لفضيلة الشيخ عائض القرني
» اترك المستقبل حتى ياتي ..لفضيلة الشيخ عائض القرني
» فكر واشكر لفضيلة الشيخ عائض القرني
» يــا الله ..لفضيلة الشيخ لعائض القرني
» كيف تواجه النقد الاثم ..لفضيلة الشيخ عائض القرني
» اترك المستقبل حتى ياتي ..لفضيلة الشيخ عائض القرني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR